jeudi 22 janvier 2015

بطاقة تعريف قرية جمنة. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار

بطاقة تعريف قرية جمنة. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار

أصف حبيبتي من خلال علاقة حميمة عذرية وجودية عمودية رفيعة و ذاتية بيني وبينها فقط. قرية ناسها أبرار فحتى مجانينها في باطنهم عقلاء (الساسي بنحمد نموذجا) و نساؤها على قدر عزيمة رجالها أو أكثر. هي الأم فهي إذن الموطن الأحنّ و الأرحم و هي المربية فهي إذن التاريخ و الوطن و الهوية. مَن خانها فكأنما خان وطنه و مَن شتمها فكأنما نفسه شتم و مَن مجّدها فله ثواب في الدنيا و الآخرة. تقرأ تراثها فلا تجد فيه إلا المآثر. كل ما فيها، على وجه من الوجوه رائع. فيها الفقر و الغنى، و الحب و الإيمان، و البِرّ و الإحسان، و التوادُد و التضامن، و التسامح و الكبرياء، و فيها القناعة و العفة. يفنى في حبها و لا يبالي، الرجل و المرأة، الطفل و الشيخ، و الفتى و الكهل. فكأنه الحب الشامل. و قد يظن مَن لا يعرفها من القرّاء أنني في رسمها أجامل. فيكون ظنه كبعض الظن إثما. كاتبكم من أحباء الحياة فهو بالضرورة إذن من عشاق جمنة. عندما أزورها أستغني عن البصر و البصيرة فيقودني في أزقتها مرحُ الطفولة و ذكرياتُ الشباب.

أتحدث عن جمنتي، جمنة الخمسينات و الستينات و السبعينات. فهل ما زالت يا ربِّي كذلك؟

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 22  جانفي 2015.



mercredi 21 janvier 2015

لقد سبقتْ قرية جمنة دولة إيطاليا في احتضان مختلِّيها العقليين أحرارا خارج أسوار المستشفات النفسية (مثل مستشفى الرازي بتونس) و كذلك فعلت كل قرى الريف التونسي. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار

لقد سبقتْ قرية جمنة دولة إيطاليا في احتضان مختلِّيها العقليين أحرارا خارج أسوار المستشفات النفسية (مثل مستشفى الرازي بتونس) و كذلك فعلت كل قرى الريف التونسي. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار


المصدر
مقالي هذا حول المستشفات النفسية مستوحى من مقال صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 16 تحت عنوان "رفع القيود عن المجانين" (Fous à délier) بقلم الصحافية ماتيلد ڤونيك (Mathilde Goanec).

حدث في إيطاليا سنة 1970
أغلِق المستشفى النفسي في ترياست (Trieste) في أوائل السبعينات من قِبل الدكتور فرانكو بازاڤليا (Franco Basaglia) أين كان يقيم 1200 "مجنون" و لم تنقرض المستشفات النفسية في إيطاليا إلا في أواسط التسعينات . ولِد بازاڤليا بطل الطب النفسي البديل سنة 1924 بمدينة البندقية (Venise) و جرّب الإقامة كـ"مريض" في هذه المستشفيات طيلة شهور بسبب قربه من مجموعة تناضل ضد الفاشية. تأثر بـنقد ميشال فوكو و فرانز فانون للمؤسسات الاستعمارية. كانت المستشفات النفسية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية تأوي أكثر من 100 ألف شخص.

يقول بازاڤليا: "لا يمكن إقامة علاقة علاجية إلا مع المريض النفسي الحر"

حدث في قرية جمنة الخمسينات
تركنا مريضنا النفسي حرا في جمنة و لم تقم دولتنا بواجبها نحوه فبقي محروما من علاقة علاجية حرة كانت قد تحسِّن من حالته الصحية النفسية. كنا في جمنة مجنونين بمجنوننا "الساسي بن احمد" و لو خُيِّرْنا بين تقييده بالحبال و "علاجه" بالمهدئات العصبية داخل "مستشفى - سجن" لاخترنا تركه حرا "دون علاج".
إذا أخذنا بتعريفات العلوم الغربية الحديثة نستطيع أن نصنّف "الساسي بن احمد" كمختل عقليا. و إذا طبقنا نصائح الأطباء النفسيين الأفاضل فسنعزله في مصحة الأمراض النفسية. هو "مجنون" أو "مهبول" أو "درويش" القرية بالمعنى الدارج للكلمة.

نحن أولاد بلده "جمنة" لم نصنِّفه كمختل أو معتوه و لم نحاكمه و لم نحكم لصالحه و لا ضده و لم نعزله في أي مكان بل رحبنا به يعيش حرا طليقا بيننا. نكنّ له كل الاحترام  و المحبة و المعاملة بالمثل مثله مثل أي مواطن "جمني"، لا نعطف عليه عطفا مرضيا خاصا.

لو دخل مصحة نفسية لسمّم الأطباء جسمه بالمهدئات العصبية و لجعلوا منه جثة هامدة تنتظر الموت. نحن "الجمنين" أعطيناه أهلا وأملا و عملا تطوعيا و حمّلناه مسؤولية نظافة قريتنا و ملأنا حياته حيوية و نشاطا فغمرنا هو بمزاياه و نظف شوارعنا و جامعنا القديم و أسعدنا بإشعاعه و غنائه و أعجبنا كبرياؤه. عاش و مات بيننا كالسمكة في الماء و أقمنا له جنازة لا تضاهيها جنازة في المهابة و الحزن و الحضور.

هذه تصرفاتنا و هذه تقاليدنا الوطنية الصادقة, لم نقرأها في كتب فوكو و فانون و لم نستوردها من اليابان و لا من الغرب بل على العكس فنحن الذين ندعوهم للتعلم من ثقافتنا و لم أقل من علمنا، لأن ما فعلناه لا يرتقي إلى مرتبة العلوم مثل الذي فعله  الطبيب العالِم الإيطالي بازاڤليا لذلك دُرِّست تجربته و عُمِّمت و لم تُدرَس تجربتنا من قبل علماء تونسيين فبقيت تراثا جميلا يضاف إلى قيمنا الإنسانية. و بعدنا أو قبلنا، لا يهم،  تفطن علماؤهم النفسيون لعدم الفائدة الصحية من عزل المختلين عقليا في مصحة نفسية و شرعوا في إطلاق سراح جميع المعتقلين فيها.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 21  جانفي 2015.


mardi 20 janvier 2015

عقوبات اقتصادية اعتباطية و سخيفة، قد يُصنّف بعضها كجرائم ضد الإنسانية، لا زالت تسلطها أمريكا على كوبا منذ نصف قرن. مواطن العالم د. محمد كشكار

عقوبات اقتصادية اعتباطية و سخيفة، قد يُصنّف بعضها كجرائم ضد الإنسانية، لا زالت تسلطها أمريكا على كوبا منذ نصف قرن. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا هو ترجمة لبعض الفقرات الطريفة و المثيرة و الخطيرة التي وردت في مقال سليم عمراني الصادر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 4.

سنة 1959 أي بعد نجاح  ثورة كاسترو و جيفارا، كانت  73%  من صادرات كوبا تذهب لأمريكا الشمالية و 70%  من واردات كوبا تأتي من أمريكا الشمالية أيضا و في ظرف بعض أسابيع جف هذا الوادي الغزير من التبادل في الاتجاهين. و في سنة 1961 بدأت أمريكا تعاقب كوبا على ثورتها و خاصة على تحالفها مع موسكو أو الاتحاد السوفياتي سابقا فأبدعت فعلا في ضرب حصار اقتصادي صحي طبي علمي تقني ثقافي سياحي عسكري، سأنقل لكم أطرف و أسخف وقائعه التي قد تصل إلى حد الإجرام في حق شعب كوبا:
-         كل سفينة أجنبية - مهما كان مأتاها - ترسي في ميناء كوبي، تُمنع من الدخول إلى أمريكا الشمالية لمدة ستة أشهر.
-         لو منح بلد كالمكسيك مثلا إعانة بمائة مليون دولار لكوبا، أمريكا تخفض إعانتها للمكسيك بنفس المبلغ.
-         يسمح القانون الأمريكي لكل مقيم أجنبي أن يزور بلده الأصلي متى شاء. منذ سنة 2004 أصبح المقيم الكوبي فقط مطالبٌ بترخيص إذا أراد زيارة كوبا و لا يحق له البقاء في كوبا أكثر من 14 يوما كل ثلاث سنوات عوض سفرة كل عام قبل 2004 و لا يحق له أيضا أن يصرف في بلده الأصلي أكثر من 50 دولار في اليوم. كل مواطن أو مقيم أمريكي يستطيع أن يرسل إعانة مادية غير محددة إلى فرد من عائلته مقيم خارج أمريكا إلا الذين هم من أصل كوبي فلا يحق لهم إرسال أكثر من 100 دولار في الشهر و لو صادف أن هذا القريب الكوبي المحتاج ينتمي للحزب الشيوعي الكوبي (الذي يعد مئات الآلاف من المنخرطين) فالتحويل البنكي يصبح إذن ممنوعا منعا باتا.
-         كل مُصنِّع سيارات ياباني أو ألماني أو كوري يرغب في تسويق منتوجه في أمريكا، عليه أن يثبت مسبقا أن سياراته لا تحتوي على ڤرام  واحد من معدن  النيكل الكوبي الأصل.
-         كذلك كل حلواني فرنسي يرغب في بيع مرطباته في سوق القوة الاقتصادية الأولى في العالم، عليه أيضا أن يبرهن أن تصنيفاته لا تحتوي على ڤرام واحد من سكر كوبي الأصل.
-         سنة 2006، رفضت شركة نيكون اليابانية تسليم جائزة لفائز كوبي عمره 13 سنة و مريض بالناعور (Hémophilie) خوفا من رد فعل أمريكي محتمل.
-         سنة 2007، اضطرت شركة الطيران الإسبانية (Hola Airlines)  إلى وضع حد لعلاقاتها مع كوبا نزولا تحت رغبة شركة بوينغ الأمريكية. ذنب الشركة الإسبانية أنها أمضت مع كوبا عقدا تتكفل الشركة بموجبه نقل مرضى العيون الأمريكيين الجنوبيين لمعالجتهم في كوبا في إطار العملية المسماة "معجزة" (Miracle).
-         سنة 2014، فُرِض على البنك الفرنسي (BNP) دفع غرامة قدرها 6،6 مليار أورو (8,97 milliards de dollars) و ذلك عقابا له على خرقه الحصار الاقتصادي المضروب على كوبا و إيران و السودان خلال الفترة الممتدة من 2002 إلى 2009.
-         أما الحصار في المجال الصحي فقد يُصنّف كجرائم ضد الإنسانية: تُنتج شركات الصيدلة الأمريكية الشمالية و تملك 80 % من الاختراعات الطبية في العالم. مُحرّم و ممنوع على كوبا الاستفادة من كل هذا التقدم العلمي الأمريكي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 20  جانفي 2015.


lundi 19 janvier 2015

يسارٌ استقطبَ اليمينَ في اسبانيا و يمينٌ استقطبَ اليسارَ في تونس. مواطن العالم د. محمد كشكار

يسارٌ استقطبَ اليمينَ في اسبانيا و يمينٌ استقطبَ اليسارَ في تونس. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 1 و 17- 22.

حكاية الحزب الاسباني "بوديموس" الذي صعد بسرعة مذهلة مثل حزب نداء تونس
في أوروبا بدأت المعارضة لسياسة التقشف تنتظم خارج الأطُر الحزبية المتهمة بكونها جزءا من المشكل و ليس من الحل حتى تأسيس حزب "بوديموس". في 15 ماي 2011 خرج مئات الآلاف من المتظاهرين ينددون بتسلط البنوك على الاقتصاد الاسباني و يشجبون ديمقراطية "لا تمثلهم" و منعوا الأحزاب و الجمعيات من التعبير عن مواقفها أو حمل رموزها و رايات خلال المظاهرة. انبثق من صفوفهم شعار "الشعب الموحد لا يحتاج أحزابا". و بعد ثلاث سنوات انبثق مفارقة من نضالاتهم حزب "بوديموس"،  يعنى بالعربية "نحن نستطيع"، فصادف نجاحا غير منتظر في حين أن جل الأحزاب الأوروبية كانت تلاقي تهميشا شعبيا متزايدا  على مدى ثلاثة عقود.

تأسس هذا الحزب اليساري في جانفي 2014 و بعد خمسة أشهر فقط تحصل على 8%  من الأصوات في الانتخابات الأوروبية. و اليوم كل الاستطلاعات تبوؤه المركز الثاني بعد الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني. انتقدت قيادات هذا الحزب اليساري الجديد أداء اليسار الأورتدوكسي و تحاليله المبهمة و مرجعياته الغامضة و لغته المشفرة. و قد سبق لزعيم  اليسار الجديد أن قال في 2012: "لا يصوّت الناس لشخص لأنه وفيٌّ لإيديولوجيته و ثقافته و قيمه بل يصوتون له لمجرد أنهم يتفقون معه" و يفعلون ذلك أكثر كلما كان الشخص عاديا و خفيف الروح و حتى مضحكا (رغم أنني أعارضه هو و حزبه، يبدو أن هذه الأوصاف المطلوبة في اسبانيا لم تتوفر في تونس إلا في  شخصية السبسي دونًا عن كل رؤساء الأحزاب الآخرين). قرّر اليساريون الجدد أن يفعلوا في المجتمع الاسباني، فتكلموا بلسانه و نطقوا بمنطقه و خضعوا لقانونه (المجتمع) و عَوّضوا معاداتهم للرأسمالية بمطالبتهم بالديمقراطية الاقتصادية و شطبوا من قاموسهم السياسي الثنائية الكلاسيكية "يسار- يمين" و أصبحوا يقسّمون المجتمع بين أكثرية مفقرة و نخبة مرفهة، بين مَن هم تحت و مَن هم فوق، بين مَن هم مع السوق و البنوك ومَن هم مع الديمقراطية مثلنا (نوفمبر 2014). و قد تباهى حزب "بوديموس" بأن 10 من ناخبيه في الانتخابات الأوروبية في ماي 2014 كانوا قبلها من ناخبين اليمين (أما في تونس فنصف ناخبين اليسار في الدورة الأولى انتخبوا اليمين في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الأخيرة).

مقارنة بين كرامة زعمائهم مع مذيعيهم و بين ذل زعمائنا أمام "سي سمير"
متوجها للمنتج المذيع في القناة الوطنية الأولى، قال زعيم حزب "بوديموس": "دعْوتكم لي في قناتكم لم تأت نتيجة محاباة منكم لحزبنا بل كانت نتيجة نضالات و اسمح لي أن أشكر العاملين في هذه القناة لأنك، كما تعرف، لم تكن لتستقبلني في هذا البلاتوه لولا الضغط الذي مارسوه عليك".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 19  جانفي 2015.


vendredi 16 janvier 2015

يبدو أن اليساريين التونسيين بدؤوا يتخلون عن اعتماد مفهوم صراع الطبقات لتفسير الظواهر الاجتماعية. مواطن العالم د. محمد كشكار

يبدو أن اليساريين التونسيين بدؤوا يتخلون عن اعتماد مفهوم صراع الطبقات لتفسير الظواهر الاجتماعية. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 1 و 17- 22.

نص المقال
يبدو أن الشعار الأساسي للماركسية المسمى "صراع الطبقات" بدأ يفقد موقعه المركزي عند  اليساريين التونسيين أنفسهم و يفسح المجال شيئا فشيئا أمام إشكاليات اجتماعية محددة و متعددة: مثل التوزيع العادل للثروة (مثل ما هو واقع حاليا في الدول الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية: خصصت النورفاج عشر ريع الثروة النفطية غير المتجددة و ادخرته في صندوق بنكي لفائدة الأجيال النورفيجية القادمة)  و الحركة النسوية (أسس حزب العمال التونسي منظمة نسوية داخلية للمناضلات اليساريات) و حماية البيئة  و التنوع البيولوجي (حزب الخضر التونسي اليساري) و العولمة و تعليق الديون الخارجية أو إعادة جدولتها أو توظيفها في الاستثمار الداخلي لحل مشكلة البطالة أو مراجعة جدواها و محاسبة مانحيها المتواطئين مع نظام المخلوع بن علي (جزء من البرنامج الاقتصادي للجبهة الشعبية).

أصبح اليساريون التونسيون يفضلون النضال الجمعياتي على النضال الحزبي في مجالات الثقافة و التربية و البيئة و الأعمال التطوعية في الصحة و الكوارث المناخية مثل كارثة الثلج في الشمال الغربي. هذا التفتت في الالتزام يتناقض مع المكانة المركزية التي كان يتبوؤها الحزب و الإيديولوجية الماركسية في العالَم الشيوعي (بعد الثورة حذفَ حزب العمال الشيوعي التونسي كلمة شيوعي من اسمه). و نتيجة لهذا الوضع الجيوسياسي الجديد أصبح بعض العمال و الموظفين اليساريين يستثمرون طاقاتهم النضالية في النشاط النقابي (أكثر القيادات النقابية المحلية و الجهوية و الوطنية و القطاعية في الاتحاد العام التونسي للشغل تنتمي للتيار اليساري بجميع تفرعاته المذهبية) و يعزفون عن الانتماء الحزبي، أما اليساريون الأكاديميون و المحامون فقد اختاروا النضال في المنظمات الشغلية و  الحقوقية الوطنية و العالمية مثل الرابطة (المحامي مختار الطريفي) و المعهد العربي لحقوق الإنسان (الأستاذ الجامعي الطيب البكوش) و منظمة العمل الدولية (أستاذ التعليم الثانوي عبيد البريكي، العضو السابق في المكتب التنفيذي  للاتحاد العام التونسي للشغل لمدة عشريتين تقريبا، يشغل الآن خطة مدير مشروع - المكتب الإقليمي ببيروت - عنوانه: «مشروع تعزيز قدرات المنظمات العمالية بالمنطقة العربية» يشمل ما يقارب 11 دولة عربية)، بقي نواب الشعب اليساريون الجدد الذين بدؤوا يركّزون نشاطهم بشكل حصري  على مهامهم كمنتخَبين محليين. لقد فقدت الأحزاب اليسارية التونسية إذن إشعاعها في الأوساط اليسارية التونسية عموما إلا أن ائتلاف الأحزاب اليسارية في جبهة هو الذي أنقذ نسبيا مرشحها حمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة و مكنته من التحصل على نسبة مئوية مشرِّفة لليسار التونسي. و تكمن المفارقة الكبرى في تزامن المتضادات: صعود نجم الجبهة الشعبية اليسارية و نجاحها النسبي في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، بعد تحالفها المشبوه في "جبهة الإنقاذ" مع اليمين الممثل في حزب نداء تونس، قد يحمل في رحمه أسباب فشلها و يكبح مستقبلا تجددها.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 16  جانفي 2015.


jeudi 15 janvier 2015

و شهد شاهد من أهلها: هل الانتخابات التشريعية و الرئاسية هي صناعة رأسمالية ليبرالية أو وعود و برامج؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

و شهد شاهد من أهلها: هل الانتخابات التشريعية و الرئاسية هي صناعة رأسمالية ليبرالية أو وعود و برامج؟ مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا هو ترجمة لفقرة من مقال ورد بملف الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة  20 تحت عنوان "مختصون في علوم التواصل لنجدة الأحزاب في الانتخابات الرئاسية" (Des “communicants” à la rescousse)

الفقرة المترجمة
عند قرب الانتخابات الرئاسية الفرنسية سنة 2012، التجأ الحزب الاشتراكي الفرنسي، الحاكم الحالي، إلى خدمات ثلاثة مختصين فرنسيين في علوم التواصل لنجدة الحزب في الانتخابات الرئاسية، ثلاثتهم متخرجون من جامعات أمريكية مثل "جامعة هارفارد" و "معهد ماساشوسات للتكنولوجيا".

جنّد هذا الفريق الصغير عشرينَ مُكوِّنًا (20 formateurs) و عشرةَ آلافِ مُعَبِّئِ أو مُحرِّكِ (10 mille mobilisateurs) و ثمانينَ ألفَ مُتطوِّعِ (80 mille volontaires).  خلال كامل حملتهم طرقوا خمسةَ ملايينَ بابِ  (5 millions de portes)فتفوّق "هولاّند" على "ساركوزي" و فاز برئاسة الجمهورية الفرنسية.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 16 جانفي 2015.


بعض أسباب تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية. مواطن العالم د. محمد كشكار

بعض أسباب تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 1 و 17- 22.

بدأت أزمة تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية مع تنامي حاجة هذه الأحزاب إلى كفاءات مرتزقة من التكنوقراط غير الملتزمين بخط إيديولوجي معيّن لإدارة حملاتهم الانتخابية (التجأ حمة الهمامي، مرشح الجبهة الشعبية اليسارية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى قناة نسمة الليبرالية من أجل مَكْيَجَةِ صورته و تلميعها أمام الرأي العام) و تناقص اعتمادها على الطاقات النضالية القاعدية التطوعية داخل الجبهة. انجرّ عن هذه الإستراتيجية الليبرالية الانتهازية تهميش لدور هؤلاء المناضلين الملتزمين و انجرّ عنها أيضا خضوع اليسار لتكتيك عدوه الطبقي المتجسم في البورجوازية الليبرالية ممثلة في حزب حركة نداء تونس. دخل اليسار أرضا غير أرضه فعليه إذن أن يتكلم بلسانها (البورجوازية) و ينطق بمنطقها و يخضع لقانونها. انقلب السحر على الساحر فلم يعد المنتمون الجدد للجبهة الشعبية - اقتداءً بنظرائهم في الأحزاب البورجوازية - يرضون بانتظار وتيرة التدرج البطئ في سلم التراتبية الحزبية اليسارية و أصبحوا يتسابقون و يتُوقون لتبوُّءِ مناصب مهمة ماديا و معنويا في الاتحاد و البرلمان و الحكومة و المجالس البلدية.

أمسَى المنتخَبون الجبهويون الجدد يهجُرون الاجتماعات الحزبية الدورية داخل التنسيقيّات الجبهوية المحلية و الجهوية و نتج عن هذه الهجرة إضعاف مبيَّت و ملحوظ للحس النضالي القاعدي و أصبحت هذه الاجتماعات تُعقدُ في أوقات العمل القانونية حيث يتغيب مكرَهون المناضلون الملتزمون المتطوعون المباشرون لمِهَنِهم العادية و لا يحضرها إلا المنتمون المحترفون المتفرغون من كتبة و أعوان تسيير و حاشية السيد النائب الجديد.  أصبح للنواب الجبهويين الجدد اهتمامات خاصة بهم، و منها تحضير الانتخابات البلدية القريبة و الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة التي تتطلب حتما انتداب خبراء في علوم التواصل و إطارات جامعية في سبر الآراء و تسيير الإدارة العمومية و هؤلاء المحترفون يشبهون طبقيا مشغِّلِيهم من القيادات اليسارية و هم أقرب لهم من قواعدهم المناضلة في الأحزاب و الجمعيات. ساهمت هذه الإستراتيجية الانتهازية في تعميق الهوة - عوض تجسيرها - بين القيادة اليسارية و قاعدتها المتكونة من البروليتاريا اليدوية (عمال الصناعة و الفلاحة) و البروليتاريا الذهنية (موظفون عموميون). و في ظل هذا الإقصاء و التهميش لدور أعضاء الجبهة المنحدرين من الشرائح الاجتماعية المفقرة أصبح النشاط القاعدي الجماهيري يقتصر على تنظيم تظاهرات احتفالية و تذكارية كالوقفة الاحتجاجية الأسبوعية "اشْكونْ اقْتَلْ شُكرِي" التي يحييها بعض العشرات من الجبهاويين الذين لا يلينون كل يوم أربعاء أمام وزارة الداخلية في شارع الثورة، شارع الحبيب بورڤيبة.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 15  جانفي 2015.