نقد سلوكيات بعض المسلمين
المعاصرين. مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 15 مارس
2012.
منذ 5 قرون، وجه زعيم النهضة
الأوروبية ، إيراسموس نقدا إلى بعض
المسيحيين في سلوكياتهم في القرون الوسطى و قياسا على ذلك أوجه أنا اليوم نقدا إلى بعض المسلمين في سلوكياتهم
الحالية.
ملاحظة هامة
لقد نقلت الاستشهادات حول نقد
سلوكيات بعض المسيحيين من كتاب "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، تأليف: هاشم
صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر و رابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005،
الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. و دون تعسف أو إسقاط مرحلة تاريخية على مرحلة معاصرة، أضفت نقدي الشخصي لسلوكيات بعض المسلمين في القرن الواحد
و العشرين. أرجو من القارئ الكريم أن لا يغفل أن بين النقد و النقد خمسة قرون
بتمامها و كمالها و أرجو من المسلم أن لا يخشى مقارنة دينه مع أي دين آخر فمن منّا
لا يرى أمه أفضل الأمهات؟ و مَن منّا لا يغرّه جمال الأخريات؟
-
صفحة 111: يعتقد الرواقيون (المسيحيون) بأن المجزرة التي يذهب ضحيتها ألف شخص تمثل
خطيئة أقل أهمية من رتق حذاء أحد المساكين يوم الأحد!...لماذا؟ لأن العمل يوم
الأحد حرام!...و هكذا ندخل في متاهة من الفتاوى و الأقوال التي لا أول لها و لا
آخر و لا علاقة لها بأي واقع محسوس.
-
هامش (1) في نفس الصفحة: لقد حضرت مرة مناقشة رسالة دكتوراه في علم اللاهوت و
سمعت كلاما عجبا. سمعت أحدهم يسأل الطالب: "ما هي الآية الإنجيلية التي تنص
على أنه يُفضّل حرق الهراطقة أحياء بدلا من إقناعهم عن طريق الحجة" ؟!...هذا
مستوى اللاهوتيين المسيحيين. و لو ظهر إيراسموس، زعيم النهضة الأوروبية (1469 م
-1532 م) في العالم الإسلامي حاليا و سمع أقوال الأصوليين لجُنّ جنونه أيضا.
-
تعليق د. م. ك: نقد المسلمين
عدد 1: كنت أحاور، يوما ما، شابّا
إسلاميا،
ابن صديق عزيز و هو حديث التديّن و كان لا يصافح النساء، فقلت
له: "ما الضرر يا ابن صديقي في
مصافحتهن و قد كنا و لا زلنا نحن معشر الرجال في قرية جمنة المحافظة (ولاية قبلي)
نصافح النساء في عيد الفطر و عيد الأضحى باليد و مع المحصنات الأمهات و الجَدّات منهن
بالقبل و الأحضان، فهل نحن مجتمع إباحي؟". قال: "معاذ الله يا عمي محمد،
أنا لم أقل هذا لكن رسول الله، صلى الله عليه و سلّم، قال: "لأن يُطعن
أحدكم بمِخْيَط من حديد في رأسه خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له".
-
تعليق د. م. ك: نقد المسلمين
عدد 2: يقول الداعية الإسلامي السلفي المصري وجدي غنيم أن رسول
الله، صلى الله عليه و سلّم، قال: "الختان سنّة للرجال مكرمة للنساء" و قد
أكّد الشيخ التونسي السنّي المالكي، عبد الفتّاح مورو صحة الحديث رغم أنني وجدت
على النات ما يلي: "وقد نص الحافظ العراقى فى
تعليقه على "إحياء علوم الدين" على ضعف هذا الحديث أيضاً. وسبقة إلى
تضعيفه الأئمة البيهقى وأبن أبى حاتم وأبن عبد البر. وجميع طرق رواية هذا الحديث
تدور على، أو تلتقى عند، الحجاج بن أرطاة وهو لا يحتج به لأنه مدلس".
لن أناقش صحّة الحديث أو ضعفه و لن
أناقش مضمونه لأنني غير مختص في تحقيق الأحاديث و تأويلها. لكنني أرى لزاما عليّ
كرجل مختص في علم البيولوجيا أن أتدخل ردّا على تدخل وجدي غنيم في البيولوجيا و هو
غير المختص في البيولوجيا عندما وصف ختان البنات بأنه عملية تجميل و أسأله: كيف
نسمي بتر عضو جنسي مهم من أعضاء جسم المرأة عملية تجميل؟ أيعني هذا في علم الجمال،
أن كل امرأة تحمل بظرا كاملا سليما، هي امرأة غير جميلة؟ ألا نسمي عادة في علم
التشريح كل فرد فقد عضوا من أعضائه معوقا؟ و أذكّر الشيخ غنيم بأن القضيب عند
الرجل و البظر عند المرأة هما عضوان ينحدران من نفس الأصل الأمبريولوجي الجنيني! و
أضيف مؤكدا دون الدخول في التفاصيل أن للعضوين المجهزين بعديد النهايات العصبية
الحسّاسة نفس الوظيفة الفيزيولوجية المهمة التي تتمثل في التقاط و تقبل المثيرات
الجنسية الخارجية و تبليغها عن طريق الأعصاب الحسّاسة إلى المخ أين تقع عملية الإدراك و الإحساس
باللذة، و الإحساس باللذة لدى المرأة و الرجل أثناء الجماع هي حلال محلّل على حد
علمي و استنادا إلى كتاب "الجنسانية في الإسلام" للفيلسوف و الأكاديمي
المسلم السنّي المالكي التونسي عبد الوهاب بوحديبة.
-
صفحة 111: ثم يصب جامَ غضبه على
الرهبان و يقول: "إن معظمهم لا دين له. و لا أحد يسرح في الأرض طلبا للمال
أكثر من هؤلاء الرهبان الذين يدعون الوحدة و التفرغ لعبادة الله...و على الرغم من
ذلك فإنهم مغرورون و صفيقون إلى أقصى حد ممكن. لماذا؟ لأن ذروة التقى و الورع في
نظرهم هي أن تكون جاهلا بشكل مطبق. و كلما زاد جهلك زاد إيمانك أو اقترابك من الله!...ثم
لأنهم يزعقون في الكنائس...و كلما زاد جهلهم زاد زعيقهم. و الكثيرون منهم يعرفون
كيف يستغلون قذارتهم و دروشتهم.
-
تعليق د. م. ك: نقد المسلمين
عدد 3: و أنا بدوري أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه و
أتبنى نقده للرهبان المسيحيين و أسلّطه دون تعسف على الدعاة التلفزيين
الإسلاميين أمثال وجدي غنيم و عمرو خالد و غيرهم و علماء السلطة و مفتيها المسلمين
أمثال القرضاوي في قطر و البوطي في سوريا و ماذا
ترجون من فضيلة الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى - شيخ الازهر الذي صافح رئيس وزراء إسرائيل شيمون بيريز؟؟ و أقول: "إن معظمهم لا علم له بالدين و فيهم من لم يكتب كتابا واحدا
في حياته مثل وجدي غنيم حسب تصريح مهدي مبروك وزير الثقافة النهضاوي التونسي
الحالي. و لا أحد يسرح في الفضائيات طلبا للمال أكثر من هؤلاء الدعاة الذين ينصحون
المسلمين بالتفرغ لعبادة الله...و على الرغم من ذلك فإنهم مغرورون و صفيقون إلى
أقصى حد ممكن. لماذا؟ لأن ذروة التقى و الورع في نظرهم هي أن تكون جاهلا بشكل مطبق
و لا تقرأ للكفار من العلماء و لا تذهب إلى المسرح و لا تسمع الفن و لا تستمتع بجمالية
المنحوتات و اللوحات لأنه حسب رأيهم حرام في الإسلام. و كلما زاد جهلك و نبذك
للحداثة و الفن و الإبداع زاد إيمانك أو اقترابك من الله!...ثم لأنهم يزعقون في
المؤتمرات الشعبية و الفضائيات...و كلما زاد جهلهم زاد زعيقهم. و الكثيرون منهم
يعرفون كيف يستغلون قدراتهم في الدروشة الحداثية لجمع ثروات طائلة من أموال
الفقراء و المساكين و الأغنياء الأغبياء الذين يصدقون كلامهم و هم مسلوبي الإرادة عن جهل أو تقصير أو إيمان
عجائز.
-
صفحة 112: ثم يشهّر إيراسموس بالخرافات و الخزعبلات التي لحقت بالإيمان
(المسيحي) الصحيح و أساءت إليه، و يقول: "إنهم لمجانين أولئك الذين يعتقدون
بأنهم لن يموتوا أثناء النهار إذا ما نظروا إلى صورة القديس كريستوف، أو أولئك
الذين يتضرعون إلى القديسة "بارب" لكي تحميهم في ساحة القتال، أو أولئك
اللذين يتضرعون إلى القديس إيراسموس في أيام معينة لكي ينزل عليهم الثروة و الغنى
بأقصى سرعة ممكنة...و هكذا يقدمون القرابين و الأضاحي للقديسين لكي يشفعوا لهم و
يحققوا رغباتهم المادية و الدنيوية. ثم يصرخ إيراسموس قائلا: و ماذا يمكن أن أقول
عن أولئك الذين يشترون صكوك الغفران و هم يعتقدون أنها ستخفف عنهم ذنوبهم أو حتى
تمسحها مسحا كاملا؟
-
تعليق د. م. ك: نقد المسلمين
عدد 4: و من داخل الحضارة الإسلامية
العربية التونسية و دون تعسف،
أشهّر أنا أيضا بالخرافات و الخزعبلات التي لحقت بالإيمان الإسلامي الصحيح و أساءت
إليه، و أقول: " إنهم لمجانين أولئك الذين يعتقدون بأنهم لن يفشلوا في
دراستهم أو أعمالهم إذا ما قرؤوا سورة أو آية معينة ألف مرة في اليوم، أو أولئك البسطاء
من الصوفيين الطرقيين الذين يتضرعون إلى الأولياء الصالحين لكي يحموهم من الأوبئة
و الأمراض الجرثومية المعدية، أو أولئك الشيعة أو الدروز أو العلويين اللذين
يتضرعون إلى الحسين و فاطمة و علي في أيام معينة لكي ينزلوا عليهم الثروة و الغِنى
بأقصى سرعة ممكنة...و هكذا يقدم البسطاء الصوفيون الطرقيون القرابين و الأضاحي للأولياء
الصالحين لكي يشفعوا لهم و يحققوا رغباتهم المادية و الدنيوية البسيطة مثل نجاح
أولادهم في الدراسة أو تزويج بناتهم العوانس. ثم أصرخ قائلا: و ماذا يمكن أن أقول
عن أولئك الذين يحجون إلى الكعبة و البيت الحرام و هم يعتقدون أن حجة واحدة بعد
حياة فاسقة ستخفف عنهم ذنوبهم أو قد تمسحها مسحا كاملا؟
-
صفحة 117: فالدين (المسيحي) ليس
منعا و زجرا، أو ردعا و تخويفا، و إنما هو محبة أولا و أخيرا. هذا هو جوهر رسالة
الإنجيل في نظر إيراسموس: المحبة و الشفقة و الإحسان. و قد غطت القشور و القوالب
على الجوهر، و لا بد من تعزيلها و إزالتها لكي ينبثق الجوهر من تحت الركام أو من
تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان إيراسموس مصلحا من الطراز الأول. فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى الجذور لمعرفة
كيف كانت على حقيقتها و أين حصل الانحراف عنها و متى. فهناك الدين في أوله و هناك
الدين في آخره و شتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في
فترة من فترات التاريخ. و لهذا السبب اهتم إيراسموس بتطبيق المنهجية اللغوية و التاريخية
على الإنجيل من أجل تطهيره من الشوائب و الأخطاء التي لحقت به فيما بعد. و لهذا
السبب قدم ترجمة جديدة له غير الترجمة الشائعة و المعتمدة من قبل الكنيسة. و بلور
قواعد التأويل الحديث بشكل واضح في المقدمة الشهيرة التي كتبها لتلك الترجمة. و
دشّن بذلك منهجية النقد التاريخي في أوروبا.
-
تعليق د. م. ك: نقد المسلمين
عدد 5: و أنا أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه و أتبنى
نقده للدين المسيحي و أسلّطه بدوري دون تعسف أو إسقاط على الدين الإسلامي مع
التأكيد على حقيقة ثابتة عندنا و هي أن "القرآن الحالي هو نسخة أصيلة لم
تُحرّف" و أقول: فالدين الإسلامي ليس منعا و زجرا، أو ردعا و تخويفا، و إنما
هو محبة أولا و أخيرا، على الأقل كما أفهمه و أتذوقه أنا و أؤمن به، أنا المتطفل المؤمن المحب المسالم المتسامح
غير المتعصب و غير المختص في الدين. هذا هو جوهر رسالة القرآن، محبة و شفقة و
إحسان في نظر النهضويين المؤسسين: أمثال الحنفي
قس بن ساعدة و محمد صلى الله عليه و سلّم، و أبو بكر الصديق و المجتهد الأول عمر
بن الخطاب و علي بن أبي طالب و أبو ذر الغفاري، رضي الله عنهم، و المجددون
الأوائل: أمثال الطبري و الأئمة الأربعة و ابن رشد و ابن سينا و الفارابي، و المثقفون
المسلمون الجدد و المعاصرون: أمثال جمال
الدين الأفغاني و محمد عبده و طه حسين و محمد أركون و هشام جعيط و عبد المجيد
الشرفي و آمال قرامي و الطاهر بن عاشور و الطاهر الحداد و محمد الشريف الفرجاني و
محمد الطالبي و أبو يعرب المرزوقي و هاشم صالح و محمد الغزالي و جمال البنا و
غيرهم من النهضويين التنويريين. و قد غطت قشور التديّن و قوالبه الجاهزة و
المتكلسة عبر القرون على الجوهر الثوري في
الدين الإسلامي عند بنائه في القرون الوسطى، و لا بد من عزل هذه القشور و إزالتها
لكي ينبثق الجوهر الصافي النقي من تحت الركام أو من تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد
كان المذكورون أعلاه، مصلحين من الطراز الأول.
فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى سيرة السلف الصالح لمعرفة كيف كانت على
حقيقتها و أين حصل الانحراف عنها و متى؟ فهناك التدين في أوله و هناك التدين في
آخره و شتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة من
فترات التاريخ. و لهذا السبب اهتم المصلحون النهضويون الجدد بتطبيق المنهجية
اللغوية و التاريخية على تأويل القرآن و الحديث من أجل تطهيره من الشوائب و
الأخطاء البشرية التي لحقت به فيما بعد.
لكننا لسنا في حاجة مثل حاجة إيراسموس إلى تقديم ترجمة جديدة للإنجيل غير الترجمة الشائعة المحرفة
و المعتمدة من قبل الكنيسة (و قد أكّد القرآن تحريف الأنجيل قبل إيراسموس بثمانية
قرون) لأن قرآننا وصل إلينا في نسخته الأصلية غير محرّف و الحمد لله، و هي النسخة
الوحيدة المعتمدة من كل المسلمين، شيعة و سنة و إباضيين و سلفيين، كلهم متفقون
بالإجماع على نص واحد أوحد يتجسّم في المصحف المعتمد للقرآن منذ 15 قرن. و قد بلور
المصلحون المذكورون أعلاه، خاصة المجددون الأوائل منهم قواعد التأويل بشكل واضح في
الكتب العديدة و الشهيرة التي كتبوها و
نشروها منذ 10 قرون أو أكثر و سبقوا النهضويين الأوروبيون بقرون. ثم جاء الخلف
الصالح الذي يتمثل في المثقفين المسلمين الجدد و المعاصرين و دشّنوا بدراساتهم
العميقة و المتعددة منهجية النقد التاريخي
في العالم الإسلامي. لكن و مع الأسف الشديد، نهضنا و سبقنا أوروبا في نهضتها في
نهاية القرون الوسطى (القرن الثاني عشر م و القرن الثالث عشر م)، أخذوا عنا أحسن
ما فينا و فاتونا، و نحن تركنا أفضل ما فينا و لم نأخذ عنهم إلآ أحط ما فيهم فقطيعتنا
الرجعية قطيعتان، لا قطيعة واحدة، قطيعة أولى مع "حداثتنا" و نهضتنا في
الفترة العباسية من الحضارة الإسلامية و قطيعة ثانية مع حداثة أوروبا الحالية. دخلنا
في عصور من الانحطاط منذ القرن الثاني عشر أو الثالث عشر ميلادي، عصور مظلمة عجز ثلة
من المصلحين النهضويين المعاصرين و المثقفين المسلمين الجدد عن تنوير ظلمتها رغم
مجهوداتهم النهضوية الجبّارة.
- صفحة 120: إن كل علية القوم هؤلاء تناسبهم الفلسفة المسيحية و يستطيعون أن يفهموها.
و لكن ماذا نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم و يتثقف و الذي لا
يستطيع أن يفهم رسالة فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع؟ إن الرسالة
الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة الصور و
الأيقونات (صور المسيح و العذراء و القديسين). كل ما يفهمونه هو الصلاة و الصيام و
الحج و التبرك بالمزارات و المقامات و قبور القديسين، ...الخ، أي كل ما يدينه
إيراسموس و أمثاله. فصور القديسين و أيقوناتهم هي "إنجيل الجاهل" الذي
يعجز عن القراءة و الكتابة.
تعليق د. م. ك:
نقد المسلمين عدد 6: و أنا أحاكي إيراسموس في ما
ذهب إليه و أتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين و أسلّطه بدوري دون تعسف على البسطاء
من المسلمين المعاصرين و أقول:
إن كل علية القوم المسلمين هؤلاء
يناسبهم الفكر الإسلامي و يستطيعون أن يفهموا تفريعاته المتعددة و تعقيداته
الفلسفية. و لكن ماذا نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم و يتثقف و
الذي لا يستطيع أن يفهم رسالة محمدية فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع؟ إن
الرسالة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة أشياء
محسوسة و مرئية (قبور الأولياء الصالحين الصوفيين و معجزاتهم الوهمية و كراماتهم
المزيفة و طقوس أتباعهم و مريديهم في "الحضرة"). كل ما يفهمونه هو
الصلاة و الصيام و الحج و التبرك بالمزارات و المقامات و قبور الأولياء الصالحين،
رموز الصوفية التي تبعدنا عن التوحيد و تقرّبنا من الوثنية، و هي تمثل حاجة روحية
بالنسبة للشعب الجاهل و بعض أصحاب الشهائد المتعلمين و المتكونين غير المثقفين و
نردف نحن من جهتنا قائلين بأنها تمثل أيضا رزق القائمين على الزوايا الصوفية
الطُّرقيّة و القائمين على الحَوزات العلمية الشيعية، الذين يعيشون كالطفيليات على
صدقات الشعب البسيط المٌعدم و المؤمن، و هذه ممارسات يدينها المصلحون الجدد و المثقفون المسلمون
الجدد. فالطقوس الشكلية المُفرغة من كل إيمان مجرد خالص لله هي "إسلام
الجاهل" الذي يعجز عن التفكير و التثاقف و الانفتاح على العلوم الحديثة مهما
كان مأتاها ما دمنا نهتم بمضمونها و فحواها و لا نكفّر قائلها و شارحها و ناشرها.
-
صفحة 121: في الواقع إنه
ينبغي التمييز بين حالتين: حالة السلم و حالة الحرب. ففي أوقات السلام كان هؤلاء
(الطبقات العليا و المستنيرة في أوساط الكنيسة و السلطة) يستمعون إلى إيراسموس و
يؤمنون بأقواله. و لكن ما إن تدلهم الأمور و تدق ساعة الحرب حتى يغيرون رأيهم و
يهرعون إلى الرهبان. و ذلك لأنهم يعلمون أن الرهبان هم وحدهم القادرون على تجميع
جيش جرار في أوساط الشعب. و بالتالي فينسون إيراسموس و تعاليمه التنويرية و فلسفته
العالية عن الدين. و هذا ما حصل عندما اندلعت الحرب في كل أنحاء أوروبا بين لوثر و
الكاثوليك. فقد أخذت مواقع إيراسموس العقلانية و التنويرية تنحسر و تتراجع. و لم
يعد هناك من مجال إلا للسيف و المناضلين الأشداء. و أصبح إيراسموس يخشى حتى على
نفسه. ففي عام 1527 استطاع الرهبان الإسبانيون - و هم من أشد الرهبان تعصبا - أن
يحصلوا من رئيس محاكم التفتيش على إذن رسمي بفحص كتب إيراسموس لمعرفة ما إذا كانت
تحتوي على أفكار مهرطقة أم لا.
تعليق د. م. ك:
نقد المسلمين عدد 7: و أنا أحاكي إيراسموس في ما
ذهب إليه و أتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين و أسلّطه بدوري دون تعسف على الحالة الإسلامية
المعاصرة في تونس و مصر و أقول: في
الواقع إنه ينبغي التمييز بين حالتين: حالة الانتخابات و السلطة و حالة المعارضة.
ففي أوقات المعارضة لنظام بن علي و مبارك كان الإخوان المسلمون يستمعون إلى آراء
العقلانيين و يؤمنون بالفلسفة و الحداثة و يقتربون سياسيا من الوسط. و لكن ما إن ادلهمت
الأمور و دقت ساعة الانتخابات و قرب الوصول إلى السلطة حتى غيروا رأيهم و هرعوا إلى الدعاة السلفيين المشهديين و إلى
أئمة الجوامع أنصاف أو أرباع المثقفين دينيا و اجتماعيا. و ذلك لأنهم يعلمون أن هؤلاء
هم وحدهم القادرون على تجميع جمهور غفير من البسطاء الموالين و المناصرين و
المتعاطفين مع الإخوان المسلمين و الناخبين في أوساط الشعب. و بالتالي فقد نسوا أو
تناسوا العقلانيين (أمثال أبو يعرب المرزوقي و محمد الطالبي و هشام جعيط و عبد
المجيد الشرفي و غيرهم) و ضربوا بعرض الحائط بتعاليم هؤلاء الأخيرين التنويرية و
فلسفتهم الإسلامية النهضوية التجديدية العالية. و هذا ما حصل بالضبط عندما انتصرت
الثورات في كل أنحاء العالم العربي. فقد أخذت مواقع الفلاسفة العقلانيين الحداثيين
المسلمين و التنويريين تنحسر و تتراجع. و لم يعد هناك من مجال إلا للعنف و ممارسات
بعض المناضلين السلفيين الجهاديين الأشداء. و أصبح المثقف الحداثي التونسي و
المصري يخشى حتى على نفسه. ففي عام 2012 استطاع السلفيون الجهاديون التونسيون - و هم
من أشد السلفيين تعصبا - أن يحصلوا من رئيس قناة نسمة التونسية الخاصة على اعتذار
رسمي عن بث فيلم "برسيبوليس" الإيراني المتهم بأنه مس بالذات الإلهية عند
تصويره لله في هيئة شيخ ملتح وقور.
إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في
أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم
غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire