vendredi 16 décembre 2022

حول سلوكيات بعض المسلمين المعاصرين

 

منذ خمسة قرون، وجّه زعيم النهضة الأوروبية، إيراسموس نقدا  إلى بعض المسيحيين في سلوكياتهم في القرون الوسطى وقياسا على ذلك أوجه  أنا اليوم نقدا إلى بعض المسلمين في سلوكياتهم الحالية.

ملاحظة هامة

لقد نقلت الاستشهادات حول نقد سلوكيات بعض المسيحيين من كتاب "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. ودون تعسف أو إسقاط مرحلة تاريخية على مرحلة معاصرة، أضفت نقدي الشخصي لسلوكيات بعض المسلمين في القرن الواحد والعشرين. أرجو من القارئ الكريم أن لا يغفل أن بين النقد والنقد خمسة قرون بتمامها وكمالها وأرجو من المسلم أن لا يخشى مقارنة دينه مع أي دين آخر فمن منّا لا يرى أمه أفضل الأمهات ؟ ومَن منّا لا يغرّه جمال الأخريات ؟ انتهت الملاحظة.

 

-         صفحة 111 لهاشم صالح: يعتقد الرواقيون (المسيحيون) بأن المجزرة التي يذهب ضحيتها ألف شخص تمثل خطيئة أقل أهمية من رتق حذاء أحد المساكين يوم الأحد !...لماذا ؟ لأن العمل يوم الأحد حرام !...وهكذا ندخل في متاهة من الفتاوى والأقوال التي لا أول لها ولا آخر ولا علاقة لها بأي واقع محسوس.

-         هامش (1) في نفس الصفحة: لقد حضرت مرة مناقشة رسالة دكتوراه في علم اللاهوت وسمعت كلاما عجبا. سمعت أحدهم يسأل الطالب: "ما هي الآية الإنجيلية التي تنص على أنه يُفضّل حرق الهراطقة أحياء بدلا من إقناعهم عن طريق الحجة" ؟!... هذا مستوى اللاهوتيين المسيحيين. ولو ظهر إيراسموس، زعيم النهضة الأوروبية (1469 م -1532 م) في العالم الإسلامي حاليا وسمع أقوال الأصوليين لجُنّ جنونه أيضا.

 

تعليق أول المؤلّف محمد كشكار:

-         حول المسلمين عدد 1: كنت أحاور، يوما ما، شابّا إسلاميا، ابن صديق عزيز وهو حديث التديّن وكان لا يصافح النساء، فقلت له:  "ما الضرر يا ابن صديقي في مصافحتهن وقد كنا وما زلنا نحن معشر الرجال في قرية جمنة المحافظة (ولاية ﭬبلي) نصافح النساء في عيد الفطر وعيد الأضحى باليد ومع المحصنات الأمهات والجَدّات منهن بالقبل والأحضان، فهل نحن مجتمع إباحي ؟". قال: "معاذ الله يا عمي محمد، أنا لم أقل هذا لكن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، قال: "لأن يُطعن أحدكم بمِخْيَط من حديد في رأسه خيرٌ له من أن يلامس امرأة لا تحل له".

-         حول المسلمين عدد 2: يقول الداعية الإسلامي السلفي المصري وجدي غنيم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، قال:  "الختان سنّة للرجال مكرمة للنساء" وقد أكّد الشيخ التونسي السنّي المالكي، عبد الفتّاح مورو صحة الحديث رغم أنني وجدت على النت ما يلي: "وقد نص الحافظ العراقى فى تعليقه على "إحياء علوم الدين" على ضعف هذا الحديث أيضاً. وسبقة إلى تضعيفه الأئمة البيهقى وأبن أبى حاتم وأبن عبد البر. وجميع طرق رواية هذا الحديث تدور على، أو تلتقى عند، الحجاج بن أرطاة وهو لا يحتج به لأنه مدلّس".

 لن أناقش صحّة الحديث أو ضعفه ولن أناقش مضمونه لأنني غير مختص في تحقيق الأحاديث وتأويلها. لكنني أرى لزاما عليّ كرجل مختص في علم البيولوجيا أن أتدخل ردّا على تدخل وجدي غنيم في البيولوجيا وهو غير المختص في البيولوجيا عندما وصف ختان البنات بأنه عملية تجميل وأسأله: كيف نسمي بتر عضو جنسي مهم من أعضاء جسم المرأة عملية تجميل ؟ أيعني هذا في علم الجمال، أن كل امرأة تحمل بظرا كاملا سليما، هي امرأة غير جميلة ؟ ألا نسمي عادة في علم التشريح كل فرد فقد عضوا من أعضائه معوقا ؟ وأذكّر الشيخ غنيم بأن القضيب عند الرجل والبظر عند المرأة هما عضوان ينحدران من نفس الأصل الأمبريولوجي الجنيني ! وأضيف مؤكدا دون الدخول في التفاصيل أن للعضوين المجهزين بعديد النهايات العصبية الحسّاسة نفس الوظيفة الفيزيولوجية المهمة التي تتمثل في التقاط وتقبل المثيرات الجنسية الخارجية وتبليغها عن طريق الأعصاب الحسّاسة  إلى المخ أين تقع عملية الإدراك والإحساس باللذة، والإحساس باللذة لدى المرأة والرجل أثناء الجماع هي حلال محلّل على حد علمي واستنادا إلى كتاب "الجنسانية في الإسلام" للفيلسوف والأكاديمي المسلم السنّي المالكي التونسي عبد الوهاب بوحديبة. انتهى التعليق الأول.

 

-         صفحة  111 لهاشم صالح: ثم يصب إيراسموس جامَ غضبه على الرهبان ويقول: "إن معظمهم لا دين له. ولا أحد يسرح في الأرض طلبا للمال أكثر من هؤلاء الرهبان الذين يدّعون الوحدة والتفرغ لعبادة الله... وعلى الرغم من ذلك فإنهم مغرورون وصفيقون إلى أقصى حد ممكن. لماذا ؟ لأن ذروة التقى والورع في نظرهم هي أن تكون جاهلا بشكل مطبق. وكلما زاد جهلك زاد إيمانك أو اقترابك من الله !... ثم لأنهم يزعقون في الكنائس... وكلما زاد جهلهم زاد زعيقهم. والكثيرون منهم يعرفون كيف يستغلون قذارتهم ودروشتهم.

 

تعليق ثان المؤلّف محمد كشكار:

-         حول المسلمين عدد 3: وأنا بدوري أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للرهبان المسيحيين وأسلّطه دون تعسف على الدعاة التلفزيين الإسلاميين أمثال وجدي غنيم وعمرو خالد وغيرهم وعلماء السلطة ومفتيها المسلمين وأقول:  "إن معظمهم لا علم له بالدين وفيهم من لم يكتب كتابا واحدا في حياته مثل وجدي غنيم حسب تصريح مهدي مبروك وزير الثقافة النهضاوي التونسي السابق. ولا أحد يسرح في الفضائيات طلبا للمال أكثر من هؤلاء الدعاة الذين ينصحون المسلمين بالتفرغ لعبادة الله... وعلى الرغم من ذلك فإنهم مغرورون وصفيقون إلى أقصى حد ممكن. لماذا ؟ لأن ذروة التقى والورع في نظرهم هي أن تكون جاهلا بشكل مطبق ولا تقرأ للكفار من العلماء ولا تذهب إلى المسرح ولا تسمع الفن ولا تستمتع بجمالية المنحوتات واللوحات لأنه حسب رأيهم حرام في الإسلام. وكلما زاد جهلك ونبذك للحداثة والفن والإبداع زاد إيمانك أو اقترابك من الله !... ثم لأنهم يزعقون في المؤتمرات الشعبية والفضائيات... وكلما زاد جهلهم زاد زعيقهم. والكثيرون منهم يعرفون كيف يستغلون قدراتهم في الدروشة الحداثية لجمع ثروات طائلة من أموال الفقراء والمساكين والأغنياء الأغبياء الذين يصدّقون كلامهم  وهم مسلوبو الإرادة عن جهل أو تقصير أو عن إيمان العجائز. انتهى التعليق الثاني.

 

-         صفحة 112 لهاشم صالح: ثم يشهّر "إيراسموس" بالخرافات والخزعبلات التي لحقت بالإيمان (المسيحي) الصحيح وأساءت إليه، ويقول: "إنهم لمجانين أولئك الذين يعتقدون بأنهم لن يموتوا أثناء النهار إذا ما نظروا إلى صورة القديس كريستوف، أو أولئك الذين يتضرّعون إلى القديسة "بارب" لكي تحميهم في ساحة القتال، أو أولئك اللذين يتضرّعون إلى القديس إيراسموس في أيام معينة لكي ينزل عليهم الثروة والغنى بأقصى سرعة ممكنة... وهكذا يقدّمون القرابين والأضاحي للقدّيسين لكي يشفعوا لهم ويحققوا رغباتهم المادية والدنيوية. ثم يصرخ إيراسموس قائلا: وماذا يمكن أن أقول عن أولئك الذين يشترون صكوك الغفران وهم يعتقدون أنها ستخفف عنهم ذنوبهم أو حتى تمسحها مسحا كاملا ؟

 

تعليق ثالث المؤلّف محمد كشكار:

-         حول المسلمين عدد 4: ومن داخل الحضارة الإسلامية العربية التونسية ودون تعسف، أشهّر أنا أيضا بالخرافات والخزعبلات التي لحقت بالإيمان الإسلامي الصحيح وأساءت إليه، وأقول: "إنهم لمجانين أولئك الذين يعتقدون بأنهم لن يفشلوا في دراستهم أو أعمالهم إذا ما قرؤوا سورة أو آية معينة ألف مرة في اليوم، أو أولئك البسطاء من الصوفيين الطرقيين الذين يتضرعون إلى الأولياء الصالحين لكي يحموهم من الأوبئة والأمراض الجرثومية المعدية، أو أولئك الشيعة أو الدروز أو العلويين اللذين يتضرعون إلى الحسين وفاطمة وعلي في أيام معينة لكي ينزلوا عليهم الثروة والغِنى بأقصى سرعة ممكنة... وهكذا يقدم البسطاء الصوفيون الطرقيون القرابين والأضاحي للأولياء الصالحين لكي يشفعوا لهم ويحققوا رغباتهم المادية والدنيوية البسيطة مثل نجاح أولادهم في الدراسة أو تزويج بناتهم العوانس. ثم أصرخ قائلا: وماذا يمكن أن أقول عن أولئك الذين يحجون إلى الكعبة والبيت الحرام وهم يعتقدون أن حجة واحدة بعد حياة فاسقة ستخفف عنهم ذنوبهم أو قد تمسحها مسحا كاملا ؟

 

-         صفحة 117 لهاشم صالح: فالدين (المسيحي) ليس منعا وزجرا، أو ردعا وتخويفا، وإنما هو محبة أولا وأخيرا. هذا هو جوهر رسالة الإنجيل في نظر إيراسموس: المحبة والشفقة والإحسان. وقد غطت القشور والقوالب على الجوهر، ولا بد من عزلها وإزالتها لكي ينبثق الجوهر من تحت الركام أو من تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان إيراسموس مصلحا من الطراز الأول.  فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى الجذور لمعرفة كيف كانت على حقيقتها وأين حصل الانحراف عنها ومتى. فهناك الدين في أوله وهناك الدين في آخره وشتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة من فترات التاريخ. ولهذا السبب اهتم إيراسموس بتطبيق المنهجية اللغوية والتاريخية على الإنجيل من أجل تطهيره من الشوائب والأخطاء التي لحقت به فيما بعد. ولهذا السبب قدم ترجمة جديدة له غير الترجمة الشائعة والمعتمدة من قبل الكنيسة. وبلور قواعد التأويل الحديث بشكل واضح في المقدمة الشهيرة التي كتبها لتلك الترجمة. ودشّن بذلك منهجية النقد التاريخي في أوروبا.

 

تعليق رابع المؤلّف محمد كشكار:

-         حول المسلمين عدد 5: وأنا أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للدين المسيحي وأسلّطه بدوري دون تعسف أو إسقاط على الدين الإسلامي مع التأكيد على حقيقة ثابتة عندنا وهي أن "القرآن الحالي هو نسخة أصيلة لم تُحرّف" وأقول: فالدين الإسلامي ليس منعا وزجرا، أو ردعا وتخويفا، وإنما هو محبة أولا وأخيرا، على الأقل كما أفهمه وأتذوقه أنا  وأؤمن به، أنا المتطفل المؤمن المحب المسالم المتسامح غير المتعصب وغير المختص في الدين. هذا هو جوهر رسالة القرآن، محبة وشفقة وإحسان  في نظر النهضويين المؤسسين: أمثال الحنيف قس بن ساعدة ومحمد صلى الله عليه وسلّم، وأبو بكر الصديق والمجتهد الأول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو ذر الغفاري، رضي الله عنهم جميعًا، والمجددون الأوائل: أمثال الطبري والأئمة الأربعة وابن رشد وابن سينا والفارابي، والمثقفون المسلمون الجدد والمعاصرون. وقد غطت قشور التديّن وقوالبه الجاهزة والمتكلسة عبر القرون  على الجوهر الثوري في الدين الإسلامي عند بنائه في القرون الوسطى، ولا بد من عزل هذه القشور وإزالتها لكي ينبثق الجوهر الصافي النقي من تحت الركام أو من تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان هؤلاء مصلحين من الطراز الأول.  فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى سيرة السلف الصالح لمعرفة كيف كانت على حقيقتها وأين حصل الانحراف عنها ومتى ؟ فهناك التدين في أوله وهناك التدين في آخره وشتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة من فترات التاريخ. ولهذا السبب اهتم المصلحون النهضويون الجدد بتطبيق المنهجية اللغوية والتاريخية على تأويل القرآن والحديث من أجل تطهيره من الشوائب والأخطاء البشرية التي لحقت به فيما بعد.

لكننا لسنا في حاجة مثل حاجة إيراسموس إلى  تقديم ترجمة جديدة للإنجيل غير الترجمة الشائعة المحرفة والمعتمدة من قِبل الكنيسة (وقد أكّد القرآن تحريف الأنجيل قبل إيراسموس بثمانية قرون) لأن قرآننا وصل إلينا في نسخته الأصلية غير محرّف والحمد لله، وهي النسخة الوحيدة المعتمدة من قِبل كل المسلمين، شيعة وسنة وإباضيين وسلفيين، كلهم متفقون بالإجماع على نص واحد أوحد يتجسّم في المصحف المعتمد للقرآن منذ خمسة عشر قرنًا. وقد بلور المصلحون المذكورون آنفًا، خاصة المجددون الأوائل منهم قواعد التأويل بشكل واضح في الكتب العديدة والشهيرة التي كتبوها ونشروها منذ عشرة قرون أو أكثر وسبقوا النهضويين الأوروبيون بقرون. ثم جاء الخلف الصالح الذي يتمثل في المثقفين المسلمين الجدد والمعاصرين ودشّنوا بدراساتهم العميقة والمتعددة  منهجية النقد التاريخي في العالم الإسلامي. لكن ومع الأسف الشديد، نهضنا وسبقنا أوروبا في نهضتها في نهاية القرون الوسطى (القرن الثاني عشر ميلادي والقرن الثالث عشر م)، أخذوا عنا أحسن ما فينا وسبقونا، ونحن تركنا أفضل ما فينا ولم نأخذ عنهم إلآ أحط ما فيهم فقطيعتنا الرجعية قطيعتان، لا قطيعة واحدة، قطيعة أولى مع "حداثتنا" ونهضتنا في الفترة العباسية من الحضارة الإسلامية وقطيعة ثانية مع حداثة أوروبا الحالية. دخلنا في عصور من الانحطاط منذ القرن الثاني عشر أو الثالث عشر ميلادي، عصور مظلمة عجز ثلة من المصلحين النهضويين المعاصرين والمثقفين المسلمين الجدد عن تنوير ظلمتها رغم مجهوداتهم النهضوية الجبّارة. انتهى التعليق الرابع.

 

 - صفحة 120 لهاشم صالح: إن كل علية القوم هؤلاء تناسبهم الفلسفة المسيحية ويستطيعون أن يفهموها. ولكن ماذا نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم و يتثقف والذي لا يستطيع أن يفهم رسالة فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع ؟ إن الرسالة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة الصور والأيقونات (صور المسيح والعذراء والقديسين). كل ما يفهمونه هو الصلاة والصيام والحج والتبرك بالمزارات والمقامات وقبور القديسين، (...)، الخ، أي كل ما يدينه إيراسموس وأمثاله. فصور القديسين وأيقوناتهم هي "إنجيل الجاهل" الذي يعجز عن القراءة والكتابة.

 

تعليق خامس المؤلّف محمد كشكار:

- حول المسلمين عدد 6: وأنا أحاكي "إيراسموس" في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين وأسلّطه بدوري دون تعسف على البسطاء من المسلمين المعاصرين وأقول: إن كل علية القوم المسلمين هؤلاء يناسبهم الفكر الإسلامي ويستطيعون أن يفهموا تفريعاته المتعددة وتعقيداته الفلسفية. ولكن ماذا نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم و يتثقف والذي لا يستطيع أن يفهم رسالة محمدية فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع ؟ إن الرسالة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة أشياء محسوسة ومرئية (قبور الأولياء الصالحين الصوفيين ومعجزاتهم الوهمية وكراماتهم المزيفة وطقوس أتباعهم ومريديهم في "الحضرة"). كل ما يفهمونه هو الصلاة والصيام والحج والتبرك بالمزارات والمقامات وقبور الأولياء الصالحين، رموز الصوفية التي تبعدنا عن التوحيد وتقرّبنا من الوثنية، وهي تمثل حاجة روحية بالنسبة للشعب الجاهل وبعض أصحاب الشهائد المتعلمين والمتكونين غير المثقفين ونردف نحن من جهتنا قائلين بأنها تمثل أيضا رزق القائمين على الزوايا الصوفية الطُّرقيّة والقائمين على الحَوزات العلمية الشيعية، الذين يعيشون كالطفيليات على صدقات الشعب البسيط المٌعدم والمؤمن، وهذه ممارسات  يدينها المصلحون الجدد والمثقفون المسلمون الجدد. فالطقوس الشكلية المُفرغة من كل إيمان مجرد خالص لله هي "إسلام الجاهل" الذي يعجز عن التفكير والتثاقف والانفتاح على العلوم الحديثة مهما كان مأتاها ما دمنا نهتم بمضمونها وفحواها ولا نكفّر قائلها وشارحها وناشرها. انتهى التعليق الخامس.

 - صفحة 121 لهاشم صالح: في الواقع إنه ينبغي التمييز بين حالتين: حالة السلم وحالة الحرب. ففي أوقات السلام كان هؤلاء (الطبقات العليا والمستنيرة في أوساط الكنيسة والسلطة) يستمعون إلى "إيراسموس" ويؤمنون بأقواله. ولكن ما إن تدلهمّ الأمور وتدق ساعة الحرب حتى يغيروا رأيهم ويهرعوا إلى الرهبان. وذلك لأنهم يعلمون أن الرهبان هم وحدهم القادرون على تجميع جيش جرار في أوساط الشعب. وبالتالي فينسون إيراسموس وتعاليمه التنويرية وفلسفته العالية عن الدين. وهذا ما حصل عندما اندلعت الحرب في كل أنحاء أوروبا بين لوثر والكاثوليك. فقد أخذت مواقع إيراسموس العقلانية والتنويرية تنحسر وتتراجع. ولم يعد هناك من مجال إلا للسيف والمناضلين الأشداء. وأصبح إيراسموس يخشى حتى على نفسه. ففي عام 1527 استطاع الرهبان الإسبانيون -وهم من أشد الرهبان تعصبا- أن يحصلوا من رئيس محاكم التفتيش على إذن رسمي بفحص كتب إيراسموس لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على أفكار مهرطقة أم لا.

 

تعليق سادس المؤلّف محمد كشكار:

-         حول المسلمين عدد 7: وأنا أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين و أسلّطه بدوري دون تعسف على الحالة الإسلامية المعاصرة في تونس ومصر وأقول: في الواقع إنه ينبغي التمييز بين حالتين: حالة الانتخابات والسلطة وحالة المعارضة. ففي أوقات المعارضة لنظام بن علي ومبارك كان الإخوان المسلمون يستمعون إلى آراء العقلانيين ويؤمنون بالفلسفة والحداثة ويقتربون سياسيا من الوسط. ولكن ما إن ادلهمّت الأمور ودقت ساعة الانتخابات وقرب الوصول إلى السلطة حتى غيروا  رأيهم وهرعوا إلى الدعاة السلفيين المشهديين وإلى أئمة الجوامع أنصاف أو أرباع المثقفين دينيا واجتماعيا. وذلك لأنهم يعلمون أن هؤلاء هم وحدهم القادرون على تجميع جمهور غفير من البسطاء الموالين والمناصرين والمتعاطفين مع الإخوان المسلمين والناخبين في أوساط الشعب. وبالتالي فقد نسوا أو تناسوا العقلانيين (أمثال أبو يعرب المرزوقي ومحمد الطالبي وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وغيرهم) وضربوا بعرض الحائط بتعاليم هؤلاء التنويرية وفلسفتهم الإسلامية النهضوية التجديدية العالية. وهذا ما حصل بالضبط عندما انتصرت الثورات في كل أنحاء العالم العربي. فقد أخذت مواقع الفلاسفة العقلانيين الحداثيين المسلمين والتنويريين تنحسر وتتراجع. ولم يعد هناك من مجال إلا للعنف وممارسات بعض المناضلين السلفيين الجهاديين الأشداء. وأصبح المثقف الحداثي التونسي والمصري يخشى حتى على نفسه. ففي عام 2012 استطاع السلفيون الجهاديون التونسيون -و هم من أشد السلفيين تعصبا- أن يحصلوا من رئيس قناة نسمة التونسية الخاصة على اعتذار رسمي عن بث فيلم "برسيبوليس" الإيراني المتهم بأنه مس بالذات الإلهية عند تصويره لله في هيئة شيخ ملتح وقور. انتهى التعليق السادس.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire