lundi 14 octobre 2013

ما الفرق بين المسيحية الروسية الأرتدوكسية و المسيحية الكاثوليكية و البروتستانتية؟ نقل مواطن العالم د. محمد كشكار

ما الفرق بين المسيحية الروسية الأرتدوكسية و المسيحية الكاثوليكية و البروتستانتية؟  نقل مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 أفريل 2012.

المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط. كتاب من أفضل الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أنضج الفلاسفة التنويريين العرب، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية الإسلامية المعاصرة.

تنبيه ضروري:
ما أنشره في هذه السلسلة من نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.

نص هاشم صالح:
صفحة 326: و هناك فرق أساسي بين هذا المذهب و المذاهب المسيحية الأخرى المسيطرة على أوروبا الغربية مثلا كالمذهب الكاثوليكي أو المذهب البروتستانتي. فالكنيسة الروسية لم تشهد تشكُّل لاهوت عقلاني كما حصل في المسيحية الغربية أو حتى في الإسلام مع تشكّل علم الكلام و انتشار مذهب المعتزلة. و المقصود بـ"اللاهوت العقلاني" إقامة نوع من المصالحة أو التوفيق بين الدين و الفلسفة. و هذا ما فعله المعتزلة و الفلاسفة في الجهة الإسلامية، كما فعله على إثرهم كبار اللاهوتيين المسيحيين في أوروبا من أمثال القديس توما الأكويني مثلا. و معروف أنه عرف كيف يوجِد تركيبة توفيقية بين العقيدة المسيحية و الفلسفة الأرسطوطاليسية. و سيطرت هذه التركيبة على أوروبا طيلة العصور الوسطى، بل و لا تزال مستمرة حتى يومنا هذه من خلال المذهب التومائي (من اسم توما).

لكن لم يحصل شيء من هذا القبيل في المسيحية الروسية. و التيار السلافي الأصولي يعتبر ذلك امتيازا و فخرا. فعلى الصعيد الروحي العميق نلاحظ أن الكنيسة الأرتدوكسية تعيب على المسيحية الغربية عقلانيتها الزائدة عن الحد و اختلاطها بالفلسفة الإغريقية التي هي وثنية في نهاية المطاف. و يفتخر الأصوليون الروس بأنهم حافظوا على المعنى الحقيقي للدين و الإيمان اللذان يذهبان إلى ما وراء العقل أو يتجاوزان العقل. فالعقل ليس إلا شيئا بشريا في نهاية المطاف، هذا في حين أن الدين يرتكز على كلام الله و النص المقدس، أي الإنجيل. و قد تشكل التيار السلافي في القرن الثامن عشر كرد فعل على التيار التحديثي الذي يريد تقليد الغرب (إضافة د. م. ك: مع أنني لست مختصا في تاريخ الأديان المُقارن - اختصاص أتمنى أن يُدرّس في الثانوي -  لكن يبدو لي أن التيار السلافي يشبه إلى حد ما التيار السلفي العلمي غير الجهادي و غير الوهابي المتواجد عندنا في المذهب السنّي). و كانت الفكرة السياسية هي أنه لا ينبغي على روسيا أن تتبع خط المسيحية الغربية لأن هذا الخط أدى إلى تشكيل مجتمع مادي أكثر مما ينبغي. كما و أدى إلى انحسار الدين عن المجتمع و حلول الفلسفة و العلم محله، و هذا ما يخشاه التيار السلافي الأرتدوكسي أشد الخشية.

أضف إلى ذلك أن الصناعة و التجارة و عبادة المال كلها أشياء أدت إلى إفراز طبقة فقيرة مدقعة تدعى بـ"البروليتاريا"، و قسمت المجتمع إلى فئات متناحرة، و أصبحت الحياة الروحية غائبة كليا أو معدومة. و كان المثقفون السلافيون يعتقدون أن السبب العميق لحصول هذه الظاهرة الخطيرة هو عقلنة المسيحية الغربية ليس فقط عن طريق الفلسفة اليونانية، و إنما أيضا عن طريق الفلسفة الحديثة من ديكارت و انتهاء بهيغل و فلاسفة التنوير.

في الواقع إن أتباع التيار السلافي كانوا جميعهم متدينين بعمق. فالإيمان بالنسبة إليهم ليس كلمة رخيصة أو مجانية، و ليس مفهوما فلسفيا تجريديا، و إنما هو حقيقة واقعة يعيشونها و تجربة وجودية لا تُضاهَى. و كانوا يعتقدون بأن الإيمان الأرتدوكسي على الطريقة الروسية يمثل الإيمان الصافي للمسيحية، أي الإيمان الذي لم تَشُبْه شائبة على عكس ما حصل للمسيحية الغربية بفرعيها الكاثوليكي و البروتستانتي. و كان أتباع التيار السلافي يعتقدون بأن روسيا التي عرفت كيف تحافظ على المذهب المسيحي الصحيح مرشحة لأن تنقذ الغرب و البشرية كلها عن طريق حضارة جديدة مبنية على الإيمان التقي.

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

نحن العربَ، مسلمي و مسيحيي القرن الحادي و العشرين، نتموضع حضاريا في الوقت الراهن في المنعطف التاريخي الفاصل بين القرن الثامن عشر و العصور الوسطى الذي تموضع فيه الأوروبيون قديما. هذه حقيقة أصبحت شبه متأكد منها الآن بعد حوالي ثلاثين سنة من التيه و الدوران و الضياع الأيديولوجي، قضيتها في شك دائم و يقين مؤقت، قضيتها في قراءات متعددة و متنوعة باللغة الفرنسية، جلها ماركسي و بعضها علمي بيولوجي و وجودي و قومي و إسلامي. لذلك احتطت اليوم لنفسي و ارتبطت منذ سنوات بمشروع النهضة العربية الإسلامية كتابة و نشرا، ثم نقلا و تعليقا على رواد النهضة الفكرية العربية الإسلامية من أمثال المفكرين العرب المسلمين النهضويين التنويريين المعاصرين: الطاهر الحداد و طه حسين و "محمد الغزالي" و جمال البنّا و نصر حامد أبو زيد و علي عبد الرازق و  صادق جلال العظم و هاشم صالح و عبد الله العروي و محمد أركون و حسين مروة و علي حرب و محمد الشريف الفرجاني و عبد المجيد الشرفي و هشام جعيط و محمد الطالبي و غيرهم كثيرون. و كان ذلك لي عزاء من غربتين أو عدة غروبات دفعة واحدة: غربة عن اللغة العربية، غربة عن الأرض و التاريخ، غربة عن التراث العربي الإسلامي، غربة عن المجتمع التونسي البربري الإسلامي العربي الأممي، غربة عن الأصالة و الذات - غربة الغربات.

"و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا". هاشم صالح.
"الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر". هيغل.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
قال الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدَهُما". أي يتحمل القائل مسؤولية الكفر إن كانت التهمة باطلة و هي في جميع الأحوال باطلة لأن القائل لا يعلم ما في السرائر فهو إذن متجنِّ حتى و لو كان المتهم كافرا فعلا لأن علم الكافر و حسابه عند الله و الله وحده العلاّم بما في  القلوب.

قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ضلّ إذا اهتديتم إلى الله".
الشك طريق إلى مزيد من الشك (في العلم بالطبع و ليس في الدين، فالدين بطبيعته لا يتحمل الشك و هو يقين من أوله إلى آخره). مواطن العالم د. م. ك.
و كما قال هاشم صالح: "ليس بالماديات وحدها يحيا الإنسان، على عكس ما علّمتنا تلك الوضعية الاختزالية (Le positivisme réducteur)، أو الماركسوية الفجّة و الكسيحة".



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire