فكرة قرأتها في كتاب: لماذا
فشلت الحداثة في العالم العربي و الإسلامي؟ نقل و تعليق مواطن العالَم د. محمد
كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 2 أفريل
2012.
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة
الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر،
بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام
الشط. كتاب من أفضل
الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أصوب الفلاسفة العرب
التنويريين، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية المعاصرة.
تنبيه ضروري
ما أنشره في هذه السلسلة من
نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل
بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى
الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر
الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة.
أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه
"مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن
نتغافل عن كون
الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.
نص هاشم صالح
صفحة 160:
و لكن من الواضح أن العلاقة
مع آخر ثقافة أو مع آخر طبقة جيولوجية هي أقوى بكثير من العلاقة مع الطبقات
السفلية أو الثقافات الغابرة التي لم نعد نتذكرها إلا عن طريق الحفريات
الأركيولوجية. و من هنا فشلُ كل الدعوات العتيقة: كالقومية السورية، أو القومية
الفرعونية... إلخ، و ذلك لأن الطبقة العربية - الإسلامية هي التي تهيمن على الوعي
من أقصاه إلى أقصاه، و لا يمكن للتغيير أن يحصل إلا من خلالها و بناء على تطويرها
و تحديثها (أضف إلى ذلك أن طبقة الحداثة التي حاولوا لصقها على الطبقة العربية -
الإسلامية و إعدام هذه الأخيرة تماما عن طريق القفز فوقها قد فشلت. و كانت حداثة
عدمية أو تخريبية لأن هذه الحداثة لم تتم عن طريق التفاعل الصعب و التدريجي مع
التراث العربي - الإسلامي ذاته. لم تتم عن طريق المواجهة الصريحة،
الداخلية و العميقة، معه، كما حصل في أوروبا بالنسبة لتراثها المسيحي)، (هامش
الكاتب في نفس الصفحة: و فيما يخص مُعاركة التراث من الداخل أو مصارحته و
مكاشفته لا أجد أقوى من محاولة محمد أركون. (إضافة 1 م. ع. د. م. ك: و أضيف
أنا إلى محمد أركون قائمة طويلة من رواد النهضة العربية المعاصرة أمثال حسين مروة
و جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و طه حسين و علي حرب و محمد الشريف الفرجاني و
جمال البنّا و نصر حامد أبو زيد و علي عبد الرازق و عبد المجيد الشرفي و هشام جعيط
و آمال قرام و محمد حداد و محمد الطالبي و صادق جلال العظم و هاشم صالح و الطاهر
الحداد و عبد الله العروي و الطاهر بن عاشور و غيرهم كثيرون).
صفحة 166:
ما حققته أوروبا على مدار
ثلاثة قرون متتالية، و بشكل تدريجي و إنساني، نطالب نحن بتحقيقه خلال عدة عقود من
السنين! و هذا أمر مستحيل، بل و خطر على توازن الشخصية التاريخية للأمة الإسلامية
و العربية. و ربما لهذا السبب نشهد الآن مثل هذه التشنجات و الاختلاجات الهائجة
هنا أو هناك. فصدمة التحديث موجعة إذا ما أتت دفعة واحدة، أو إذا ما كانت قادمة
على هيئة "غزو ثقافي" كاسح لا يرحم (هامش الكاتب في نفس الصفحة:
لست من مؤيدي مقولة "الغزو الثقافي" بالطبع لأنها مقولة أيديولوجية
هدفها منع التفاعل مع الحداثة. و لكن لا نستطيع أن نمنع الناس من الشعور بأن
الحداثة الغربية هاجمة عليهم و كأنها غزو. و بالتالي فلا بد من تهيئة عقول البشر
لتقبل الحداثة تدريجيا. فالمسيحيون الأوروبيون أنفسهم يشعرون بهذه الحداثة و كأنها
عدوان عليهم و على يقينيّاتهم و معتقداتهم...).
ينبغي على التحديث أن يتم
درجة درجة، و مرحلة فمرحلة. و لا ينبغي أن ننتقل إلى المرحلة التالية قبل أن نهضم
تماما كل متطلبات المرحلة الأولى. حذار من عسر الهضم بالنسبة للتطور التاريخي،
فأفضل منه عدم الهضم على الإطلاق! حذار من حرق المراحل و المغامرات الطائشة و
محاولة اللحاق بالآخرين بأي شكل. فمن يريد كل شيء دفعة واحدة، سوف يحصد في النهاية
اللاشيء. و لذلك فإن التطور التدريجي المعقول - أي المهضوم و المستوعب جدا - هو
التطور الوحيد الباقي الذي يرسخ في الأرض. إنه التطور الذي يراعي عقلية الناس و
تقاليدهم و حساسيتهم و يمشي بهم خطوة فخطوة على الطريق الصحيح. (إضافة 2 م. ع. د.
م. ك: قال تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". و كيساري من نوع خاص يعني غير
منبت عن مجتمعه التونسي العربي البربري الإسلامي الأممي و متماهِ مع بيئته و
حضارته، هذا ما جعلني شخصيا، لا أؤمن بمفهوم "الثورة" أو التغيير الفجائي العنيف ماديا أو
فكريا أو التغيير الحضاري الصادم و لا أؤمن بتاتا بالعنف الثوري الماركسي أو
السلفي و هذا ما دعاني أن أجتهد فكريا و أحاول قدر المستطاع تعويض مفهوم الثورة
بمفهوم جديد، اشتغلت عليه في أطروحة الدكتوراه 2007، اسمه "التغيير المفاهيمي"
الفكري السلمي المتدرج البطيء أو ما يُدعى بالفرنسية
Le changement conceptuel progressif : renouvellement et dépassement des concepts
périmés et simultanément auto-construction des conceptions scientifiques afin d’essayer
de remplacer les conceptions non scientifiques résistantes et récalcitrantes
dominantes chez l’individu et dans la société arabo-musulmane.
يريد رفاقي في اليسار
الماركسي التونسي الأصولي الأرتدوكسي الدوغمائي تغيير مجتمعهم التونسي البربري العربي
الإسلامي الأممي إلى الأفضل و أنا لا أشك البتة في صدقهم و إخلاصهم لوطنهم، لكنني
أشكك في طريقتهم المتوخاة للتغيير و أشكك أكثر في عدم إلمامهم بالتراث العربي
الإسلامي الأممي. يبدو لي أنهم يريدون تغيير مجتمع بآليات و فكر
مجتمع آخر، يريدون تغيير مجتمع دون أن يفهموه و يدرسوه و يطلعوا على تراثه الفكري
الغزير و الغني و الذي يحتوي على جوانب عديدة مضيئة - يجب إحياؤها - و أخرى مظلمة -
يجب نقدها - ككل حضارات العالم).
و لذلك أقول (الكاتب
هاشم صالح) إن استيعاب المنهجية العلمية في كافة المجالات سوف يأخذ وقتا طويلا، بل
و ينبغي أن يأخذ وقتا طويلا. و نحن إذا ما درسنا كيفية انبثاق العقلية العلمية في
أوروبا وجدنا أنه كان انبثاقا صعبا، طويلا، بطيئا، معقدا. فقد اصطدمت أولا
بالعقلية الأسطورية و الغيبية المسيطرة، و لم تستطع أن ترسّخ أقدامها جيدا قبل أن
تزحزح العقلية اللاعلمية (أو الماقبل علمية) عن مواقعها. هذا أول مبدأ من مبادئ
الإبستمولوجيا.
إمضائي المختصر:
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في
أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم
غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا. هاشم صالح.
الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر. هيغل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire