lundi 1 août 2022

لو أصبحتُ وزيرا للتربية التونسية ولن أكون ! (جزء أخير)


باب تغيير هندسة بناء المؤسسات التربوية:
قرار 1.5: على الوزارة بناء سور عال حول كل مؤسسة تربوية وتعيين حارس دائم في الباب كي يحميها من الدخلاء مثل ما هو موجود الآن بمعهد الصادقية بتونس العاصمة الذي خِلته, عند مروري أمامه لأول مرة, مجلسا للنواب لنظافته وزخرفة معماره. على الوزارة إخراج الساحة من وسط المؤسسة إلى جانبها. يخرج التلميذ من قاعة الدرس فيلتحق بالساحة الخارجية حيث توجد دار ثقافة ودار مسرح وقاعة رياضة ومكتبة كلاسيكية وأخرى رقمية وقاعة مراجعة حيث يتولى منشطون مختصون تسيير النوادي الثقافية والترفيهية القارة والمستمرة والمفتوحة على الدوام تحت إشراف وزارة الرياضة ووزارة الثقافة.
قرار 2.5: على الوزارة بناء قاعة رياضة مجهزة في كل مؤسسة تربوية فلا يعقل أن أمارس أنا في الستينات كل أنواع الرياضة داخل قاعة مغطاة في ﭬابس ويلعب أولادي في القرن 21 في ملاعب معشبة بالحشائش والأشواك البرية في برج السدرية أو لا يلعبون تماما بحجة "ملعب غير صالح مؤقتا للعب" (terrain impraticable).
6. باب العقوبات المسلطة على التلامذة:
قرار 1.6: على الوزارة إلغاء عقوبة الطرد النهائي للتلميذ. لا نستطيع تدارك الخطأ لو وقعنا فيه بعد تسليط العقوبة. نعوض عقوبة الطرد النهائي بنقلة عقاب إلى معهد بعيد عن مقر السكن يقترحها مجلس التربية بالمعهد أو غيرها من العقوبات ذات الطابع التربوي التأديبي.
قرار 2.6: إذا قدّر وحصل وبدأ المدرس بالاعتداء اللفظي أو المادي على تلميذ وردّ التلميذ بالمِثل أو أكثر فعلى الأستاذ عدم تتبع التلميذ إداريا ولا مدنيا وعليه تقديم اعتذار للولي وللإدارة لأن البادئ أظلم. كرامة الأستاذ عالية في السماء وهي أرفع من أن ينالها تلميذ متهور مهما فعل. قد يخطئ الطفل أو المراهق والشيء من مأتاه لا يُستغرب لكن على المدرس القدوة أن يعقل و يتروّي قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد أي سلوك غير حضاري يصدر عن التلميذ.
7. باب التكوين المهني:
قرار 1.7: على الوزارة إرجاع العمل بنظام التكوين المهني وتحسينه وتمكين المنتسبين إليه من اجتياز الباكلوريا ومواصلة تعليمهم العالي إن توفرت فيهم شروط التفوق. أقترح توجيه 80 في المائة من الناجحين في النوفيام إلى التعليم المهني (امتحان نهاية المرحلة الثانية من التعليم الأساسي). دولة ألمانيا, وما أدراك ما دولة ألمانيا, توجه 70 في المائة من تلامذتها إلى التعليم المهني عند نهاية مرحلة الأساسي التي تدوم عندهم 10 سنوات. إذا كانت ألمانيا المصنّعة تحتاج إلى 70 في المائة من أبنائها في المهني فنحن أحوج منها إلى نسبة أكبر لبناء دولة فتية مصنّعة.
8. باب دفتر المناداة:
قرار 1.8: على الوزارة إلغاء العمل بدفتر المناداة الذي تسبب في رفت عدد من التلامذة وتعويضه بأنترنات داخلية (Intranet). وبمثل هذه الطريقة البسيطة، يستطيع المدير في مكتبه أن يعرف فوريا كل الغيابات وتمر شبكة المعلومات عبر كل الأساتذة وقد تصل المعلومة فوريا لو أردنا إلى الأولياء المتصلين بالأنترنات وبهذه الطريقة يراقب الولي ابنه يوميا، والوقاية خير من العلاج. في 2010، قال لي مدير صديق أن الوزارة تحضِّر لتطبيق هذا النظام الرقمي قريبا، وها نحن اليوم في 2017 ولم يتغير شيئًا إلا بعض الإرساليات القصيرة عبر الهاتف.
قرار 2.8: على الوزارة تخصيص قاعة لكل اختصاص, مثلا قاعة التاريخ والجغرافيا, قاعة الفرنسية, قاعة العربية جنب المخابر العلمية. يصبح للقاعة بطاقة تعريف وهيبة واحترام. يأخذ كل أستاذ مفتاحا يفتح به القاعة ويغلقها عند الخروج فنحافظ على القاعات من الإهمال وعلى التجهيزات من الإتلاف.
قرار 3.8: على المتفقد- إن بقيَ كمؤسسة في النظام التربوي التونسي - أن يعلم مسبقا المدرس المقصود بتوقيت زيارته. من حق المدرس المعنِي أن يطلب زميلا مرافقا إجبارييا للمتفقد. يكون هذا المرافق من رتبة المدرس الخبير في نفس الاختصاص ومن أي مؤسسة. لا يسند المتفقد أي عدد تقييمي اعتباطي بل يوجه وبكل لطف المدرس المعني بالتقويم إلى تكوين أكاديمي في معرفة ظهر أنه يفتقدها. هذا التكوين يوفره له مركز التكوين على أيدي مكونِين مختصين في الميدان (أساتذة جامعيين أو مدرس خبير أو خبير في ميدان خارج عن التعليم مثل المهندسين والأطباء) وليس على أيدي مدرسين عاديين مكلفين بالتكوين وهم غير متكونين في موضوع التكوين. على الوزارة إرساء تفقد علمي وموضوعي وليس تفقدا فجائيا أو بوليسيا. مع الإشارة إلى أن المتفقد والمدرس لم يدرسا علم التقييم في الجامعة فالاثنان في نقص التكوين سواء، ومن يقيّم دون علم تقييم كمن يزن دون ميزان.
9. باب الإعلامية أو علوم الحاسوب أو "الباب الافتراضي":
قرار 1.9: على الوزارة تعميم الإعلامية أو التكنولوجيات الحديثة ( استعمال الحاسوب والسبورة الرقمية التفاعلية) على كل مراحل التعليم والتركيز على الابتدائي قبل الإعدادي والثانوي لِما تمثله هذه التجهيزات من تحفيز للصغار. تعميم التدريس بواسطة التكنولوجيات الحديثة على كل المواد العلمية والإنسانية.
قرار 2.9: على الوزارة تخصيص معاهد مهنية جهوية تهتم بتدريس مسلك علوم الإعلامية فقط.
10. باب المساواة بين المدرّس والمدرّسة:
قرار 1.10: على الوزارة احترام مبدأ تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل ومبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة في المؤسسات التربوية وانتداب 50 في المائة من كل جنس في كل المستويات وصولا للوزير فمرّة وزيرة للتربية التونسية ومرة وزير. تمتيع الأب بحقه في عطلة الأمومة بأجر كامل وبنصف أجر بالتناوب مع الأم إن كانت تشتغل خارج البيت وتمتيعه أيضا وبالتناوب بحقه في ساعة الرضاعة (Au biberon).
11. باب اقتسام المسؤولية:
قرار 1.11: لو ساءت ظروف العمل في مؤسسة تربوية ما, فعلى الجميع, مدرسين وعملة وتلامذة وأولياء وإدارة, تحمل المسؤولية وحل الإشكال فيما بينهم دون انتظار الحل طويلا من الوزارة.
12. باب الحزم المفيد للتلميذ:
قرار1.12: على الوزارة التوصية بالحزم مع التلامذة لأن التسامح المبالغ فيه وغياب السلطة يمثل نوعا من سوء المعاملة للطفل (L`absence d`autorité chez les enfants est une forme de maltraitance). الحزم لا يعني تشديد العقوبات بل يعني الانضباط والوقاية قبل ارتكاب التلميذ لسلوك غير حضاري.
13. باب مفتوح:
قرار 1.13: على الوزارة تعيين يوم ثانٍ مخصص لاستقبال الأولياء لا للسؤال عن نتائج أبنائهم وإنما للاطلاع على ما يدرُس أبناؤهم وأقترح أن نسمّيه "يوم مدرسي مفتوح على المجتمع". يخرج التلامذة من قاعاتهم المغلقة إلى الساحة حيث يعرضون بعض التجارب العلمية على جمهور الأولياء أو يفسرون بعض النظريات الفلسفية أو يقرؤون بعض القصائد الشعرية. سوق علمية ثقافية قد تُقرِّب الولي من المعرفة التي يتعلمها ابنه وقد سبق لي وأن شاهدتُ هذه التجربة بأم عيني في معهد في نانسي بفرنسا عام 2000.
14. باب الخيال العلمي التونسي:
قرار 1.14: على الوزارة توفير سيارة صغيرة وحافلة متوسطة لكل مؤسسة تربوية. نستعمل السيارة الصغيرة لقضاء احتياجات المؤسسة العاجلة والطارئة أما الحافلة فنستغلها في الرحلات الدراسية والترفيهية. يبرمج كل مدرس طلباته: مدرس علوم الحياة والأرض يروم هو وتلامذته زيارة حديقة "إشكل" ببنزرت لمشاهدة الطيور المهاجرة عن قرب, مدرس التاريخ يرغب في زيارة "قصر الجم", مدرس الفيزياء يريد زيارة مدينة العلوم.
قرار 2.14: قبل تاريخ الرجوع إلى الدراسة, يتصل التلامذة افتراضيا أو رقميا بمؤسساتهم فيتعرفون مسبقا على مدرسيهم, كل من خلال سيرته الذاتية المنشورة على الـنت. يختار التلميذ قسمَه ومدرّسَه في كل اختصاص ويدوِّنه في موقع المؤسسة. يتصل المدرس أيضا ويعرف تلامذته ويختار أقسامه. ينسق المجلس البيداغوجي بين رغبات التلامذة ورغبات مدرسيهم ويحاول التوفيق بينهما ويُلبِّي قدر المستطاع رغبات الشريكين في العملية التربوية.
قرار 3.14: على الوزارة توفير اثنين أو ثلاثة مدرسين من نفس الاختصاص في القاعة الواحدة في نفس الحصة حتى يختار التلميذ مع مَن يريد أن يتعامل أثناء الحصة وبهذه الطريقة نقضي على بطالة أصحاب الشهائد ونستفيد من طاقاتنا البشرية التي صرفنا عليها الكثير.
قرار 4.14: للتلميذ الحق في مغادرة الحصة والقاعة متى شاء وله حرية اختيار الالتحاق بقاعة أخرى مع مدرس آخر في مادة أخرى. لا تستغربوا من هذا القرار فهو ليس طوباويا كما قد يتراءى لكم لأول وهلة فقد كان الكاتب المصري العظيم طه حسين يفعل هكذا في جامع الأزهر في أوائل القرن العشرين. كانت تُقام في الجامع حلقات متباعدة ومتعددة الاختصاصات من نحوٍ وشعرٍ وفقهٍ يسيّرها شيوخ علم. كان طه حسين يستمع إلى شيخ اللغة وعندما يسأم التعقيد اللغوي يأخذ محفظته بصمت وأدب ويغادر الحلقة متجها إلى حلقة الشعر حيث الخيال والغزل العذري ثم يعود بعد الترفيه ليواصل الإنصات مع التركيز لمدرس الأدب. لا يمس هذا التصرف الحر من كرامة المدرس ولا يخل باللياقة والأدب وإلا لَما فعلها عميد الأدب العربي. على العكس من ذلك قد يحفّز هذا التصرف التلميذ على اكتساب المعرفة التي يرغب فيها ويميل إليها ويوجه نفسه بنفسه نحو المسلك التعليمي المطلوب (أدبي أو علمي أو اقتصادي) كما تدعو وزارتنا اليوم إلى ذلك في التوجيه المدرسي لتلامذة السنة الأولى ثانوي (أربع سنوات قبل الباكلوريا).
قرار 5.14: على الوزارة أن تنشر, بطاقة مواظبة التلميذ وأعداده وملاحظات مدرسيه, فوريا على شبكة رقمية داخلية سرية لا يطلع عليها إلا المعنيون بالأمر من أولياء ومدرسين وإدارة. كل ولي يطلع فقط على نتائج ابنه بواسطة كلمة سر فيستفيد من هذه المعلومات الرقمية التقييمية ويستغلها في تربية ابنه أو ابنته.
قرار 6.14: على الوزارة تجهيز كل قاعة درس بحواسيب وسبورات رقمية تفاعلية. إذا رغب المدرس, يمكن ربط قاعة الدرس بالنت بواسطة كاميرا حتى يتابع التلميذ المريض الغائب درسه من سريره في منزله أو في المستشفى. يستطيع أن يستغل هذه التقنية التلميذ الذي لم يفهم الدرس في القسم فيعيده في البيت مرة أو مرتين حسب قدراته الذهنية وهنا تتجسم البيداغوجيا الفارقية بفضل التكنولوجيات الحديثة.
15. باب الاستشراف المستقبلي المحلي والعالمي:
قرار 1.15: على الوزارة استشراف مستقبل التعليم في تونس والتحضير للمرحلة القادمة 2100 حيث سينقرض نظام التعليم في صيغته الحالية وتتطور المؤسسة التربوية الحالية ويختفي التلميذ الكلاسيكي والمدرس الكلاسيكي المباشر ليتركا مكانهما لتلامذة حقيقيين يتعلمون عبر الأنترنات ومدرسين من لحم ودم يبرمجون ويقدمون دروسهم عبر الأنترنات. يحكى أن في ماليزيا, البلد الإسلامي الوحيد المتقدم نسبيا, توجد جامعة افتراضية تضم 40 ألف طالب لا يأتون إلى الجامعة إلا لِماما لمتابعة دروس تطبيقية أو لإجراء الامتحانات في آخر السنة الدراسية. لا تستخفون بالتعليم الافتراضي فسائق الطائرة يتدرب افتراضيا قبل أن يطير فعليا ومن حسن حظنا أن الطبيب الجراح يجرّح افتراضيا قبل أن يجرّح المريض فعليا.
قرار 2.15: عدم الفصل في كل مراحل التعليم بين مجال العلونم الإنسانية ومجال العلوم التجريبية والصحيحة وذلك بتدريس المواد القناظر للمجالين الاثنين, مثل مواد العلوم الطبيعية والإكولوجبا والأنتروبولوجيا وعلوم التاريخ والجغرافيا وعلم الإحصائيات حتى نخرّج علماء مثقفين ومثفين مطلعين على العلم.

خلاصة:
يُعتبر التعليم التونسي والتعليم الأردني من أحسن الأنظمة التعليمية في الوطن العربي وفي الوقت نفسه يُعتبر التعليم التونسي من أسوأ الأنظمة التعليمية لو قارناه بأنظمة التعليم في الدول الغربية المتقدمة. أما قدوتنا، التعليم الفرنسي فيُعتبر من أسوأ الأنظمة التعليمية في أوروبا وفي المقابل يُعدُّ التعليم الفنلندي والألماني من أفضلهم. يبدو لي أن المقارنة بالأحسن أفضل وأجدى وأرفع من المقارنة بالأسوأ.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire