جُل
عَلمانيينا قُدّوا على المنوال الفرنسي المناهِض جهلا للهُوية العربية-الإسلامية.
أرى شقًّا منهم ورثةَ لِفكرِ الثورة الفرنسية المعادي لسلطة الكنيسة في أواخر
القرن 18 م وبورڤيبة أفضل مثال. أما الشق الثاني فأراهم ورثة لِفكرِ ماركس ولينين
وستالين وماو، وحمة الهمامي أفضل مثال.
جُل محافظينا
إسلاميين قُدّوا على المنوال الإسلامي المصري المعادي للاشتراكية في ثوبها القومي
وفي ثوبها اليساري المعارض. أرى شقًّا منهم ورثةَ لِفكرِ الإخوان المسلمين
المصريين، والغنوشي أفضل مثال. أما الشق الثاني فأراهم ورثة لِفكرِ ابن تيمية وسيد
قطب وعبد الوهاب السلفي، وأبو عياض أفضل مثال.
يبدو لي أن العَلمانيين والمحافظين، كلاهما لا يقرأ للآخر وكلاهما مُنبتّ
وجُل أفكارهما وتصوراتهما مستوردة من الغربِ أو من الشرقِ. كلاهما يدّعي تغيير
المجتمع التونسي قبل أن يفهمه، وكلاهما يُنصِّب نفسه منقذًا. كلاهما يدّعي احتكار
الحقيقة وامتلاك بديلٍ جاهزٍ. كلاهما يُقصِي الآخر ولا يعترف به كآخر فهُما
الاثنان إذن لا يؤمنان بجوهر الديمقراطية أي الاعتراف بحق الآخر في اعتناق عقيدة
مغايرة دينية كانت أو سياسية.
لن نحرّر وعيَ نخبتنا ووعيَ جماهيرنا
إلا بتحرير شعبنا (نخبة وجماهير) من الاستلاب والتبعية الثقافية، غربية كانت أو
شرقية، وتحصينه ضد الفكر الأحادي علمانيًّا كان أو إسلاميًّا، وتخليصه من وهم
"الإسلام هو الحل" أو وهم "الحداثة هي الحل". الإسلام جزء من
الحل وليس كل الحل والحداثة كذلك أيضًا. يبدو لي أنه على العَلماني -إذا أراد أن
يفعل في مجتمعه، كل مجتمعه- أن يتماهى مع هُوية مجتمعه وينطق بلسانه (المجتمع)
ويتكلم بمنطقه ويطلع على دينه وتاريخه وتراثه وثقافته، وعلى المحافظ -إذا أراد
أيضًا أن يفعل في مجتمعه، كل مجتمعه- أن يتماهى مع العالَم وينطق بلسانه (العالم)
ويتكلم بمنطقه ويطلع على ديانات الإنسانية وتاريخها وتراثها وثقافاتها ولا يكتفي بثقافته
الدينية الإسلامية.
خلاصة القول: لِتونس الجميلة جناحانِ جميلانِ،
الإسلام والفلسفة العقلانية، فمالَها إذن لا تُقلِعُ وتُجنِّحُ
وتطيرُ ؟ جناحان متنافِران غير متصالحان، واحد غير متصالحٍ مع مجتمعه وهُويته
والثاني غير متصالح مع العالَم والفكر الإنساني. جناحٌ يرفض جناحًا. جناحٌ يُعطِّل
جناحًا. جناحٌ يُقصِي جناحًا. لو أردنا لتونس أن تنهض وللطائر أن يطير، يبدو لي
أنه من الواجب علينا إعادة تأهيل الجناحَين وذلك بِتخليص الاثنينِ من الأدرانِ
والشوائبِ التي علِقت بهما، تخليصُ النخبة العَلمانية التونسية من نَزعة الكُفر
بتراثِ جماهيرها العربي الإسلامي، وفي نفس الوقت تخليصُ الجماهير التونسية
المحافظة من نزعة تكفير نخبتها العلمانية.
إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
"عَلَى
كل خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 1 ماي 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire