mercredi 16 novembre 2022

الدين الإسلامي، هل هو مسألةً فرديةً كما يعتقدُ العلمانيونَ ؟

 

 يعتقد العلمانيون عمومًا والماركسيون خصّيصًا بأن الدينَ مسألةٌ فرديةٌ، وهو في الواقع مسألةٌ تهم المجتمع أكثر من الفرد، وأخص بالذكر الدين الإسلامي، ديننا في تونس: فأركانه الخمسة تؤدَّى جماعيًّا، وقد تفقد معناها الديني لو أجبِر المسلم على تأديتها فرديًّا كما قد يقع أحيانًا لمسلمٍ مغتربٍ معزولٍ. ويبدو لي أن هذا الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى جل الماركسيين التونسيين هو الحبلُ الذي قيّدوا به أنفسهم وبأيديهم، مما أدّى إلى تقوقعهم وانحسارهم داخل المجتمع التونسي، والشعبُ ليس مسؤولاً عن فشلهم الاجتماعي والثقافي والسياسي !  الدينُ اجتماعيٌّ أو لا يكونَ !

الدعوةُ اللائكيةُ (نسبة إلى فرنسا) لنفي البُعد الاجتماعي للدين وإقصائه من الفضاءات العامة لا تعدو أن تكون دعوةً غير مباشرة لاستئصاله من المجتمع، وما صَمَدَ الدين زمن الاستعمار ضد الغزو الثقافي الفرنسي إلا بفضل بُعده الاجتماعي. لذلك نرى المجتمع متشدّدًا دينيًّا أكثر من الفرد، ونراه قد يغفر الأخطاء الفردية المخالفة للشرع والأخطر على المجتمع (الرشوة، الربا، الاحتكار، الزنا، الشطط في الأسعار، إلخ) ولا يتسامح مع الأخطاء التي تُرتكب في  الفضاءات العامة رغم أنها أقل ضررًا على المجتمع (الإفطار العلني في رمضان والبيكيني على شواطئ البحر، إلخ).

لماذا بقيتُ علمانيًّا إذن ؟ بقيتُ علمانيًّا (laïc ou laïque) على الطريقة الأنغلوساكسونية المتصالحة مع الدين (أمريكا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، الدول الأسكندنافية)، وخلافًا لجل العلمانيين التونسيين، لست علمانيًّا على الطريقة الفرنسية المعادية للدين والنافية لدوره الروحاني الإيجابي في المجتمع. وخلافًا لكل الإسلاميين، بقيتُ علمانيًّا لأنني أؤمن بالفصل بين الدين والدولة. الدولة تدخل في مجال العقل، ولا شيء أفضل من العقل لسياسة الناس وترتيب شؤونهم الدنيوية، أما الدين فهو يتجاوز مدارك العقل، هو مجال المعجزات، تؤمن بها أو لا تؤمن، لا مكان لمنطقة رمادية بين الأبيض والأسود أو لمنزلة بين المنزلتين. والدولة ترعاها أحزابٌ تتنافس فيما بينها من أجل الوصول إلى السلطة والفوز على باقي الأحزاب الأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية، أما الدين فهو استسلام وتسليمٌ لمشيئة الله والرضا بقدره، خيره وشرّه.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". حديث يمكن تطبيقه في المجتمع، لكن يبدو أنه من المستحيل تطبيقه على الأحزاب السياسية: فهل يجوز أن نطلب من حزب يساري أن يحب لحزب إسلاميّ ما يحب لنفسه ؟ وفي المقابل، هل يجوز أن نطلب من حزب إسلامي أن يحب لحزب يساري ما يحب لنفسه ؟ حزبان متنافسان متصارعان وسيبقيان كذلك ما بقيت الديمقراطية، سُنّة السياسة في المجتمع.

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire