ملاحظة للأمانة العلمية: مصدر
الاستشهادات الواردة بين ظفرين في المقال هو مجلة "كتابات معاصرة" (اللغة العربية الفصحى لدى المتمدرسين-تحليل الواقع
واقتراح الحلول/مثال الجزائر، بوطيبة جلول، جامعة بن باديس-مستغانم، كتابات
معاصرة، صفحة 119،العدد 88، المجلد 22، ماي-جوان 2013).
كاتب
المقال المرْجَع المذكور أعلاه، والذي اقتبستُ منه بعض الجمل الواردة بين ظفرين في
كلمتي، تناوَلَ بالتحليل إشكاليات اللغة العربية الفصحى في الجزائر. أما أنا
فسأتناول بالنقد مستوى اللغتين الرسميتين الأجنبيتين الاثنتين المعتمدتين في كل المراحل التعليمية التونسية
مع اللغة العربية الفصحى التي أعتبرها للأسف الشديد لغة غريبة في تونس وربما تكون
في وطنها أكثر انبتاتا وغربة من الفرنسية خاصة في أوساط المثقفين. يبدو لي
والمختصون في العربية أعلم مني أن الفرنسية هي اللغة الأولى في التعليم العلمي
التونسي خاصة في مرحلتيه الأخيرتين الثانوية (كل المواد العلمية تُدرّس بالفرنسية)
والجامعية (كل الشعب العلمية في الجامعة دون استثناء تدرّس بالفرنسية) وهي لغة
الأنترنات بعد الأنڤليزية وقبل العربية لدى المُبحِرين افتراضيا ولغة التجارة لدى
الحِرفيين والمستهلكين (خاصة لدى تجّار المواد الحديدية والصحية وقطع الغيار
والأثاث العصري والآلات الكهرومنزلية والمواد الفلاحية من أسمدة وأدوية وآلات
و"ماركات" الأغذية المعلّبة كبسكويت "ڤوشو" وحليب
"ديليس" وعصير "تروبيكو" وغيرها من الأسماء الأجنبية الدخيلة
التي لا تُحصى ولا تُعد) ولغة البحث العلمي بعد الأنڤليزية ولغة الأدب العالمي
والتاريخ العربي الذي أثراه المستشرقون بدراساتهم وبحوثهم القيّمة ولغة الفلسفة
الحديثة ولغة المخترعين المبتدئين.
1. أبدأ بالتذكير
بالأوهام الأربعة السائدة لدى العرب حول لغتهم العربية الفصحى:
-
يتمثل الوهم الأول في اعتبار اللغة العربية الفصحى اللغة
الأم (Langue maternelle) والواقع المعيش يرشَح بغير ذلك،
فاللغة الأم هي اللغة العربية الدارجة المتداولة باختلاف لهجاتها في الدول العربية
الاثنتين والعشرين.
-
يتمثل الوهم الثاني في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة
حضارة عالمية، صحيخ لقد كانت كذلك في القرون الهجرية الثلاثة الأولى (القرن السابع
والثامن والتاسع ميلادي) وبقيت بعض جمرات نارها تنير دربنا حتى القرن السادس هجري
(الثاني عشر ميلادي) ثم انطفأت آخرها مع موت ابن رشد سنة 1198 ميلادي.
-
يتمثل الوهم الثالث في اعتبار اللغة العربية الفصحى
المعجمية المستعملة اليوم لغة قادرة على تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا. رفض
النحويون العرب الأوائل إثراء لغتهم الفتية بتبني مصطلحات الحِرَفِيين الأعاجم
(فرس وأتراك وبربر وغيرهم من الشعوب التي دخلت الإسلام بحد السيف) بدعوى المحافظة
على شاعريتها وصفائها وعذريتها فكيف ستقدر على فعل ذلك وقد هرمت اليوم، لكنني في الوقت نفسه -وقد ييدو
موقفي هذا للبعض متناقضا- لا أشك لحظة في
مستقبل القدرة الاشتقاقية المحتملة (en
puissance) للغة العربية الفصحى في تعريب واستيعاب مصطلحات
التكنولوجيا الحالية والقادمة لو توفرت المبادرة الشجاعة لدى اللغويين المختصين
العرب لتحديث لغتنا وتحيينها.
-
يتمثل الوهم الرابع في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة
حية معاصرة. كيف تكون حية ومعاصرة، لغة يحتقرها أصحابها ويتباهون ويتجمّلون
بالتكلم بمنافِساتِها الأجنبيات (الفرنسية والأنڤليزية)، لغة لا ينتج مستعملوها
علما ولا تكنولوجيا ولا فنا راقيا ولا يمثلون وزنا في الاقتصاد العالمي إلا
كمصدِّرِين سلبِيّين للنفط الخام. لو لم تكن لغة القرآن والشِّعْر لَمَاتت واندثرت
وورثتها وعَوّضتها اللغة الدارجة منذ قرون كما ماتت اللغة اللاتينية وعوضتها
تدريجيا اللهجات الدارجة كالفرنسية والإيطالية في بداية القرن الرابع عشر ميلادي
(الانجيل كُتب لأول مرة بالآرامية، لغة المسيح عليه السلام، لغة ماتت منذ زمان ولا
يستعملها اليوم إلا بعض الباحثين أو سكان قرية معلولة بالاضافة إلى قريتين أخريين في سوريا. فلماذا صمدت اللغة العربية واندثرت
الآرامية ؟ لا أملك جوابا لهذه الإشكالية).
2. بعض أسباب تدني مستوى
العربية لدى تلامذتنا التونسيين:
-
بوطيبة جلول يقول: "عند التحاق الطفل بالمدرسة لأول
مرة ينتقل من الوسط الأسري وله من المكتسبات رصيد لغوي لا بأس به من اللغة يستعمله
في تواصله اليومي للتعبير عن حاجته واهتماماته، وهذا يُعد عاملا مساعدا على اكتساب
اللغة العربية الفصحى. ورغم ذلك لا يجد سهولة في التحدث أو التحرير بالفصحى".
أنا
أقول: ربما بسبب ذلك وليس رغم ذلك، يعني أن هذا الرصيد اللغوي غير الفصيح والفقير
فقر الدارجة (حسب إحدى المختصات في اللغة: تحوي الفصحى على ستة عشر ألف مفردة أما
الدارجة فلا تحتوي إلا على ثلاثة آلاف مفردة فقط) قد يكون عاملا عائقا وليس عاملا
مساعدا كما يرى الكاتب بوطيبة جلول من جامعة بن باديس في مستغانم بالجزائر. يأتي
الطفل التونسي إلى المدرسة وهو يتكلم جيدا العربية الدارجة التونسية فيجد نفسه
مبتدئا في تعلم الفصحى ويُفاجأ بـ"السردوك" قد أصبح بالفصحى ديكًا
و"القطوس" أضحى قطَّا.
-
بوطيبة جلول يقول: "تساهل المعلمون أنفسُهم مع
اللغة العربية عند مخاطبتهم للمتعلمين أو التواصل معهم أثناء العملية التعلمية
باعتبار أن اللغة محاكاة وتقليد الطلاب لأساتذتهم، فما بالك بذلك الطالب الذي يرى
أستاذه لا يتحكم في اللغة ؟".
أنا
أقول: رغم أن وزارة التربية التونسية أقرّت تعريب تدريس في التعليم الأساسي (ابتدائي
وإعدادي)، ما يزال بعض معلمينا وبعض أساتذتنا يستعملون الدارجة في القسم بدعوى
مساعدة التلميذ على فهم العلوم وكأنّ العلوم لا تحتاج إلى وعاء العربية الفصحى
(للأسف الشديد في واقعنا العلمي التونسي، لا يحتاج المختص في العلوم للفصحى ولا
للدارجة لأنه ببساطة يدرس كل العلوم بالفرنسية في الثانوي والجامعة) والمفارقة
الكبرى أن الامتحانات تُكتب بالفصحى ولا تُفسر بالدارجة في أول الامتحان داخليا
كان أو وطنيا وهذا التمشي الخاطئ المتّبع من قِبل بعض مدرسينا قد يضرّ بالتلميذ
ولا ينفعه البتة. امتد هذا الاستخفاف باللغة الحاوية والناقلة للعلم إلى الفرنسية
التي تُدرّس بها رسميا العلوم في التعليم الثانوي والمتهم الرئيسي هو مدرس العلوم
في الثانوي الذي فضّل تدريس العلوم بالعربية الدارجة لنفس الأسباب الواهية التي
يتحجج بها مدرسو العلوم في التعليم الأساسي. زد على ذلك أن هذا التمشي أضر بتعليم
اللغة نفسها أكثر من ضرره بتعلم العلوم لأن تعليم اللغة العربية أو الفرنسية هو
مسؤولية يتحملها مدرّس العلوم كما يتحملها مدرّس اللغة أيضا.
-
بوطيبة جلول يقول: "أسباب من خارج المحيط المدرسي:
1 - الدور السلبي الذي تلعبه الفضائيات العربية الوطنية والإقليمية حيث أن أغلب
البرامج المحببة لدى الأطفال والمسلسلات والحصص المتنوعة تقدَّم باللهجات أو
بالعاميات أو بلغة عربية هابطة، رغم أن هناك قنوات أجنبية بريطانية وروسية وحتى صينية
تبث بلغة عربية راقية. 2 - رؤية الشارع العربي إلى كل مَن يتكلم العربية الفصحى في
الشارع أو في البيت بنظرة غير لائقة".
وأنا
أقول: إضافة إلى الأسباب الداخلية مثل السياسة التربوية التونسية الفاشلة منذ
ثمانينات القرن الماضي أو التكوين الناقص الممنهج لرجال التعليم ونسائه المتمثل في
إلغاء مدارس ترشيح المعلمين والأساتذة، نجد أيضا أسبابا خارجية عن الوطن نفسه
ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: اللغات العالمية المنافسة كالفرنسية
والأنڤليزية وما تحمله وراءها من مصالح استعمارية ثقافية واقتصادية واِملاءات
البنك العالمي والدول المانحة
وتأثيراتهما السلبية المحتملة على
المنظومة التربوية التونسية.
-
بوطيبة جلول يقول: "اللغة الوطنية والرسمية وهي من
أهم وسائل الارتباط الروحي بين أبناء الوطن والأمة والمقوّم الأساس للشخصية
الجزائرية".
أنا
أقول: أتفق مع الكاتب في المضمون لكنني أسأله: هل اللغة العربية الفصحى تمثل اللغة
الوطنية والرسمية في البلدان العربية ؟ حسب رأيي المتواضع علميا، يبدو لي أن اللغة
الوطنية هي العربية الدارجة بلا منازع أما الفصحى فهي لغة رسمية لكنها ليست وطنية
لأن الشعب لا يستعملها في حياته اليومية بل يستعمل الفرنسية أكثر منها.
-
بوطيبة جلول يقول: "إننا
نركّز على تحسين مستوى العربية لأن المسألة تُعد في ضوء التربية الحديثة وسيلة
تواصل وتفاهم، لذا يجب على المتعلم أن يعرف بأنه يتعلمها لأنه في حاجة ماسّة إليها
في حياته".
أعلّق قائلا: لو كان المواطن
العربي الدارس وغير الدارس في حاجة ماسة للعربية الفصحى كما يؤكد الكاتب لأقبلَ
عليها وتعلمها إن لم يكن من باب الأصالة الإسلامية أو القومية العربية فعلى الأقل
يتعلمها ويتقنها من باب المصلحة والمنفعية والبراڤماتية والأنانية. لكن الواقع
المعيش يقول عكس ذلك حتى في الجزائر نفسها أين يُدرّس علم الطب باللغة
الفرنسية فيتيه طالب سنة أولى طب ويشقى في
تصفح المراجع الفرنسية بسبب دراسته العلوم باللغة العربية من السنة أولى ابتدائي
إلى غاية الباكلوريا على مدى ثلاثة عشرة سنة متتالية، يتحصل على الباكلوريا علوم
بملاحظة جيد جدا وهو لا يتقن اللغة الفرنسية ولا يمتلك زادا لغويا علميا
بالفرنسية، أصبحت اللغة العربية لديه إذن عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا في دراسته الجامعية في اختصاص الطب
وقِس على هذا المثال وعمِّمه على كل الاختصاصات العلمية المدرّسة بالفرنسية في
التعليم الجامعي الجزائري وما أكثرها. أما عن مدرّسي العلوم بالعربية في التعليم
الأساسي والثانوي الجزائريين والمتعاونين الشرقيين، فعن حالهم المعرفي من الأفضل
أن لا تَسألِ، جلهم لا يتقن الفرنسية ولا الأنڤليزية ولا توجد مراجع أو مجلات
علمية معتبرة مكتوبة بالعربية ولا يستطيعون الاطلاع على النشريات العلمية الحديثة
الصادرة باللغات الأجنبية فتصبح العربية عائقا في طريق تكوينهم الذاتي مما يؤثر
سلبا على مِهَنيتهم ويترك نقاط ضعفٍ في تكوين تلامذتهم. يحدث الاستثناء ويتحسن
المستوى اللغوي لأولاد العائلات الغنية
الذين يتابعون تعليمهم الأساسي في بعض المؤسسات التربوية الخاصة باهظة الثمن والتي
تعتمد البرنامج الفرنسي في تدريس اللغة الفرنسية والبرنامج الأنڤليزي في تدريس
اللغة الأنڤليزية.
لنأخذ مثلا تونسيا: يبدو لي
أن الطبيب التونسي الذي لا يتقن العربية الفصحى تعبيرا وكتابة لم يفقد شيئا يندم
أو يتحسر عليه ولن يحس في حياته بأي نقص، يخاطب مرضاه بالدارجة أو بالفرنسية، يكتب
وصْفته بالفرنسية فيقرؤها أي صيدلي من بنزرت إلى بنڤردان، يشارك في المؤتمرات
ويلقي محاضراته بالفرنسية أو الأنڤليزية، يقرأ ويطّلِع على أحدث المجلات الطبية
بالفرنسية، يكتب وينشر مقالاته باللغات الأجنبية، فبماذا ستساعده الفصحى لو كان
يتقنها ؟ ربما بالعمل في الخليج أو إلقاء محاضرة في مؤتمر علمي عربي في السعودية
أو في اليمن السعيد !
لنأخذ جدلا مثلا آخر دون
تعميم غير علمي: يبدو لي أن المثقف
العربي الذي درَس اختصاصه بالعربية الفصحى
والذي قد لا يكون يتقن لغة أجنبية فلن يجد في متناوله إلا إنتاجا علميا ضحلا -هذا
إن وُجِد- ومآله التقوقع داخل تاريخه العرقي والديني أو استحضار الماضي المجيد
للحضارة العربية الإسلامية. وهمٌ قد يمنعه من بناء حاضره واستشراف مستقبله. كسلٌ
فكريٌّ قد يُعَدّ من أحد الأسباب التي جعلت العِلم يهجر لغتنا وديارنا إذْ لم يجد
في اللغة العربية وعاءً أو حاملاً فذهب يبحث عن أوعية تحمله في لغات أخرى في بلدنا
أو في بلدان أجنبية.
Objection
Question
posée à Burgat par un journaliste sur la « French Connexion Terroriste » ?
Réponse de François Burgat, directeur au CNRS français
Le
journaliste : Un papier écrit par deux chercheurs américains et qui a fait
beaucoup parler de lui, dit : les pays qui ont produit le plus de recrues parmi
Daesh sont des pays francophones : la France, la Belgique (francophone, à discuter),
le Liban et la Tunisie.
Burgat
: La France, quand elle a fait irruption dans l`imaginaire musulman, elle l`a violé et y a fait et laissé beaucoup plus de dégâts que
les anglophones. « En France, on n`a pas élu un président noir comme aux USA et
un maire musulman comme en Angleterre ». La violence symbolique que nous avons
initiée dans l`imaginaire musulman est beaucoup beaucoup plus forte. Le mode
d`acculturation ou de déculturation française dans les pays musulmans colonisés
a été infiniment plus grande de ce qu`ont causé les anglais au Yémen ou en
Egypte. L`archétype de la colonisation française a été
poussé au delà des limites.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire