حضرت اليوم ندوة فكرية
بعنوان: "الثورة الثقافية: كيف نبدؤها". مواطن العالَم د. محمد كشكار
(يساري غير ماركسي وغير منتم لحزب و عَلماني غير معاد للدين و المتدينين)
الجهة المنظمة للندوة: منتدى
مقابسات للفكر و التواصل (نادي ثقافي ذو مرجعية إسلامية نهضاوية).
المكان: دار الثقافة
المغاربية ابن خلدون، القاعة الكبرى.
الزمان: بدأ يوم السبت 15 فيفري 2014 على الساعة الثانية و نصف مساء
و انتهى على الساعة الخامسة و عشر دقائق مساءً.
الحضور: حوالي واحد و أربعون نفرا (ثلاثون رجلا و إحدى عشر امرأة)،
شباب وكهول و رضيع واحد، رجال و نساء سافرات و محجبات. غادر القاعة تلميذان و تلميذة على الساعة الثالثة و 12
د. شُرِّفت بدعوتي لرئاسة ندوة من ندوات نادي مقابسات للمرة الثانية، دعوة وصلتني هاتفيا
من زميلي و صديقي، الكاتب العام للمنتدى، أستاذ الفلسفة القدير، الهادي بن خليفة (مفارقة
عجيبة: نادي ثقافي ذو مرجعية إسلامية نهضاوية يدعوني دون توصيات مسبقة ودون مقابل
لرئاسة ندوتين فكريتين من ندواته المتعددة، و حزب العمال ذو المرجعية اليسارية المشتركة
بين و بينه يرفض أن يعطيني مجرد كلمة في اجتماعه الأخير بحمام الشط، كتبت و نشرت على
النت مقالا حول الحادثة الأخيرة بعنوان " اليوم اقتنعت أن حزب العمال لا
يعترف تماما بحرية الرأي و لا يصغي للمواطن الناقد المستقل"، فقاطعني جل
المنتمين إلى حزب العمال فرع حمام الشط و لم يناقشوني في هذا الموضوع - لا سلبا
و لا إيجابا بل تجاهلا كاملا لشخصي و تغييبا تاما لرأيي النقدي المهذب - إلا عضو واحد
منهم، عضو معروف في حمام الشط بدماثة أخلاقه و تفتحه على الرأي الآخر و قبوله الجلوس
معنا في طاولة المستقلين اليساريين المتعاطفين مع الجبهة الشعبية رغم النقد اللاذع
الذي نوجهه لها يوميا، صباحا مساء و بعد الصباح و قبل المساء و يوم الأحد) . جلس
بجانبي على المنصة: أم الزين بن شيخة (قامت مرة سابقة بمحاضرة في هذا النادي)، و محسن
العامري (رئيس المنتدى) و يحي الأسود.
I.
برنامج الندوة: حاضر فيها
عديد من الباحثين و المختصين في المجالات التالية:
-
الثورة في المجال الديني. د. محمد الحاج سالم.
-
الثورة في المجال الفنّي. د. أم الزين بن شيخة.
-
الثورة في المجال الفكري. أ. محسن العامري.
-
الثورة في المجال الحقوقي و التشريعي. يحي الأسود.
II. الافتتاح:
افتتحتُ الندوة على بركة الله،
و بعد الترحيب بالمحاضرين و الحاضرين، قدّمت بعض وجهات النظر النقدية للثورات بصفة
عامة، فقلت بعجالة ما يلي:
1. الثورة هي عبارة
عن حدث فجئ غير مبرمج و غير مبيّت و غير مضمون النتائج و العواقب و دليلي على ذلك
هو الآتي:
-
ما أنتجته الثورة الفرنسية من نظام إمبراطوري لم يدم لحسن
الحظ.
-
ما أنتجته الثورة الروسية من نظام ديكتاتوري، دام و استدام
و لكنه سقط في الأخير.
-
ما أنتجته الثورة الصينية من نظام ديكتاتوري، دام و استدام
و لا يزال قويا بفضل حقنه بجرعة هونكونغ الرأسمالية الليبرالية.
1.
و حتى الثورات العلمية لا تخلو من سلبيات:
-
الثورة الصناعية و ما تسببت فيه من تلوث في الجو و البحر
و الأرض و المياه الجوفية.
-
الثورة الفلاحية و ما تسببت فيه الأسمدة الكيميائية
المستعملة من تلوث في التربة و المائدة المائية.
-
الثورة الجينية في علم الوراثة و ما تسببت فيه من تضخيم
و تركيز لدور الجينات أو المورّثات في الأمراض أو دورها في التقليل من قيمة المكتسب
في الصفات الذهنية كالذكاء و العنف.
2.
يبدو لي أن الثورة ليست الطريق الوحيد للتطور و يحضرني
الآن مثال دولة كوريا الجنوبية التي كانت تُعدّ في الخمسينات ثالث أفقر دولة في
العالم، و في خلال عشريتين و بفضل الاستثمار في التعليم لحقت بركب الدول المتقدمة
و تجاوزته نحو الأفضل.
III. فحوى المحاضرات القصيرة (15 د
لكل محاضر):
سأكتفي ببعض الإشارات
المقتضبة في تدخلات المحاضرين:
1. الثورة في المجال
الديني. د. محمد الحاج سالم:
قال:
أعتذر عن عدم إعداده الإعداد الجيد لهذه المحاضرة و قال أنه سيكتفي بطرح بعض
الخواطر ثم أضاف: لا يجب الفصل بين المجالات المذكورة الأربعة فالمجال الديني ليس
منفصلا عن باقي المجالات.
2. الثورة في المجال
الفنّي. د. أم الزين بن شيخة (أستاذة جامعية في الفلسفة و يسارية غير منتمية لحزب
على حد علمي):
-
في الأول بدأتْ بالتحدث عن المثقف العضوي لـﭬرامشي و
سردت تعريف فوكو للمثقف. انتهى دور المثقف المعلِّم.
-
المثقف ملامٌ لو تكلم و ملامٌ أيضا لو صمت!
-
يجب على المثقف أن يحرر الفكر و يتماهى مع شعبه و أحلام
شعبه.
-
في تعليقها على عنوان الندوة "الثورة الثقافية:
كيف نبدؤها"، قالت: ثمة مسارات ثورية و لا وجود لبدايات أو نهايات. الفن
الثوري لا يبدأ مع الثورة لكن بعد الثورة يأتي الخطاب الجمالي لكي يخلِّدها. لكل
ثورة فنون مهدت لها و الدليل بيت الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي المشهور
"إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلابد أن يستجيب القدر"، الذي رددته
الجماهير الثائرة في تونس و في كل البلدان العربية خلال الربيع العربي. و لا ننسى
مَن مهّد للثورة شعرا كالشاعر العبقري محمود درويش و الشاعر الثائر دومًا مظفر
النواب و شاعر الفقراء و المهمشين أحمد فؤاد نجم و الفنانين الذين قدموا مضمونا
ثوريا في أغانيهم كـمارسال خليفة و الشيخ إمام و فيروز و أغنيتها الشهيرة
"القدس".
-
الثورة هي عمل فني نتاج لحظة ألم جذري.
-
ليست ثمة فن محايد بل هنالك فن لتجميل السلطة و فن ثوري
يلتصق بأوجاع الناس.
-
الثقافة العربية تزخر بآيات جمالية ككتاب الإمتاع و
المؤانسة للتوحيدي. نحن لا نقف على الصفر. الغرب عنده علم الجمال و ليس حتما علينا أن نذهب في نفس الطريق.
2.
الثورة في المجال الفكري. أ. محسن العامري (رئيس المنتدى):
-
علينا أن نتجاوز كل المرجعيات حول تعريف الثورات.
-
أول مقوِّمات الفعل الثوري هو أنه فعل جماعي و لا يمكن
له أن يكون فرديا. جماعة تجمع بينهم قيم مشتركة و ما يرنون إليه من تعايش مشترك،
تعايش قد يكون ضبابيا في الأول.
-
أنا أستنتج أن ما وقع في تونس يوم 14 جانفي 2011، هو
ثورة نوعية. ثورة لم توكِل التعبير عنها إلى نخبها.
-
الثورات الأخرى كالثورة الفرنسية أو البلشفية، سبقها
تنظير و تهيئة الناس للثورة. إذن ثورة تونس، ثورة شعبية أصيلة.
-
مطلبها الكرامة و الحرية، قيم صيغت بَعْدِيًّا عكس ما
حدث في الثورات الكلاسيكية.
-
لا يوجد مجال فكري على حِدَه، المجال الفكري هو قاسم
مشترك بين باقي المجالات، و لا يمكن الفصل بين المجالات إلا لأسباب إجرائية.
-
علينا مراجعة جغرافية المقدّس في أذهاننا و ما تراكم على
المقدّس من مقدّسات و علينا أن نحفر حتى نصل إلى المقدّس المحرِّك و نزيح المقدّس
المكبِّل. لقد أصبح المقدَّسون سابقا مقدّسين قداسة مشبوهة صُنِعت لغايات أو نتيجة
انحطاط.
-
علينا التخلي عن عقدة الاستعلاء النخبوي السائدة لدى
المفكرين التونسيين.
-
علينا التمييز بين الخلافات الإيديولوجية وبين طرق
التواصل لأن كل معتنقي الإيديولوجيات يطبقون نفس البرامج و يخضعون لنفس الضغوط
الخارجية فيغيب عندهم الخلاف الإيديولوجي
عند وصولهم إلى السلطة
-
يتمثل دور الجمعيات المدنية في إزالة فوبيا التواصل بين
عامة الناس و الأنتلجنسيا.
3.
الثورة في المجال الحقوقي و التشريعي. يحي الأسود:
-
يكون القانون عادة عقبة في طريق الثورة و رجال القانون
يتّسِمون بالمحافظة.
-
قد يكون القانون أداة لتثوير المجتمع مثل البعثة
المحمدية التي أعطت حقوقا لبعض الفئات.
-
هنالك مَن يعارض تطهير القضاء و هم يكوّنون مجموعات ضغط
من الداخل و من الخارج مما يحُول نحو القيام بنقلة نوعية في القانون.
IV. فحوى تدخلات الحاضرين في القاعة:
سأكتفي ببعض الإشارات
المقتضبة في تدخلات الحاضرين:
-
المتدخل الأول: قال: لماذا لا نرفض الثقافة الغربية
برمتها و نرجع إلى الأصل؟
-
المتدخل الثاني: عبّر عن اعتراض شامل على كل ما ورد في
محاضرة الثورة في المجال الفكري للأستاذ محسن العامري و ندّد بعودة التجمع و أنهى
تدخله قائلا: أين هذه الثورة التي نتحدث عنها؟
-
المتدخل الثالث: قدّم نفسه كمنتم لحزب التحرير التونسي و
بدأ بنقد النخبة و قال فيها: النخبة متأثرة و ليست مؤثرة. ثم أضاف: كما قال ابن
خلدون، المغلوب مولع دوما بتقليد الغالب. و استطرد قائلا: بونابارت بَنَى نظامه
الدستوري على الإسلام. و أردف: لماذا يَلزمنا نظام جمهوري؟ و أنهى تدخله بالجملة
التالية: دستورنا، دستور العِرّة (وليس العزة)!
VI.
جوابي أنا على سؤال المتدخل الأول:
بطلب من زملائي المحاضرين،
أنهيت التدخلات مؤقتا لكي أعطي فرصة للمحاضرين حتى يتفاعلوا مع ما طُرِح عليهم من أسئلة
و احتجاجات. و أعتذر للقراء الكرام على عدم نقل هذه الردود لأنني كنت مستغرقا في
توزيع الكلمة و لا أتذكر إلا ردّي أنا المكتوب على المتدخل الأول الذي سأل سؤالا
استفزني فكريا: " لماذا لا نرفض الثقافة الغربية برمّتها و نرجع إلى
الأصل؟".
الجواب أو الرد أو التعليق:
عن أي أصل تتحدث و تطلب منّا
الرجوع إليه؟
طلبك يا سيدي مستحيل التحقيق
حتى لو اتفقنا جدلا على وجاهة طرحه و ذلك للأسباب التالية:
-
أصْلُنا يا سيدي متعدّد منذ القرون الهجرية الثلاثة
الأولى و الثقافة الإسلامية ثقافة كونية و رسالة محمد صلى الله عليه و سلم رسالة
للعالمين. الحضارة الإسلامية هي نتاج تفاعل بين الحضارات الكبرى في ذلك العصر مثل
الحضارة الفارسية و الحضارة اليونانية و الحضارة البيزنطية و غيرها من الحضارات و
كلها شاركت في نحت الشخصية الإسلامية التي تسود اليوم العالم الإسلامي.
-
40 في المائة من الأمة الإسلامية
تعيش في بلدان علمانية غير إسلامية (أمريكا و أوروبا و روسيا و الهند) و أفرادها
يشاركون في صنع الحضارة الغربية فهي إذن ليست أجنبية علينا. مئات بل آلاف العلماء
المسلمون يشاركون اليوم في النهضة الأوروبية في شتى المجالات و على سبيل الذكر لا
الحصر، أذكر من بينهم العالم التونسي الأمريكي المدعو الزغواني الذي يبحث في
اكتشاف علاج جذري لمرض السكري نوع 2 باستعمال خلايا جذرية تنشّط الخلايا
"بيتا" في البنكرياس، و العالم الأمريكي المصري أحمد زويل صاحب جائزة
نوبل في الكيمياء، و عالما "النازا" المصري فاروق الباز و التونسي محمد
أوسط العياري، كلهم شاركوا في بناء العلم الغربي و العلم كما تعلم هو ركيزة أساسية
من ركائز الثقافة الغربية.
-
لقد مكّنت الثقافة الغربية مفكرين و أدباء مسلمين - مقيمين في العالم الإسلامي و خارجه - من
التسلّح بأدوات البحث العلمي الحديث، أدوات استعملوها للقيام بثورة دينية أو نهضة
دينية مثل الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه ﭬارودي و المفكر الفرنسي من أصل جزائري
محمد أركون و المفكر السويسري من أصل مصري طارق رمضان و باقي المفكرين و الأدباء و
المؤرخين الحاذقين للغات أجنبية مثل المصلحين الأوائل جمال الدين الأفغاني و محمد
عبده و الطهطاوي و الشدياق، أو صاحب جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ الذي تُرجمت أعماله
إلى ستين لغة، أو الأديب طه حسين الأزهري المتحصل على دكتورا من جامعة السربون، أو
توفيق الحكيم، أو المؤرخ التونسي العظيم هشام جعيط، أو عبد المجيد الشرفي، أو هاشم
صالح، أو الأستاذ بجامعة العلوم الإنسانية ليون 2 التونسي محمد الشريف الفرجاني،
أو محمد الطالبي، أو أبو يعرب المرزوقي و غيرهم كثيرون.
-
نحن مجبَرون و ليس لنا اختيار - حتى و لو أردنا الرجوع
إلى الأصل - في استعمال العلوم الغربية الحديثة مثل الأركيولوجيا و الأنتوبولوجيا
و الإبستمولوجيا و الألسنية و غيرها من الأدوات الضرورية للحفر في تراثنا الإسلامي،
أدوات لا نملكها في العالم الإسلامي و تملكها الحضارة الغربية التي شاركنا كأفراد مسلمين
في صنعها، فلماذا تريد أن تحرمنا من جنْي ثمار جهد أسهمنا فيه و لو بقسط بسيط؟
ملاحظة
منهجية:
احتراما
لصبر القراء أكتفي بهذا القدر من النقل الصحفي.
تاريخ
أول نشر على النت:
حمام الشط، الأحد 16 فيفري 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire