هل المرأة العربية المسلمة،
ناقصة عقل و دين؟ فكرة مخالفة للسائد. مواطن العالَم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 11 جانفي
2013.
أنا لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال
سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي": جملة أمضي بها
دوما و عن وعي تام، مقالاتي الفيسبوكية.
من اجتهد و أصاب فله أجران و من اجتهد و لم يصب فله
أجر واحد.
"المرأة ناقصة عقل و دين": سأتناول هذا الحديث
من جانب التصورات السائدة و غير العلمية في المجتمع و ليس من الجانب الفقهي.
.
سؤال غريب أو إشكالية أغرب؟
و تزيد غرابة السؤال عندما يُطرح من قبل شخص يؤمن إيمانا إنسانيا و علميا بالمساواة
التامة و الكاملة بين المرأة و الرجل في الحقوق و في القانون و أمام القانون أيضا حتى
و لو اختلفت بينهما الواجبات و الواجبات مختلفة بطبيعتها حتى بين الرجال أنفسهم.
يبدو لي - و الله و أهل
الذكر من علمائه في الدين و الدنيا أعلم مني بذلك - أن المرأة العربية المسلمة و
في وضعها الحالي المتردي و المتوارث عبر الأجيال هي كائن ناقص عقل و دين! نقص
مكتسب نتيجة الظروف الاجتماعية التي عاشتها و لا زالت تعيشها المرأة و ليس نقصا
حتميا قدريا إلهيا أو نقصا متأصلا فيها جينيا و بيولوجيا.
أنا درست و عرفت و اقتنعت أن
الذكاء البشري، بغض النظر عن متغيّر الجنس، هو ذكاء موروث عن والدينا جينيا مائة
بالمائة و في نفس الوقت مُكتسب اجتماعيا مائة بالمائة أيضا، و هذا هو موضوع
أطروحتي لنيل شهادة الدكتورا في علوم التربية. و اختلاف حجم و وزن المخ بين المرأة
و الرجل ليس ناتجا عن الاختلاف الجنسي بل لأن وزن المخ موازي لوزن الجسم رجلا كان
أو امرأة. و اختلاف وزن المخ بين الرجل و المرأة أو بين الرجل العملاق و الرجل
القزم لا يؤدي بالضرورة إلى تفوق الأول عن الثاني في الذكاء و الإدراك و إلا كان
حوت العنبر العظيم أذكى المخلوقات لأن هذا الأخير يتمتع بمخ يزن عشرة كيلوغرامات و
في المقابل لا يزن المخ البشري تقريبا إلا كيلوغراما واحدا و ثلاث مائة غرام بما
فيه مخ العالِم العبقري الألماني الأمريكي إينشتاين.
اختلاف وزن المخ بين المرأة
و الرجل لا يفسد للمساواة في الذكاء و الحقوق قضية! و كما قال محمد خاتم الأنبياء
صلى عليه و سلم و رددها من بعده بعشرة قرون الفيلسوف الفرنسي ديكارت، أن العقل هو
الشيء الثمين الموزع بالعدل بين الناس. نرث بيولوجيا و جينيا مخا بشريا متطورا
مقارنة مع باقي الحيوانات، لكن هذا المخ الموروث لا يبقى على حاله جامدا بل يتأثر بيولوجيا
و فيزيولوجيا بتجاربنا اليومية و محيطنا الاجتماعي. تترك هذه التجارب المكتسبة
بصماتها البيولوجية على الوصلات العصبية (و عددها يصل تقريبا إلى مليون مليار وصلة
عصبية تتركب و تتفكك حسب المعيش اليومي لتربط بين مائة مليار خلية عصبية في المخ
البشري). بأريحية علمية، نستطيع أن نستنتج من هذه المُسَلّمَة العلمية أن مخ
المرأة بصفة عامة لا يمر بنفس التجارب
اليومية (المرأة: العمل داخل البيت و تقييد السفر و الحد من الحرية و انعدام
المساواة مع الرجل في الحقوق و في القانون و أمام القانون و نقص التعليم و التثقيف)
التي يمر بها مخ الرجل (الرجل: العمل خارج البيت و السفر و الحرية و المساواة و
توفر التعليم و التثقيف) لذلك يختلف إذن المخ النسوي عن المخ الذكوري في تركيبته
الخلوية المجهرية و ليس في تركيبته
الشكلية العامة و الظاهرة. لكن و من حسن حظ المرأة عموما و المرأة العربية خصوصا
أن البصمات البيولوجية المكتسبة على مستوى الوصلات العصبية في المخ البشري ليست
وراثية، فعند كل ولادة بشرية جديدة، ذكرية أو أنثوية، يعيد المخ البشري التجربة من جديد متأثرا
بالجديد من المكتسبات الحضارية التي يستفيد منها الرجال أكثر من النساء خاصة في بيئتنا المتخلفة علميا
و فكريا. لذلك نستطيع أن نجزم أنه لو افترضنا جدلا أن فردا من العصر الفرعوني
(سبعة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح) خرج من قبره و عاش معنا اليوم لاكتسب نفس درجة
الذكاء البشري في القرن الواحد و العشرين. لكننا في الوقت نفسه لا ننكر حسب نظرية
التطور لداروين أن المخ البشري تطور عبر
العصور الجيولوجية حيث تكون الوحدة الزمنية المعتمدة هي مليون سنة و ليست ألف أو
مائة سنة.
أرجع إلى موضوعي الأصلي و
أطرح السؤال من جديد: هل المرأة العربية المسلمة، ناقصة عقل
و دين؟ نعم ناقصة عقل و دين لكن ليست وحدها فالرجال الذين عاشوا نفس
ظروف المرأة الاجتماعية هم أيضا ناقصو عقل و دين، إذن نستطيع أن نستنتج من هذه
المقاربة الشمولية المعقدة نسبيا أن أسباب النقص في العقل و الدين ليست جنسية بحتة
و ليست بيولوجية جينية وراثية و إنما هي ناتجة عن أسباب مكتسبة غير وراثية و غير
جينية و غير حتمية و تزول بزوال العنصرية الجنسية و الحيف و الظلم الاجتماعي
المسلّطين منذ آلاف السنين من قبل الرجل على المرأة أو من البورجوازي على
البروليتاري أو من المثقف على الأمي أو من الحاكم على المحكوم.
لذلك سأحاول أن أجتهد شخصيا
في تأويل حديث رسول الله "النساء ناقصات عقل و دين". و أستمد عذري منه هو نفسه علا شأنه في قوله
"من اجتهد و أصاب فله أجران و من اجتهد و لم يصب فله أجر واحد" و أنا
قنوع و يكفيني الأجر الواحد إن لم أوفّق في نيل الثاني و ليعلم أعداء الخطأ:
-
أولا أن العلم مبني على الخطأ و الصواب
و أن الطفل يتعلم المشي من العثرات الكثيرة المؤلمة و المتتالية و أن الخطأ هو
محرك القسم في التعليم و أن أكبر العلماء غير المعاصرين الغربيين و المسلمين
ارتكبوا أخطاء لا يرتكبها اليوم تلميذ في الابتدائي.
-
ثانيا أن الباحث العلمي، الذي يتبع منهجية و لا يصل
إلى نتيجة إيجابية، له مزية على العلم لأنه جنّب زملاءه تضييع الوقت في اتباع نفس
المنهجية.
-
ثالثا - تجنبا للمزايدة بالتعصب للدين الإسلامي
- أنني مواطن تونسي مسلم و القرآن قرآني و السنة سنتي و لا أظن أن الله الغفور
الرحيم يعاقب مسلما مجتهدا صادق النية، و ثقتي في رسولنا كبيرة بأنه لن يسحب
شفاعته عني يوم القيامة لمجرد أنني أخطأت في تفسير آية أو أسأت دون قصد مني في فهم
حديث من أحاديثه الشريفة المقدسة. و ألاحظ أولا و أسجل لكن بكل احتراز علمي و على
حد معرفتي المتواضعة بالقرآن: أن هذا الوصف للمرأة بالتحديد لم ينزل في القرآن مع أنني أعي جيدا أن ما أعرفه من علوم دينية لا
يكفي للمجازفة بالاجتهاد في تأويل القرآن أو الحديث، و عذري الشرعي الوحيد هو
الصدق في القول و الإخلاص في العمل: قرأت القرآن و قرأت بعض التفاسير و استمعت
لتلاوة القرآن و حفظت جزءا منه في صغري و قرأت الكثير من أدبيات الإخوان المسلمين
المصريين و استمعت أيضا إلى عديد المحاضرات
الدينية و منها على سبيل الذكر لا الحصر، محاضرات الشيخ محمد الغزالي في التلفزة
الجزائرية كل يوم الإثنين مساء من 1980 إلى 1988، مدة إعارتي في الجزائر كأستاذ ثانوي متعاون.
ألاحظ أيضا أن الرسول أصاب -
و هو كبشر منحه الله العصمة من الخطأ، فقط في تبليغ الوحي لا غير - و وصف واقعا
وصفا دقيقا و للأسف الشديد لا يزال هذا الوصف واقعيا إلى اليوم، لكن الرسول لم يقل
أن هذا الواقع النسوي المتخلف هو حتمي و أبدي. لذلك يبدو لي أنه من واجب علماء
الدنيا الاجتهاد لتجاوز النقص العقلي المكتسب لدى المرأة و ذلك بتعليمها و تطوير
عقلها و من واجب علماء الدين الاجتهاد لتجاوز النقص الديني المكتسب أيضا من قبل
المرأة و ذلك بهدايتها إلى استكمال دينها و الدعاء لها بالصلاح. و لو كان الرسول
يرى أن هذا النقص متأصل في المرأة، لَما دعانا إلى استكمال نصف ديننا من عائشة
زوجته. و قياسا على التدرج القرآني الكريم الذي لم يحرّم العبودية مرة واحدة بل شجع على تحرير
العبيد، يبدو لي أن الرسول في حديثه المذكور أعلاه لا يؤسس لتأبيد وضع المرأة
المتردي بل يصفه فقط و يحدوني الأمل أيضا في أنه لا يعارض في الوقت نفسه طموح
المرأة المسلمة إلى المساواة التامة و الكاملة في العقل و الدين مع الرجل و مع
المرأة الغربية المتعلمة.
أرجو من أصدقائي اليساريين و
قرائي الكرام أن لا يصنفوني بسرعة و تسرّع ضمن أعداء المرأة أو ضمن خصومها أو حتى
الكارهين لها. أنا أحب و أعشق و أحترم و أجلّ و أقدر المرأة عموما و لن أنسى فضل
أمي الذي تجسم في حنانها و في تربيتي و رعايتي بعد وفاة أبي و أنا طفل في سن الخامسة
عشر. و أعترف بوجود نساء في حياتي، هنّ أكمل مني عقلا، و أخص بعضهن بالذكر و
التبجيل و الاحترام مثل الأستاذات اللواتي
تتلمذت على أيديهن في الجامعة (درّة محفوظ) و الثانوي (فاطمة لخضر)، تونسيات و
فرنسيات، و الزميلات التونسيات اللواتي عملت معهن في المجال الثقافي التطوّعي في
النادي الثقافي النقابي، نادي جدل بالاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس، مثل أستاذة
الفرنسية الشاعرة
العظيمة فاطمة بن فضيلة، و الدكتورة الأستاذة الجامعية في الشريعة و أصول الدين
حياة اليعقوبي و أستاذة التربية الإسلامية الشاعرة هدى الدغاري.
أسس حزب العمال التونسي
منظمة نسوية في داخله. أتساءل هنا: لو لم تكن وضعية المرأة التونسية الحالية متردية
و ناقصة، لَما خصها هذا الحزب اليساري بمنظمة ترعى شؤونها و تسهر على تدارك النقص
المكتسب في عقلها مقارنة مع الرجل (و يا ليته فعل نفس الشيء و من أجل نفس الهدف للرجل
التونسي اليساري)، باستثناء اليساريات المتعلمات المثقفات بطبيعة الحال، و هؤلاء
الأخيرات قد يشاركن في تثقيف زميلاتهن في الحزب و يثبتن لهن أن نقص العقل النسوي
ليس حتمية و لا قدرا بل هو شيء مكتسب يسهل إزالته لو تحققت المساواة الكاملة و
التامة بين الرجل و المرأة في الحقوق و في القانون و أمام القانون أيضا، مع
الإقرار بالاختلاف البيولوجي و المحافظة على الاختلاف في الواجبات مع الإشارة
الهامة أن الاختلاف البيولوجي الموروث موجود أيضا بين الرجل و الرجل و بين المرأة
و المرأة و يجب أن لا يؤدي هذا الاختلاف البيولوجي بالضرورة إلى عدم المساواة في
الحقوق أو عدم المساواة في اكتساب الذكاء و استكمال العقل و الدين و من وجهة نظر
غير مختص في علوم الاجتماع و لا في علوم الدين، يبدو لي أن المساواة التامة بين
المرأة و الرجل لا تتنافى، لا مع العلم و لا مع الدين الإسلامي.
ملاحظة عابرة، أوردها و أمضي
دون تعليق و المسكوت عنه أبلغ: ألاحظ تواجدا مكثفا للعنصر النسائي في قيادات حزب
حركة النهضة ذو المرجعية الإسلامية (عشرات العضوات في المجلس التأسيسي) و في
المقابل ألاحظ نقصا واضحا و فادحا في عدد النساء في قيادات الأحزاب اليسارية
الكبرى الثلاثة ذات المرجعية الماركسية اللينينية الستالينية (حزب العمال و حزب الوطد
الموحد و الحزب الاشتراكي الثوري (وطد سابقا)،
مع العلم أن النهضة لم تؤسس لقيادياتها منظمة نسوية خاصة بهن داخل الحزب.
الإمضاء
"لا أحد
مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن
أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه"، عبد الله العروي.
"المثقف لا يجيد فعل شيء على الإطلاق، اللهم، إلا
الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار و الكلمات. غبر أن هذه الأفكار تحتاج لما يجسدها
لكي تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج لحركات
اجتماعية"، جان زيغلر.
"يخون المثقف وظيفته، إذا كانت هذه الأخيرة تتقوّم بالرغبة في
التأثير على النفوس"، ريجيس دوبريه.
"ما أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا و ما أصعب أن تكون لنا
رؤوسهم"، مطاع
الصفدي.
م. ع. د. م. ك.:
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و
يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما
أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر، لذلك لا يضيرني إن قرأني واحد أو ألف لكن يبقى الكاتب منعزلا إذا لم يكن له قارئ ناقد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire