العلمانية في تونس
مُرادِفها الكفر لأنها علمانية فرنسية كافرة بالفعل بغض النظز عمن يعتنقها من
التونسيين أكان مسلمًا أو كافرًا فديننا ودستورنا يضمن حرية المعتقد على الورق. أما
العلمانية الأنـﭬلوساكسونية فهي متصالحة مع الدين وهي أرحبُ من الفرنسية بكثيرٍ.
عجبي... يخافون على الصغار من
التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99%.
مَن هُمْ ؟
هم رفاقي اليساريون الستالينيون
والأقربون إليهم الحداثيون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين، كُرهُهم
الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين (لم أقل للإسلام) أعماهم عن المنطقِ (لا تعنيني
قيادة النهضة).
بكل ودّ، أقول لهم ما يلي:
1.
المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Pavlov, Watson et
Skinner) ترى أن الطفلَ إناءٌ فارغٌ يملؤه المعلم بما يشاء،
صفحةٌ بيضاءُ يَكتب عليها ما يريد، صلصالٌ يشكّله حسب هواه.
2.
الطفلُ يا سادتي، يا مؤمنون بحرية الضمير
والمعتقد، الطفلُ ذاتٌ حرةٌ مستقلةٌ تَملأ نفسَها بما تشاء، صفحةٌ بيضاءُ تَكتب
على نفسها ما تريد، مخٌّ صلصالٌ غير مكتمل الوصلات العصبية المجهرية الوظيفية (La plasticité cérébrale) يتشكل حسب هوى صاحبه متفاعلاً مع محيطه وأقرانِه ومعلّمِه (L`épigenèse cérébrale).
هكذا قال زارادُشتْ أو تهيّأ لي أنه قالَ (زارادُشتْ هنا هو عِلم
الديداكتيك أو فلسفة التعلم أو إبسمولوجيا التعليم بكل أنواعه وفروعه وتفرّعاته)
وهكذا قالت المدرسة البنائية (Le constructivisme de Montessori et Piaget) على عكس ما قالت زميلتها البافلوفية، قالت: يبني التلميذ معرفته
بنفسه متفاعلاً مع محيطه وأقرانه ومعلمه (Le socioconstructivisme de Vygotsky).
3.
على سبيل الذكر لا الحصر أذكّركم ببعض
الاستثناءات ولا أهدف البتّة إلى إقناعكم بل أطمح فقط إلى التخفيف من تعصبكم ضد
أبناء وطنكم. ستقولون لي "الشاذ يُحفظ ولا يقاس عليه" وأنا لا أطالبكم
إلا بحفظ ما سأقول، أي تصونوه مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ: إذا لم تُدخِلوا
أبناءَكم مدارسَ دينية وأدخلتموهم مدارسَ عَلمانية فلن يضمن لكم صنيعكم هذا أن
أبناءَكم سيتخرّجون عَلمانيين وسأسوق لكم بعض الأمثلة المعبّرة:
-
مئات الدواعش الفرنسيين في سوريا مولودون في باريس وليونْ من الجيل
الثاني ودَرَسوا في المدارس الفرنسية العلمانية ولا يَحفَظونَ من القرآن إلا
الفاتحةَ وقُلْ هو الله أحد الله الصمد.
-
مئات آلاف الدواعش السوريين دَرَسوا في
المدارسَ السوريةَ الحديثةَ العلمانية.
-
آلاف الدواعش التونسيينَ المهاجرين في سوريا
دَرَسوا في المدارسَ التونسيةَ الحديثةَ العلمانية.
-
أكبر مَن أجرموا في حق الإنسانية في الحرب
العالمية الثانية (60 مليون قتيل) دَرَسوا في مدارسَ علمانية: سياسيو وعسكريو
المحور (هتلر، موسولوني، هيروهيتو، إلخ.) وخصومهم الحلفاء (ستالين، إيزنهاور،
شرشل، ديڤول) وعلماء الجهتين مصمِّمو القنبلة الذرية والأسلحة الكيميائية والألغام
الشخصية وتسميم الغابات والبحر والتربة والجو. دول الحلفاء كانت تحارب دول المحور،
والاثنان يتسابقان في احتلال دول العالم الثالث.
4.
في المقابل، إن الذين لم يُدخِلوا أبناءَهم
مدارسَ علمانية وعلّموهم في مدارسَ دينية لم يضمن لهم صنيعهم ذلك أن أبناءهم
تخرّجوا متدينين:
-
العالِم الشهير داروين صاحب نظرية التطور
المناقضة لنظرية الخلق في الإنجيل دَرَسَ في مدرسة دينية.
-
الفيلسوف هيڤل دَرَسَ العالي في مدرسة دينية،
كانوا يُعِدّونه ليصبح قِسًّا فأصبح أكبر فيلسوف لتاريخ الفلسفة وخاتم الفلاسفة
وقد صدق في ادّعائه. لم أقرأ هيڤل، كلمتين حفظتهم أمس مساءً في مقهى الأمازونيا من
صديقي فيلسوف حمام الشط لكي لا أقول على هيڤل خطأً !
-
مندال، مؤسس علم الوراثة هو قس مسيحي.
-
حسين مروة أكبر مُنظِّر في الحزب الشيوعي
اللبناني وكاتب كتاب "النزعات المادية في الإسلام" دَرَسَ أربعة عشر عامًا في الحزوة الشيعية في النجف في
العراق.
-
طه حسين والطهطاوي، رموز النهضة العربية
العقلانية، دَرَسا في جامع الأزهر.
-
الطاهر الحداد محرر المرأة التونسية دَرَسَ
في جامع الزيتونة.
خلاصة القول: مقولةُ "غسل الدماغ" مقولةٌ فيها مبالغة: المخ ليس صحنًا نغسل بالصابون ما علق به من دهون، المخ عشرة مليارات خلية عصبية. كل خلية قادرة على أن تُقيم مع جاراتها عشرة آلاف وصلة عصبية أي ما يُقدّر مجموعه بمليون مليار علاقة عصبية في المخ بين الخلايا. علاقات تتشكل طيلة العمر حسب التجربة التي يمر بها كل شخصٍ على حِدة
(L`épigenèse cérébrale).
وصلات عصبية غير قارّة (La plasticité cérébrale) ولا أحدَ يستطيع التنبّؤ بكيفية تشكلها في كل ثانية من جديد، تتشكل بالتفاعل مع 25 ألف جينة داخل نواة كل خلية (ADN) ومع المحيط الخلوي الداخلي ومع المحيط الخارجي بكل مكوّناته المتعددة والمتحركة وغير معروف اتجاه حركتها مسبقًا. المخ البشري عالَمٌ معقدٌ جدًّا، عجز العلم عن كشف جل ميكانيزماته وأعمق أسراره
(ses mécanismes et ses mystères)،
ولا أعْتَى حاسوب في
"سيليكون فالِي" أمريكا أو الصين يَقدر على مراقبة تفاعلاته الفيزيو-كيميائية
أو قيس ذبذباته الكهرو-مغناطيسية، لا يَقدر عليه إلا الخالق الذي أبدعه و"ما
أوتيتم من العلم إلا قليلا" !
خاتمة: أنا أدينُ وبشدة كل تجاوزٍ يقع على الأطفال وفي أي
مكان في تونس أو في العالَم، الرڤاب أو غيرها، وإذا ثبتت التهمة الأخلاقية على
المتهمين في قضية المدرسة القرآنية بالرڤاب فأنا أطالب بتسليط أشد العقاب عليهم هم
وعلى مسؤولي الطفولة المحليين والجهويين والوطنيين ولا تنسوا أمثالهم السياسيين
والإداريين.
لي طلبٌ آخرَ ولو أنني أثقلتُ عليكم زملائي البيداغوجيين
ورفاقي اليساريين والحداثيين ولائكيِّ فرنسا: لا تنسوا أن تتفقدوا ما يحدث من
تجاوزات مماثلة أو أفظعَ في مهرجانات
الأولياء الصالحين (الله ينفعنا ببركاتهم) والروضات ونوادي الأطفال والمبيتات
التلمذية والرحلات المدرسية بأكثر من يوم وإقامات المصائف والجولات المطوّلة وغرف
ملابس الصغار في ملاعب الكرة والمخيمات الكشفية والمراكز المندمجة (قُرَى أطفال
بورڤيبة سابقًا)، إلخ. هذا لا يعني تمييعًا لـ"جريمة الرڤاب" -إن وقعت
بالفعل- وليس
تبريرًا لها ولا
تخفيفًا بأي شكلٍ من الأشكالِ.
لماذا كتبتُ هذا المقال ؟ هو
مواصلة لنقاش في مقهى الشيحي وليس ردّا أو استفزازًا لأحد. لقد تناولتُ الموضوع من
جانب علمي ديداكتيكي (فلسفة التعلّم) وليس من جانب عاطفي ديني وإذا لم تصدّقوني
فـ"اجعلكم لا صدّقتم" ! لكي أكتبَ يكفي أن أصدّقَ نفسي وأرضِي ضميري لا
غير.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire