mardi 27 décembre 2022

في السبعينيات، كنتُ أظن أن جميع مُنْتَسِبِي الحركات الإسلامية يتحلّون بمثلِ هذا السلوك الإسلامي المثالي !

 

 

نص أمين معلوف:

"المكان: مدينة فاس المغربية. الزمان: أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، سنوات قليلة بعد سقوط غرناطة الأندلس (1492 ميلادي). كان يعيش بها "جماعة الحمّالين"، مجتمع صغير منظم يتكون من ثلاث مائة رجل مع عائلاتهم، كلهم بسطاء، كلهم فقراء، جلهم أمّيون، ولكن رغم ذلك نجحوا في تكوين منظمة اجتماعية (Corporation-"نقابة")، المنظمة الأكثر احترامًا والأكثر تضامنًا والأحْكَم تنظيمًا. كل سنة ينتخبون رئيسَا يدير نشاطهم بدقة متناهية. وفي أوّل كل أسبوع، الرئيس هو مَن يعيّنُ مَن مِن رجالِه سيشتغلُ، ومَن منهم سيرتاحُ حسب حالة نشاط السوق وتوافد القوافل وتَوفُّر المرافقين لها. ما يكسبُه الحمّالُ خلال يومِ عملٍ، لا يحملُه إلى منزلِه بل يضعه كله في صندوقٍ مشتركٍ، وفي آخرِ الأسبوعِ يُوزَّعُ المالُ المتجمِّعُ بالتساوي بين مَن اشتغلوا ومَن لم يشتغلوا في ذلك الأسبوع، باستثناء حصةٍ صغيرةٍ تُنفَقُ بكرمٍ في الأعمالِ الاجتماعيةِ المتعددةِ، مثلا: عند موتِ عاملٍ، تتكفلُ المجموعةُ بالنفقات الكاملةِ لعائلتِه ويساعدونَ زوجتَه على البحثِ على زوجٍ جديدٍ ويرعَوْن أطفالَه الصغارَ حتى يبلغوا أشدَّهم ويتعلموا مهنةً شريفةً. ابنُ أحدِهم هو ابنُ الجميعِ. أموالُ الصندوقِ تُنفَقُ أيضًا في الأفراحِ: كلهم يساهمونَ في توفيرِ مبلغٍ محترمٍ للزوجينِ، يمكِّنهما من بناءِ عُشِّ الزوجيةِ بأريَحيةٍ.  يراقبونَ كل ما يُعرضُ في السوق، يضمنونَ سلامتَه، ويَشهِرون محاسنَه في السوقِ بالصوتِ، طبعاً بِمقابل. كل المستهلكين وكل التجار يثقونَ في شهادتِهم ونزاهتِهم.

لا يتجرأ على أحدهم أحدٌ لأنه يعرف مسبقًا، إذا أصرّ وتمادَى، أنه سيواجِه ثلاث مائة رجلٍ وليس رجلاً واحدًا معزولاً. شعارُهم حديثٌ للرسول (صلى الله عليه وسلّم): "انصرْ أخاكَ ظالمًا ومظلومًا": نادرًا ما يتسبب أحدهم في شجارٍ، ولو حصلَ فسيجدُ دائمًا بين إخوته عاقلاً يرده عن غِيِّهِ.

هكذا كانوا، متواضعين جدًّا، لكنهم فخورون جدًّا بمهنتهم وكانوا محتاجين جدًّا، لكنهم كرماء جدًّا، بعيدين جدًّا عن سرايا السلاطين، لكنهم حاذقون جدّاً في حُكمِ أنفسهم بأنفسهم.".

تعليق المؤلّف محمد كشكار: مرّ نصفُ قرنٍ على تأسيس "الاتجاه الإسلامي" في تونس (حاليّاً "النهضة")، تَقدَّم بي العمر فاكتشفتُ أن إسلاميينا التونسيين لا يختلفون كثيراً عن باقي التونسيين، هُم أبناءُ مجتمعِهم وبيئتِهم ونشأتهم، وليسوا أبناءَ إيديولوجيتِهم الإسلامية، فيهم الصالحُ وفيهم الطالحُ،  كإخوانِهم السلفيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلنا في الأنانيةِ والخبثِ والطمعِ والجشعِ والكسلِ سواسية، كلنا تونسيون "كِيفْ كِيفْ"، والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواهُ !

Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C Lattès, 2012, p.p. 111-112.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire