مقدمةٌ
تتمثلُ في خطابٍ تمهيديٍّ ودّيٍّ استباقيٍّ ضروريٍّ لرفع كل لَبْسٍ مُحتملٍ، ولِطمأنةِ أصحابِ القلوبِ الصادقةِ الغيورةِ على الدينِ الإسلاميِّ:
المختلِفونَ
في الدينِ، قالوا عن دينِهم أنه دينْ، فصدّقتُهم وردّدتُ وراءهم دينْ، قالوا عن
دينِهم أنه مقدّسٌ، فقلتُ لهم مقدّسٌ عندكم وأنا أحترمُ مقدّساتَكم كما تحترمونَ
أنتم مقدّساتِي. لستُ أنا مَن يُوزِّعُ شهائدًا في أصالةِ الأديانِ، اللهُ ولا
أحدَ غيرَه قادرٌ على الفصلِ.
أتوجهُ لمُعتَنِقِي
الدياناتِ التوحيديةِ الأخرى، وبكل حبٍّ ووِدٍّ واحترامٍ أقولُ لهم ما جاء على
لسانِ رسولِنا الكريمِ، صلى الله عليه وسلّم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
(المسلم وغير المسلم) ما يحب لنفسه". وأقولُ لهم أيضًا: أؤمنُ بالمساواة التامة بين البشر كل البشر، وبحرية الضميرِ والمعتقد في نسختها
الحداثية. والله العظيم أحب للناس أكثر ممّا أحب لنفسي، ضَعْفٌ ابتلاني به الله،
ولا رادَّ لقضائِه سبحانَه ما أعظمَ شأنَه، "وَعَسَىٰ أَن
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ".
أنا لستُ داعيةً: لم أدعُ يومًا أحدًا إلى ديني ولم
أبشِّرْ به أو أبصِّرْ إلا نفسي، فكيفَ سأجرؤُ على الدعوةِ أو التبشيرِ بغيرِ
ديني؟ لكن سَبَقَ لي وأن كتبتُ ونشرتُ قولاً جميلاً حول ديني أكثر ألف مرة ممّا
حبّرْتُ حول غيره من الأديانِ التوحيديةِ.
ليس من
أخلاقي، كمسلمٍ (مساحةٌ فيها أملٌ) عَلمانيٍّ (متمسِّكٌ لكنني أعي أنني فاقدٌ
لِلأملِ) يساريٍّ غير ماركسيٍّ (خليطٌ غريبٌ وغير مألوفٍ، قَبْلِيًّا أفهمكم وبَعْدِيًّا
أعذر عدمَ تفهُّمِكم)، ليس من أخلاقي "أن أنتقصَ من مقامِ أي واحدٍ من الأنبياء
المرسَلين سلام الله عليهم جميعًا، أو أحُطَّ من شأنِ رسالاتِهم، أو أحجُبَ ولو
قليلاَ من نورِ ما أوحِيَ إليهِم من السماءِ، أو أشكّكَ في أي آيةٍ من آياتِهم، أو
أمسَّ بِسوءٍ كتابًا من كُتُبِهم المقدّسةِ، أو أغْوِي وأضِلَّ واحدًا وحيدًا من
أتباعِهم، أو أقمعَ التطلعاتَ الشخصيةَ لأي فردٍ من مؤمِنِيهم".
المعذرة على هذه المقدمة الطويلة، أدخلُ الآن في صُلبِ
الموضوع: ما هي هذه التَعاليمُ الدينيةُ النبيلةُ، دينٌ مختلفٌ عن الدين الإسلامي، والصراحة راحة،
لا أعرف عنه إلا القليلَ ممّا قرأتُ في كتابَين من كُتُبِهم؟
1. الحقيقةُ الدينيةُ ليست حقيقةً مطلقةً بل هي حقيقةٌ نسبيةٌ.
2. الوحيُ الإلهيُّ هو عمليةٌ متواصلةٌ في الزمن، متدرّجةٌ متصاعدةٌ.
3. جميعُ الأديان نابعةٌ من أصلٍ إلهيٍّ واحدٍ، مبادئُها الأساسيةُ في تناسُقٍ
تامٍّ، أهدافُها ومواضيعُها متحدةٌ، تعاليمُها ليست إلا أوْجُهًا متعددةً لحقيقةٍ
واحدةٍ، وظائفُها مكمِّلةٌ لبعضِها البعض لا فرقَ بينها إلا في الفروعِ وليس في الأصلِ،
ورسالاتُها تمثلُ مراحلَ متتالية في سيرورةِ التطوّرِ الروحاني للمجتمع الإنساني.
4. "أيها الناس، أنتم كلكُم
ثمراتٌ من شَجَرَةٍ واحِدةٍ، وُرَيقاتٌ من غُصْنٍ واحِدٍ".
خاتمة: سبق وأن قلتُ لكم أنني لستُ داعيةً، صدّقتُموني أو كذّبتُموني،
أنا أقولُ الصدقَ ولا شيءَ أخفيهِ وراءَ الصدقِ: مقالي هذا لا يعدو أن يكونَ إلا صدفةَ من صُدَفِ قراءاتي العشوائية لِتَحْلِيَةِ
مرارةِ الانتظارِ لا أكثر ولا أقل، انتظارِ الساعةِ، صدفةَ تطوّرت بطبيعتها إلى حَيرةٍ إبستمولوجيةٍ
(معرفيةٍ)، حيرةٍ لحقها بالضرورةِ حفرٌ أركيولوجيٌّ في علمِ اجتماعِ الأديانِ،
علمٍ قرأتُه في كُتُبِ المفكرِ المسلمِ الإيرانيِّ علي شريعَتي، الذي قال عنه
صديقُهُ الفيلسوفُ الفرنسيُّ الملحدُ جانْ بولْ سارتر: "لو قرّرتُ يومًا أن
أختارَ دينًا، لاخترتُ دينَ علي شريعَتي".
أنا أعشقُ الروحانيّاتَ (La spiritualité)، في دينِي وفي جميع الأديانِ، وهي عزائِيَ الوحيدُ
في هذا الوجودِ الفانِي، طال أو قصُر زمانِي، وأتركَ اسمَ هذا الدينِ معلّقًا في
ذِمّةِ قارئٍ باحثٍ في علمِ اجتماعِ الأديانِ.
ملاحظة: للأمانة
العلمية، استوحَيتُ هذا المقال من كتاب (Appel aux nations, Shoghi Effendi, Imprimé en Belgique
par De Beurs NV, Borgerhout, 57 pages).
إمضائي
أنا
مواطنُ العالَمِ، مواطنٌ مُتصالحٌ-مُختلفٌ مع
حضارتي الأمازيغيّةِ-الإسلاميّةِ-العربيّةِ، مُتصالحٌ معها دومًا أنتروبولوجيًّا
واجتماعيًّا وعاطفيًّا، وفي نفسِ الوقتِ مُختلفٌ معها دومًا إبستمولوجيًّا
وفلسفيًّا وجدليًّا، لا أتباهى بها على الغيرِ ولا أقبلُ فيها ثلبًا من الغيرِ.
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 14 ديسمبر 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire