هل اكتشف علماء
الإسلام نظرية علمية جديدة من البحث في الإعجاز العلمي في القرآن؟ نقل و تعليق مواطن
العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول
نشر على النت: حمام الشط في 11 سبتمبر 2010.
يُرجع الباحثون في الإعجاز العلمي للقرآن جذوره إلى الإمام
الغزالي الذي اعتبر أن القرآن يحوي "مجامع علم الأولين والآخرين"،
و"هو البحر المحيط، ومنه يتشعّب علم الأوّلين والآخرين"، ويعتبر الغزالي
أن جميع العلوم داخلة في أفعال الله وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله، فمقصد
الغزالي من مقولته التعرف على الله من خلال القرآن وما اشتمل عليه من أصول العلوم
ومفاتيحها، ثم جاء الرازي ليطبق فكرة الغزالي ويوظف العلوم في معرفة أسرار القرآن
والوجود، ولم يسمِّ ذلك تفسيرا أو إعجاز علميا، إنما كان جاريا على نسق علماء كل
عصر في الاستفادة من معارف زمنهم وتوظيفها في اختصاصهم.
ولم يظهر تعبير "الإعجاز" أو التفسير العلمي إلا
بعد اكتشاف العالم الإسلامي الهوة الساحقة بينه وبين الغرب في مجال العلوم خصوصا،
فتمت العودة إلى القرآن كوسيلة لاستعادة الثقة بالذات والتعويض عن التأخر العلمي
لدى المسلمين، لذلك يعلل طنطاوي جوهري (ت:1940م) - صاحب أول وأشمل تفسير علمي-
عمله بأنه رأى "أن شباب الأمة المسلمة وبعض أجلّة العلماء، عن العلوم الكونية
معرضون"، فوضع تفسيره عسى أن يكون سبيلا ترتفع به مدنية المسلمين إلى العُلا
فتفوق الفرنجة في الزراعة والطب والمعادن والحساب والهندسة والفلك وغيرها من
العلوم والصناعات".
لكن تفسيره قوبل بالرفض؛ ليس لمبالغاته فقط، وإنما يرجع إلى
علة أخرى هي أثر ذلك السلبي على القرآن لا من حيث المبدأ، وإنما من حيث الاستناد
إلى نظريات علمية لم تصل إلى القطع فيتم بتغيرها نقض التفسير، وبالتالي الطعن
بالقرآن، لذلك قيّد المعترضون التفسير بأن يكون بالحقائق العلمية، فمعظم الجدل حول
مشروعية التفسير العلمي لم يكن في جوهره موقفا من المبدأ، إنما من نماذجه
وممارساته، وهذا يقتضي أن يتجه النقاش فيه إلى مسألة أعمّ - كما يرى حميده النيفر-
وهي التفسير الأيديولوجي للقرآن والذي لا يختلف عنه التفسير العلمي في جوهره.
لذلك لجأ المُحْدَثون من المشتغلين بالإعجاز العلمي إلى إعلان
التقيد بالحقائق العلمية القاطعة التي لا رجعة فيها، أما النظريات العلمية
فاستخدموها في التفسير العلمي دون الإعجاز (كما يقول زغلول النجار/ موقع أهل
التفسير).
وقد لاقى التفسير والإعجاز العلمي رواجا حديثا، وذلك كوجه
جديد من وجوه الصحوة الإسلامية التي تستقطب الشباب، وتم استثماره من قبل بعض
الدعاة الجدد الذين يبحثون عن أنماط تجذب شرائح لم يستقطبها الخطاب الدعوي المسجدي
والتقليدي، وساعد في بروزها توظيف وسائل الإعلام والفضائيات واستخدام التقنية في
تبسيط القضايا العلمية وعرضها، ونشوء مؤسسات وجوائز للإعجاز العلمي الذي اتسع
ليشمل السنة مع القرآن، وزاد في انتشارها توظيفها في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام
وادّعاء إيمان كثيرين منهم بواسطة ذلك، مع خلط في هذا المجال بين انسجام القرآن مع
العلم المؤثر الأول في الإيمان بالنص وبين ما يُدّعى إعجازا علميا.
وتوسع التفسير العلمي إلى كل ميادين العلوم فراج الحديث عن طب
مستخرج من القرآن مرافق للطب النبوي، فضلا عن الفلك وعوالم النبات والحيوان وأنظمة
الكون، حتى أصبح في الحديث إسقاط وسخف بالعقول، وأصبح الموضوع شغل من لا شغل له،
مع جهل فاضح بقوانين اللغة وأبجديات تفسير النصوص وسياقاتها، بل انتقلت العدوى إلى
غير المسلمين فظهر من يدعي الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس ويتم توظيفه في
التبشير.
خلفيات نقد الإعجاز العلمي
هذه الطفرة المتأخرة في الحديث عن الإعجاز العلمي والشطط فيه
أورثت نقدا له شبيها بردة الفعل على طنطاوي جوهري، مأتاه مخاطر الممارسات
والتطبيقات لا النقد الجوهري للمبدأ، لذلك غابت المفاهيم العلمية في النقد والتي
أهمها ما يتعلق بالموضوع وهو مفهوم الإعجاز، والذي يجمع المتحدثون في تعريفه على
شرطية التحدي فيه، كما حصل التحدي بالقرآن أن يؤتى بمثله أو بعضه، والتحدي بالشيء
يقتضي معاينته ومباشرة محاولة الخصم إظهار النقص فيه أو الإتيان بالبديل، وهذا لا
يُتصور حصوله فيما يسمى بالإعجاز العلمي؛ لأن ما يُدّعى وجوده من علم في القرآن
مجهول بالنسبة للمخاطب فبم يتم التحدي؟.
ثم إن الإعجاز صفة ملازمة للقرآن باعتباره كلاما إلهيا، ولا
يمكن أن يوجد في عصر دون عصر، ولو كان هناك إعجاز علمي لفصَّله القرآن للناس وهم
به جاهلون وتحداهم أن يكتشفوا خلافه، أما ما يجري اليوم فهو حراك بجهد الغير؛
فالعلم المكتشف لم يباشره المسلمون، وما اكتشفه علماء المسلمين لم يدّع أيٌّ منهم
كونه تدبرا في القرآن أو اكتشافا فيه رغم معرفتهم العميقة بالقرآن.
يبقى سؤال جوهري حول وظيفة ذكر القرآن لإشارات ذات بعد علمي
في النفس أو الكون، فأي وظيفة لتلك الآيات إن لم يوظف العلم الحديث في تفسيرها؟
والإجابة أنها دعوة للبحث العلمي الجدي الذي دعا إليه القرآن عندما وجهنا إلى آيات
الله الكونية والشرعية ولم يقل إننا قادرون على اكتشافها من النصوص التي وظيفتها
الهداية والتربية الخلقية التي تحض على النظر والعمل ولا تقدم نفسها بديلا لهما.
إن دعاوى التفسير والإعجاز العلمي المعاصرة إنما هي ظاهرة تدل
على فقدان الثقة بالخطاب الإسلامي الدعوي التقليدي وعجزه عن اجتذاب الناس، ومن جهة
أخرى عجز علماء الدين المختصين عن إقناع شريحة من الناس برؤاهم، ما فتح الطريق
أمام دعاة جدد لم يتخرجوا في مدارس العلم الشرعي التقليدية، إنما أتقنوا أدواتها
ومصادرها في الوعظ ووظفوا معارف العصر التقنية والعلمية في الدعوة وسط عالم من
النجومية صنعته لهم وسائل الإعلام، ما أجج موقف الشيوخ التقليديين منهم، إذ إن
الدعاة الجدد أضافوا إلى تطفلهم انتزاع جمهورهم.
لقد كانت ظاهرة التفسير والإعجاز العلمي ظرفية تعكس الوهن
الحضاري والثقافة السائدة، وستبقى في حالة مد وجزر وهي الآن في حالة طفرة ورواج
سيعقبها زوال وكُمون لانكشاف هشاشتها لدى المخدوعين بها وعدم تأثيرها في دفع
الحراك الحضاري للمسلمين، بل إنها تؤدي دورا سلبيا خادعا وهو تضخيم وهم الأسبقية
واعتبار الإعجاز العلمي نصرا إسلاميا في زمن الهزائم الحضارية.
2. الشهادة الثانية
مصدرها قناة "دريم" الفضائية
المصرية، برنامج "دين و دنيا"، الخميس 9/09/2010، الساعة الواحدة و
النصف بعد الزوال بتوقيت تونس. رغم علمي بأن التلفزة ليست مصدرا علميا موثوقا به،
سأنقل بعض ما ورد في البرنامج على لسان الأساتذة الثلاثة المشاركين فيه (عمار و
إمام و البنّا) بكل ما استطعت من الأمانة العلمية التي تعلمتها في البحث العلمي. قد
ينسب الناقل عن الكلام الشفوي حديث هذا لهذا، فاغفروا لي زلاتي في النقل إن خانتني
ذاكرتي في هذا العمر، فهي والله غير مقصودة. حاولت التثبّت مما قيل بالرجوع
للأنترنات ككل باحث كسول فلم أعثر على إثبات فقلت بيني و بين نفسي: زادي
الوحيد هو النية الطيبة و عدم إضمار الشر لحضارتي و لأمتي العربية الإسلامية و الصدق
في القول و الإخلاص في العمل و كما أكرّر قصدا في إمضائي على مقالاتي "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو
الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى" و على القارئ الحصيف ترك الغث و أخذ السمين.
قال مقدم البرنامج
الأستاذ عمار:
[الإعجاز العلمي في القرآن ثقافة
شائعة ضارّة...قال "علي عبد الواحد وافي" عن الإعجاز العلمي في القرآن:
"جناية كبرى" و قال عنه الإمام محمد الغزالي: "كلام فارغ"...قال
كاتب إسلامي، مات سنة 1960، أن المقصود بالسماوات السبعة في القرآن هي الكواكب
السبعة التي اكتشفها العلم لكن ما لا يعلمه هذا الكاتب أن العلماء الغربيين وصلوا
إلى حد الآن إلى اكتشاف 9 كواكب، حذفوا منها أخيرا واحدا بعد ما عرفوا أنه نجم و
ليس كوكبا...إعجاز التورات (إضافة م. ع. د.م.ك: أو إعجاز كتاب مقدّس آخر،
لست واثقا مائة بالمائة من ذاكرتي، ليس المهم هو اسم الكتاب المقدّس أو اسم مكان الحادثة
أو دين أو جنسية المذكورين في النص المقدّس و إنما المهم هو استنتاج العبرة من
التعسّف في التأويل على لغة الكتب المقدّسة و عدم الاتكال على وهم إثبات ألوهية
النص المقدّس بالاستناد إلى حجج علمية بشرية ظرفية و قابلة للدحض و التكذيب لأن
الأصل هو الإيمان المطلق و الفرع هو العقل و العلم و ليس العكس)، نسب هذا الإعجاز العلمي
عظاما قديمة اكتشفت في فلسطين إلى يهود عاشوا منذ آلاف السنين في فلسطين و بعد
مدّة كذّب العلماء مسعاهم عندما تأكّدوا بعد
تحليل الحمض النووي أن العظام المكتشفة عظاما حيوانية و ليست بشرية...الدكتورة بنت
الشاطئ نقدت نقدا لاذعا الدكتور مصطفى محمود في إعجازه الذي ينسبه تعسّفا إلى
اللغة العربية و القرآن... اعترف مصطفى محمود بنظرية النشوء و الارتقاء لداروين و
نسبها للقرآن رغم رفض كل الأديان السماوية
الاعتراف بها حتى الآن و ليس الدين الإسلامي وحده.
قال الأستاذ إمام:
[القرآن ليس في حاجة للعلم ليثبته...
نستطيع أن نقول الإعجاز العقلي في القرآن و ليس الإعجاز العلمي في القرآن...
الإغراق في هذا المجال يدفع إلى تكذيب النص و النص معجزة إلهية في حد ذاتها لا
تحتاج إلى معجزة علمية بشرية لإثباتها... نحتاج العلوم الحديثة لنفهم فهما عصريا
النص القرآني لذلك نقول أنه صالح لكل زمان و مكان]
قال الأستاذ جمال البنّا:
[من باب حرية التفكير، لا نحجر على
أحد البحث في الإعجاز العلمي في القرآن، فإن اكتشف شيئا مفيدا فخيرا على الأمة
الإسلامية و إن لم يكتشف شيئا فقد أضاع وقته و ماله و جهده هو فقط] (إضافة م.
ع. د.م.ك: نسي الأستاذ البنّا أن السعودية تصرف أموالا طائلة في هذا المجال من
بيت مال المسلمين).
3. رأي الناقل مواطن العالَم د. محمد كشكار، رأي متواضع جدا
جنب رأي علماء الطبيعة الكبار أو علماء الدين الأجلاء:
يتصوّر البعض من
المسلمين خطأً أنهم يرفعون من شأن القرآن عندما ينسبون إليه أحدث الاكتشافات
العلمية (الإعجاز العلمي في القرآن). أنا لست مختصّا في تفسير القرآن، إذن فليس
بوسعي تأكيد أو نفي الإعجاز العلمي في القرآن. لكن، رغم عدم اختصاصي في الفقه
الإسلامي، أرى أنه يحق لي كمثقف أن أدلي بدلوي الإبستومولوجي في النقاش الدائر حول
كيفية توظيف مفهوم " الإعجاز العلمي في القرآن" بعد تصديقه من قبل
بعض المسلمين لتثبيت إيمانهم أو بعد تكذيبه من قبل بعض الملحدين لنفي المصدر
الإلهي للقرآن و لن أنحاز لهؤلاء أو هؤلاء متوخيا الحياد المنهجي. سأحاول فقط
تسليط بعض النقد على الموقفين السابقين. لا نستطيع و لا نفكّر في محاكاة المعجزات
الغيبية في القرآن لكننا مطالبون بنشر و إعادة إنتاج المعجزات العلمية المادية
البشرية للاستفادة منها في حياتنا اليومية و لا غنى لنا عنها مثل ما فعل الغرب مع
كتاب "القانون في الطب" لابن سينا
الذي يعتبر
منذ صدوره وإلى الآن أكثر الكتب الطبية
استعمالا و شيوعا على مرّ العصور. القرآن معجزة
إلهية، عندنا نحن المسلمين فقط، نحن خمس سكان العالم، و العلم معجزة مادية بشرية
معترف بجدواها و نجاعتها من قبل كل سكان العالم مع اختلاف عقائدهم السماوية منها و
البشرية. على حد علمي، لقد توصّل العلماء المسلمون القدامى إلى
تطوير العلوم دون اللجوء إلى القرآن كمرجع علمي و توصّل أيضا العلماء الغربيون المعاصرون
إلى اكتشافاتهم الحديثة دون الاعتماد على الكتب المقدّسة. القرآن مقدّس عند المسلمين بطبيعته الإلهية و لا يحتاج
إلى سند أو برهان من العلم ذو الطبيعة المادية البشرية الدنيا بل العكس هو الصحيح
فالعالم المسلم يحتاج للقرآن و ليس للعلم لإثبات إيمانه و ترسيخه في نفسه. القرآن
كتاب إيمان و هداية للعالم و الجاهل و الإسلام مبني على اليقين و التسليم بما جاء
في القرآن أمّا العلم فهو مبني على الشك و الخطأ و الصواب. القرآن ثابت و العلم
متحوّل. القرآن عابر للزمان و المكان و العلم ابن بيئته. القرآن متماسك و متجانس و
العلم يناقض نفسه كل يوم. القرآن يدعو لتصديق ما جاء فيه و العلم يدعو لتفنيد و
دحض و تكذيب حجج العلماء لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
خلاصة
القول:
أتوجه
للقارئ كصديق حميم له و ليس كباحث علمي. لم أعد أصلا باحثا علميا منذ حصولي على
شهادة الدكتورا ككل الدكاترة العرب الذين يطلّقون البحث العلمي بمجرد توظيفهم
بالجامعة و يتفرغوا لنقل العلم و ليس إنتاجه و يجنّدون كل طاقتهم العلمية من أجل
الترقية المهنية السخيفة لحشو سيرتهم الذاتية بأشباه البحوث المنقولة أو المسروقة
من أصحابها الغربيين أو الآسيويين صناع الحضارة العلمية الحديثة. أعلمكم يا أساتذة
جامعاتنا "العظام" أن الجامعات العلمية المتطوّرة علميا - ليس للجامعات
العربية مكان في الترتيب العلمي للخمس مائة جامعة الأولى في العالم في البحث
العلمي - ألغت الملاحظات عند منح شهائد الدكتورا (لا حسن و لا مشرّف لأن كل بحث
علمي هو حسن و مشرّف مهما كانت نتائجه) و ألغت أيضا التصنيفات الأستاذية السخيفة من
مساعد إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر إلى أستاذ فخري و وحّدتهم في صنف أستاذ
تعليم عالي حتى يتفرّغ الأستاذ الغربي إلى البحث العلمي و لا تلهيه الترقيات
المهنية عن مهمته الأساسية.
أنبه
القارئ أنني لست مختصا في علوم القرآن و لست متبحّرا في العلوم رغم حصولي على
الأستاذية في علوم الحياة و الأرض و الدكتورا في تعلمية البيولوجيا من جامعة تونس
و جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا لكن هذا لم يمنعني من الإدلاء برأيي في هذا
الموضوع كمفكر حر و مستقل عن الإيديولوجيات. لا أقولها مجاملة أو تقية بل أؤمن
إيمانا راسخا بعدم جدوى الإيديولوجيات لأنها كما قال سارتر: "الإيديولوجيات
حرية في بداية تشكّلها و ظلم و قهر بعد نهاية تشكّلها"
« Les
idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites »
و أضيف
ما قاله جوزيف
غابــل
في نقد الإيديولوجيات: " فالإيديولوجيا، من حيث إنها متجهة صوب الماضي، ستكون وظيفتها هي
الحفاظ على الوضع الاجتماعي، في حين أن
اليوتوبيا، وهي مشرئبة نحو المستقبل هي عامل ثوري" : يكفي القرآن الكريم شرفا عند
المسلمين أنه كتاب إيمان و هداية، يحثّ و يشجّع على العلم و العمل و إعمال العقل و
لن يزيده رفعة و شرفا احتواءه للاكتشافات العلمية الحديثة المادية البشرية و لن
ينتقص من قيمته الروحية عند المسلمين خلوّه من النظريات العلمية الحديثة التي لا
ترتقي في مجملها إلى حقائق ثابتة ثبوت النص المقدّس.
يهدف
القرآن إلى بناء علاقة روحية عمودية سرية
شخصية و متعالية على العقل و العلم و المادّة مع المسلم العالم و الجاهل
على حد السواء ليهديه و يجذبه و يقرّبه من ربه و يبني العلم علاقة ظرفية شكّية أفقية
عمومية مشتركة و نديّة مع الإنسان مسلما أو غير مسلم ليربطه بواقعه المادّي
المحسوس و يشدّه إلى جذوره المادية الطبيعية. لن يزيد المسلم إيمانا فوق إيمانه،
اتساع القرآن ليشمل نظرية النشوء و الارتقاء لداروين أو نظرية النسبية لأينشتاين كما لا ينقص
إيمانه عدم وجود النظريتين بوضوح في نصه المقدّس. المسلم الذي ينتظر من القرآن
شواهد و إثباتات علمية مادية محسوسة و واضحة حتى يسلّم بإعجازه و مصدره الإلهي هو
إنسان مادّي بالقوة (en puissance) "قد"
يلتقي في شكّه مع الملحد الذي لا يؤمن بالقرآن كتابا مقدّسا و الذي يؤكد جازما أن
هذا الكتاب بشريّ لأنه لا يحتوي البتة على حجج و قرائن مادية مقنعة و دالة على
وجود خالق وراء هذا الوجود المادي المحسوس و غير المحسوس و المرئي و غير المرئي. أما
الملحد الذي يبحث في الغيبيات و يحاول تكذيب عقيدة غير مادية مستعينا بمنطق مادي
فهو مؤمن بالقوة لكنه ضعيف الإيمان.
خاتمة:
لنفرض
جدلا أن كل الاكتشافات العلمية الغربية البشرية الحديثة موجودة في القرآن الكريم
منذ 14 قرنا. فهل هذه الحقيقة تضيف شيئا من الاستحقاق العلمي للمسلمين المعاصرين
الذين لم يشاركوا في صنع هذه الاكتشافات؟ و هل تضيف شيئا إلى قدرة الله الذي يقول
للشيء: "كن فيكون"؟ و لماذا لا نقول الحق كما أمرنا رسولنا الكريم صلوات
الله عليه و ننسب المجهود إلى أصحابه، علماء الغرب الذين ألهمهم الله - أليسوا من
عباده الصالحين؟ - فاجتهدوا و عملوا و وصلوا و نجحوا بواسطة جهدهم البشري إلى صنع
العلم و بناء المعرفة و سهروا و حرصوا على تطويرهما؟ أما نحن المسلمين العرب
المقيمين في بلدان إسلامية، فقد فشلنا أيما فشل في بناء العلوم و صنع أبسط الآلات،
و لم يبق لنا سوى الادعاء الكاذب و انتحال صفة العلماء الغربيين (مسلمين و غير
مسلمين) و نسبة اكتشافاتهم لأنفسنا زورا و بهتانا، و الله - سبحانه و تعالى - غني
عن عملهم و عملنا و وجوده لا يحتاج إلى برهان علمي إلا لدى ضعاف الإيمان من
أمثالنا و لكنه في الوقت نفسه كريم و سيجازي العلماء الغربيين على ما فعلوه من أجل
تقدم و رقي البشرية و سيلوم المسلمين المتقاعسين على ما فعلوه بأنفسهم.
و
أخيرا أنوّه بالعلماء الغربيين المسلمين الذين شاركوا زملاءهم العلماء الغربيين
غير المسلمين بناء العلم و المعرفة (و ليس اكتشافهما كما يُقال خطأ) و أشد على
أياديهم و أقول لإخوانهم المسلمين المقيمين في البلدان الإسلامية، باستثناء
ماليزيا: ما فعله إخوانكم المسلمين المقيمين في البلدان العَلمانية الديمقراطية هو
الإعجاز العلمي بعينه، فعلوه بالعمل و المثابرة في المخابر العلمية الغربية جنب
زملائهم العلماء غير المسلمين، و لم يفعلوه بالتعسف و الإسقاط في تأويل آيات
القرآن الكريم، القرآن المنزّل النهائي هو
كتاب يقين و إيمان و لا يجوز حسب رأيي
مقارنته بكتب العلم البشرية المبنية أساسا على الجائز و الطارئ و الشك و الخطأ و
الصواب، و الإيمان أرقى ألف مرة من العلم لو كنتم تفقهون!
إمضاء م. ع. د. م. ك.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر
على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن
يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية
السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج
العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض
رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل
إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري
و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك
وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و
إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن
عارضتها فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
البديل يُصنع بيني و بينك، لا
يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire