لماذا لا نستلهم من تجارب البلدان
الأجنبية الناجحة في الحقل التربوي؟ ترجمة مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النات: حمام
الشط في 19 أفريل 2012.
المصدر:
Journal français:
Courrier international, n° 1118, du 5 au 11 avril 2012, page 14-21, ensemble d’articles,
intitulé : Education, les recettes qui marchent ailleurs.
مقتطفات مقتضبة جدا من
الاستنتاجات التربوية المفيدة المستوحاة من تجارب تربوية عالمية ناجحة و متعددة:
1.
المكانة الأولى للصين في امتحان "بيزا"
(البرنامج العالمي لمتابعة مكتسبات التلاميذ في فهم نص مكتوب و في الرياضيات و في
العلوم):
يبدو
أن ثلاث حجج كبيرة قد فقدت وزنها، حجج تفسر الفشل المدرسي في البلدان الغربية: ضعف
الميزانية المخصصة من الدولة، و الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، و الثقافات التي
لا تولي أهمية للتربية. ثلاثة عوامل مهمة لكن لا تكفي وحدها لتفسير النتائج
المدرسية:
-
بين 1970 و 1994، و في عديد البلدان الغربية زادت
ميزانية التعليم ضعفين أو ثلاثة أضعاف، و رغم هذا المجهود المادي الملحوظ لم
تتحسسن النتائج إذا لم نقل أنها في تراجع.
في أمريكا مثلا حيث تصل تكلفة تعليم تلميذ واحد أعلى نسبها، نجد هذا البلد في آخر
ترتيب الدول المتقدمة في التعليم الثانوي. حسب تقدير أحد المختصين، لا تدخل
اعتبارات الميزانية إلا بنسبة 10 بالمائة في تغيير النتائج المدرسية.
-
أكدت دراسات بريطانية أن خطر الفشل المدرسي يظل أكثر
ارتفاعا عند التلاميذ الفقراء. و هذا ما أكدته أيضا الدراسات الأمريكية بقولها أن
60 بالمائة من النتائج المدرسية تتوقف على عوامل خارجية عن المدرسة مع العلم أن
استراليا تحصلت على الرتبة التاسعة المشرفة في امتحان "بيزا" رغم
الفوارق الكبيرة في الدخل بين أجرائها و أما الصين فقد فازت بالمرتبة الأولى رغم أنها
تُعدّ من أكبر المجتمعات غير المتكافئة طبقيا.
-
يلعب المستوى الثقافي للأسرة - دون أدنى شك - دورا
تربويا هاما. يتابع الأولياء الآسيويون نتائج أبنائهم أكثر من نظرائهم الأوروبيين
و يساهمون بذلك في إنجاح مدارسهم. لذلك تتصدر منصة التتويج التربوي دول كسنغفورة و
هونغ كونغ و كوريا الجنوبية.
2.
ما هي إذن مفاتيح النجاح؟
لا
يوجد نموذج واحد، لكن تتراءى لنا أربع مسارات للخروج من المأزق: اللامركزية التي
تتمثل في إعطاء أكثر استقلالية للمؤسسات التربوية، و الاعتناء أكثر بالتلاميذ
المتعثرين في دراستهم، و تنويع المؤسسات التربوية و انتداب مدرسين من ذوي الكفاءات
العالية:
-
يُعد النظام التربوي البولوني من أكثر الأنظمة التربوية
لامركزية في العالم. تتكفل البلديات بتمويل المدارس بعد أن تأخذ منحة نسبية من
الدولة حسب عدد التلاميذ المرسمين في ترابها. يتمتع رؤساء المؤسسات التربوية بكفاءة
و حرية في انتداب المدرسين مباشرة و في التصرف في الميزانية المخصصة لكل مدرسة.
لذلك تجد بولونيا مكانها و مكانتها في
الترتيبات العالمية.
-
تراجعت أفضل المدارس الصينية عن هوسها و ولعها
بـ"النوابغ" و "العباقرة" و شرعت في تدعيم التلامذة المتعثرين
دوما. و هذا ما لم تفعله بريطانيا مما أثر على نتائجها المدرسية العامة.
-
سمحت الحكومة البريطانية، منذ توني بلير، بتأسيس
"مدارس حرة" (ليس بالمعنى المتداول عندنا في تونس) و وضعتهم تحت تصرف
الأولياء و المنظمات الخيرية و الجمعيات لكن التمويل بقي من اختصاص الدولة. بدأ
العدد بـ 203 في ماي 2010 و بلغ اليوم 1635 "مدرسة حرة".
-
بعض البلدان، كفنلندا أو كوريا الجنوبية، لا تنتدب من
الأساتذة إلا الأوائل و ترفع أجورهم على هذا الأساس. بريطانيا توفر منحا في
الاختصاصات التي تشكو من نقص. أمريكا تجرّب التمييز بين المدرّسين و دفع الأجر حسب
الاستحقاق و كفاءة المدرّس و هذا ما تعارضه دوما نقابة المدرّسين.
3.
كيف نجح الفنلنديون؟
-
إجبارية التعليم من سن السابعة إلى سن السادسة عشرة.
-
يتردد التلميذ الفنلندي على المدرسة من الاثنين إلى
الخميس، لكن ينهي يومه في أكثر الأحيان على الساعة الثانية بعد الزوال مما يترك له
كثيرا من الوقت لممارسة الرياضة و أنشطة ترفيهية أخرى.
-
نصف التلاميذ الذين هم في سن الخامسة عشرة، يختارون شعبة
تقنية. لذلك لا يقبل المعهد الثانوي العام إلا التلاميذ الذين هم في سن 16 - 19 و
الراغبين حقا في دراسة المواد النظرية.
-
يعد التلاميذ بأنفسهم برنامج توقيت دراسة المواد
الاختيارية.
-
ينصبّ تركيز المدرسة الفنلندية على تدريس اللغات و
الرياضيات لأن هذين المادتين الأساسيتين يكونان الأدوات الذهنية و الفكرية
الضرورية لفهم بقية المواد الأخرى.
-
التلامذة ليسوا مُجبرين على حضور الدروس حتى يُسمح لهم
باجتياز الامتحان و يستطيعون أيضا اجتياز امتحان السنة الموالية قبل وقته المحدد
من قبل الإدارة.
-
يستطيع تلميذ المهني أو التقني الالتحاق بالتعليم العالي
العام بعد اجتياز أربع امتحانات كتابية إجبارية.
-
لو
يُوجد هناك شيء يجب
أن يقال في
تحليل نجاح التعليم
الفنلندي، فهو
الأهمية التي
تحضي بها المطالعة و القراءة لدى المدرسين و السلطات العليا.
4. كيف نجح المَجَريّون؟
-
يُخصص خمس كل حصة تربوية لحل المشاكل العلمية جماعيا.
يجب على التلاميذ إذن، أن يتعاضدوا و يتناقشوا فيما بينهم بالحجة و الدليل و
يتواصلوا و يعينوا الآخرين من زملائهم الضعفاء. و هذا النشاط الجماعي يكسبهم
مفردات لغوية ثرية و دُربة على المحاجّة، كفاءات مكتسبة تمنحهم بدورها ثقة بالنفس
و تسمح لهم بأخذ الكلمة في أي وسط فكري. فيدركون أن فقرهم و أصلهم الاجتماعي و لون
بشرتهم، صفات لا تعني أنهم ليسوا موهوبين. يقول المدرّسون المجريون أنهم يلقون
دروسهم بطريقة تجعل التلميذ يتطلع مشتاقا للتعلّم.
-
شهادة
تلميذ: "عندما أعمل داخل مجموعة، لا أحس بالرهبة، لأنني أعرف أنني لا أعمل من
أجل الحصول على عدد". "عندما يكون بجانبنا مَن نسأله العون، لا نحس أبدا
بالخوف".
-
شهادة
مديرة: "النتائج المدرسية تنطق بنفسها و على نفسها: لا يوجد غياب غير مبرّر و
لا رسوب و تلامذتنا كلهم ينجحون في مناظرات المنطق (la
logique)".
-
شهادة مدرّس: " الغريب أن التلامذة استغنوا عن
خدماتي و لا يحتاجونني لأنهم قادرون على بناء معرفتهم بأنفسهم (Ajout du Dr M. K : c’est le socio-constructivisme de Piaget et Vigotsky).
لقد تحسّن الحافز المعرفي لدى التلاميذ بصفة ملحوظة، خاصة عند المشوّشين من
التلامذة المتعثرين في دراستهم. لم أعد اليوم في حاجة للجري و محاولة تجميع "وحوشي
الصغيرة" بعد فترة الاستراحة، على العكس أجدهم ينتظرونني في القاعة بكل صمت و
احترام. كل واحد منهم ينتظر دوره في أخذ الكلمة. أشعر أنني أعيش في كوكب آخر! لقد
أنتجَت هذه الطريقة تغييرات مثيرة للإعجاب في وقت قصير نسبيا". "هذه
الطريقة تساعد أيضا على تطوير الثقة بالنفس لدى التلاميذ و تعالج و تقلّل من ظاهرة
العنف المدرسي لديهم. قديما و في قسم تقليدي يجمع عددا كبيرا من التلامذة
المحرومين، أربعة أو خمسة فقط يسمعونني بآذان صاغية: هم فقط مَن يفقه ما أقول أما
40 إلى 50 في المائة من تلامذة القسم فلا يستطيعون و لا يقدرون على متابعة الدرس.دائما
نفس التلامذة النجباء هم الذين يرفعون أصابعهم. و الأستاذ يعتقد أنه حقق نجاحا
باهرا! و باتباع الطريقة البيداغوجية المبتكرة، أصبح على أكثر تقدير 1 أو 2 في
المائة فقط من التلاميذ ممّن لا يتابعون
الدرس و هذه نسبة قليلة جدا".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire