jeudi 13 mars 2014

حضرت اليوم يوم تحسيسي حول المهن الخضراء. مواطن العالَم د. محمد كشكار

حضرت اليوم يوم تحسيسي حول المهن الخضراء. مواطن العالَم د. محمد كشكار

المكان: الاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس.
الزمان: الخميس 13 مارس 2014، من العاشرة و الربع صباحا إلى الثالثة مساءً، تخلل الندوة استراحة من تحضير و تنظيم الشاعرة جميلة السرايري التي أكرمتنا بطاولة مستطيلة تعج بالأغذية الحلوة المسكَّرة مثل العسل و الملاوي و الطابونة و الرفيسة (تمر و خبز و سمن) و دقلة النور و اللبن و معجون بنّي لم أتعرف عليه لأنه الطعام الوحيد الذي لم أذقه. لتناول هذه الأطعمة  اللذيذة وفرت لنا الشاعرة أدوات ذات استعمال واحد مثل الصحون و الملاعق البلاستيكية مصحوبة برزمة من المناديل.
الحضور: قبل الاستراحة: 22 منهم رجلان. بعد الاستراحة: 12 منهم رجل واحد.
الجهة المنظمة: منظمة "دروس (DROUCE)"، منظمة أجنبية ممولة من الاتحاد الأوروبي على حد علمي و تنشط كثيرا في المجال الثقافي و النقابي - و قد حضرت لها ندوتين مهمتين - بشراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
رئيسة الجلسة: الأستاذة و الشاعرة صديقتي فاطمة بن فضيلة.
 منشط الحصة: الأستاذ بوجمعة العبيدي، من جندوبة و لا أعرفه.
موضوع الندوة: المهن الخضراء و هي حسب ما فهمت من الندوة، المهن التي لا تضر بالبيئة مثل السياحة البيئية و رسكلة المواد البلاستيكية و تهيئة الغابات و الفلاحة البيولوجية و التربية البيولوجية للحيوانات كتربية النحل مثلا.

الافتتاح:
بكلمة مقتضبة، افتتح الندوة زميلي و صديقي و رفيقي في النضال النقابي على مدى عشرين سنة، الأستاذ محمد علي بوغديري، الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس. أشكره عندما خصني بالترحيب في كلمته و رحب أيضا بعضوة النقابة العامة للشباب و الطفولة الحاضرة في الندوة.  

انطلاق الحصة:
شرع المنشط في تقديم مادته بصفة تقنية سطحية جافة و خالية من كل نقد و كأنه يلقي درسا في القسم بطريقة البيداغوجيا النشيطة (أعطى المجال واسعا لعديد التدخلات)، لكنه بدا لي و كأنه يستبطن في داخله أن الجمهور الحاضر - مثله مثل تلامذته - جاهل بموضوع البيئة و المهن الخضراء، و قد تأكد ظني هذا بَعدِيًّا (a posteriori) عندما انزعج أيّما انزعاج من نوعية بعض التدخلات مثل تدخلي أنا و تدخل ممثلة جمعية النساء الديمقراطيات (موظفة بالاتحاد الجهوي للشغل و مثقفة جميلة طيبة بشوشة، تشرفت بمعرفتها منذ سنوات و نشطت معها في "نادي جدل" بنفس الاتحاد). لن أستفيض في نقل ما ورد في الندوة لأن كل المعلومات التي عرضها موجودة على النت و هذا بشهادته و ظاهر أيضا في عرضه بـ"الفيديو بروجكتور".

I.                  تدخلي أنا، كاملا بعد ما ألقيته على فترتين، قبل و بعد الاستراحة:
أعتذر عن تدخلاتي المزعجة دائما و قد تبدو لكم ظاهريا خارجة عن سياق الندوة و موضوعها، و ذلك بسبب تناولها لفلسفة نقد المعرفة (l’épistémologie)، أما أنا فتبدو لي تدخلاتي في صلب الموضوع لأن نقد المعرفة مرحلة ضرورية قبل إعادة بناء المعرفة حسب نماذج جديدة مثل نماذج التنمية المستدامة و المهن الخضراء، زد على ذلك أنني أعي جيدا أن نقد المعرفة يزعج منتجي المعرفة فما بالك بناقلي المعرفة، و أعي أيضا أن العلماء يتطايرون من نقد المعرفة لأنها تحرمهم من الاستمتاع بنشوة النصر عند تأسيس العلم، أما ناقلي المعرفة الذين لم يشاركوا في صنع المعرفة، فانزعاجهم أكبر و أتفه لأنهم يستمدون من نقل المعرفة كبرياءهم و علياءهم و ثقتهم المبالغة في النفس و كأنهم مسكوا الأسد من أذنه.

صحيح أن تدخلي قد يبدو مزعجا لمن يرى في نقد المعرفة استنقاصا من قيمتها و لا يرى فيه تمتينا لها.

1.     العلم غير محايد و غير موضوعي، و في أكثر الحالات يغلب عليه الانحياز لمموليه و النطق باسم صانعيه، لذلك يكون من الأفضل أن لا نقدسه بغباء و لا نصدقه مائة بالمائة.

2.     أفضل طريقة لتطبيق التنمية المستدامة هي أن نغرس جيناتها في أجسامنا لتصبح وراثية، و أشير هنا إلى وجود أبحاث جدية حول زرع جينة الملون الأخضر "كلورفيل" في جلد البشر، و هذه المادة هي الوحيدة القادرة على تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية صالحة للتركيب الضوئي (la photosynthèse végétale ou animale)، الذي بدوره يحوّل المادة المعدنية الموجودة بوفرة في الهواء "ثاني أكسيد الكربون" إلى مادة عضوية مثل البروتينات و الدهنيات و النشويات و السكريات، فنصبح بحمده ذاتيّي التغذية مثل النباتات الخضراء بعد ما كنا غير ذاتيّي التغذية، و لن نحتاج مستقبلا - لو نجحت هذه الأبحاث - إلى تناول المواد العضوية مثل الخبز و اللحم، بل سوف يقتصر طعامنا على قليل من الأملاح المعدنية مثل احتياج النباتات الخضراء أيضا، و لنا مثال حيوان يقوم بالتركيب الضوئي (La limace de mer, Elysia chlorotica).

3.     ركز المنشط على الجانب الأخلاقي في تطبيق التنمية المستدامة بترديده عبارة جاهزة: "خلي للأجيال القادمة". يا ريت أنتجت الأخلاق رقيا أو تقدما، و لو حصل ذلك لاستغنينا عن القوانين الجزائية الرادعة، لكن يبدو لي أن الخطاب الأخلاقي السماوي أو الأرضي لم يأت أكله و لم يغير شيئا على مدى قرون، و الدليل أننا بقينا أربعة عشر قرنا نتغنى و نستمتع بترديد العبارات  الجاهزة و ندعي بالباطل أننا خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف و ننهي عن المنكر، و نحن في الواقع المعاصر أذل أمة بين الأمم نأمر بالمعروف و نفعل المنكر.

أرغب في التنبيه إلى الجوانب الأخرى التي تدعم التنمية المستدامة، مثل الجانب القانوني (سن قوانين ردعية ضد الرأسماليين الجشعين المتهربين من دفع الضرائب و اللاهثين وراء الربح السريع و السهل و الملوثين الوحيدين للبيئة)، و الجانب العلمي (تركيز وحدات للبحث العلمي في الشركات أو الضيعات الكبرى الخاصة)، و الجانب الصحي (لا ننسى أن التنمية المستدامة ترجع بالفائدة الصحية المباشرة على الجيل الحاضر قبل أن تستفيد منها الأجيال القادمة، و بهذا نرغب الناس في تطبيقها، مثلا في الفلاحة البيولوجية عوض أن نستعمل مبيدات الحشرات و الأعشاب و الأسمدة الكيميائية المضرة بصحتنا الآن قبل غد، نستعمل الأسمدة العضوية و الخضراء المخصبة للترية دون ضرر صحي علينا و على الحيوانات).

4.     بعد اكتشاف البترول سنة 1975، قامت دولة النورفيج بتحويل الثروات غير المستدامة (النفط) إلى ثروات مستدامة (بنك يضم عشر ريع بيع البترول، يُحفظ للأجيال القادمة و بعد القادمة).

5.     أما نحن، مقارنة بالنورفيجيين، و من شدة ذكائنا و حدة فطنتنا، فقد فعلنا عكسهم في أريافنا الفقيرة أو المعدمة، و حوّلنا تنميتنا التقليدية المستدامة (فلاحة بيولوجية دون أسمدة و مبيدات و غير ضارة بصحتنا و صحة أبنائنا أو بناء مساكن بأبخس التكاليف دون حديد أو اسمنت) إلى تنمية غير مستدامة (فلاحة عصرية بالأسمدة و المبيدات الضارة بصحتنا و صحة أبنائنا أو بناء مساكن بأغلى التكاليف بالحديد أو الاسمنت).

6.     جاء هذا الجزء من التدخل التالي بطلب من ممثلة جمعية النساء الديمقراطيات التي سبق ذكرها و التي فهمت وثاقة صلة تدخلي الأول بموضوع الندوة و استساغته و استحسنته فطلبت المزيد قائلة: "زدنا اشوية فلسفة يا سي محمد". كان تدخلي مكتوبا قبل رجائها و هو التالي:

أريد التعرض إلى عقدتين تجاه الغرب سائدتين في عقلية المواطن العربي بصفة عامة:
-         العقدة الأولى:
القول بأن الغرب هو الذي ابتدع مفهوم التنمية المستدامة و نحن استوردنا المفهوم الغربي جاهزا.  يبدو لي أن هذا القول غير صحيح لأن التنمية المستدامة كانت النموذج التنموي السائد في العالم أجمع قبل الثورة الصناعية، و هذا النموذج الموروث عبر قرون من تاريخ البشرية هو الذي أوصل لنا الأرض في حالة نسبيا سليمة بعد بعض ملايين السنين من عمر البشر و بعد  5 آلاف سنة من عمر الأرض، و ليس الإنسان الغربي هو المركز بل هو المتطفل، و ليس هو المصلح بيئيا بل هو المفسد، و ليس هو الحل بل هو المشكل، و عوض أن يعطينا دروسا في أشياء بديهية عليه إصلاح ما أفسده و عفا الله عما سلف.

-         العقدة الثانية:
القول بأن التنمية المستدامة هي مسألة "عقلية" موجودة لدى المواطن المسلم "المتقدم" و مفقودة لدى المواطن المسلم "المتخلف". يبدو لي أن التنمية المستدامة لا علاقة لها بمسألة عقلية المواطن الغربي أو المواطن المسلم، و الدليل على بعض الوجاهة في كلامي أن الرأسماليين الغربيين عندما ضيقوا عليهم الخناق بالقوانين الحامية للبيئة في بلدانهم الأصلية، هربوا من بلدانهم و استقروا في بلداننا ليربحوا أكثر و يلوثوا أكثر دون رقيب قانوني يحد من جشعهم و تلويثهم. و في المقابل يوجد 40 في المائة من مسلمي العالم يعيشون في الدول المتقدمة و يتأقلمون مع قوانين هذه البلدان، خاصة في مجال المحافظة على التوازن البيئي الذي يوشك أن ينخرم في العالم بسبب الرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف بالقيم و الأخلاق و ربّها الوحيد هو الربح و لو على جثث الملايين كما حدث في بلدان العالم الثالث زمن الاستعمار و يحدث الآن في العراق.

-         ليس كل مَن يرمي الزبلة (يرمي القمامة على جانب الطريق أثناء السفر بالسيارة الخاصة) يلوّث البيئة، فبقايا الطعام مثلا تصلح قوتا يغذي الحيونات كالطير و الدود و تصلح أيضا كسماد عضوي يخصب التربة.

-         ليس كل فلاحة بيولوجية تحافظ على التوازن البيئي، فغرسُ نوع واحد من التمور في الجنوب الغربي مثل "دقلة النور" - حتى و لو بطريقة بيولوجية دون سماد كيميائي - قد يساهم في انقراض الأنواع الأخرى من التمور المتلائمة أفضل مع البيئة و المستهلكة أقل للماء و المحتاجة أقل للرعاية قبل و بعد جني التمور.

II.                الخاتمة:
انزعج المنشط من تدخلي أيما انزعاج، و رآه خارجا عن موضوع الندوة و إسقاطا لخطاب تنظيري في غير موضعه أو ردّا على أخطاء لم يقع فيها بل لم يتطرق إليها أصلا.
حاولت أن أوضح له أنه ليس هو المستهدف بنقدي و تدخلي ليس ردا على ما تطرق له من أفكار. و عندما أصر على رأيه، قلت له غاضبا: "لماذا تريد أن تحشر نفسك بيني و بين العلم. أنتَ ناقل للعلم و لست منتجا له، فاعرف من فضلك قدرك و الزم حدودك". رد قائلا: "أنا أعرف حدودي". ثم أضفت قائلا: "أنا أُحرَم من أخذ الكلمة في بعض الاجتماعات العامة لبعض الأحزاب "التقدمية"، و منيتي و ملاذي الأخير أن أشارك في ملتقيات أو ندوات أشتم فيها رائحة العلم حتى تتاح لي الفرصة للتعبير عما يخالج صدري من تعليقات، أحاول أن أكظمها فتفر منزعجة بطبعها من بين شفاهي".
تدخلت ممثلة جمعية النساء الديمقراطيات مدافعة عني قائلة: "تدخل سي محمد يصب في صلب الموضوع".
تدخلت مهندسة مشاركة عاطلة عن العمل قائلة: "لم أستفد شيئا من كلام المنشط و لا من تدخل سي محمد و لا من تدخل ممثلة جمعية النساء الديمقراطيات".
الغريب أن المنشط نفسه يستشهد أحيانا بما ورد في تدخلي ليؤكد بعض أطروحاته.

بعد مغادرة القاعة على الساعة الثانية بعد الزوال قبل نهاية الندوة، كتبت في الحافلة 3710 (بنعروس حمام الشط) كلاما موجها للمنشط لكنني لم أقله للمنشط: "من حقك أن تنزعج من كلامي - و لو كنت مكانك لانزعجت مثلك أو أكثر - الذي بدا لك خارجا عن سياق الندوة حسب منطق التسهيل السائد للعلم (la simplification et la schématisation du savoir). أنت مكلّف بمهمة محددة في هذه الندوة و أنا ليست لي مهمة محددة في هذه الندوة. أنت تنشط بأجر و أنا أتدخل دون أجر. أنت تقوم بواجبك التقني السطحي في نقل العلم أما أنا فأمارس هوايتي - غير المحبوبة من صانعي المعرفة فما بالك بناقليها - هوايتي التي تتمثل في نقد المعرفة المعروضة أمامي و سبر أغوارها و تعقيداتها (la complexité du savoir) و تشعيباتها و أحاول تسليط الكشاف الإبستمولوجي على مناطق الظل فيها و ما أكثرها. أنا أستمتع و أنت تكدح.

و عند مغادرة القاعة، توجهت إلى المنشط و قلت له: "أعتذر إن أزعجك كلامي". ثم توجهت إلى المتدخلة المهندسة و قلت لها: "إن شاء الله ننظم قريبا يوما تحسيسيا يعرّفنا على فائدة علم نقد المعرفة".

تاريخ أول نهشر على النت: حمام الشط، الخميس 13 مارس 2014.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire