لماذا تفاعل اليابانيون
إيجابيا و تفاعلنا نحن سلبيا مع الحضارة الغربية؟ نقل و تعليق مواطن العالم د.
محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 16 أفريل 2012.
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة
الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر،
بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام
الشط. كتاب من أفضل
الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أنضج الفلاسفة
التنويريين العرب، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية الإسلامية المعاصرة.
تنبيه ضروري:
ما أنشره في هذه السلسلة من
نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل
بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى
الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر
الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة.
أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه
"مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن
نتغافل عن كون
الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.
نص هاشم صالح:
صفحة 321:
كانوا
يعتقدون أن الصين هي مركز العالم و أهم شيء في العالم، فإذا بهم يكتشفون أنها
هامشية بالقياس إلى الغرب. وبالتالي فقد أصبحوا هم على هامش الهامش و هذا وضع لا
يُحتمل بالنسبة للإنسان الياباني. عندئذ قرروا الانفتاح على العلم الغربي و
امتلاكه بأي وسيلة ممكنة. فقبْل سلالة الميجي (بدأت معها الإصلاحات الحقيقية من
ثقافية، و اقتصادية، و سياسية حوالي سنة 1854) مثلا لم يكن عدد اليابانيين الذين
سافروا إلى الخارج يتجاوز الثلاثمائة شخص.
إضافة 1 م. ع. د. م. ك:
أما
نحن العرب الآن فعلى الهامش المكعب، أمريكا و اليابان أولا و أوروبا ثانيا و الصين
و الروسيا و البرازيل ثالثا و ماليزيا و تركيا و إيران رابعا و نحن آخرا و أخيرا،
ما وراءنا إلا الصومال و أفغانستان.
انتهت إضافة م ع. د. م. ك.
نرجع إلى نص هاشم صالح:
الهامش 1 على نفس الصفحة:
ربما
كان من المفيد أن يقوم أحد الباحثين بكتابة دراسة مقارنة بين البعثات التي أرسلها
محمد علي إلى الخارج في النصف الأول من القرن التاسع عشر و البعثات التي أرسلتها
سلالة الميجي أو إمبراطورية اليابان في النصف الثاني من ذات القرن لمعرفة سبب نجاح
النهضة اليابانية و فشل النهضة المصرية أو العربية. لماذا كان هناك تفاعل إيجابي
ناجح مع الحضارة الغربية في الحالة الأولى و تفاعل سلبي فاشل مع نفس الحضارة في
الحالة الثانية؟ و قد فعل ذلك مؤخرا الباحث اللبناني مسعود ضاهر من خلال كتابه:
النهضة العربية و النهضة اليابانية: تشابه المقدمات و اختلاف النتائج، سلسلة
المعرفة، رقم 252، الكويت، 1999.
على
أية حال يرى البعض أن اعتقادنا بامتلاك الحقيقة الإلهية المطلقة أو الوحي الوحيد
الصحيح هو السبب في الانسداد التاريخي الذي نعاني منه و في عدم تمكننا من هضم روح
الحداثة و مكتسباتها الأساسية. بمعنى آخر فإن نقطة قوتنا هي نقطة ضعفنا أيضا.
و هذه أطروحة ينبغي الاهتمام بها أو الحفر فيها أو أخذها مأخذ الجد.
فالتراث
الياباني على ما يبدو لا يُشعِر اليابانيين بأنهم هم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة
المطلقة في العالم. و لذلك سَهُلَ عليهم أن يتفاعلوا مع الآخرين بكل حرية و بدون
أي عُقد ذاتية أو تاريخية تراثية ضخمة، (انتهى الهامش).
و
لكنهم بعد هذا العهد أصبحوا بالألوف و عشرات الألوف. إذ قال أحد أباطرة هذه
السلالة عام 1890: أريدكم أن تذهبوا إلى إنكلترا و فرنسا و ألمانيا و أمريكا و
تأتوني بالعلم الغربي كله! لا أريد بعد اليوم أن تظل اليابان متخلفة بالقياس إلى
العالم المتحضر. و أريد نتائج سريعة بقدر الإمكان.
بعدئذ
أصبح الانفتاح على الغرب طوعيا لا إجباريا كما حصل سابقا. و يمكن القول بأن المثقف
الياباني فوكوزاوا (1835 - 1901) كان أول من دعا إلى "غربنة" اليابان
بالكامل. و قال إن البلاد بحاجة إلى تغييرات و إصلاحات جذرية و إلا فسوف ننقرض و
نموت. و بعد عودته من أوروبا عام 1869 نشر كتابا عما رآه. و كان أول كتاب يصدر
باللغة اليابانية عن الحضارة الغربية. ثم أصبح الغرب "على الموضة" في
اليابان كما يقال. فقد ابتدأت الترجمات تظهر، أي ترجمات كتب روسو، و مونتسكيو، و
معظم فلاسفة التنوير. أما قصة "روبنسون كروزو" فقد تُرجمت مرتين! و ذلك
لأن اليابانيين وجدوا أنفسهم فيها. فهي تحكي قصة شخص وجد نفسه في جزيرة معزولة
فاضطر إلى تدبير نفسه و صنع الحضارة بمفرده، تماما كما يفعل اليابانيون... و شهدت
اليابان في نهاية القرن التاسع عشر نفس الصراع الذي شهده العالم العربي، أو الصين،
أو الهند بين أتباع التغريب من جهة و أتباع التقليد و الهوية و الأصالة من جهة
أخرى... في الواقع إن وصايا أباطرة الميجي كانت واضحة: نعم لتغيير الأوضاع و تحديث
البلاد و لكن مع المحافظة على تراثنا و تقاليدنا. فالجوهر القومي أو الثقافي
لليابان مقدس و لا ينبغي المس به. و لذلك تراجع بعض المثقفين عن هوسهم بالغرب و
أصبحوا تقليديين أو تراثيين.
إضافة 2 م. ع. د. م. ك:
و
هذا ما حدث لي أنا شخصيا منذ الثمانينات من القرن الماضي: فبعد هوسي بالغرب و
حضارته و ثقافته، تراجعت عن إهمالي و احتقاري - عن جهل - لتراثنا البربري التونسي العربي
الإسلامي الأممي.
إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع
مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع،
أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه
من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية
مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
نحن العربَ، مسلمي و مسيحيي القرن
الحادي و العشرين، نتموضع حضاريا في الوقت الراهن في المنعطف التاريخي الفاصل بين
القرن الثامن عشر و العصور الوسطى الذي تموضع فيه الأوروبيون قديما. هذه حقيقة أصبحت
شبه متأكد منها الآن بعد حوالي ثلاثين سنة من التيه و الدوران و الضياع الأيديولوجي،
قضيتها في شك دائم و يقين مؤقت، قضيتها في قراءات متعددة و متنوعة باللغة
الفرنسية، جلها ماركسي و بعضها علمي بيولوجي و وجودي و قومي و إسلامي. لذلك احتطت
اليوم لنفسي و ارتبطت منذ سنوات بمشروع النهضة العربية الإسلامية كتابة و نشرا، ثم
نقلا و تعليقا على رواد النهضة الفكرية العربية الإسلامية من أمثال المفكرين العرب
المسلمين النهضويين التنويريين المعاصرين: الطاهر الحداد و طه حسين و محمد الغزالي (بكل تحفظ لأنه
قد يكون أجاز قتل فرج فودة) و جمال البنّا و نصر حامد أبو زيد و علي عبد الرازق
و صادق جلال العظم و هاشم صالح و عبد الله
العروي و محمد أركون و حسين مروة و علي حرب و محمد الشريف الفرجاني و عبد المجيد
الشرفي و هشام جعيط و محمد الطالبي و غيرهم كثيرون. و كان ذلك لي عزاء من غربتين
أو عدة غروبات دفعة واحدة: غربة عن اللغة العربية، غربة عن الأرض و التاريخ، غربة
عن التراث العربي الإسلامي، غربة عن المجتمع التونسي البربري الإسلامي العربي
الأممي، غربة عن الأصالة و الذات - غربة الغربات.
"و
إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا". هاشم صالح
"الفلسفة
هي القبض على الواقع من خلال الفكر".
هيغل
"الذهن
غير المتقلّب غير حرّ".
قال
الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها
أحدَهُما". أي يتحمل القائل مسؤولية الكفر إن كانت التهمة باطلة و هي في جميع
الأحوال باطلة لأن القائل لا يعلم ما في السرائر فهو إذن متجنِّ حتى و لو كان
المتهم كافرا فعلا لأن علم الكافر و حسابه عند الله و الله وحده العلاّم بما
في القلوب.
قال تعالى: "يا أيها
الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ظلّ إذا اهتديتم إلى الله".
الشك طريق إلى مزيد من الشك (في العلم بالطبع و ليس في الدين،
فالدين بطبيعته لا يتحمل الشك و هو يقين من أوله إلى آخره). مواطن العالم د. م. ك.
و كما قال هاشم صالح: "ليس بالماديات وحدها يحيا
الإنسان، على عكس ما علّمتنا تلك الوضعية الاختزالية (Le positivisme réducteur)، أو الماركسوية الفجّة و الكسيحة".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire