jeudi 10 octobre 2013

فكرة قرأتها في كتاب: هل أن الأصولية الإسلامية التي تخيف الناس، هي في الواقع خائفة على مستقبلها؟ نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

فكرة قرأتها في كتاب: هل أن الأصولية الإسلامية التي تخيف الناس، هي في الواقع خائفة على مستقبلها؟ نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 31 مارس 2012.

المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط. كتاب من أفضل الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أصوب الفلاسفة العرب التنويريين، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية المعاصرة.

تنبيه ضروري:
ما أنشره في هذه السلسلة من نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.

نص هاشم صالح:
صفحة 197: و لكن من الواضح أن العرب - و المسلمين بشكل عام - يُعانون من انسداد خطير لم يسبق له مثيل في التاريخ. لهذا السبب يبدو مصيرهم قلقا، مترددا، و كأنه على كف عفريت. و ما اندلاع الحركات الأصولية بمثل هذه القوة و الجبروت منذ عشرين سنة إلا أكبر دليل على عمق هذه الأزمة، و استفحالها و خطورتها. يمكن أن ننظر إلى الحركة الأصولية من زوايا مختلفة. و لكن نادرا ما ننظر إليها من الزاوية التالية: لماذا لا نقول بأنها تعبّر عن قلق عميق (أو خوف شديد) من الاقتراب من لحظة الحقيقة؟ من المعروف أن المرء يرتجف رعبا عندما تقترب منه حقيقته، أو عندما يقترب من لحظة الحقيقة المطموسة منذ سنوات طويلة. بهذا المعنى فإن الأصولية ليست إلا تشنجا أو اختلاجا هائجا يسبق انكشاف الحقيقة.

بما أنني شخص "بدائي" لا يستطيع أن يفهم بدون مقارنة محسوسة، و بما أن حداثة الغرب تميل لأن تفرض نفسها على جميع الناس في عصر العولمة الكاسح، فإني مضطر لطرح هذا السؤال: ألا تعبر الأصولية عن محاولة يائسة (و ربما دونكيشوتية) لتحاشي العصر، لتحاشي الدخول في الحداثة؟ فالأصولية التي تخيف الناس هي في الواقع خائفة. أليست هي آخر طلقة نارية نطلقها قبل الاستسلام لمنطق العصر في سلوك المنهج العلمي و التقدم و العقلانية؟ أليست شهقة المحتضر - احتضار القرون الوسطى قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ بكلمة أخرى و أخيرة: أليست آخر عتمة، و أقوى عتمة، العتمة التي تسبق مباشرة انبلاج الفجر؟

و لكن هذه العتمة قد تطول أكثر مما نتوقع. صحيح أن عصر الأصولية ابتدأ يلهث قليلا و يبدي بعض أمارات التعب و العناء. صحيح أن عصر "ما بعد الأصولية" ابتدأ يتراءى في الأفق المنظور. صحيح أيضا أن كل ظاهرة محتقنة بعد أن تشبع انفجارا تتراخى و تهدأ تماما كما يهدأ الإعصار أو الزلزال...فمتى سيشبع إخواننا الأصوليين من الانفجار و التفجير؟ متى سيقذف الواقع بكل الحمم المخزونة في أحشائه، في أعماق أعماقه؟ هذا هو السؤال. و بالتالي فإن الأصولية ليست استثناء على القاعدة. فقوتها الانفجارية - أو العنفية - سوف تخف تدريجيا بطبيعة الحال. و سوف تخف أيضا قدرتها على التعبئة و التجييش: تعبئة الشبيبة العربية و الجماهير. و لكن الأسئلة التي طرحتها بشكل مباشر أو غير مباشر، فج أو غير فج، سوف تبقى. و سوف تشغلنا لفترة طويلة مقبلة من السنين.

إن الأصولية ليست هي الحل كما توهم بعض المتسرعين السذّج، أو كما أمِلَ بعض المحافظين الماضويين. و إنما هي العلامة التي لا تخطئ على الأزمة، على حدة الأزمة. الأصولية ليست العلاج أو الدواء و إنما هي أعراض المرض. بهذا المعنى يمكن القول إن الانفجار الأصولي كان أمرا محتوما لا نستطيع تحاشيه. كان لا بد من المرور من هذه المرحلة العصيبة و المؤلمة من تاريخنا. و لكن ليست كلها مؤلمة. فالأصولية فيها إيجابيات لا تنكر. و أول إيجابياتها التنبيه إلى مسألة الهوية و التعلق بالجذور. الأصولية كانت محاولة عطشى لمعانقة الجذور. في الأصولية جوع هائل للهوية و رفض للاستغراب بعد طول انفصام أو تهديم و ضياع في الأديولوجيات الأجنبية المستوردة (و أحيانا بشكل رديء، إن لم يكن في أكثر الأحيان..). بهذا المعنى فإن الأصولية تمثل لحظة مشروعة أو شرعية. إنها لحظة الارتطام بالقعر، لحظة معانقة الذات التراثية التي انصرفنا عنها بحجة التخلف و الرجعية، لحظة العودة إلى البيت القديم...و لكنها لحظة مؤقتة بالطبع، أو لحظة عبور، لأنها رد فعل و ليست فعلا، الفعل يجيء لاحقا بعد مرور العاصفة...

الأصولية هي الرد المنطقي على فشل الحداثة العربية - الإسلامية. و لكن إذا ما نجحت هذه الحداثة يوما ما، فسوف تنحسر عنا أوهام الأصولية كما ينحسر الضباب عن بطن الوادي. سوف ينزاح كابوسها عن صدورنا كما تنزاح الصخرة عن كاهل سيزيف (و لكن لكيلا تعود هذه المرة، أو في كل مرة).

ليُسمح لي أن أخاطر هنا بالأطروحة التالية: إن ما يحصل الآن من مآس و انفجارات شيء محتوم و إجباري ما دام الاحتقان موجودا، و ما دامت المشاكل الداخلية لم تُحل و ما دامت لحظة المصارحة مع الذات لم تُحسم. و لا أقول ذلك فقط من باب الإيمان بمقولة هيغل "كل ما واقعي عقلاني"، أي له سببيّته أو ضرورته المسجَّلة في أحشاء الواقع. و إنما لأن التاريخ يتقدم من أبوابه الخلفية أحيانا، و لأن الكوارث و الفواجع هي الثمن المدفوع لكي تنحل عقدة التاريخ. كنت أتمنى لو أننا نستطيع إحراز التقدم بدون دفع الثمن، بدون المرور بهذه المرحلة التراجيدية و العصيبة التي نمر بها. و لكن هذا مستحيل: فلا بدَّ دون الشهد من إِبَرِ النحل...

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا. هاشم صالح.
الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر. هيغل.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire