في
مسقط رأسي جمنة حدثت أخيرًا مشكلة عويصة في واحة ستيل (تجربة جمنة)، وهي إن شاء
الله في طريقها إلى الحل. في مقالي هذا لن أتطرّقَ للمشكلة في حد ذاتها، لا لأنها
لا تهمني، هي تسكنني وتجري في دمي، بل لأن أهلَ جمنة المقيمين فيها أدرَى بشعابِها
وتشعّباتِها. حول ماذا سأكتبُ إذن؟ سأكتبُ حول مسألةٍ فكريةٍ بَحتةٍ، سأكتبُ حول
موضوعٍ أوسعَ بكثيرٍ من مشكلة جمنة، أعني به مسألة العَلمانية في الفضاء
العربي-الإسلامي (فصلِ الدين عن
الدولة أو عن السياسية). أذكّرُ قرّائي الكرام وأخص بالتحية منهم سكّان جمنة،
أذكّرهم بمقالي الأخير حول نفس المسألة الفكرية، عنوانُه: "فكرةٌ قد تضخُّ الماءَ في رُكَبِ العَلمانيينَ العربِ، لا أستثنِي
نفسِي؟ فكرة حبيب بن حميدة (إيديولوجيًّا ماركسيٌّ وفلسفيًّا فيلسوفُ حمام الشط
دون نعوتٍ)، تأثيث مواطن العالَم (يساريٌّ غير ماركسيٍّ)"، ومُلخصُه: "واهمٌ مَن ينتظرُ قطيعةً إبستمولوجيةً مع الدينِ في
فضاءِ الحضارةِ العربيةِ-الإسلاميةِ!".
مشكلة جمنة تضم، ككل مشكلة
اجتماعية، طرفَين متنازعَين. طرفان محتاجان إلى وسيطٍ، وسيطٍ يرضى به الخصمان. لو
حدثت المشكلة قبل الثورة لَتصدّر للوساطة وجهاء ذلك الزمن الأغبر مثل العمدة أو
رئيس الشعبة أو أستاذ جامعي تجمعي أو تاجر كبير فاسدٍ، إلخ. اليوم، وقعت نقلة
نوعية أتمنى أن لا أكون قد تسرّعتُ في قراءتها وتناولها بالتحليل قبل أن تبرهن على
نجاعتها، لكن يبدو لي أن بشائرَها طيبةً وربي يقدّر الخير، انتظروه يأتيكم.
حتى لا أطيلَ عليكم أدخل في صلب
الموضوع: في جمنة ما بعد الثورة، عرض بعض أئمة الجوامع وساطتهم مشكورين لحل
المشكلة المُشارِ إليها أعلاه (أربعة وسطاء، ثلاثة شبان وكهل في الخمسين) يعاضدهم
في المهمة النبيلة كهلٌ تاجر مناضل في المجتمع المدني وكهلٌ ناشطٌ في حقل الفعل الخيري
الإسلامي.
لم يتجرأ رجال الفضاءات العلمانية لعرض
وساطتهم، أقصد القضاة، المحامين، أعضاء المجلس البلدي أو رئيسهم، أعوان مركز الحرس
أو رئيسهم ، المعلمين، الأساتذة، المثقفين، مع الإشارة أنني - كعَلماني فكريًّا - لستُ
ضد وساطتهم ولو فعلوها لَرحبتُ بهم كما أرحب اليوم في هذا المقال بوساطة "رجال
الدين"، للأسف لم يفعلوها، وعُزوفُهم هذا يُعتبَر في حد ذاته مؤشّرٌ دالٌّ
لمن يريد أن يرصد تغيرات المجتمع ويسمع دقات نبضه (المجتمع) حتى ولو كانت تتكلم
بلغةٍ غير التي قرأها في ألواحِ إيديولوجيته العَلمانية، ليبرالية كانت أو يسارية.
لم يتجرأ أيضًا وجهاء العروش المحترمون. ليس صدفةً أن يتجرأ "رجال الدين"
أو لنقل "رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد"، صدفةٌ أعطتنا موعظةً ودرسًا من
الواقع المعيش. تمنياتي للوسطاء بالتوفيق في مسعاهم من أجل خدمة جمنة، ومن أجل تسبيق
المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. عاشت جمنة وعاشت تجربتها الناجحة والرائدة في
الاقتصاد الاجتماعي التضامني.
غمزة ودّية للرفاق: مَن اعترفَ بالواقِعِ الفاقِعِ، وتماهَى
مع هويتِه باحثًا رافعًا رايتَه المختلِفةَ دونَ نفاقٍ، وأحبّ أهلَه وذَويهِ بقلبٍ
مفتوحٍ وصدقٍ خالِصٍ ونِيّةٍ طيبةٍ، وانحازَ لمصلحتِهم العامةِ، فلا تَثْرِيبَ
عليه! عامَلوني بالمِثلِ أو لم يعامِلوني فلن يُضعِفَ من عزيمتِي شيءٌ.
إمضائي
أنا
مواطنُ العالَمِ، مُتصالحٌ-مُختلفٌ مع حضارتي الأمازيغيّةِ-الإسلاميّةِ-العربيّةِ،
مُتصالحٌ معها دومًا أنتروبولوجيًّا واجتماعيًّا وعاطفيًّا، وفي نفسِ الوقتِ
مُختلفٌ معها دومًا إبستمولوجيًّا وفلسفيًّا وجدليًّا، لا أتباهى بها على الغيرِ
ولا أقبلُ فيها ثلبًا من الغيرِ.
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"الأساتذةُ لا يَفهَمونَ أن
تلامذتَهم لا يَفهَمونَ" باشلار
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 11 ديسمبر 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire