lundi 12 décembre 2022

حول خطبة الجمعة: وجهة نظر في الدرس الذي يسبق خطبة الجمعة

 

 

لستُ من أهل الاختصاص في المسائل الفقهيّة ولكنّ موضوعات الدرس الذي يسبق عادة خطبة الجمعة تهمني لأنها تهتمّ بشؤون الدنيا. لذا رأيتُ من واجبي الكتابة فيها، مساهمة مني في الارتقاء بالمستوي العلميّ لهذا الدرس.

لنترك جانبًا الإمام الكلاسيكي المختصّ في الدين وهو موظّف قار ولن أتدخّل في دوره لأنني غير مختصّ في الدين، وأقترح في كل جمعة، وبعد تنسيق وإعداد مسبق, استدعاء متدخّل من بين المواظبين على الصلاة: يُختار هذا الشخص تحت إشراف الإمام ويكون محل ثقته  وثقة مرتادي الجامع ومن الأفضل أن يكون مختصّا في فرع من فروع العلم ومتطوّعا غير قار لأن "من مقوّمات الخطيب علمه وثقافته، والعلم والثقافة يحتويان مجموعة اختصاصات لا يمكن أن يلمّ بها ويتقنها شخص واحد، لا سيّما في عصرنا هذا، ولا يُعقل أن يصمت المصلّي المختصّ وهو يسمع خطيبا غير مختصّ يشرح ويحلّل ويعظ ويرشد في مسائل الناس ومشكلاتهم الدنيويّة التي يسألونه عنها ويطلبون رأيه فيها".

على سبيل الذكر لا الحصر, أسوق أمثلة تجسّم الموضوعات الدنيويّة التي يُرجى أن يتدخّل فيها الضيف الخطيب العالِم الدنيوي في درس الجمعة الذي يسبق خطبة الجمعة:

1.    ما أحوجنا كلنا إلى توصيات خطيب مختصّ في كتابة عقود البيع والشّراء ونحن نتعرّض يوميا للاحتيال باسم القانون.

2.    في افتتاح السنة الدراسية: لماذا لا نأتي بخطيب مختصّ في علوم التربية يشرح للناس كيفيّة تهيئة ابنائهم لعام دراسي ناجح ؟

3.    بمناسبة الأزمة الماليّة العالميّة: لماذا لا نستدعي خطيبا خبيرا في الشؤون الماليّة يشرح للناس أسباب الأزمة ونتائجها ؟

4.    إثر انتشار مرض معيّن في العالم أو في البلاد: لماذا لا نرحّب بخطيب طبيب في الجامع يُطَمْئن الناس وينصحهم بما يجب فعله في مثل هذه الظروف مثل "جائحة كوفيد 19" ؟

5.    في موسم الحج: لماذا لا ندعو خطيبا مختصّا في الطبّ الوقائيّ، يشرح للمرشّحين للحج فوائد التلقيح أو كيفية اتّقاء ارتفاع درجة الحرارة في الأراضي المقدسة ؟

6.    قبل رمضان: لماذا لا نستقدم خطيبا مختصّا في التغذية يحذّر المرضى وكبار السن والمعذورين شرعيا من مخاطر الصوم على صحتهم وعلى صحة من يقوم عليهم ؟

7.    قبل فصل الصيف وكثرة حركة السيارات: لماذا لا نستفيد من علم وتجربة خطيب خبير في حوادث الطرقات، هذه الحوادث التي تقضي سنويا على 36 ألف بشر وتصيب 400 ألف مواطن في جملة البلدان العربية ؟

8.    قبل موسم الأفراح: لماذا لا نستضيف خطيبًا خبيرًا في التلوّث الصوتيّ ينبئنا عن مضارّ الضجيج المنبعث من مكبّرات الصوت ؟

9.    في اختتام السنة الدراسية: لماذا لا نستدعي خطيبا عالِم نفس يفسر للأولياء أسباب النجاح والفشل الدّراسي وكيفيّة التعامل مع أبنائهم في الوضعيّتين ؟

 

لقارئ أن يردّ ويقول: "هذه موضوعات محاضرات علميّة مختصّة تُلقى في دُور الثقافة والجامعات"، أجيبه مسبقًا: ما الضّرر لو يصبح الجامع دار دين ومنارة علم في آن ؟

بالله عليك، أيها القارئ الكريم، تصوّر معي واحلم -ولو للحظة- بالفائدة التي قد تحصل لمواطن مسلم مواظب على خطبة الجمعة عندما يتلقّى اثنين وخمسين تدخّلا علميّا  ولو لعشر دقائق في الأسبوع  في مجالات علمية مختلفة خلال سنة على يد مختصّين "وهذا يمثل في حد ذاته مساقًا دراسيًّا كاملا" قد تتخرّج منه أجيال بدرجة علمية محترمة، خاصة وأن كثيرًا من المصلين لا يرتادون دُورَ الثقافة لانشغالهم بعملهم، ومنهم من لم يسعفه النظام التربوي وظروفه الخاصّة في الوصول للجامعة.

ولقارئ آخر أن يحتجّ ويتمسّك بتراث السلف الصالح فلا يريد تغييرا حتى ولو كان مفيدا. أجيبه: "في العصور الماضية كانت العلوم قليلة واجتماعها في إمام واحد كان ممكنًا، أضِف إلى ذلك فقد كان ترسيخُ العقيدة يشغل بالهم أكثر من المسائل الدنيويّة والعلميّة".

أنا لا أدّعي أن هذه التدخّلات سوف تعوّض محاضرات الجامعة أو دروس المعهد وهذا غير ممكن عمليّا "لتنوّع المستمعين اليها, باختلاف مستوياتهم وطبقاتهم العلميّة والاجتماعيّة" ولقِصَر زمن الخطبة.

لو قدّر الله وطُبِّقت هذه المبادرة فسوف تمهّد لإرساء ثقافةٍ نحن في أشدّ الحاجة اليها خاصّة في مجتمع ابتعد كثيرا عن القراءة، فتصبح ثقافتُه ثقافةً شعبيّةً سمعيّةً نفسيّةً تربويّةً صحيّةً وحقوقيّةً مبسّطةً لكنها صحيحةٌ وصادرةٌ عن مختصّين.

هذه المبادرة قد تفتح المجال للعمل الخيريّ وتؤسّس لنمطٍ جديدٍ من التطوّع العلميّ قد يعطي فرصةً لأصحاب المعرفة وجلهم فقراء في بلادنا، فرصةٌ تمكنهم من التصدّقِ بما يملكون من العلم، خاصة وأن العلمَ هو الكنز الوحيد الذي يزيد كلما أنفقتَ منه. 

لماذا نشترط في الأستاذ أن يكون مجازا في اختصاصه ولا نشترط في إمام الجمعة نفس الشيء. هل دَور الإمام أقل أهمية تربويا من دور الأستاذ ؟

يبدو لي أن أغلبية أئمة الجمعة ليس لهم دراية معمقة بالتفكير الإسلامي والفلسفة عموما والإمام مدرسة لو أعددته أعددت شعبا وسطا غير متطرف.

إمام الجمعة رسول، رسول لا ينزل عليه الوحي من السماء بل يأتيه من التكوين الجامعي أساسا ومن التكوين الذاتي عامة. وإذا وظفته قتلت الرسالة فيه.

يبدو لي أن جل أيمة المساجد التونسيين لا يفهمون أن المصلين لا يفهمون خطابهم الفقهي المتكلس والمتعالي، خطاب قد عفا عليه الزمن وفاته بسنين ضوئية، "فصاروا يحصرون الدعوة في الدعاء على الأعداء في خطب بلهاء لا تحرك غير الهواء".

ملاحظة هامة 1:

الدين الإسلامي يحوي قِيم فلسفية راقية ورائعة وكونية. تخيّلوا لو ركّز عليها أيمتُنا لَغزونا قلوبَ المسلمين وغير المسلمين وفتحنا عقولهم.

ملاحظة هامة 2:

مقالي هذا وصل بالصدفة إلى وزير الشؤون الدينية الأسبق، السيد القاضي المحترم أحمد عظّوم فاستدعاني ورحّب بي وأعجبته الفكرة ووعدني بتطبيقها تجريبيًّا في جوامع تونس الكبرى. "كلام الليل يصبح...".

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire