lundi 7 octobre 2013

مقارنة بين التنوير في القرآن و في أدب روّاد النهضة الأوروبية. نقل و تعليق مواطن العالم د. محمد كشكار

مقارنة بين التنوير في القرآن و في أدب روّاد النهضة الأوروبية. نقل و تعليق مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 13 مارس 2012.

المصدر:
كتاب "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 147، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر و رابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة.

تنبيه ضروري:
ما أنشره في هذه السلسلة من نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب الأصلي ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.

نص هاشم صالح و تعليق م. ع. د. م. ك:
صفحة 95، الفضيحة الأولى: "لورنزو قالا"، أحد النهضويين (نسبة إلى النهضة الأوروبية) و الإنسيين في القرن الخامس عشر (1407 م – 1457 م)، فقد تجرأ مثلا على الكشف عن زيف الوثيقة الكنسية الشهيرة المدعوة "هبة قسطنطين"...ماذا تقول هذه الوثيقة بالضبط؟ إنها تزعم أن الإمبراطور قسطنطين وهب البابا سيلفستر حق امتلاك روما و إيطاليا، و عموما حق امتلاك السلطة الزمنية، و ليس فقط السلطة الروحية. و على الرغم من هذا العمل المضاد للمبدأ الإنجيلي القائل "ما لقيصر لقيصر، و ما لله لله"، كما أنه مضاد لكلمة المسيح الشهيرة "مملكتي ليست من هذا العالم"، إلا أن بابوات روما كانوا يستمتعون بهذه السلطة الدنيوية و يحرصون عليها أشد الحرص. و قد وصل بهم الأمر إلى حد خلع الملوك و الأباطرة و إخضاعهم لهم، و ممارسة السلطة السياسية بكل جبروت و اقتدار. و هكذا خرجوا على مبادئ الإنجيل و انتهكوها بعد أن أغرتهم السلطة الدنيوية بكل متعها و أطايبها.

هامش 1 على نفس الصفحة: و هذا ما ينقض الأطروحة الاستشراقية الشهيرة التي تعيب على الإسلام خلطه بين الروحي و الزمني في حين أن المسيحية فصلت بينهما منذ البداية كما يزعمون! ثم شاعت هذه الأطروحة في أوساط بعض المثقفين العرب و تبنوها من دون أي مراجعة أو تفحص حتى أسقطتها تحليلات محمد أركون مؤخرا. فالواقع أن المسيحية مارست السلطة السياسية طيلة عدة قرون مثلما حصل عندنا في الجهة الإسلامية. و كل الثورات الحديثة التي جرت في الغرب كانت تهدف إلى التحرر من رجال الدين، و إعادتهم إلى كنائسهم لكي يهتموا بالشؤون الروحية فقط، و يتركوا السياسة للسياسيين. فتلويث الدين بالسياسة يضر السياسة و الدين في آن معا. و لكن الكهنوت المسيحي لم يتخلّ عن السلطة بعد أن ذاق طعمها إلا بعد معارك طاحنة و جهد جهيد.

و أما الفضيحة الثانية التي أثارها هذا العالم المختص بالدراسات اللغوية و تحقيق النصوص كمعظم النهضويين، فقد اندلعت عندما نشر كتابه: المتع و الملذات. فقد أثبت أنه يحق للمسيحي أن ينال نصيبه من متع هذا العالم و ملذاته بانتظار ملذات العالم الآخر من دون أن يتخلى عن إيمانه. كل متعة هي خير يقول أنطوان (أحد الأشخاص الثلاثة في الكتاب و الذي يدافع عن المذهب الأبيقوري المنغمس في الملذات و يهاجم الموقف الرواقي المحجم عنها)، ثم يدافع صراحة عن المتع الحسية أو الجنسية (فالحياة السماوية لا تستبعد متع الجسد على عكس ما نتوهم). بل إن متع الجسد في الجنة أعظم منها على الأرض و لكن المتع الروحية تظل أعظم من كل شيء. ففرحة الروح تبلغ هناك ذروتها و كمالها  و عندئذ تبتدئ الحياة الحقيقية: حياة الأبد و الخلود. هكذا نجد أن "لورنز قالا" يظل مؤمنا على طريقة القرون الوسطى، و لكن الفرق الوحيد بينه و بين أناس هذه القرون هو أنه لا ينكر المتع الجسدية و لا يحرمها. و بالتالي فهو قروسطي و نهضوي (نسبة إلى النهضة الأوروبية) في آن معا.

تعليق م. ع. د. م .ك:
-         نقطة قرآنية مضيئة عدد 1: و نحن نعرف أن حق التمتع بالملذات مكفول شرعا منذ ظهور الإسلام في القرن السابع ميلادي لكل المسلمين بما فيهم علماء الدين أو رجاله.
-         نقطة قرآنية مضيئة عدد 2: و المتع الحسية و الجنسية حلال محلّل أيضا في الإسلام لكل المسلمين بما فيهم علماء الدين و رجاله منذ القرن السابع ميلادي ، انظر كتاب "الجنسانية في الإسلام" للمفكر التونسي عبد الوهاب بوحديبة.
-         نقطة قرآنية مضيئة عدد 3: و متع الجسد موعودة أيضا في جنة الإسلام و مشروعة لكل المسلمين بما فيهم علماء الدين و رجاله منذ القرن السابع ميلادي.
-         و المسلمون أيضا بما فيهم علماء الدين و رجاله يفضلون أيضا المتع الروحية عن المتع الجسدية منذ القرن السابع ميلادي.
-         بناء على فلسفة لورنزو قالا في القرن الخامس عشر في كتابه "المتع و الملذات"، نستطيع القول أن الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم، مؤسسي الإسلام و الدولة المدنية الإسلامية، قد قاموا بالنهضة الإسلامية منذ القرن السابع ميلادي لذلك ينطبق عليهم نعت النهضويين الإسلاميين أكثر مما ينطبق على جميع النهضاويين (نسبة إلى حزب حركة النهضة التونسي) و السلفيين التونسيين المعاصرين  و خاصة بعض النهضاويين منهم الذين لم يستنبطوا شيئا و لم يطوروا شيئا بل يريدون تحريم الاجتهاد و التطور و الاستنباط و الخلق و الإبداع في جميع المجالات، الدينية منها و الدنيوية (الفنية و الفلسفية و الاجتماعية و حتى في بعض الحقول العلمية المحرمة كاستنساخ الأعضاء لزرعها أو الإنجاب بمساعدة طبية) و أما بعض السلفيين، فهم لم يأخذوا عن الرسول و أصحابه إلا عاداتهم في الأكل و الشرب و اللباس و تركوا الأهم الذي يتمثل في عبقرية السلف الصالح الفذة و منهجهم الثوري و عقليتهم التحديثية و التجديدية و التنويرية و النهضوية الإسلامية مقارنة بعصرهم في القرن السابع ميلادي.

صفحة 99: إيراسموس زعيم النهضة الأوروبية (1469 م -1532 م)، يمكن اعتبار إيراسموس الشخصية التي جسدت مُثُل عصر النهضة و النزعة الإنسانية في أرقى تجلياتها. و لكن لا يفهمنّ أحد من هذا الكلام أنه كان مضادا للدين. على العكس، لقد كان مؤمنا مستنيرا راسخ الإيمان...كان أبوه كاهنا، و لذا فلم يستطع أن يعترف به، و إنما ظل ولدا غير شرعي. و كانت عادة منتشرة في ذلك الزمان أن يتخذ الرهبان عشيقات و أحيانا يحملن منهم من دون أن يعترفوا بالطفل لأنه ولد خارج الزواج الشرعي...أفكاره الجريئة و التجديدية كانت تصدم جمهور الرهبان و اللاهوتيين، ما عدا المستنيرين منهم أو الإنسيين الذين اطلعوا على فلسفة اليونان و آدابها و مزجوا بينها و بين الدين (إضافة م. ع. د. م. ك: نقطة مضيئة حضارية ثقافية غير قرآنية: و نظير إيراسموس عندنا هو ابن رشد، 1126م - 1198م، مُلهِم النهضة الأوروبية في القرن الثاني و الثالث عشر)...و كان يلقب هؤلاء الرهبان بـ"البرابرة" الذين يخلطون بين التقى و الورع من جهة، و بين الجهل من جهة أخرى. فبقدر ما تكون جاهلا و لا تطرح أي سؤال تكون تقيا! و كان يزعجه كثيرا رفضهم للثقافة اليونانية و الآداب الجميلة.

إضافة م. ع. د. م. ك:  نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية و غير مضيئة: كما يزعجني أنا أيضا رفض بعض علماء الدين الإسلامي و بعض المتدينين المسلمين للثقافة الغربية بغثها و سمينها و يزعجني أكثر عداوة هؤلاء الصارخة - عن جهل - للفنون الجميلة بمسرحها و سينمائها و نحتها و رسمها و رقصها و غنائها و يؤلمني جدا و يحز في نفسي رفض بعضهم للعلوم الغربية الحديثة مثل الأنتروبولوجيا و الأركيولوجيا و نظرية التطور و الإبستومولوجيا و علم الألسنية و علم النفس و الاكتشافات العلمية التجريبية في مجال الاستنساخ و الإنجاب بمساعدة طبية و بنك الحيوانات المنوية و زرع البويضات للنساء العاقرات و حرية التعبير المطلقة من كل قيد و شرط إلا ما تمنعه أخلاقيات المهنة و ضمير المبدع و حرية النشر في وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات الحرة و الأنترنات، مدونات و فيسبوك و تويتر.

تابع لنص هاشم صالح: قام (إيراسموس) شخصيا بتحقيق الإنجيل من جديد، و نشر نسخة عنه مختلفة كثيرا عن النسخة الرسمية التي تعتمدها الكنيسة (إضافة م. ع. د. م. ك: نقطة قرآنية مضيئة عدد4: و هذا ما أكده القرآن الكريم قبله بثمانية قرون عندما قال أن إنجيل المسيحيين المستعمل آنذاك محرّف)...و هكذا أدخل المنهجية النقدية إلى ساحة العلوم الدينية لأول مرة. و سوف يكون لذلك أثر تحريري كبير في المستقبل...في الواقع إن الإنسانيين - النهضويين كانوا أكثر تدينا مما نظن على الرغم من إعجابهم بالحضارة اليونانية و فلسفتها...يقول بما معناه: "إن الدين يسر لا عسر"، و لكن المؤسسات البشرية الصغيرة هي التي أضافت كل تلك القيود و الإكراهات التي تضغط علينا و تثقل كاهلنا.

إضافة م. ع. د. م. ك: نقطة قرآنية مضيئة عدد 5: و هذا ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم منذ ثمانية قرون قبل إيراسموس: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسّروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلْجَة (و الدلجة تعني السير من أول الليل أو سير الليل كله)" و لكن بعض علماء الشريعة عسّروا علينا ديننا الإسلامي، فالرسول الكريم لم يفرض علينا إلا الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و الصدقة و صلة الرحم.

صفحة 157: ومن الأمثلة الأخرى الشنيعة على الظلامية المسيحية ما حصل للفيلسوف "ميشيل سيرفيه" الذي أحرقوه حيا في جينيف بتهمة التشكيك بعقيدة التثليث، و هي من العقائد الأساسية في المسيحية. فبمجرد أن شكك بصحتها ألقى طعمة للنيران و لم يشفع له علمه و لا فلسفته و لا إنسانيته.

صفحة 183: المذهب السوسيني، نسبة إلى سوسين (1540 م - 1604 م)، و هو مصلح بروتستانتي من أصل إيطالي وصل به الأمر إلى حد إنكار التثليث و ألوهية المسيح، و هو من أكثر المذاهب عقلانية في المسيحية.

إضافة م. ع. د. م. ك: نقطة قرآنية مضيئة عدد 6: قال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، جاءت في القرآن منذ القرن السابع ميلادي.

صفحة 159: و أثبت (الأب ألفريد لوازي 1857 - 1940) أن عيسى ابن مريم هو نبي فقط و لا يتصف بصفة الألوهية التي تتجاوز النبوة كما يزعم المسيحيون. ثم أصدر البابا قرار تكفيره و فصله من الكنيسة عام 1908 (إضافة م. ع. د. م. ك:  نقطة قرآنية مضيئة عدد 7: قال تعالى: "قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(. و أصدر البابا بيوس العاشر عندئذ قرارا بإدانة الاشتراكية و الليبرالية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و مجمل الأفكار الحديثة، و اعتبرها كفرا ما بعده كفر (إضافة م. ع. د. م. ك:  نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية و غير مضيئة: و هذا ما يفعله السلفيون الجهاديون و الوهّابيون اليوم، في القرن الواحد و العشرين في السعودية و مصر و تونس).

صفحة 159: هامش 2: من أهم هذه التنازلات (عام 1962، عندما انعقد المجمع الكنسي الشهير باسم الفاتيكان الثاني...و هكذا اعترفوا لأول مرة بشرعية المنهج التاريخي و التأويل الحديث للدين. كما و قدموا تنازلات أخرى عديدة لأفكار و توجهات العصور الحديثة) نذكر الاعتراف بالحرية الدينية و أنه لا يمكن إجبار أي شخص على الإيمان غصبا عنه. و منها التعددية الدينية و المذهبية و التخلي عن المقولة اللاهوتية الشهيرة التي استمرت ألفي سنة تقريبا و التي تنص على ما يلي: خارج الكنيسة الرومانية البابوية الكاثوليكية المقدسة لا نجاة للإنسان في الدار الآخرة و لا مرضاة عند الله. و هي مقولة تدين ليس فقط الأديان الأخرى كاليهودية و الإسلام و إنما أيضا المذاهب الأخرى غير الكاثوليكية و بخاصة المذهب البرتستانتي.

إضافة م. ع. د. م. ك: نقطة قرآنية مضيئة عدد 8: قال تعالى: "فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر..." و قال: "لكم دينكم و لي دين..."، و قال: " قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". يبدو لي - و الله أعلم - و أنا غير المختص في تأويل الآيات، أننا نستطيع أن نستنتج مما سبق أن القرآن يعترف بحرية المعتقد و يقرّ بتعدد الأديان قبل أن يعترف بها المجمع الكنسي بـ12 قرن.

صفحة 190: و لكن الناس جميعا يتهمون "سبينوزا" بالإلحاد في القرن السابع عشر ميلادي (إضافة د. م. ك: كما اتهم علماء السنّة - و دعاتها - "الحلاج" (858 م- 922م) بالإلحاد )، فما هو سبب ذلك؟ السبب هو كتابه التالي الذي نشر بعد هذا الكتاب. و نقصد به رائعته الفلسفية المدعوة بــالأخلاق. فهذا الكتاب قدم تصورا عن الله يختلف كليا عن تصور اليهود و المسيحيين و جميع أتباع الأديان التوحيدية. فالله أصبح هو الطبيعة أو كلية الوجود و لم يعد هو ذلك الله الخالق، المنفصل عن خلقه، و القابع في أعلى السماوات. أصبح الله على يد سبينوزا هو قوانين الطبيعة و العقلانية المطلقة التي تتحكم بها. أصبح هو الكون بما فيه و من فيه. أصبح هو القوة الحيوية المنبثَّة في الكون. و ربما كان هذا التصور الغريب من نوعه هو الذي دفع أوروبا المسيحية إلى رفض سبينوزا و نبذه على مدار ثلاثة قرون تقريبا. عندئذ اتهم بالمادية، و الإلحاد، و الحلولية، و وحدة الوجود (إضافة م. ع. د. م. ك: كما وقع تقريبا بالضبط لـ "الحلاج" قبل 8 قرون خلت، عندما صاح صيحته الشهيرة: "ما في الجبة إلا الله" و قال قولته - الشِرْكِيّة لمن لم يفهمها- "أنا الحق").

صفحة 200: ثم يرى سبينوزا أن الفلسفة تتوصل إلى نفس الحقائق و لكن عن طريق العقل و البرهان لا عن طريق الإيمان و التسليم. و بالتالي فهناك طريقان إلى الحقيقة أو الخلاص: طريق الفلسفة و طريق الدين. و الأول خاص بالمثقفين فقط، أما الثاني فخاص بعامة الشعب الذين لا يستطيعون التوصل إلى الحقيقة عن طريق العقل. و هذا الكلام يشبه كلام ابن رشد (إضافة د. م. ك: لكن بعده بـ5 قرون). و هناك طريقان لتصور الله بحسب سبينوزا: طريق الدين حيث نجد الله يخاطب خيال البشر و عاطفتهم من خلال موسى و عيسى و الأنبياء بشكل عام. و هناك الله المطابق للطبيعة بحسب التصور الفلسفي أو العقلاني. و بالتالي فالكتابات المقدسة لا تستطيع أن تقدم لنا أي شيء عن طبيعة هذا التصور الفلسفي لله، و لا عن صفاته و علاقاته بالبشر. فهذه أشياء من اختصاص الفلسفة وحدها. هنا يتجاوز سبينوزا ابن رشد بشكل كامل. في الواقع إن سبينوزا كان يهدف من كتابه هذا إلى تقديم تفسير عقلاني للكتابات المقدسة يواجه فيه - أو يحجّم إذا أمكن - التفسير اللاعقلاني لعلماء اللاهوت المتزمتين. و بالتالي فمعركة سبينوزا كانت مفتوحة مع جميع الأصوليين من كل الأجناس و الأنواع (إضافة د. م. ك: بما فيهم الأصوليين الإسلاميين المعاصرين). كانت معركته مع التعصب الديني الأعمى الذي إذا ما خرج من قمقمه أصبح كالمارد الأهوج لا يبقي و لا يذر (إضافة م. ع. د. م. ك: كما هو حال السلفيين الجهاديين اليوم في العالم العربي و الإسلامي).

نقطة قرآنية مضيئة عدد 9 و ليست الأخيرة: صفحة 253: فالواقع أن الحركة التي دشنها المصلح الديني مارتن لوثر عام 1517 م عندما ثار ضد صكوك الغفران...فالإنسان المؤمن إذ يتخلص من كل العبوديات ما عدا العبودية لخالقه...و يمكن القول بمعنى من المعاني إن موقف لوثر أقرب إلى روح الإسلام بالمعنى الأصلي و الأوّلي للكلمة.

خاتمة
صفحة 161: لذلك أستهجن موقف المثقفين الأوروبيين الذين يتهموننا بالتعصب و التزمت، و ينسون كم عانوا هم من تعصب تراثهم و رجال دينهم قبل مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة. من السهل أن تضحك على الآخرين أو تستهزئ بهم بعد أن تكون قد سويت مشكلتك مع نفسك و أصبحت قويا، ناجحا، متفوقا. و لكنني أستغرب في ذات الوقت موقف المثقفين العرب الذين يعتقدون أن بإمكاننا أن نتوصل إلى الحداثة الحقيقية (أو الحريات الديمقراطية و التعددية الروحية و السياسية) من دون أن نخوض معركة الصراحة مع الذات التراثية.

إضافة م. ع. د. م. ك: و أستهجن أنا بدوري موقف أكثرية الحداثيين العرب، سوى كانوا يساريين أو قوميين أو ليبراليين، الذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير المجتمع العربي الإسلامي دون فهم ميكانيزماته الداخلية و آلياته الإجرائية و منطقه الخاص به و دون الاطلاع المعمّق على تاريخه و فلسفته و تراثه و ثقافته.

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire