محاولة
مختصرة لتعريف الأصولية الأرتدوكسية الإسلامية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 17 مارس 2012.
المصدر:
كتاب "مدخل إلى
التنوير الأوروبي"، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر و رابطة
العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعت الثانية 2007، بيروت – لبنان، 264
صفحة
ملاحظة هامة:
كتب هاشم صالح النص الأصلي
الذي استوحيت منه محاولتي هذه، في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"،
صفحة 172، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر و رابطة العقلانيين
العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شرح
فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. ينقد هذا النص الأصولية
الأرثودكسية المسيحية في القرون الوسطى. استعرت منه القالب اللغوي للنص و
طوّعته و حشوته أفكارا معاصرة تصلح لنقد الأصولية الأرثودكسية السنّية الإسلامية المعاصرة السائدة في
المجتمعات العربية الإسلامية. يبدو لي أنني قد قمت بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة و
دون تعسّف أو تحريف أو تجنّ على النص الأصلي و دون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة
على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.
نص م. ع. د. م. ك:
يندرج تعريفي هذا في خانة
الاجتهاد و قد قال الرسول، صلى الله عليه و سلم: من اجتهد و أصاب فله أجران و من
اجتهد و لم يصب فله أجر واحد. و أنا قنوع جدا و أكتفي بأجر واحد. و أقول لكم لماذا
يُمنح المجتهد المخطئ أجرا مع أنه أخطأ و لم يصب، يُجازَى المخطئ لا لتشجيعه على
الخطأ و إنما للدور البيداغوجي الذي يؤديه خطؤه، فالخطأ هو محرك القسم بالنسبة
لعلوم التربية، و من الخطأ يتعلم المخطئ و غير المخطئ. يخلق الخطأ حركية و نقاشا
علميا في القسم و يتعلم التلميذ المخطئ عندما يحاول إصلاح خطئه ذاتيا قبل تدخل
الأستاذ، أو يُصلَح خطؤه من قبل تلميذ آخر زميل له فيتحقق التواصل الأفقي بين
التلاميذ عوض احتكار الأستاذ للمعرفة و الاكتفاء بالتواصل العمودي بينه و بين
التلاميذ، و هذا النوع الأخير من التواصل يمجّه التلاميذ عموما. و في هذه الحركية
الفكرية يجد التلميذ العادي نفسه مشاركا مهما في تكوين نفسه و تكوين زملائه و ذلك
عن طريق تصحيح أخطائهم فتزداد ثقته العلمية بنفسه، و يبرز أمام زملائه و قد يتحقق لديه
التوازن النفسي. يحدث كل هذا بفضل الخطأ! الخطأ أثناء التمرين و التكوين و ليس
الخطأ في الامتحان الرسمي الذي يُحبّذ تجنبه قدر المستطاع.
يبدو لي - و الله و
أهل الذكر أعلم - أن الأصولية
الأرتدوكسية الإسلامية تتمثل في أن بعض علماء الدين يفرضون الطاعة المطلقة لنصوص
مذاهبهم على الناس فرضا و قد لعبوا دورا كبيرا في ترسيخ الأصولية الأرتدوكسية
الإسلامية بجميع تفريعاتها: الشيعية و الإباضية و السلفية و السنّية بمذاهبها
الأربعة (الحنفي و الشافعي و المالكي و الحنبلي حسب الترتيب العددي التنازلي
للمنتمين لكل مذهب). نقصد بالأصولية الأرتدوكسية الدينية الإسلامية هنا، احتكار
التأويل المستقيم من قبل بعض علماء الدين أو الخط المستقيم الذي سطروه وحدهم و
يريدون من الناس جميعا أن يستنيروا بهديه و يسيروا على سراطه الوحيد، و ما عداه
فكفر و إلحاد أو زندقة و هرطقة أو بدع و جهل أو رجعية و ظلامية أو عداوة للثورة و
خيانة للإسلام و الشعب و الوطن.
تفسيرهم و تأويلهم للدين الإسلامي أصبح هو وحده
التفسير الصحيح القويم الصالح لكل المسلمين في العالم أجمع مهما كانت انتماءاتهم
المذهبية و القومية و العرقية و الجغرافية. و أما تفسير الآخرين - كالفلاسفة
المجددين (جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، هشام جعيط، عبد المجيد الشرفي، روجيه
قارودي، أبو يعرب المرزوقي، آمال قرامي، ألفة يوسف، سلوى الشرفي، محمد أركون، هاشم
صالح، محمد الشريف الفرجاني، الطاهر بن عاشور، الطاهر الحداد، حسن الترابي، محمد
إقبال، محمد الطالبي، ألفة يوسف، و غيرهم) أو علماء الدين المصريين غير الأزهريين
(جمال البنّا و فرج فودة) أو العلماء المشتغلين في مجالات المعرفة الدنيوية - فكله
هرطقة في هرطقة و زندقة في زندقة.
تعريف الأصولية الأرتدوكسية الإسلامية، هو الآتي:
يبدو لي أن الأصولية الأرتدوكسية الإسلامية تزعم أنها هي وحدها التي تمتلك التأويل الصحيح للنصوص التأسيسية كالقرآن
و الأحاديث النبوية و سيرة الرسول - صلى الله عليه و سلم - و صحابته. و بالتالي فينبغي التكفير أو التقليل
من دين كل من ينحرف عن هذا التأويل و لو شعرة واحدة. و إذا أمكن فينبغي ضربه (لقد
ضُرب الصحافيان كريشان و الرديسي و الطالبتان خولة الرشيدي و آمال علوي في تونس)
أو تهديده (محاولة الاعتداء بسكين على نجيب محفوظ في مصر، محاولة حرق منزل مدير
قناة نسمة و محاولة اقتحام مقر قناته في تونس العاصمة) أو نفيه و تطليقه قسرا من
زوجته (نصر حامد أبو زيد في مصر) أو قتله (الدكتور محمود محمد طه في السودان) أو
اغتياله (حسين مروة و مهدي عامل في لبنان و فرج فودة في مصر و بعض المثقفين و
الصحافيين في الجزائر).
و هذه
السلوكات غير الإسلامية المذكورة في الفقرة السابقة تذكّرنا نسبيا بالإيمان
القروسطي الذي ساد في أوروبا المسيحية مع الملاحظة أنه لا مجال للمقارنة بين ما
ارتكبته محاكم التفتيش المسيحية في القرون الوسطى (مجازر فظيعة فيما بينهم كاثوليك
و بروتستان و أخرى ضد مسلمي أسبانيا بعد سقوط غرناطة سنة 1492م) و بين ما ارتكبه
المسلمون في الماضي و ما يرتكبه اليوم بعض المتعصبين المسلمين شيعة أو سنة ( المسلمون الأوائل و المعاصرون أقل درجة نسبيا
في ممارسة التعذيب و عدد ضحايا القتل من محاكم التفتيش المسيحية في القرون الوسطى).
و هذا الفرق بين الديانتين في الممارسة القمعية
لا يبرّر ما فعله بعض المسلمين المعاصرين ببعض المسلمين و ببعض المسيحيين من
الإجرام و التفجيرات الدموية في العراق (النظام
البعثي الدكتاتوري لصدام حسين و الإسلام السياسي السنّي و الشيعي و الاستعمار
الأمريكي المباشر مع الإشارة أنه يوجد مسلمون من بين الجنود الأمريكيين المعتدين
على العراق) و
الباكستان (النظام العسكري شبه الديمقراطي و الإسلام السياسي السنّي و الشيعي و
التدخل الأمريكي غير المعلن و غير المباشر) و أفغانستان (النظام العسكري الأفغاني شبه
العميل و الإسلام السياسي السنّي و الشيعي و الاحتلال الأمريكي المباشر) و مصر (نظام
مبارك عميل أمريكا و الجماعة الإسلامية العنيفة) و السودان (نظام دكتاتوري مستنصر
بالصين) و الصومال (غياب الدولة و الحكومة و سيطرة الميليشيات الموالية للقاعدة) و
لبنان (حرب 75، حرب الطوائف السنية و الشيعية و الدرزية).
هذه
السلوكات غير الإسلامية المذكورة أعلاه تذكّرنا بإيمان بعض الإسلاميين المعاصرين الذين
يقتلون بأيديهم أو يخلعون المشروعية
الدينية الإسلامية - شيعية كانت أو سنّية أو سلفية جهادية تكفيرية - على عملية
القتل و التصفية الجسدية و التهديد و الترهيب و التفجير و التعذيب و الخطف. و قد
ذهب ضحية هذه السلوكات غير الإسلامية المذكورة أعلاه مئات الآلاف من المواطنين
العاديين، رجالا و نساء و أطفالا عزّلا مدنيين أبرياء و عشرات العلماء و المفكرين
و الصحافيين و المصلحين في شتى أنحاء العالم العربي و البربري و العالم الإسلامي و المسيحي.
هناك بعض المشتغلين بالدين أذكياء و هم
الناجون من التعصب الديني الأرتدوكسي الإسلامي. هؤلاء الأذكياء اتخذوا موقفا أكثر
مرونة و انفتاحا على روح العلم، فليس كل علماء الدين على نفس الدرجة من الانغلاق و
التزمت. و إنما فيهم حكماء و مفكرون يخشون الله و العلم في آن معا: قال تعالى: "إنما
يخشى الله من عباده العلماء". من حسن حظنا، نحن المسلمون أن مجمل النصوص
المقدسة لا تتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة و المؤكدة و يبدو لي أنه من سوء
حظنا نحن و المسحيون أن بعض علماء الدين الإسلامي و المسيحي يرفضون نظرية التطور
الداروينية العلمية الشهيرة.
و أضيف اعتمادا على بعض قراءاتي في المجال
الديني و اعتمادا على اجتهادي الشخصي و استنادا على مقارنة تاريخ الأديان مع العلم
أن باب الاجتهاد الديني مفتوح لعموم المسلمين خاصة لو كان استعمال و استغلال نتائجه،
خاص بالمجتهد نفسه فقط. أقول على الإسلام ما قاله "بيلاّ رمان" (1571م)
على المسيحية: "لا يمكن للمعنى الحقيقي للقرآن و الحديث أن يقع في حالة تناقض
مع أي حقيقة سواء كانت فلسفية أم علمية تجريبية". و أستعير ما قاله "قاليليو"
في مقدمة كتابه الشهير "علم الفلك الجديد" على الكتاب المقدس و أوظفه و
أكيّفه إسلاميا و أقول: "القرآن المقدس لا يتحدث عن الأشياء العلمية. و
إنما هو يعلمنا الحقائق الروحية عن طريق استخدام الصور المجازية و القصص التي
تخاطب و تستميل القلب قبل العقل. فالنصوص القرآنية و الأحاديث تتحدث عن أشياء
بسيطة بشكل إنساني و بطريقة تُفهم من قبل عامة البشر. مع العلم أن مفهوم الإعجاز
العلمي - الذي يُدرّس في الجامعة السعودية فقط على حد علمي - يقول عكس هذا لكن
علمائه لم يكتشفوا شيئا حتى الآن من القرآن مباشرة بل يضيّعون وقتهم في التعسف على
لغة الآيات القرآنية الكريمة و يطوّعونها حتى تقول ما لم يقله الله و تثبت خطأ أن
القرآن تضمن الاكتشافات الفيزيائية الحديثة أو بشر بها بصورة واضحة و مباشرة، و
لنفرض أن كلام أساتذة الإعجاز العلمي في القرآن صحيح، فلماذا لم يكتشفوا هم أي
نظرية علمية منذ بدؤوا يشتغلون في هذا الميدان و بميزانيات ضخمة؟ و لماذا تُرفض
مشاركتهم "العلمية" في المؤتمرات العلمية العالمية؟ و لماذا لا تقبل
مقالاتهم "العلمية" في المجلات العالمية المختصة؟ لماذا لم يُعمّم تدريس
هذا الاختصاص العلمي الجديد "الإعجاز العلمي بالقرآن" على الجامعات
العربية و منها تونس و لِمَ لا، على العالم أجمع إذا كان حقا علما تجريبيا مفيدا و
ليس استنتاجات بشرية ما أنزل الله بها من سلطان؟
صحيح أن القرآن سبق العالِم المادي و العالََم
المادي لأن الله خلقهما الاثنين و خلق للأول عقل و للثاني قوانين. فلنترك الأول
يكتشف قوانين الثاني دون تدخّل بعض علماء الدين المشعوذين المتطفلين على الدين و
العلم. و اعلموا أن الإيمان بالله أسمى بكثير من إيمان العالِم بعلمه. الإيمان سماوي و العلم أرضي فلا تشوّهوا
الأول بالثاني و المصيبة أنكم و عن جهل تنتوون تجميل و تحديث و تعصير الإيمان
بعلمنته و لو عكستم لأصبتم، فالعلم يزيّنه الإيمان أما الإيمان فهو أرفع من العلم
المادي المحسوس، لأن العلم المادي قابل للتفنيد و التكذيب و الانقراض. الإيمان بالله
عال، راسخ، ثابت في القلب لا يتزعزع و لا يحتاج إلى براهين مادية للتصديق بوجود الله.
أما العلم فهو بطبيعته أرضي و أما صانع العلم و صاحبه و منتجه فهو خطّاء بطبيعته،
غير محايد و غير موضوعي و موظف أو طمّاع أو
مأجور في كثير من الأحيان. العالِم مستعد لمراجعة علمه في أي وقت يثبت فيه عكس ما
ذهب إليه، فالعلم إذن غير ثابت بل متغير و قابل للتفنيد و التكذيب و غير دائم و
غير صالح لكل زمان و مكان. ماذا يريد إذن دعاة الإعجاز العلمي في القرآن؟ أيريدون أن
يجمّلوا آيات قرآنية - سامية بطبعها - بمواصفات علمية أرضية غير سامية بطبعها؟
أيهما أفضل عند الله؟ العلم أم الإيمان؟ أظن أن الإيمان يأتي في الدرجة الأولى.
فلماذا إذن هذا التكالب على إثبات أن القرآن هو كتاب علم؟ و هو يكفيه فخرا و عزة
أنه كتاب إيمان و لو أراده الله كتاب علم لَقال له: كن فيكون بتفصيلاته العلمية
الدقيقة و الواضحة و لن نحتاج في ذلك الوقت إلى أساتذة الإعجاز العلمي في القرآن
ليفسّروه لنا؟
و أضيف على الإسلام ما قاله "غاليليو"
(1613م) على المسيحية: إن التأويل الحرفي لبعض النصوص القرآنية و الأحاديث شيء
عبثي و لا معنى له. فالقرآن يحاول أن يفهمنا الحقائق الروحية عن طريق الصور
المجازية. و لا يمكن بالتالي لأي شخص أن يعتمد على هذه الصور المجازية لكي يناقض
العلم. و لا يمكن للقرآن أن يكذب أو أن يخطئ لأن حقيقة كلامه مطلقة لا تُناقش و لا
تُمسّ. و لكن أولئك الذين بفسّرونها أو يؤوّلونها يمكن أن يخطئوا و بأشكال شتى. و
سوف نرتكب أخطاء عديدة و قاتلة إذا ما التزمنا دائما بالمعنى الحرفي للكلمات. فهذا
ما يجعلنا نقف أمام تناقضات كبيرة لا حل لها. إني أقول بأنه فيما يخص العلوم
الطبيعية فإن الكتابات المقدسة ينبغي أن تحتل المكانة الأخيرة. ينبغي أن نعلم أن
الكتابات المقدسة مُلهمة من قبل الله، أما الكتابات الطبيعية المادية فهي من صنع البشر الذين اكتشفوا القوانين التي
أقامها الله في الكون. إن القرآن يتماشى مع فهم عامة الناس و يتحدث عن الأشياء المادية
في أحيان كثيرة، و بحق، طبقا للمظاهر الخارجية. كما و يستخدم مفردات ليس هدفها
النص على الحقيقة المطلقة في مجال العلوم الطبيعية المادية.
إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه.
لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم
غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو
الرمزي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire