mercredi 12 février 2014

من طرائف فقه الأوبئة في المسيحية (القرن السابع عشر) و في الإسلام (القرن التاسع عشر)؟ نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

من طرائف فقه الأوبئة في المسيحية (القرن السابع عشر) و في الإسلام (القرن التاسع عشر)؟ نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

تنبيه ضروري:
أيها القارئ الكريم: قد تصلك الفكرة غير مكتملة، و إذا أردت أن تعرف أكثر، فعليك بقراءة الكتاب كاملا و السلام.

المصدر:
كتاب "حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العربي"، د. محمد الحدّاد، دار الطليعة للطباعة و النشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2002، 224 صفحة.

نص الكاتب صفحة 114:
يقول أحمد بن أبي الضياف في كتابه "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس و عهد الأمان": " و في شوال من السنة 1233 (أوت 1818 م) وقع في الحاضرة طاعون، و أول من نبه له حكيم من مسلمة الإفرنج اسمه رجب الطبيب. و لما أخبر الباي بذلك أمر بضربه و سجنه كالمجرمين، فامتُحن بسبب علمه. و لم يلبث أن فشا خَطبُه (يقصد الطاعون) ومات به من أعيان أهل العلم و وصل عدد الموتى به في الحاضرة أكثر من الألف في بعض الأيام، و دام نحو العامين (...) و افترق الناس في هذا الطاعون إلى قسمين، قسم يرى الاحتفاظ و عدم الخُلطة بالعمل المسمى بالكارنتينة (الحجر الصحي = la quarantaine) و قسم لا يرى هذا الاحتفاظ و يرى التسليم إلى مجاري القدر" (م. س، ج 3، ص ص 165 – 167). . .
و الجدير بالذكر أن الجالية الأوروبية المقيمة في تونس لم يصبها منه ضرر يذكر، فقد اعتصمت بالقنصليات و طبقت قواعد صحية صارمة منعت عنها العدوى.

صفحة 117:
أما في العالم الإسلامي، فقد تحوّل الطاعون، ابتداء من ذلك القرن (القرن السابع عشر في أوروبا الغربية و بداية القرن الثامن عشر في أوروبا الوسطى)، إلى امتياز خص الله به المسلمين "تكريما" لهم، و لعله اعتُبر تعويضا عن الجهاد الذي تقلصت سبل ممارسته و لم يعد على كل حال متيسرا للجميع. فالفكرة السائدة، كما سنرى، تعتبر أن من مات بالطاعون فهو شهيد في سبيل الله مثل المستشهد في ساحات الوغى.
و هكذا تخلصت أوروبا من الطاعون قبل أن تكتشف حقيقته العلمية و الوسائل الطبية لمقاومته، في حين رزح العالم الإسلامي تحت نير الأوبئة بأنواعها و لم يغيّر التعامل معها عدة قرون. ليست القضية إذن قضية طبية بل قضية ثقافية.

صفحة 118:
1.     مسلك أول: تأويل القرآن:
ورد في القرآن، الآية 243 من سورة البقرة: "ألم ترَ إلى الذين خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذَر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس و لكن أكثر الناس لا يَشكُرون".
ليس في القرآن ذكر صريح للوباء، لكنه استقر لدى المفسرين منذ القديم أن هذه الآية تشير إلى وباء حل ببني إسرائيل فواجهوه بالفرار، فأماتهم الله و أحياهم ليعلّمهم أن مصدر الموت ليس الوباء و لكن المشيئة الإلهية.

صفحة 119:
من أهمّ أحاديث الوباء الواردة في كُتب الأحاديث المعتمدة لدى عامة المسلمين السنّة هي التالية:
-         أبو هريرة عن النبي: "المَبطون شهيد و المَطعون شهيد" (البخاري).
-         عائشة أنها سألت النبي عن الطاعون "فأخبرها أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء. فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله إلا كان مثل أجر الشهيد" (البخاري).
-         ابن عباس أن عمر خرج إلى الشام فلقيه أبو عبيدة بن الجراح و أخبره بأن الوباء قد وقع بالشام، فاستشار المهاجرين فاختلفوا بين المضي و الرجوع، ثم استشار الأنصار فكان منهم مثل ذلك، ثم استشار الذين أسلموا بعد فتح مكة، فأشاروا عليه بالرجوع فأخذ برأيهم، فقال أبو عبيدة: أفِرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة. نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عَدْوتان إحداهما خصبة و الأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله و إن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟

صفحة 120:
هامشة 2: و ليته قرأ موقف ابن خلدون النقدي من الطب النبوي، فقد قال: "الطب المنقول في النبويات من هذا القبيل ليس من الوحي في شيء، و إنما هو أمر كان عاديا للعرب (...) فإنه (ص) إنما بُعث ليعلّمنا الشرائع و لم يُبعث لتعريف الطب و لا غيره من العاديات" المقدمة ص 620.

صفحة 121:
كتب فقيه مصري يُدعى عبد الله بن أحمد المقدسي الحنبلي (ت 620 هـ) بأمر من أمير مصري رسالة أسماها "كتاب السر المصون في أخبار الطاعون"، موجود منه عدة نسخ في دار الكتب بتونس، منها واحدة وردت في المجموع الذي وردت فيه رسالة المناعي (الفقيه التونسي محمد بن سليمان المناعي كتب رسالة بمناسبة الوباء الحادث بتونس سنة 1818 عنوانها "تحفة المؤمنين و مرشدة الضالين"). و من الأكيد أن المناعي اعتمدها، إذ أنه يطرح نفس المسائل التي تضمنتها و هي التالية:
-         متى حدث الطاعون في الخلق و هل هو عذاب أو رحمة؟
-         ما سبب الطاعون، هل فساد الهواء أم وخز الجن؟
-         هل كان نزول الطاعون بسبب المعاصي؟ و إذا كان الأمر كذلك فلماذا يصيب الأطفال و الصالحين؟
-         إذا كان الطاعون من وخز الجن، فكيف يحدث في رمضان (و هو شهر تُكبّل فيه الشياطين)؟
-         هل النهي عن الفرار من الطاعون محمول على الكراهة أم التحريم؟
-         هل الميت بالطاعون شهيد؟
-         هل يجوز الدعاء بإيقاع الطاعون لتحصيل الشهادة؟ (الجواب بالإيجاب لأن أحمد روى عن أبي موسى الأشعري عن النبي دعاء: اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن و الطاعون!).
-         هل يجوز الدعاء برفع الطاعون؟
-         هل يجوز التداوي منه و ما هي أدويته؟ (يذكر أدوية أربع: شرب الطين - إدامة التبخّر بالعود و اللوبان الذكر - تقليد نهيق الحمار - الصلاة على النبي).
هذه إذن مجموع المسائل التي كانت تشغل الناس عند وقوع الأوبئة.

صفحة 123:
و من المسائل اللافتة للنظر ما ينقله عن أبي الفرج الأصفهاني من أن العرب كانت تقول: "إذا دخل (الرجل) بلدا فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخولها، فإنه إذا فعل ذلك أمن الوباء".
هامشة 1: تكشف هذه الرواية تواصل النظرة الأرواحية la vision animiste للمرض. فقد كان قديما يتصورون الوباء على هيئة مارد جبار يقف على أبواب المدن و يصيب بسهامه مَن يشاء. و اعتقدوا أنه يرمي بسهامه البشر دون البهائم. فالرجل الذي ينهق عند دخول المدينة يُغالط المارد فيُعدُّ من البهائم و لا يصيبه شر الوباء.

صفحة 124:
فهو ينقل "أن الطاعون في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشام حتى كان خلفاء من بني أمية إذا جاء الطاعون يخرجون إلى الصحراء (...) ثم خفا ذلك في الدولة العباسية، فيقال إن بعض أمرائهم خطب بالشام فقال: احمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ وُلِّينا عليكم. فقام بعض مَن له جرأة فقال: الله أعدل من أن يجمعكم علينا و الطاعون".
و لعل هذه الرواية تلقي الضوء على الحديث الذي ينقله ابن حجر بسنده عن أحمد بن حنبل بسنده عن النبي قال: "أتاني جبريل عليه السلام بالحمى و الطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة و أرسلت الطاعون إلى الشام. و الطاعون شهادة لأمتي و رحمة لهم و رجز على الكافرين". فهذه الرواية و سابقتها تمثلان نوعا من التشفي من العباسيين و قلبا للدعاية عليهم. إذ أن الطاعون إذا كان رحمة فإنه لا يضير وقوعه في الشام في عهد بني أمية. لكن المهم هنا هو أن المدينة هي التي تخرج منتصرة من هذا التنافس بين الأمويين و العباسيين، إذ يجعلها النبي محروسة من الطاعون، ما يسمح بالافتراض بأن العلويين هم الذين أطلقوا هذه الدعاية المضادة ضد العباسيين، و أن قضية الوباء مثّلت منذ القديم رهانا سياسيا استُبيحت فيه كل وسائل الدعاية بما في ذلك تلفيق الأحاديث عن النبي!

صفحة 125:
كما أنه (ابن حجر) لا يرفض الالتجاء إلى الطب فحسب، بل يرفض أيضا استعمال وسائل مستمدة من الدين ذاته. فعندما استفتاه الناس في الخروج جماعة للدعاء برفع الوباء، منع ذلك لكونه بدعة، بل إنه يروي ما يلي: "وقع هذا في زمننا حين وقع أول الطاعون بالقاهرة في السابع و العشرين من شهر ربيع الآخر سنة 833، فكان عدد من يموت بها دون الأربعين. فخرجوا إلى الصحراء في الرابع من جمادى الأولى بعد أن نُودي فيهم بصيام ثلاثة أيام كما في الاستسقاء، و اجتمعوا و دعوا و أقاموا ساعة ثم رجعوا، فما انسلخ الشهر حتى صار عدد من يموت في كل يوم بالقاهرة فوق الألف ...".
إن ابن حجر يفسر هنا ظاهرة طبيعية (تنامي عدد الضحايا بفعل العدوى و انتقال الوباء من بداية الدور إلى ذروته) تفسيرا أسطوريا (انتقام الله من هؤلاء لأنهم أحدثوا بدعة في الإسلام). إن ثقافة الموت لم تكتف برفض ثقافة العلم التي تنشد الحياة، بل ترفض أيضا أن يَطلب الناس الحياة باسم الدين.

صفحة 127:
هامشة 1: كثيرا ما وقع  علماء الدين في العصر الوسيط في هذه المغالطة. فمن الناحية الطبية معروف أن الوباء يبدأ بطيئا (بداية الدور) ثم يشهد فترة الذروة ثم يخف تلقائيا (نهاية الدور) لأن جزءا من الناس يموتون به و جزء آخر تنتج أجسامهم مضادات فتحصل لهم المناعة تجاهه. إلا أن علماء الدين و عامة الناس كثيرا ما ظنوا أنه يخف لأن الآلهة استجابت لدعائهم و توسلاتهم. و يمكن أن نجد مقابلا لهذا الكلام الذي يقوله مسلمون هنا "شهادات" من نفس القبيل لدى مسيحيين. يكتب أحدهم مثلا وقد عايش وباء حل في القرن السابع عشر في مدينة سازير سير غارون (فرنسا)، وكان هو قيّما على كنيستها: ". . . لقد استجاب الرب أخيرا إلى تضرعات حاميتنا و سيدتنا دي سازير التي أثبتت مجددا أنها راعية كنيستنا. إنها لحقيقة تاريخية أثبتتها السجلات البلدية أنه ابتداء من هذا اليوم، 8 سبتمبر 1630، بدأت تخف حدة الآفة إلى أن انقطعت في شهر أكتوبر ...". راجع: 
Emile Espagnat : « La peste de 1630 à Gazères-sur-Garonne »,  Document produit dans « Les    Actes du Congrès d’Histoire et d’Archéologie de Bordeaux, 1908.

ملاحظة:
الحمد لله اليوم، انقطع تلفيق الأحاديث عن النبي و آمن جل المسلمين بالطب الحديث بل أصبح لنا علماء مسلمين جهابذة في هذا الميدان العلمي في الغرب و الشرق. أما القلة القليلة التي ما زالت تتواكل و لا تتوكل على الله و تؤمن بالخرافات فهي متواجدة على السواء، في البلدان الإسلامية المتخلفة و البلدان  المتقدمة الإسلامية و غير الإسلامية.

تاريخ أول إعادة نشر على مدونتي و صفحتيّ الفيسبوكيتين:
حمام الشط، الخميس 13 فيفري 2014.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire