samedi 16 novembre 2013

كيف أفهم ديني؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

كيف أفهم ديني؟  مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 مارس 2012.

في صدري آخر دين توحيدي في تاريخ البشرية. دين يشمل البشرية بأسرها و ليس فقط المسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو البهائيين. دين غير إقصائي و غير عنصري و غير متعصب. دين أتى برسالة للعالمين. دين أممي عالمي غير قومي و غير وطني و غير طائفي و غير فئوي. أفهمه أنا كدين للمحبة و التقى و الورع و التسامح و الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة البشرية. دين يحس بآلام الإنسان أيًّا كان دينه أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو لونه أو جنسه أو جنسيته. دين لا يفرّق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى. دين يعترف و يكرّم و يبجّل و يحترم كل الأديان و كل الرسل و كل الأنبياء الذين سبقوه. أنا أفهم الدين كعلاقة حميمية عمودية خاصة مباشرة مع الله. و للأسف الشديد، لقد فهمه أكثرية المسلمين كشعائر و طقوس خارجية يمارسها المسلم بشكل ميكانيكي أو آلي مُفرغ من كل معنى روحي أو تأثير أخلاقي على الشخص المسلم نفسه قبل غيره. قد يمارس بعض المسلمين جميع الطقوس بخشوع مشهدي و بكل مواظبة و انتظام، ثم يسرقون أو يغشّون في تجارتهم و أعمالهم أو يحقدون على جيرانهم لأنهم ليسوا من دينهم أو مذهبهم... ما نفع التديّن في مثل هذه الحالة؟ لقد فهموا الدين الإسلامي كطاعة سلبية و خضوع لعلماء الدين و دعاته و هو في الواقع تسليم بإله مجرد عن الأهواء.

و قد استولى رجال الدين على العقيدة الإسلامية و استخدموها و وظفوها و استغلوها أسوأ استغلال لإشباع جشعهم و مآربهم و مآرب ملوكهم و أمرائهم و رؤسائهم. بل و حرّفوا المقاصد النبيلة للدين الإسلامي عن مسارها الصحيح. و قسّموا الناس إلى شيعة و سنّة و سلفية و إباضية، إلى حنفية و شافعية و مالكية و حنبلية، إلى إسلاميين و عَلمانيين، إلى أصوليين و حداثيين، إلى مذاهب إسلامية متناقضة متناحرة متباغضة متقاتلة. و استغلوا خشوع و ميل عامة المسلمين للتقى و الإحسان لكي يأخذوا منهم الصدقات و الزكاة و يراكموا الأموال و يبنوا القصور أو ينفقوها في سبيل قتل المسلم لأخيه المسلم باسم الجهاد. .. و هكذا شاع الشقاق و النفاق و الحسد و الغيرة و الأحقاد في المجتمعات العربية و الإسلامية. و لم يبق من الدين الإسلامي إلا المظاهر الخارجية الفارغة، و الأحكام المسبقة المتوارثة التي تحوّل البشر إلى وحوش عن طريق الطائفية و المذهبية و التعصب و الجهل و التزمت، و ذلك لأنها تحرم المسلمين الأميين و المتعلمين غير المثقفين من استخدام عقولهم بشكل حر و تخنق فيهم شعلة العقل البشري.

يبدو لي أنه علينا  أن ننطلق من هذا العقل لكي نؤسس مجتمعا آخر أكثر حرية و أكثر إنسانية. إن القرآن يعلمنا أفضل القيم الأساسية الضرورية لسلوكنا اليومي في الحياة. إنه يعلمنا أن الله موجود، أيّاً كان تصورنا له. و يعلمنا أن الله يسهر على مصير البشر، كل البشر دون تمييز، و يشملهم بعنايته و يأمرهم بأن يحبوا بعضهم بعضا. ألم يقل الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه و سلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". و هل هناك من تسامح أكبر من ذلك؟ فكيف حوّل بعض علماء الدين و دعاته رسالة محمد السمحة هذه إلى تعصب و دعوة للعنف و إكراه في الدين و ملاحقة لكل عالِم أو مفكر أو مبدع أو فنان أو فيلسوف مسلم عَلماني؟ كيف حوّلوا الشيء إلى نقيضه و حرّفوا الدين عن مبادئه الأصلية السامية؟

في الواقع إن الدين بالنسبة لي هو المحبة و التسامح و الحرية المطلقة و الكرامة البشرية و العدالة الاجتماعية و المعاملة الحسنة و السلوك المستقيم أولا و أخيرا. و أما كل ما عدا ذلك فطقوس و شعائر تختلف من مذهب إلى مذهب، و لا تؤثر في الجوهر الطاهر الخالص، فهناك إذن جوهر للدين في نظري، و هناك قشور و قوالب خارجية. و المهم هو الجوهر لا القشور. المهم هو الرسالة الروحية التي علمنا إياها الرسول و التي تدعو أساسا إلى التقى و العمل الصالح.


إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

ملاحظة هامة
النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 187، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر و رابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شرح فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث هذا النص و في هذه الصفحة و الصفحات التي تليها بالتحديد عن الدين المسيحي في القرن 17م.  استعرت منه القالب اللغوي للنص و طوّعته و حشوته أفكارا معاصرة و كأن الكاتب إذ يصور حالة المسيحية في ذلك العصر يتحدث عن حالة الإسلام و المسلمين اليوم! يبدو لي أنني قد قمت بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة و دون تعسّف أو تحريف أو تجنّ على النص الأصلي و دون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire