dimanche 28 août 2022

رأيٌ ضد السائد حول الثورة

 


-         أول ثورة، ثورة الكتابة (حوالي ثلاثة آلاف سنة أو أكثر قبل ميلاد المسيح عليه السلام). منتجاتُها: المدينة، القانون، الدولة، الحضارات، الأنبياء، الديانات الكتابية التوحيدية، البيداغوجيا، العلوم المجرّدة، العُملة.

-         ثاني ثورة، ثورة الطباعة (1500 بعد ميلاد المسيح عليه السلام). منتجاتُها: التجارة العالمية، البنوك، الصكوك، الرأسمالية، العلوم التجريبية، الديمقراطية، أزمة الدين (البروتستانتية: لا للبابا ولكل إنجيله المطبوع)، طباعة الكتب المقدسة ونشرها في كل أنحاء العالم وقراءتها من قِبل أكبر عدد من الناس العاديين زيادة على رجال الدين والمختصين (القرآن والأناجيل والتورات).

-         ثالث ثورة، ثورة الحاسوب في القرن 20. منتجاتُها: فضاء آخر بمعاييرَ جديدةٍ، ثورة المعلومات، تعميم العولمة، العُملة الافتراضية، أزمة عِلم وتعليم ودين.

-         ما يُسَمَّى بـ"ثورة ماي 68"، هي "مَدٌّ ثوريٌّ دون ثورةٍ"، توصيفٌ كتبه ميشيل سارّ، أراهُ ينطبقُ أيضًا على "ثورة 17-14" التونسية: حَدَثٌ استعصَى حتى اليوم على فهمِ المؤرخينَ. حدثٌ انبثق من قلبِ المجتمعِ، انفجرَ فجأةً ودون مقدِّماتٍ منطقيةٍ، لم يسبقه جدلٌ ولم يهيئ له أي نوعٍ من الصراعاتِ الطبقيةِ، لا يحملُ في طياتِه أي رهانٍ انتخابيٍّ، رئاسيٍّ أو برلمانيٍّ،  ولم ينظمه  أي حزبٍ معارضٍ لا بمفرده ولا داخل جبهة: "ثورة 17-14" التونسية هي أيضًا مَدٌّ ثوريٌّ دون ثورةٍ !

المتظاهرون التونسيون أنفسهم رفعوا شعارات عالية لكنها متعالية على واقعهم اليومي المعيش، شعارات لا تعلنُ انتسابَها صراحة لأي إيديولوجية سياسية أو مرجعية فكرية محددة. متظاهرون يتخيلون أنفسهم في ثورة أكتوبر الروسية ! حدثٌ فاق خيالَ المخرجينَ السنمائيينَ وتحليلَ المحللينَ السياسيينَ وفاجأ أيضًا المنفذينَ أنفسَهم.

وبعد سنواتٍ، بدأ الناسُ يحتقرونَ ويسخرونَ من هذا "اللاحدث" 

(Ce non-événement

الذي يصفه الناس الأقل براءة والأقل سذاجة بالحدث-المشهد (Un spectacle)، بل ذهب بعضهم في تونس إلى أبعد من ذلك ونعتوا "ثورة 17-14" بالمؤامرة الخارجية محبوكة الخيوط. لكن وفي المقابل، هل يحق لنا أن نقلل من أهمية حدثٍ وصل تأثيره وصداه إلى العالم وتداعت له عواصم عديدة وتبنته شعوب متعددة ؟

ماذا يعني إذن مفهوم "اللاحدث" العالمي ؟

دون شك، هو حالةٌ معقدةٌ، عجز كل المحللين عن فك رموزها وشروطها أو قراءة معطياتها ورسائلها أو الاستفادة من مواعظها ودروسها. في الحقيقة هي حالةٌ تتجاوز التاريخ حسب نظرتنا الضيقة والحالية للتاريخ.

يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري أن الإنجازَ البارزَ لِـ"ثورة ماي 68" الفرنسية هو إلغاء احترام التسلسل الهرمي في الوظيفة العمومية.

 وأنا أقول عن "ثورة 17-14" التونسية ما قاله أونفري عن "ثورة ماي 68" الفرنسية أو أكثر: لم يعد التلميذُ في بلدي يحترمُ أستاذَه ولا المرؤوسُ رئيسَه ولا الناخبُ ممثلَه.

على خُطَى الفيلسوف ميشيل سارّ، لا أعترف إلا بثلاث ثورات أتت بالخير لكل البشرية: الكتابة  (environ 3000 ans av. J-C)، الطباعة     (XVe S)  والحاسوب والأنترنات (XXe S).

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire