الندوة الوطنية
حول "منظومة التربية و التعليم و التكوين" (2010). نقل مواطن
العالم محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 6 نوفمبر 2010.
ملاحظة هامة:
بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على
إلقاء هذه المحاضرة من قبل الدكتور حسين الديماسي ، يبدو لي أن محتواها لا يزال معاصرا
إلى حد اليوم (الاثنين 31 مارس 2014)، لأن شيئا لم يتغير في منظومة التربية و
التعليم و التكوين في تونس ما بعد الثورة.
المنعرج
الاقتصادي الاجتماعي البنيوي الذي شهدته البلاد التونسية أواسط الثمانينات. الندوة
الوطنية حول "منظومة التربية و التعليم و التكوين" (2010).
شاركت أخيرا في الندوة الوطنية حول "منظومة التربية و التعليم و
التكوين" المنعقدة بالحمامات الجنوبية بنزل خمس نجوم "سفير بلاس"
من 1 إلى 3 نوفمبر 2010.
أنقل عن محاضرة ألقاها الدكتور حسين الديماسي، أستاذ جامعي متقاعد و خبير
عالمي في الاقتصاد، بعنوان: "التعليم و التمويل".
موضوعيا يقتضي تقهقر القطاع العام لصالح القطاع الخاص الإبقاء على هيكلة
المنظومة التعليمية حسب مراحلها على حالها بل تشديد الصبغة الانتقائية لهذه
المنظومة غير أن ما حصل في الواقع كان بعكس ذلك تماما إذ اتجهت البلاد التونسية
تدريجيا إلى "جمهرة" (أصبح يضم أكبر عدد من جماهير التلاميذ و الطلبة) التعليم الثانوي و العالي و التخلي عن جل مراحل
التقييم (إلغاء السيزيام و النوفيام و توسيع ثقب غربال امتحان الباكلوريا) و ذلك
ليس نتيجة تحسن المستوى العلمي و الثقافي للتلاميذ و إنما نتيجة تسيب مجحف في
الانتقال من سنة إلى أخرى أو من مرحلة تعليمية إلى أخرى.
تختلف هيكلة اليد العاملة حسب أهم المؤهلات بين القطاع العام و القطاع
الخاص على النحو التالي:
-
في القطاع العام: خرّيجي الثانوي و العالي يمثلون نسبة أقصاها 75 بالمائة
بالوظيفة العمومية و أدناها 36 بالمائة بالنقل و المواصلات.
-
في القطاع الخاص: خرّيجي الثانوي و العالي يمثلون نسبة أقصاها 23 بالمائة
بالخدمات و أدناها 13 بالمائة بالصناعات التحويلية.
ثَقُلَ حمل
الدولة بداية من أواسط التسعينات في التعليم العمومي و خفّ حمل القطاع الخاص في
التعليم الخاص لانخفاض نسبة المطرودين من التعليم الثانوي.
ثَقُلَ حمل
الدولة بداية من أواسط التسعينات في التعليم العالي لكثرة الناجحين في الباكلوريا
فلجأت الدولة إلى تحميل المصاريف الجامعية على العائلات التونسية متوسطة و ضعيفة
الدخل.
تتكفّل الدولة، في
كل مراحل التعليم، منذ 1995 بأربعة أخماس ميزانية التعليم و تتكفل العائلات بخمس
هذه الميزانية. لم تتغير نسبة مشاركة العائلات منذ 1995 نتيجة "دمغجة"
مبيتة من السلطة التنفيذية لأهداف اجتماعية-سياسية مخافة من انفجار اجتماعي في
الشارع.
لكن حتى و إن طالبنا
المواطنين بمضاعفة مساهمتهم في المصاريف الجامعية فهذا الإجراء المجحف لن يحل
مشكلة افتقاد الدولة إلى مصدر تمويل للتعليم العمومي.
يبلغ ما تسخره
الدولة التونسية للتعليم 25 بالمائة من
ميزانية الدولة دون احتساب الدين العمومي و الدنمارك هي الدولة الوحيدة التي
تفوقنا في الإنفاق على التعليم العمومي.
تحت هذا الضغط الخانق للميزانية العامة، ذهبت الدولة في
اتجاهين:
-
الاتجاه الأول: "هَدْرَشَةُ التعليم"، يعني أصبح التعليم كالثوب
البالي لا ينفع فيه ترقيع لانعدام الميزانية الكافية لتسييره بصفة مرضية حتى لا
نقول جيدة. تدحرج المستوى العلمي في التعليم التونسي على شكل شاقولي و لم يتدرج
ببطء.
-
الاتجاه الثاني: هو الاتجاه إلى التداين الخارجي المرهق، توظف الدولة في
العشرية الأخيرة ربع الدين الخارجي للزيادة في نفقات التعليم العمومي و للتخفيف من
هذا العبء الثقيل فتحت الدولة الباب واسعا للتعليم العالي الخاص.
ما ينتظرنا من
نتائج هذا الوضع المتأزم هو الأمية و البطالة و الدين المتزايد.
قال المحاضر: تقتصر مهمتي على التشخيص و لن أعطي حلا لأن الحل ليس حلا
واحدا بل المسألة معقدة و تتطلب تكاتف الطاقات الخلاقة لاستنباط حلول ملائمة. رغم
هذا التصريح البرئ ظاهريا و غير المنحاز علنيا فنحن ندرك أن وراء كل علم
إيديولوجيا حتى و إن حاول إخفاءها العالِم. و انطلاقا من هذه المقاربة الابستومولوجية
للعلم فقد مرّر المحاضر حلولا ضمنية. يتمثل الخطر الضمني في طرح المحاضر حتى و إن
نفاه بشدة و تشنج عندما واجهه به جل المتدخلين مما أخرجه عن أخلاقيات المحاضرات
العلمية فوصل به الأمر إلى وصف السامعين بالأمية عندما قال: كنت أظن أنني أخاطب
مثقفين و ليس أميين. نسي محاضرنا المتشنج دوما أن الكلام إذا خرج من فم الباث أصبح
ملكا للمتلقي، يؤوّله كما يريد حسب فهمه و ثقافته الخاصة.
قد يوحي طرح المحاضر بالدعوة غير المباشرة للاتجاه نحو خوصصة التعليم
العمومي لتخفيف الحمل الثقيل على كاهل الدولة "المسكينة" التي تئن من
حمل ما ثقل من مستقبل الشعب الكريم.
قد يوحي طرح المحاضر بالدعوة غير
المباشرة للاتجاه نحو تحميل المواطن ما لم تتحمله الدولة فيصبح الشعب الكريم هو
الذي يئن مكان الدولة حتى يخفف عليها
الحمل الثقيل.
قد يوحي طرح المحاضر بالدعوة غير المباشرة للاتجاه نحو تحميل المواطن أعباء
السياسة الكارثية التي انتهجتها الدولة و التي تتمثل في خوصصة القطاع العمومي و
التفريط فيه بأبخس الأثمان. لم تستشر الدولة أحدا عندما قامت بخوصصة القطاع العام
و دعمت القطاع الخاص من أموال الشعب. لكن و حتى و إن كان ذلك - و هو كذلك – فلا
يستطيع المواطن التنصل من حل المشكلة الحالية و الحياتية لأنها مشكلته هو حتى لو
كانت الحكومات المتعاقبة منذ الثمانينات هي المتسبب الرئيسي في وقوعها.
قد يوحي طرح المحاضر بالدعوة غير المباشرة للاتجاه نحو إحياء و تثمين سياسة
الانتقاء المجحف غير الديمقراطي و غير العادل و غير المنصف التي عارضناه نقابيا في
السبعينات و إذا كان الانتقاء مفيدا للتلميذ و المدرّس فلماذا تخلت عنه الدولة منذ
الثمانينات و تخلّت عنه أيضا جل الدول الديمقراطية؟
قال أحد المتدخلين: حتى و إن خططت الدولة لخوصصة كل المجالات العمومية
فعليها الاحتفاظ بثلاث قطاعات أساسية و حياتية و استراتيجية و هي الصحة بما فيها
التأمين عن المرض و التعليم و التقاعد في
سن الستين لعموم الموظفين و في سن 55 للمهن الشاقة مثل التعليم و المناجم و سُوّاق
وسائل النقل بجمبع أصنافهم.
في الآخر قد
يردّد القارئ بعد قراءة المقال حكمة عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
لقد أسمعت لو
ناديت حيّا.............و لكن لا حياة لمن تنادي.
إمضاء م. ع.
د. م. ك.
لا أحد مُجبر على
التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم
بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه.
عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire