ملاحظة
منهجية: "موش وقتُو... لا وقتو... امّالا وقتاش وقتو؟". لُبُّ المقالِ أمرٌ وخاتمتُه خمرٌ!
مقدمة:
الاثنان يساريان
و
الاثنان مسئولان نقابيان سابقان فلا تزايدون علينا بالنضالِ، "نضال بُودُورُو"،
"نضال الهانة ورْڤودْ الجبّانة"، أو زايدوا إذا اشتهيتم "شِيّابْ ڤرِمْ، ما يهمّنا قَرْصْ"، الاثنان متقاعدان متفرّغان ولا شغل لنا
غير النقد والتنبير. واهمٌ مَن ينتظر منا حلاًّ أو بديلا لأننا ببساطة نؤمن أن
البديلَ يُبنى ولا يُهدَى ولا ينزل من السماء، لا نملكه وهو ليس جاهزًا. كارثتان إبستمولوجيتان نزلتا على رؤوسكم، ابتلاكم بنا
العالي، والعالي لا رادَّ لقضائِه. لاتغضبوا أيها الرفاق، أمزحُ معكم، رجاءً
استحملوني حتى ولو كان مُزاحي ثقيلاً قليلاً.
المُزاحُ
الثقيلُ قليلاً:
يسارٌ
لا يجدّد ولا يبتكر هو يسارٌ محافظ رجعي، ونقابتُنا العامةُ الموقرةُ لا تجدّد ولا تبتكر! يسارٌ يؤبّد النظام القائم ولا
تغرّكم المظاهر. يسارٌ إقصائيٌّ، قبل الثورة أقصى "الخوانجية" من الترشح
للنقابات الأساسية والجهوية على مدى أربعة عقود، حرّم عليهم دخول دُورِ الاتحادات
المحلية والجهوية. بعد الثورة، أقصاهم من
المشاركة في الإعداد لمشروع الإصلاح التربوي. كنتُ شاهدًا على العصرِ أخرسَ،
معارضٌ للنهضة لكنني لم أكُ يومًا مُقصيًا أو مُعاديًا لأحدٍ.
يسارٌ يكرّر
ويتكرّر، لذلك يسهل على الوزارة تخمينَ مخططاتِ نقابتِنا العامةِ الموقّرةِ،
ومَن يُكشَفُ سِرّهُ قبل فعلِه فليس على المريضِ حرجٌ! ومن كثرة التكرار، أصبحنا
نسمي الزيادة في الشهرية زيادة الحاكم، بارك الله في بن علي، وَفَّرَ علينا النضال، خرستْ
ألسِنتُنا فصمتْنا وكأن أزمةَ التعليم تتلخصُ في الزيادة في الشهرية، وكذلك فَعَلَ
سلفُه، وَفَّرَ علينا بورڤيبة الانتخابات الرئاسية (رئيس مدى الحياة).
نقابتُنا العامةُ
الموقّرةُ، لم تطالبْ يومًا بمشاريع سكنية للأساتذة. ولماذا تطالبُ؟ ساعدت
نقابة الشباب والطفولة على فعلها وتحصل أعضاءُ نقابتِنا العامةِ الموقّرةِ وحاشيتِها
على حصصِهم من الكعكة.
نقابتُنا العامةُ
الموقّرةُ، أضربتْ ضد مجرّد التفكير في استدعاء شارون إلى تونس في قمة
المعلومات سنة 2005، يعطيها الصحة، وأضربتُ معها، لكنها لم تخصصْ ولو يوم إضراب
واحد من أجل تحسين ظروف العمل أو من أجل بناء قاعة رياضة مغطاة أو من أجل توفير
وسائل الإيضاح.
نقابتُنا العامةُ
الموقّرةُ، دائمًا تبدأ العام نقابةٌ ثوريةٌ، تُعبِّئُ القواعدَ، تشحذُهم، تسخّنُهم، وفي شهر أفريل ومثل سخانة الميكروأوند بسرعة
تبرِّدهم. أتمنى أن تكذِّبني هذه المرة. سأنزل يوم الأربعاء 19 إلى باب بنات
لأتدفأ بوهج زملائي قبل أن - كما عودتنا نقابتُنا العامةُ الموقّرةُ - قبل أن تهِبَّ عليها ريحُ السمومِ من
جهة المكتب التنفيذي فتجمِّدُها. وحتى إن انتصرت (Une victoire à
la Pyrrhus)، فدنانيرٌ معدودةٌ، لا تغني ولا تسمن من جوعٍ، ما أنبل رسالتنا
وما أرخص كرامتنا، نطلب دومًا لأنفسِنا، ما أبشع أنانيتنا، لم نطلب ولو مرة واحدة
شيئًا لفائدة التلميذِ، هذا التلميذ-الطفل، محور العملية التربوية، الذي استأمننا والِداهُ على مصيره وأوكل لنا الشعبُ مهمة صُنْعِ مستقبله. للأسفِ، خُنّا الأمانة
ولم نكن في مستوى المسئولية التي أنِيطتْ بعُهدتِنا. تبًّا لنا ما أتفهنا! ولا أستثني
نفسي، بل أبدأ بها، اليساريّةِ اللّعِينةِ، كل يوم أجلدها بِسوطٍ قُدَّ من جْلْدٍ مضفورٍ.
بلا فخرٍ،
أنا ابنُ هذا اليسار النقابي الرجعي، وبلا فخرٍ أيضًا كنتُ جنديًّا مُنضبِطًا من
جنودِه، لكنني ابنٌ عاقٌّ، تهمة لا أنفيها وشرفٌ لا أدّعيه. وإليكم ما قدرتُ على
فعله خارج دوّامة الإضرابات من أجل الزيادة في الشهرية، وهو قليلٌ قليلُ، فعلته
تحت حماية صفة كاتب عام النقابة الأساسية بحمام الشط:
-
في مرة من المرات، وَفَدَ علينا في معهد برج
السدرية أستاذ "خوانجي" معوِّض مظلوم بعدما كان مرسّمًا، اتصلتُ به واقترحتُ
عليه عرضَ مشكلته على الهياكل النقابية العليا، رفضَ مساعدتي بكل أدبٍ.
-
في مرة من المرات، في المعهد نفسه قصّت علينا
أنترنات، كتبتُ أقصرَ عريضة نقابية في العالم وهذا نصها: "معهد برج السدرية
دون أنترنات منذ ست سنوات"، أمضَى فيها كل أساتذة المعهد، أرسلتُها إلى
الإدارة الجهوية، جاءَ المهدي المنتظرْ في أسرع من لَمْحِ البصرْ (Modem).
-
في مرة من المرات، قمتُ بِجردٍ لجميع قاعات
المعهد، كتبتُ تقريرًا، أمضَى فيه كل أساتذة المعهد، أرسلتُه إلى الإدارة الجهوية،
جاءت الكراسي والطاولات من حيث لا أدري.
-
في مرة من المرات، استلف المدير حاسوبًا من
مخبري المجهّز بعشرة ليستعين به في آخر السنة. تغير المدير، طالبتُه بإرجاع
الأمانة، رفضَ، كتبتُ فيه تقريرًا، بعثتُه إلى الإدارة الجهوية، في ظرف يومين رجع
حاسوبي إلى قواعده سالمًا.
-
في مرة من المرات، عام 2000 تقريبًا، اتصلتُ
بوزير التربية الأسبق منصر رويسي، طلبتُ منه إدراج نظرية "ما بعد
الوراثي" في برنامج العلوم (L`épigenèse, sujet
de ma thèse de doctorat)، وحدثتُه حول تدريس
العلوم بالحاسوب. قال لي: "أول مرة يتصلُ بي نقابي يطلبُ مصلحة عامة وليس
مصلحة خاصة". بعد شهرٍ بعثَ إلى معهدنا عشرة حواسيب وتأسسَ أول مخبر علوم في
الجمهورية مجهّز بالأنترنات، عملتُ فيه عشر سنوات، هرمتْ الحواسيب وهرمتُ معها،
أقفِلَ مباشرة بعد إحالتي على التقاعد (2012) ولم يُجدّد إلى اليوم.
خاتمة:
مزايا النقابة عليّ، على المستوى الشخصي، لا تُحصَى ولا
تُعدّ، على سبيل الذكر لا الحصر: طُرِدتُ من التدريس سنة 1976، أرجعتني في ظرف
شهرٍ. ظلمني متفقدٌ، هبّوا معي هبة رجل واحد وهجمنا على المدير الجهوي في مكتبه
بجندوبة سنة 1988-1989 (تحية إلى النقابي صديقي رضا جميلي). صنعت لي قيمة يهابها
كل المديرين وكانت طلباتي أوامر. حَبَّبَتْ فيَّ كل زملائي. أعطتْ منحةً لابنتي
الطالبة. باختصار، أكرمتني، كرّمتني وأشعرتني وكأنني عنتر زمانه. عدّدتُ، وأعدّدُ،
ودون كلَلٍ أو ملَلٍ سوف أعدّد ما حييتُ أفضالَها عليّ شخصيًّا حتى أبرهن للقرّاء
أن ما قلته فيها أعلاه بعيد كل البعد على الثأر السخيف وليس تصفية حسابات. ماذا هو
إذن؟ علمٌ درَسته وفي مكانه وظفته. علمٌ
الإبستمولوجيا (نقد المعرفة أو معرفة المعرفة)، علمٌ كرّه الناس فيّ. علمٌ، مارسته
بحبٍّ وطبّقته على نفسي ومحيطي بصدقٍ وصرامةٍ، فأظهرني أمام رفاقي في مظهر الخائن
أو المختل. قدَري لم أخترْه، راضٍ بمرّه
وحلوه! أرجوكم أيها الرفاق، افصلوا بين كشكار النقابي الذي يعشقكم وكشكار
الإبستمولوجي الذي يشرّحكم.
نقابتِي العامة الموقّرة (أو جامعة التعليم الثانوي)، لن
تنالِي ثقتي (أعني الأستاذ عمومًا) ولن أطمئنَّ إليكِ ما لم تُنجِزي مِثلي
وعلنيًّا نقدَكِ الذاتي وتعتذرِي لقواعدِكِ.
إمضاء مواطن العالَم
"الأساتذةُ لا
يَفهَمونَ أن تلامذتَهم لا يَفهَمونَ" باشلار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
و"إذا كانت
كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 18 ديسمبر
2018.
معلومة: إعدادُ هذا المقالِ أخذ مني ثمان ساعات بكاملها: 2س دردشة في المقهى
مع الفيلسوف من س18 إلى س20 حيث انبثقت الفكرة + 4س تحرير في الدار من س20 إلى س24
+ 2س تعديل بعد النشر في الغدِ من س05 إلى س07. ماذا كسبتُ؟ كسبتُ متعةً فكريةً لن
يقدِّرَها إلا مَن مارسَها وتذوّقَها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire