mercredi 10 août 2022

أشياءٌ لا تحدثُ إلا في تونس السبعينيات ويَمَنِ الثمانينات

 

هبطتُ اليوم صباحا فرحا مسرورا من حمام الشط إلى وسط العاصمة مع أنني نادرا ما أفرح ونادرا ما أفارق الأحواز الجنوبية إلا "للشديد الآوي". نزلتُ لأقابل صديق دراسة لم أره منذ تخرجنا من جامعة مونفلوري منذ  41 سنة أي سنة 1974

Ancienne ENPA puis ENSET, appelée  aujourd`hui en ENSIT

كنت نفسيا مرتاحا جدا وأنا في الطريق إليه، راحة لا تشبهها إلا راحة المواعيد الغرامية أيام الشباب. خِفت أن لا أتعرف عليه. هاتَفني وأنا في ميترو حمام الأنف صديق مشترك. ومن الطرائف أن أبا هذا الصديقي الجميل الطريف الذي هاتفني كان مدير مدرسة في الخمسينات ومن سنة 1958 إلى سنة 2014 أي على امتداد أكثر من نصف قرن كان له كل عام ابن يزاول تعليمه في الابتدائي، في الجملة 16 بين بنت وولد من زوجتين متلاحقتين ولا زال يأمر وينهى مديرا في الدار بعد ما كان مديرا في المدرسة. قلت له في الهاتف: كيف سأعرفه ؟ قال: "صَلُعَ الرجل وسَمِنَ". وصلتُ إلى مقهى باريس وكان لنا في مقاهي تونس الأخرى جلسات ونقاشات وصَولات وجَولات، أجمل وأقدم وأرخص مقاهى في شارع بورقيبة، تفرّستُ قليلا في الوجوه الجالسة على السطيحة الخارجية وقصدته متأكدا، احتضنته واحتضنني وكأننا أولاد عشرين، ضحكنا ومزحنا مزاح الشباب وكأننا لم نفترق يوما وتذكرنا مقهى تونس ومقهى ثلاثة نجوم والاستعراض الذي قام به ثلاثة أبالسة منّا بلباس آدم فوق سطح قاعة الرياضة بمعهد باردو وإضراباتنا التي كنا نملؤها غناءً ونهج الولي الصالح الذي كنا نزوره بحثا عن الغذاء الروحي. مرّ شريط شقاواتنا التلمذية بسرعة في ساعتين، شقاوات لا يمكن أن يتخيلها ولا يقدر على إيتائها أشقى أشقياء تلامذة اليوم فلذلك كنا من أكثر الأساتذة تسامحا مع تلاميذنا طيلة 38 عاما من الكد والجد. لم نربح من التعليم إلا شرف المهنة وفقر الجيب.

روى لي صديقي وزميلي بعض الطرائف الغريبة التي عاينها في يمن الثمانينات عندما كان يعمل فيها كأستاذ متعاقد (في تونس كان يدرّس علوم الحياة والأرض باللغة الفرنسية):

-  في نفس العام الدراسي في اليمن كنت أدرّس الفيزياء باللغة العربية الفصحى خلال الثلاثية الأولى والكيمياء خلال الثلاثية الثانية وعلم الأحياء خلال الثلاثية الثالثة.

-  قِسمي الواحد في الحصة الواحدة كان يضم 110 تلميذ، كلهم مسلحون بالخنجر التقليدي أو المسدس لكنهم كانوا طيبين إلى درجة أنهم كانوا يتقبلون التأديب بالعصا لكنهم يثورون وقد يردّون الفعل بالعنف إذا صفعهم الأستاذ على الوجه. من حسن حظ الأستاذ أن جل التلاميذ لا يرجعون إلى قاعة الدرس بعد أول فسحة راحة صباحية لكي يلتحقوا بأعمالهم الأصلية اليومية كمعاوني بنّائين (مرمّة) أو سُواق تاكسي. أحد تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان عمره 37 سنة وكان أكبر مني في ذلك الوقت.

-  أزفّ إلى قُرّائي الأعزاء أغرب حكاية حول التعليم سمعتها في حياتي: قال صديقي مسترسلا: تلميذ آخر من تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان بعد الدرس أي في المساء يشتغل مدير مدرسة ابتدائية عمومية في اليمن. والسبب أن كل المدرسين في اليمن أساتذة ومعلمين كانوا متعاونين قادمين من الدول العربية الشقيقة فاضطرّت الحكومة اليمنية مُكرَهة على حصر تعيين المديرين في أصحاب الجنسية اليمنية فقط، وهذا يُعتبرُ نوعٌ من أنواعِ التكريس المشوّه لمبدأَيْ سيادة الدولة وهيبتها.

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire