أعجبني حديثٌ
موضوعٌ. مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 23 جويلية 2012.
حديث: "اعمل لدنياك كأنك
تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا". هناك من
ينسبه إلى الرسول محمد صلى
الله عليه و سلم و هناك من يقول أنه حديث موضوع أو ضعيف و هناك من ينسبه للإمام
علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
و هناك من يفسر معنى الحديث
كالآتي: ثم
إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور الدنيا
والتهاون بأمور الآخرة. بل معناه على العكس وهو المبادرة والمسارعة في إنجاز أعمال الآخرة
والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا.
رغم عدم اختصاصي في المجال الديني و اللغوي، سأحاول
تناول الحديث - كمقولة عربية إسلامية بغض النظر عن قائله - تناولا لغويا. و لن
أذهب مذهب التفسير الأول أو الثاني المذكورين أعلاه. و ما دامت المقولة مشكوك
في نسبتها إلى الرسول محمد صلى الله عليه و سلم
فهي ليست حكرا على أهل الفقه و التفسيرن و لو لم يكن الحديث محل شك فقهي، لَما
تجرأت على القرب منه و التصرف في معناه و مقاصده.
سأحاول تحيين المقولة العربية الإسلامية قدر المستطاع. يبدو لي أنه من حق أي
مسلم التصرف في تراثه المشترك كيفما يشاء دون تشويه مقصود أو تعديل سياسي أو
أيديولوجي رخيص لغرض في نفس يعقوب.
سأحاول مقارنة المقولة و قياسها استنادا إلى جُمَلِ
علمية مشابهة و معاصرة بعد ما أجرِي عليها تحويرا تركيبيا فتصبح المقولة كالآتي: "اعمل لدنياك مائة في المائة و اعمل لآخرتك مائة في
المائة" فتقترب المقولة منهجيا من مقولة
ألبير جاكار، عالم الوراثة الفرنسي المعاصر: "الذكاء وراثي مائة في المائة و
مكتسب مائة في المائة": أبدأ بشرح المقولة العربية الإسلامية و بعض المقولات
المشابهة لها منهجيا:
-
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك
تموت غدا"، هذه المقولة تعني أن الإنسان المسلم
و هو يعمل لدنياه، يجب عليه أن لا يهمل آخرته و لو لـ"فمتوثانة" (10-15
seconde) و
إذا عمل لآخرته عليه أن لا يهمل كذلك دنياه. و لهذه القولة سند قوي الدلالة حتى و
لو كان "حديثا لا أصل له" لكنه يحمل حكمة و تشجيع و حث على العمل و لا
يتنافى حسب رأيي المتواضع مع القيم الإسلامية الإنسانية النبيلة و من بينها
"إن العمل عبادة". زد على هذه الحجة، الحجة الواردة في المقولة العربية
الإسلامية المشهورة "الإسلام دين و دنيا" و لم يُفصل يوما على حد علمي
بين ما هو ديني - العبادة - و ما هو دنيوي - العمل.
-
مقولة "الذكاء وراثي مائة
في المائة و مكتسب مائة في المائة"، تعني أن الذكاء ينبثق من التفاعل المستمر
بين الجينات الموروثة و بين محيطها المكتسب (العائلة و المدرسة و الشارع و الأقران
و المدرّس و الأصدقاء و الفيسبوك و السفر و العمل...إلخ.). تتداخل وسط هذا التفاعل
الدائم مليارات المتغيرات المعقدة و التي يصعب تفكيكها و ترتيبها و تصنيفها إلى
وراثي و مكتسب. لنأخذ مثلا د يساعدنا
بيداغوجيا على الفهم: لو عاش العالم الألماني - الأمريكي إنشتاين في بيئة رعوية صحرواية
و لم يدخل المدرسة لأصبح راعيا ماهرا لا أكثر و لا أقل و لن ينزل عليه العلم من
السماء و لن ينبع أيضا من جيناته و مورثاته الثلاثون ألف! و لو أخذت مواطنا متدني
الذكاء وراثيا و أدخلته أحسن الجامعات لَما صنعت منه عالما مبدعا أو عبقريا! و
الدليل الاجتماعي و الإحصائي على صحة ما ذهبت إليه يتمثل في أن الدول العربية -
على حال تخلفها اليوم - لا تنتج عباقرة و مبدعين رغم توفر القابلبة الجينية
الحاضنة للذكاء فينا كما توفرت لدى كل الشعوب، لكن في المقابل كل العرب متوسطي
الذكاء الذين التحقوا بالجامعات الغربية و عملوا في مخابرها و تنشقوا حريتها،
أصبحوا من ألمع العلماء، و منهم مئات الآلاف من البحاثة و العلماء المغمورين
إعلاميا و من أشهر علمائنا بالغرب أحمد
زويل و فاروق الباز و محمد أوسط العياري و غيرهم كثيرون.
-
مقولة
"انتفاضة 14 جانفي 2011، هي ثورة شعبية مائة في المائة و مؤامرة غربية خليجية
مائة في المائة"، تعني أن البوعزيزي ليس جاسوسا صهيونيا و محمد كشكار ليس
عميلا للمخابرات الأمريكية و آلاف المتظاهرين الصادقين الوطنيين التونسيين ليسوا مأجورين
و شهدائنا ليسوا مرتزقة و جرحى ثورتنا ليسوا عملاء، لكن في المقابل، جيشنا "الوطني"
ليس بريئا من تبعيته لأمريكا و حزب حركة النهضة ليس خارجا عن سياسة أمريكا في
الشرق الأوسط و حزب السبسي ليس غريبا عن الأجندة الأوروبية.
-
مقولة
"مشاكل تونس الحالية، أسبابها و حلولها داخلية مائة في المائة و خارجية مائة
في المائة"، تعني أننا ننتخب برلماننا و رئيسنا و لنا جيشنا و أمننا و عُملتنا
الدينار و لغتنا العربية و ديننا الإسلام، لكن في المقابل سلاحنا نشتريه من
"عدونا" و عدو الفلسطينيين، لغتنا العلمية الأولى هي الفرنسية و ليست
العربية، جل مشاريعنا التعليمية و التنموية مملاة علينا من البنك العالمي و صندوق
النقد الدولي. الشعب يريد تطبيق الشريعة و أمريكا لا تريد تطبيق الشريعة، يأتي
الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة الحاكم و
يغلّب أمر أمريكا على رغبة الشعب. حزب حركة النهضة، الحزب الحاكم الذي لا يحكم، لا
لأنه لا يستطيع أو لا يريد أن يحكم بل لأن من حكمة أمريكا أن لا تضع كل بيضها في
سلة واحدة، لذلك خلقت للنهضة منافسا متمثلا في السبسي زعيم اليساريين الانتهازيين
و الأغنياء الفاسدين و الرأسماليين اللاوطنيين و الليبراليين المنبتين و
الفرنكوفونيين المتعصبين و التجمعيين و الدستوريين الحاكمين الحاليين في دواليب
الدولة التونسية بغثهم و سمينهم حتى إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. أنا متشائم ليس حبا
في التشاؤم بل لأنني أحب تونس و للأسف الشديد، لم أر حتى الآن مؤشرا واحدا يدل على
أنه سيأتي ما يخالف ذلك. و مؤشري العلمي الأول و الأهم و الأقرب إلى قلبي و اختصاصي
هو إصلاح التعليم و دار لقمان على حالها بل ازدادت عبثا و فوضى و تسيّبا و غشا و
كسلا و لا أستثني أحدا، مسؤولين و و مصممي برامج و إداريين و متفقدين و قيمين و
عملة و أولياء و تلامذة و مدرّسين بما فيهم شخصي الذي دخل منذ عام في مرض طويل الأمد
بعد 37 عام تدريس فعلي و بعد ما أصابني مرض السكري جرّاء تعدد الإحباطات و كثرة
الفشل و العثرات التي اعترضتني في مسيرتي التربوية من ميدون إلى غار الدماء مرورا
بالجزائر حيث عُرّب العلم دون إعداد و تحضير مسبق فمات العلم و هاجر العلماء (على
حد علمي، عدد الأطباء الفرنسيين من أصل جزائري الممارسون في باريس يفوق عدد
الأطباء الجزائريين المباشرون في كل تراب الجمهورية الجزائرية
"الديمقراطية").
-
مقولة
"تربية الأطفال مسؤولية الوالدين مائة في المائة و مسؤولية الشارع و المدرسة
و الإعلام مائة في المائة". كنت و أنا أستاذ شاب غير متزوج، ألوم الأب و الأم
على عدم تربية أبنائهم التلاميذ، كبُرْتُ و أصبح عندي ولد، كَبُر الولد و فهمت أن
تربيته مشتركة بيني و بين أقرانه و خلانه و مدرّسيه و التلفزة و الأنترنات، لا
نستطيع أن نفصل سببا أو عاملا عن الآخر من كثرة تداخل جميع الأدوار و تعقدها.
-
مقولة
"كل مرض بشري هو عضوي مائة في المائة و نفسي مائة في المائة" تعني أن
العضوي و النفسي لا ينفصلان داخل الفرد و لا نستطيع أن نفصل ميكانيكيا و نقول مثلا
أن الحمّى الناتجة عن الجراثيم هي مرض مائة في المائة عضوي لأن مقاومة الجسم تخضع
لعوامل نفسية و عندما تنهار المناعة جراء صدمة نفسية يصبح الجسم سهل الاختراق من
الكائنات الدقيقة "الانتهازية". أستثني الأمراض الجينية الوراثية
كانعدام تخثر الدم ( l’hémophilie) أو الشلل (la poliomyélite) أو الإعاقات
الذهنية
أو العضوية
(les handicaps mentaux ou sensori-moteurs ).
-
مقولة " الرجل ذكر مائة في المائة و أنثى مائة في
المائة و المرأة أنثى مائة في المائة و ذكر مائة في المائة". يُولد الفرد،
ذكرا أم أنثى من 23 صبغية (كروموزوم) ذكرية و 23 صبغية أنثوية، لا يفرّق بين
الجنسين إلا التلاقي صدفة بين الصبغية "إيكس" الأنثوية و الصبغية
"إيڤراك" الذكرية فينشأ ذكرا أو تلتقي الصبغية "إيكس"
الأنثوية و الصبغية "إيكس" الذكرية فتنشأ أنثى. لا يوجد فرق إذن بين
الذكر و الأنثى إلا في زوج واحد من بين 23 زوجا من الصبغيات الست و أربعين لذلك
نجد صفات ذكورية عند بعض النساء و صفات أنثوية عند بعض الرجال. لذلك لا نستطيع أن
نفصل فصلا ميكانيكيا بين ما هو أنثوي و ما هو ذكري عند الرجل أو عند المرأة. تلتقي
الجينات الأنثوية و الجينات الذكرية، النصف بالنصف، عند الرجل و المرأة على حد
سواء، يتفاعلان باستمرار فيما بينهما فينتج عن تفاعلهما ذكرا أو أنثى أو جنسا
ثالثا بين الجنسين ثم تنفصل الجينات من جديد عند البلوغ و بداية صنع الخلايا
التناسلية الذكرية أو الأنثوية لتلتقيان من جديد صدفة أيضا عند ذكر أو أنثى و هكذا
دواليك، انفصال فالتقاء ثم انفصال فالتقاء و تستمر الحياة و لا تكتمل صورة الفرد
إلا بتكامل الأنثى و الذكر و لو غاب أحدهما لانقرض الآخر، فلا فضل لرجل على امرأة
و لا لامرأة على رجل إلا بالتمايز البيولوجي الذي لا يفضي أوتوماتيكيا أو طبيعيا
للتمايز في الحقوق. الفروق البيولوجية بين الرجل و المرأة، حتى و إن أدت إلى
الاختلاف في أداء بعض الواجبات فهي لا تؤدي حتما للتفريق الجنسي العنصري في الحقوق
و الآدمية الإنسانية بين الرجال و النساء و أخوهم الجنس البيولوجي الثالث...إلخ.
إمضاء
على
كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire