dimanche 13 décembre 2015

الجزء 5 والأخير: صورات مسلم تونسي علماني يساري غير ماركسي حول الإسلام؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

الجزء 5 والأخير:  صورات مسلم تونسي علماني يساري غير ماركسي حول الإسلام؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

أبدأ بتعريف مفهوم التصورات: " التصورات (Les représentations en psychologie ou les conceptions en didactique) هي الأفكار التي تنقلها الثقافة الشعبية عن طريق العادات والتقاليد والحكم والأمثال والأساطير والملاحم والشعر والفن والأدب والسيَر وليس الثقافة الرسمية عن طريق التعليم والفقه والخطاب الديني القديم أو الجديد، الحكومي أو المعارض في المساجد والجوامع والفضائيات".

21.                         في باب تربية الضمير على الصدق والإخلاص:
يبدو لي أن القرآن هو كتاب إيمان وليس كتاب علم غربي حديث معاصر أو تأريخ دقيق أو أحكام إجرائية ثابتة. ما أرقى الأول عن الثاني. يبدو لي أن الأحكام الإجرائية الثابتة نصيّا لا تمثل في القرآن إلا ستة في المائة فقط من آياته الستة آلاف والباقي كله دعوى إلى تربية الضمير وتنقيته من الأنانية والتعصب والتشدد والتطرف والتكفير والعنصرية والتكبر والتمييز والوثوقية والدمغجة والدوغمائية والنصوصية وتقديس ما لم يقدسه الله. فلماذا إذن نتشبث بالظرفي والمتحول كالقصاص بالإعدام وقطع يد السارق والسارقة وجلد الزاني والزانية، ونهمل التربية على التقوى التي قد تجنبنا تطبيق الأحكام؟ لماذا نهمل الجانب البيداغوجي الوقائي في القرآن ونتمسك بالجانب الزجري فيه؟ يبدو لي أن تقوى الرسول وصحابته هي التي نجحت في توحيد قبائل الجزيرة العربية ومكّنت أسلافهم من تكوين إمبراطورية إسلامية وحضارة عربية إسلامية ولو على حساب حقوق السكان الأصليين للبلدان المفتوحة بالسيف كمصر والعراق والشام وتونس وغيرها.

22.                        في باب التفسير الحديث والتأويل العصري للقرآن الكريم:
قال الغنوشي في قاعة الحمراء بالعاصمة قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011: "لا تمثل الثوابت الإسلامية في القرآن إلا سبعة في المائة فقط وباقي الآيات كلها متشابهات قابلة لأكثر من فهم وتأويل". يعتمد القرآن في تبليغ رسالته على ضرب الأمثال باستعمال الأساطير والصور المجازية بهدف الوعظ والإرشاد والهداية إلى الطريق المستقيم والرأي المستقيم (Orthodoxe). فعَلَى المسلم العاقل ابن عصره أن يسنّ قوانينًا إجرائية جديدة تخدم المصلحة العامة الحالية انطلاقًا من مقاصد القرآن ويبتعد عن الفهم الحَرفي لكلام الله. فالقصاص بالإعدام وقطع يد السارق والسارقة وجلد الزاني والزانية، كلها أحكام كانت صالحة لعصرها ولها أسباب تبرر نزولها، أما اليوم فقد تجاوزها الزمن والدليل على وجاهة اجتهادي: هل يستطيع اليوم داعية إسلامي  أن يجرؤ على الدفاع عن حق تسخير العبيد لخدمة الأسياد وحق امتلاك الجواري رغم أنهما غير محرّمين صراحة في القرآن؟ يجب التذكير دائما بالفرق المعرفي الكبير بين عهد الرسول والقرن 21. لقد توفر لنا اليوم من العلوم الحديثة (مثل الإبستمولوجيا والأنتروبولوجيا والأركيولوجيا وعلوم النفس والاجتماع والألسنية وغيرها) مما يساعدنا على تجديد وتحيين التأويل لآيات الذكر الحكيم وخاصة المتشابهات منها وهم كُثرُ.

23.                       في باب الحد من وهم الإعجاز العلمي في القرآن:
الكتاب فيه إعجاز إيماني وليس إعجازا علميا ولو أراده علما لفصله تفصيلاَ. ليس في العلم إعجاز ومَن يدّعي غير ذلك لا يعرف طبيعة العلم الحديث. العلم هو جهدٌ بشريٌّ معرّضٌ للخطأ والصواب وبطبيعته قابل للتكذيب والتفنيد ولم يدّعِ يوما أنه اكتشافٌ أو إعجازٌ. العلم بناءٌ وتراكمٌ تجارب بشرية وليس كنزا مدفونًا يكفي أن ننفض التراب عنه. العلم هو خطأ محتملٌ ينفي خطأ مؤكدًا، هو كدٌّ وجدٌّ، هو تطويرٌ لما سبق. وعن طريق الخطأ والصواب يطوّر نفسه ويحسّن أداءه ويغزو المجهول المعرفي غير واثق من النتيجة. أما الإعجاز الإيماني فهو ثابت لا يتغير إلا في ارتفاع عدد المؤمنين به عن طريق الديمغرافيا أو عن طريق الدعوى والتبشير بالتي هي أحسن وليس بالإرهاب. يتجسّم بُرهان الإعجاز الإيماني في تمسك المؤمنين به طيلة 15 قرنًا رغم المنافسة القوية الآتية من المسيحية والبوذية والإلحاد. الإيمان أسمَى من العلم وأرقَى وأنقَى وأثبت إن كنتم تفقهون. فكيف نُبرهن إذن على صحة القرآن بواسطة هشاشة العلم؟ وهل تصح البرهنة على الثابت بالمتحول؟ وعلى العالي بما هو أدنَى منه منزلة؟ وهل ينتظر المسلم المؤمن براهين علمية وحجج مادية حتى يؤمن بوجود الله؟ وهل يصحّ التدليل بالمحسوسِ على المجرّدِ؟ خذ مثلاً معجزة الإسراء والمعراج للنبي محمد صلى عليه وسلم فهي تدخل في الإعجاز الإيماني ولا يمكن تكذيبها أو تصديقها استنادًا للعلم التجريبي أو علم الأنتروبولوجيا أو الأركيولوجيا، فليس أمام المسلم إذن إلا التصديق والتسليم بها كما جاءت في القرآن دون نقاش.

24.                        في باب الصدق في القول والإخلاص في العمل:
هم (المسلمون وغير المسلمين في الدول المتقدمة الغربية والآسيوية) أخلاقهم مطبقة في حياتهم اليومية وكأنهم جسدوا ما قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "كونوا دُعاة إلى الله وأنتم صامتون" فقيل: كيف ذلك يا عمر؟ قال: بأخلاقكم"،  ونحن (المسلمون في البلدان الإسلامية المتخلفة) أخلاقنا محفوظة في الكتب (كل يوم نردد دون تطبيق: قال عمر: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارَا" ونحن لا زلنا نستعبد بعضنا البعض. قال الرسول محمد: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ونحن لازلنا نثخن بعضنا جرحًا وتقتيلاً). قال الشاعر التونسي العظيم منوّر صمادح: "شيئان في بلدي ، قد خيّبا ظني ، الصدق في القولِ والإخلاص في العملِ".

25.                        في باب الشورى والديمقراطية:
طبّقَ اليونانيون في أثينا قديمًا الديمقراطية بين المواطنين الأحرار وأقصوا منها النساء والعبيد، حدثَ ذلك عشرة قرون قبل مجيء الإسلام. طبّق المسلمون الشورى في فترات محدودة من تاريخهم الطويل ولكنهم للأسف حصروها بين أهل الحل والعقد من أصحاب النفوذ في الدنيا والدين وأقصوا منها باقي المواطنين رجالاً ونساءً بفلاسفتهم وعلمائهم وعامتهم وعبيدهم وأقلياتهم. ديمقراطية اليوم الحديثة لا تعترف بغير الإغريق القدماء أبًا لها وأمَّا ولها ألفُ حقٍّ في ذلك. فلنعترف إذن وبشجاعة أننا لسنا مخترعين للديمقراطية، لا في شكلها القديم ولا الحديث. الشورى ليست الديمقراطية بل هي شورى ضيقة كما يدلّ اسمُها عليها لا أكثر ولا أقل فلنوسّعها إذن لتشمل جميع المواطنين، والاعتراف بالتقصير فضيلة وليس نقصًا نستحِي منه.  الله قال: "وأمرهم شورى بينهم" ولم يحدّد مَن هم أولَى بالشورى من غيرهم، وأنا إيماني يؤكد لي أنه يقصد المواطنين جميعاً دون تمييز أو استثناء وذلك بيّن في آيته الكريمة: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وسّع الله في الشورى وجعلها مماثلة للديمقراطية الحالية بالاقتراع العام، أما فقهاء السلطان المأجورين فقد ضيقوا فيها لصالح السلطان وصالحهم كعادتهم في التضييق فيما وسّع الله في قرآنه الكريم.

ملاحظة هامة: يبدو لي أنه من الأجدر لدارِسي الإسلام أن يأخذوا في الاعتبار تصورات المسلمين حول الإسلام ولا يكتفوا بما هو محفوظ في كتب التراث. قال سارتر: "ليس لديّ دين، لكن إذا وجب عليّ اختيار دين، فسيكون دين شريعتي (قال دين شريعتي ولم يقل دين الإسلام. المرحوم علي شريعتي، مفكر إيراني مختص في علم اجتماع الأديان).

انتهى.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
Ma devise principale : Faire avec les conceptions non scientifiques (elles ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche) pour aller contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs  propres conceptions scientifiques 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 14 ديسمبر 2015.








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire