lundi 26 décembre 2022

حول مقولة الإسلام دينٌ ودولة

 

مقولة ترددها وتؤمن بها جازمة كل الحركات السياسية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي دون استثناء.

يعتقد المرددون الصادقون لمقولة "الإسلام دينٌ ودولة" أنهم يرفعون من شأن الدين الإسلامي بالادعاء عن حسن نية أنه يحوي أجوبة شافية وسابقة لكل الإشكاليات التي يواجهها المواطن المسلم وغير المسلم في القرن 21، ولو كان ذلك كذلك لَما كان حال المسلمين طيلة عشرة قرون على ما هو عليه من جهل ومرض وتخلف علمي وتكنولوجي وحروب أهلية دينية مذهبية ولَما وظفه واستغله الإرهابيون لتبرير بطشهم وعنصريتهم ووحشيتهم ضد المسلمين قبل غيرهم.

يبدو لي أن المقولة البديلة "الإسلام رسالة لا دولة" هي التي سترفع بحق من شأن الإسلام والمسلمين لأنها بفصل الدين عن الدولة ترفع كثيرًا من شأن الدين دون التحقير من شأن الدولة. لماذا ؟ لأن الدولة تحتكر العنف لإجبار مواطنيها على تطبيق القوانين ومعاقبة كل خارق لقانونها من أجل المحافظة على كيانها وردع مناوئيها بالإكراه ومعاقبتهم إن لم يرتدعوا. هل يرضى الدين الإسلامي بمهمة مادية وظرفية مثل هذه المهمة ؟ طبعًا لا. مقولة "الدين رسالة" أرقى ألف مرة من مقولة "الدين دولة"، فعندما نفصل بين الدين والدولة،  نرفع من شأن الدين الرباني الثابت والصالح لكل زمان ومكان بفضل ما يحمله من قِيَمِ سَمحة نبيلة راقية ومتسامحة حتى مع مَن أخطأ في حق ربه ومَن أصرّ على العصيان فعقابُه مؤجّلٌ إلى يوم القيامة وقاضيه هو الوحيد الذي لا يخطئ ولا شريك له هو الله سبحانه وتعالَى لا غيره ومعياره غير معيار البشر وأكيد أرحم منه. أما الدولة فهي نظام بشري ضعيف وضعفه متأتٍّ من ضعف البشر الساهرين على إدارة شؤونه من حكّامٍ وقضاةٍ ورجال أمن. لأسباب عقائدية أستثني من التاريخ فترة حكم النبي محمد صلى الله عليه وسلم لِما للنبي من قدرة على القيادة والتسيير، كفاءة لا تتوفر في باقي المسلمين حتى الخلفاء الراشدين الأربعة، فهؤلاء كان لهم شيطان يغويهم كسائر البشر وأما محمد المعصوم من الخطأ في تبليغ الرسالة فكان له ملاك يهديه كما قال أبو بكر الصدّيق في خطبة حفل تنصيبه كأول خليفة للمسلمين.

نحن نعرف أن للإسلام أركان خمسة، أربعة منها لا تتحمل الإكراه بالقانون وإن أكرَهت أحدًا على أدائها فستضيف إلى عدد المسلمين مسلمًا منافقًا، وعلى العكس فلو جادلته بالتي أحسن فقطعًا ستجني أجرًا عند الله وستعزز الإسلام بمسلم مقتنع. أنا متيقّنٌ أن التقوى لن تَحصُل والإيمان لن يُكتسب عن طريق قوانين زجرية تسنّها الدولة الإسلامية. أما الركن المتبقي، أعني به ركن الزكاة فهو يتمثل في فرض ضريبة على ذوي الدخل الزائد عن الحاجة الحياتية وهو أداء ضريبي فوق الضرائب العادية التي يدفعها للدولة كل المواطنين العاملين أغنياء وفقراء وقد نجد له شبيها في دول لا تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية مثل فرنسا حيث تَفرض الدولة ضريبة خاصة على أصحاب الثروات الكبيرة.

"خاتمة: الإسلام رسالة لا سلطة ومحمد رسول وليس ملكًا": قالها علي عبد الرازق في كتاب "محمد الطاهر بن عاشور تنويريًّا"، تأليف د. جمال الدين دراويل، 2020 (ص 228).


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire