نساء
مناضلات في "جمنة" الستينات. مواطن العالَم من أصل جمني د. محمد كشكار
تاريخ
أول نشر على النت: حمام الشط، في 2 جانفي 2010.
الإهداء:
إلى
المرحومة أمي يامْنَه بنت احْمِدْ بن احْمُودَه بمناسبة عيد الأمهات.
لم تضربني و لو مرة واحدة في حياتها. لم تنهرني و لم تصح
يوما في وجهي. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي من تجاوزات في حقها و لم تشكرني
على ما أديت من واجب نحوها. لم تقل لي بتاتا أحبك و لكنني كنت على يقين أنها تحبني
حبا لا يوصف و ربما يكون اليقين الدنيوي الوحيد
في حياتي .
كنا خمسة أفراد في الدار عندما مات أبي سنة 1967, أمي و أخت
كبرى ضريرة و ثلاثة أولاد, اثنين منهم في الثانوي و واحد في الابتدائي. عائلة دون
عائل. لم تيأس و لم تمرّر لنا يوما بؤسها و معاناتها. واصلنا تعليمنا و كأن شيء لم
يحدث. كانت تقوم بشؤون البيت و الغابة و تشتغل في نسيج "الحولِي" ليلا
نهارا، صباحا مساءً و قبل الصباح و بعد المساء و ليس لها يوم أحد.
لا أذكر يوما خاصمَت فيه من أجلنا جارا أو جارة. لم تعلّمني
أي شيء و علمتني كل شيء. أحببتها في حياتها إلى درجة العشق و تقاسمت معها منحتي
الدراسية عندما كنت طالبا و تكفلت بها نهائيا عند التخرج و شاركني أخي الأكبر و
أخي الأصغر في إعالتها و رعايتها في آخر سنوات عمرها. بعد التخرج و عند التعيين اصطحبتها
معي إلى جزيرة جربة للعيش بجانبي. لم تطق الإنبتات من قريتها الجميلة "جمنة"
فاحترمت رغبتها. بنيت لها حجرة محترمة في منزلنا القديم و انخرطت في شركتي الماء و
الضوء من أجل عيونها.
لا تكتب حرفا و لا تقرأ كلمة و من تُربي أجيالا لا يليق بنا
أن نطلق عليها صفة أمية. لم تتأثر لا من بعيد و لا من قريب بالثقافة الأجنبية، فهي
تعبير عميق عن ثقافة تونسية عربية إسلامية إنسانية وطنية خالصة.
لم تكن أمي حالة فريدة من نوعها في ذلك الزمن و مثيلاتها
بالمئات في قرية "جمنة" و في كل مدن و قرى تونس الحبيبة.
الهامش:
"جمنة":
قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي.
"الحولِي":
نوع من الكساء الرجالي الصوفي الخارجي الأبيض (يشبه البرنس عندنا), يُصنع في
الجنوب التونسي و يُصدّر إلى ليبيا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire