vendredi 25 décembre 2015

الفيسبوك مهنتي الجديدة لمن لم يعلم بعدُ، مهنةٌ شاقّة دون أجرٍǃ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

الفيسبوك مهنتي الجديدة لمن لم يعلم بعدُ، مهنةٌ شاقّة دون أجرٍǃ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

الكتابة والنشر التطوعي غير الربحي في الفيسبوك مهنتي، أحترمها وأعتز بها، هي رسالتي النضالية الوحيدة في الحياة ولولاها لَتعجّلتُ نهايتي. مهنة غير رسمية بكل المقاييس: دون رقيب، دون أجر، دون توقيت، دون جزاء أو عقاب مادي، دون توقيت رسمي. أعطيها كل عِلمي وجِدي وتأخذ منّي كل وقتي، أكتبُ وأنشرُ الثانية صباحاً، أحياناً الرابعة. نشرتُ مرة مقالاً حول مرض السُّكَّرِي على الساعة الخامسة صباحاً فعلّق عليه فيسبوكي جزائري طريف وكتب: "صَبَّحْ رَبَّكْ، عَصّباحْ سُّكَّرِي". مهنتي الجديدة بعد التقاعد منحتني أكبر متعة فكرية، متعة لا تُضاهيها في نظري أي متعة حسّية. مهنتي العزيزة جلبتْ لي احتراماً من قِبل أصدقاء جدد مباشرين و آخرين افتراضيين،  احتراماً لم أكن أحلم به ولا في المنام، وفي نفس الوقت أفقدتني صداقات حميمة عمرها أربعون عاماً. في زيارتي الأخيرة إلى مسقط رأسي جمنة، جالستُ أناساً محترمين غير يساريين لم أكن عادة أجالسهم. قبل 2008، سنة انخراطي في الفيسبوك، كنتُ سجينَ إيديولوجيتي القديمة "التي تذكّرني بشبابي"، وكانت هذه الأخيرة   تقف عائقاً كبيراً أمام نسج علاقات مع غير اليساريين وهم الأغلبية الساحقة في تونس وخاصة في جمنة (على حد علمي، يوجد اليوم في جمنة يساري واحد فقط من بين سبعة آلاف ساكن، ومن حسن حظ جمنة واليسار أن هذا الأخير يُعدُّ بطلا من بين عديد الأبطال الجمنين، نهضاويين وقوميين ومستقلين، الذين يسهرون متطوعين منذ خمس سنوات ويسيّرون ويديرون  أكبر إنجاز في تاريخ جمنة القديم والحديث، عنوانه "جمعية حماية واحات جمنة").

أبدأ عملي كل يوم على الساعة السابعة صباحاً في المقهى. أجالسُ بمفردي حبيبتي المفضلة، الجريدة الشهرية السياسية الفرنسية، لوموند ديبلوماتيك، أو كتاباً وجدته صدفة في المكتبة العمومية بحمام الشط أو أعارني إياهُ صديقٌ لطيفٌ مثقفٌ. أحبائي الاثنان يفرضان عليّ جل مقالاتي نقلاً أو إيحاءً. لا أملك أجندة مسبقة، لا سياسية ولا إيديولوجية، صدّق مَن صدّق وكذّب مَن كذّبǃ لا أقصد فرض رأيي بالأمثلة والبراهين على أحد بل أدعو الكل بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لقرّائي ناقصا أو سيئا أرجوهم أن يردّوا بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

أرجع إلى المنزل حوالي الساعة العاشرة صباحاً. أشرع في كتابة مقالي اليومي بكل عشق العاشقين وأمانة الباحثين وتقوى المتصوفين وكأنني أكتب كتاباً. أنهيه حوالي الرابعة مساءً. أنشره فوراً جازماً أنني عبقريُّ زمانه، لا قَبْلِي ولا بعدي، ومعتقداً أنني "جِبْتْ الصِّيدْ من وِذْنُو". أقرأ اعترافاً أطير فرحاً، أقرأ ثلباً أموت كمداً. أعترف على الملأ ودون حياء أنني حسّاس وضعيف وللأسف لم تعِظني نفسي ولم تُعلّمني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة. لو استعصت لغة الضاد عليّ، أستشير هاتفيّاً صديقين مختصين في اللغة ولو استعصت لغة فولتير أستشير رقميّاً لاروس وروبير. أحترم الأخلاقيات العلمية، لا أسرق أفكار غيري وأذكر مصادري بكل دقة الباحث. أحاول تفنيد الأفكار التي لا تعجبني دون المساس بالأشخاص. أحذف نهائيّاً كل مَن يثلبني أو يثلب شخصاً آخر على صفحتي. والمفارقة الغريبة أن أكثر السب والشتم والتجاهل والتحقير يأتيني من بعض أصدقائي الماركسيين الحميمين، يظنون أنهم يعرفونني وأنا أجزم أنهم لا يعرفون أنهم لا يعرفونني. تغيرتُ والتغيير في دينهم خيانة. قال لي اليوم صديقي: "أنت تعي جيداً أن الكتابة مهنتك ولذلك تعطيها كل حبك وطاقتك، لكنك لا تعرف أن شَانِيَكَ لا يمتهن، لا الكتابة الجدية ولا القراءة الجادة، شَانِيَكَ يا سي كشكار يعطيك على الحساب قبل أن يقرأ الكتاب". وقال لي اليوم أيضاً صديقٌ آخر: "جِبْتُو لْرُوحَكْ". بِقدر ما أسعدني الأول ، استفزني الثاني. أجبتُ الثاني قائلاً: "كيف تحمّلني مسؤولية استفزازات غيري؟ لقد نشرتُ البارحة مقالاً مترجماً عنوانه "ما هي المعارف البيولوجية الضرورية لفهم عالم متحول؟". علق عليه مواطن يبدو أنه ماركسي الهواء فكتب: "شكرا للدكتور على المساعدة في محاولة تفسير العالم لكن المطروح والأكثر إلحاحا هو تغييره للأفضل وهذا لا يتم أساسا بالتربية أو بالاخلاق على أهميتهما بل بالسياسة الثورية من أجل الحرية والعدل أو العدل والحرية ولن يتم هذا إلا بماركسية ثورية متجددة ومتجذرة في واقعها العصري القطري والقومي والأممي". نشرتُ آخرَ منذ أسبوعين وعنوانه "ألقيتُ اليوم محاضرة (علمية بحتة، مقتبسة من أطروحتي، 2007)، "المساواة بين المرأة والرجل في الإرث الجيني والذكاء رغم الفوارق البيولوجية بينهما". علق عليه مواطن ماركسي أحترمه جدّاً وأعزه أكثر فكتب: "... ألا يهمّك نوعية الجمهور المستهدَف ...". بكل لطف واحترام، أسأله: "هل يُعقل أن يقف أستاذُ علومٍ يساري أمام باب قاعته ويقول: التلميذ السلفي أو النهضاوي لا يدخل؟".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 25 ديسمبر 2015.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire