dimanche 20 novembre 2022

توضيح حول مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" ؟

 

تعريف المفاهيم: الإسلامي التونسي هو مواطن مسلم يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية إسلامية (نهضاوي، سلفي غير داعشي، سلفي داعشي،تحريري). الماركسي التونسي قد يكون مواطنًا مسلمًا أو ملحدًا يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية ماركسية-لينينية-ستالينية-ماوية (بوكت، وطد).

"الدين أفيون الشعوب"، جملةٌ فعلاً أخرِجت من سياقها. أنقل لكم سياقها كاملاً من كتاب ماركس الشاب (1818-1883)، الفيلسوف الأكثر عمقًا من ماركس الكهل. كتابٌ نشره سنة 1844 تحت عنوان "مقدمة لنقد الفلسفة وقانون هيڤل"، حيث وردت هذه المقارنة بين الدين والأفيون أي بين جنة سماوية وجنة أرضية. قال: "البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضده. الدين هو زفرة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب".

هذه الجملة التي يُشهِرُها الماركسيون التونسيون خطأ في وجه المتدينين التونسيين كحكم غير قابل للاستئناف، هي جملةٌ استُعمِلت فيها كلمة أفيون كمرادف لكلمة تسليةٍ، تسليةٍ عن بؤس حقيقي وليس استبلاهًا أو عجزًا وجُبنًا. الأفيون (البؤس الديني) كوسيلةٌ نظيفة لطيفة للتخلص من حقيقة كريهة بغيضة (البؤس الحقيقي). قال أيضًا: "الدين هو عبارةٌ عن لوحةٍ فنية جميلة تزيّن جدارًا قبيحًا كقبح عالَمِنا المعاصر. الدين هو التحصّنُ بعالَم اللامادة المقدّس هروبًا من عالَم  المادة المدنّس".

جملةُ ماركس إذن ليست جملةَ إدانةٍ بل جملةُ فهمٍ دون تقديم تنازلات للايديولوجيات الدينية 

(L`intégrisme islamique).

ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المقصيّين منهم اجتماعيًّا الذين لا ملاذ لهم إلا ملاذ الدين ولا صوت لهم إلا الشكوى للخالق.

الماركسيون التونسيون يلوّحون بالمسألة الدينية عند الأزمات كفزّاعةٍ (أستثني الدواعش التونسيين، فهُم ليسوا فزّاعةً بل هُمُ واقعٌ خطيرٌ مريرٌ ووبالٌ رهيبٌ على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين)، يلوّحون بها للتغطية على المسائل الديمقراطية التي تقضّ مضاجعهم لقلة عددهم مقارنة بالإسلاميين.

ماركس لا يهتم بمعتقدات العمال بقدر اهتمامه بتحريرهم من رِبْقَةِ استغلال الرأسماليين الذين لا دين لهم حسب رأيه إلا دين الربح السريع، متدينين كانوا أو لا دينيين.

ماركس الشاب الحالِم رهيف الإحساس، قبل أن يطلب من الفقير المتدين التخلي عن حلمه المشروع بجنة سماوية ، يريد أن يهبه جنّة أرضية ويطمح إلى تحقيق فلسفة الدين فوق أرض دون دين.

وأنتَ أيها الماركسي التونسي ماذا قدمت للفقير المسلم التونسي ؟ خاصة بعد أن سفّهتْ التجربة السوفياتية حلم ماركس ؟ بعد ماركس، أصبح الحلم كابوسًا بفضل بركات ستالين وماو وبول بوت، وضحاياهم من العمال والفقراء يُعدّون بعشرات الملايين.

ماركس، كان مثاليًّا في طرحه إلى حد السذاجة لأنه أراد تخطّي "الوضع البشري" (La condition humaine) حيث يبدو البؤس قدرًا منزّلاً لا فصال فيه، والدين أفيونٌ لا غنَى للبشرية عنه. في وطننا يبدو لي أن للدين الإسلامي مستقبلٌ طويلٌ زاهرٌ، لا بل أزليٌّ دائمٌ كديمومة الخالق.

شقيقتي فاطمة (81 عامًا) ضريرةٌ منذ سن الست سنوات، مؤمنةٌ إيمانًا راسخًا أنه سيأتي يومٌ تُبصِرُ فيه وترى أمها بواسطة النور الإلهي، ترى أباها وإخوتها وأخواتها وأبناءهم، ترى صديقاتها وزميلاتها القدامى في معمل النسيج للمكفوفين بمدينة سوسة. ائتني بإيديولوجية تمنح لها هذا الأمل وأنا أتبعها صاغرًا لك ممنونًا !

خاتمة: يقول العامل المسلم التونسي (Le prolétaire) للماركسي التونسي: أرجوك يا رفيقي، إرأفْ بحالي، فأنا -بلا إسلامي- أكون بشرًا معاقًا، تمهّلْ.. تريّثْ.. أو أعطني عكّازًا قبل أن تكسر عكّازي ! عكّازي هو عكّازٌ ربانيٌّ لم يُصنَع أفضل منه بعدُ.. ولن يُصنعَ ! عكّازٌ رفعني من الحضيضِ إلى السماء. ملجأ ألجأ إليه حيث لا تصلُ يدُ المتكبّرِ الظالِمِ.

العامل المسلم التونسي يضيف: صيحةُ "لا إله إلا الله" التي أرفعُها صباحًا مساءً ويوم الجمعة، أرفعُها في وجه الطغاة فترفعني إلى السماء السابع، سماء لا يطالها جبروت العباد، فضاء ينتقمُ فيه رب العباد ممن استباح دم العباد، فضاء تنعدم فيه  المذلّة والمسكنة، فضاء يُذلّ فيه كل ظلاّمٍ للعبيد، أم تراكَ تبغي أن تمنعني من الشكوى للخالق بعد ما بُليتُ بظلم المخلوق ؟ اذهبْ في حال سبيلك، أنت حرٌّ، لكنني -ورأفةً بك وبأمثالك- أنصحك نصيحةً صادقةً خالصةً لوجه الله، اتركْ هذه التجارة الخاسرة واشتغلْ فيما ينفعُ الناس، كل الناس دون تمييزٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ أو إيديولوجيٍّ، واتركْ لي عكّازي فلا عكازَ لي اليومَ غيرهُ.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire