lundi 14 décembre 2015

الاجتهادُ كاملاً: تصورات مسلم تونسي علماني يساري غير ماركسي حول الإسلام؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

الاجتهادُ كاملاً: تصورات مسلم تونسي علماني يساري غير ماركسي حول الإسلام؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

أبدأ بتعريف مفهوم التصورات: "التصورات (Les représentations en psychologie ou les conceptions en didactique) هي الأفكار التي تنقُلها الثقافة الشعبية عن طريق العادات والتقاليد والحِكم والعِبر والقِيم والأمثال والأساطير والملاحم والشعر والفن والأدب والسِّيَر وليس ما تنقله الثقافة الرسمية عن طريق التعليم والفقه والخطاب الديني القديم أو الجديد، الحكومي أو المعارض، في المساجد والجوامع والفضائيات".

تعريف كلمة "الإسلام": هذه التسمية الإجمالية الشديدة الخطورة "الإسلام" قد تقودنا إلى الخلط أو الخطأ لأنها تسمية فضفاضة تجمع حقائق متفرقة ومختلفة تصنف المسلمين حسب تواريخهم ولغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومذاهبهم وأعراقهم وقومياتهم وقبائلهم ومصالحهم. قال أركون: "ينبغي تحاشي استخدام كلمة "الإسلام" بصيغة مفتوحة لوصف مجتمعات بينها فروق كبيرة" (نافذة على الإسلام، 1997، ص 33).

1.     في باب تجريد العلاقة بين المخلوق وخالقه:
يتميز الإسلام عن الكاثوليكية بعلاقة عمودية مباشرة بين الإنسان والله، الإنسان عمومًا مسلمًا وغير مسلمٍ،. علاقة لا تتوسط فيها كنيسة أو رهبان ولا حتى الرسول محمد نفسه رغم علو شأنه صلى الله عليه. يختص الله وحده دون شريك بهداية البشر إلى الطريق المستقيم وقد بلّغها  لرسوله بوضوح تام ودون لبس حين خاطبه قائلاً:" إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ".

2.     في باب حق الله على مخلوقاته من البشر وحق كل إنسان على أخيه إنسان:
الله يسامح في حقه وقد يغفر الذنوب جميعًا، الصغائر منها والكبائر. قال تعالى: "ألا إن الله هو الغفور الرحيم"  أكد - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة، أنه هو الغفور الرحيم، وبيّن فيها أنه هو وحده المختص بذلك دون  خلقه جميعًا بما فيهم رسله من إبراهيمَ إلى محمدَا. لكنه لا يسامح في حق المظلوم، فقط يمهل الظالم إلى يوم الدين. ومَن عصاه في صلاة أو صيام فأمرُه موكول إليه وحده سبحانه وتعالَى وعقابه أو عفوه مؤجل إلى يوم الحساب.

3.     في باب المسؤولية الفردية (La responsabilité individuelle de l`homme ):
كل فرد يتحمل وحده مسؤولية أفعاله. قال تعالى: "لا تزر وازرةٌ وزر أخرى". ختم النبوّة منذ 15 قرنا ففهمنا رسالته وأخذنا المسؤولية كاملة على عاتقنا دون انتظار المطر من السماء وهل يوجد أشد وضوحًا من الآية الكريمة: "إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". أنا أعتبر هذه الآية تعريفًا دقيقًا للعلمانية التي يمقتها عن جهل بمحتواها بعض الإسلاميين. كلمة عَلمانية حسب التعريف الحديث هي كلمة مشتقة من كلمة عالَم وتعني أن شؤون هذا العالم الدنيوي لا يغيرها إلا ناس هذا العالم دون تدخل مباشر من العالم الآخر وهذا ما قاله سبحانه وتعالى حرفيا وبصريح العبارة في الآية السابقة.

4.     في باب تحرير الإنسان من استبداد أخيه الإنسان:
شهادة لا إله إلا الله التي تسد الطريق أمام كل الجبابرة والطغاة من البشر جعلها الله أول شرط لدخول الإسلام.

5.     في باب المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة:
قال الله لنا: " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ". قال لا تعطوها أقل من نصف ما تعطوا للرجل ولم يقل لا تعطوها مثله وترك لنا باب المساواة الكاملة في الإرث مفتوحًا ما لم نخالف شرعه بإعطائها أقل مما أمر به وحدده خاصة عندما يكون هدفنا طاعته وليس عصيانه. أضف إلى ذلك أن الإرث قضية لا تهم إلا الأغنياء فقط أي الولدين اللذان لهما شيء يورثوه لأبنائهم وهم قلة قليلة في المجتمعات الإسلامية الفقيرة أصلا. نحن مثلا ثلاثة إخوة وثلاث أخوات ورثنا بالتساوي ما تركه أبونا وهو في الواقع لم يترك لنا شيئًا نرثه أصلاً. أما المساواة الكاملة والتامّة في الإرث بين الرجل والمرأة فلا نجدها إلا في الإرث الجيني فالأب ورغمًا عن إرادته يورّث أولاده وبناته بالتساوي نصف ما يملك من الجينات: يملك 46 صبغية (quarante six chromosomes comprenant 30 mille gènes)، يورّث 23 لابنه كما يورّث 23 لابنته وكذالك تفعل الأم.

6.     في باب منع تعدد الزوجات:
قال: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم". نحن نخاف أن لا نعدل لذلك نكتفي بواحدة. تماهَينا وتأقلَمنا مع العصر الذي يحرّم ويجرّم العبودية دون أن نخالف الشرع وتخلينا طواعية عما ملكت أيماننا فلماذا لا نواصل التماهي المحمود ونمنع قانونيا الزواج بأكثر من واحدة ولنا أسوة في الرسول الكريم عندما قال لعلِي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إلا فاطمة يا علي" (حديث سمح من رسول سمح حتى ولو كان ضعيفًا أو موضوعًا)، لا تقهر ابنتي وتتزوج عليها، وفعلا لم يتزوج علِي بأكثر من واحدة إلا بعد موت فاطمة قرّة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل بنت في عيون أبيها فاطمة وكل بناتنا عند رسولنا العادل فاطمة.

7.     في باب الإلغاء النهائي لحُكم بالإعدام:
قال: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" وقد وردت في أواخر عديد آيات العقاب البدني عبارات مثل ".. ولئن صبرتم .. أو عفوتم .. فهو خير لكم". لماذا لا نصبر ولا نعفو تقرّبًا إلى الله زلفى ونلغي نهائيا كل العقوبات البدنية التي لا تتلاءم اليوم مع العصر مثل ما ألغينا العبودية وامتلاك الجواري رغم أنهما غير محرّمين في القرآن لكن الله حث وشجع على تحرير العبيد قبل محررهم الرسمي إبراهام لنكولن بـ14 قرنا.

8.     في باب الإلغاء النهائي لعقوبة قطع يد السارق:
قال: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا" ولم يقل في كل مكان وزمان والدليل على وجاهة كلامي هو ما فعله عمر رضي الله عنه عندما أوقف العمل بهذا الحكم القرآني الواضح في عام المجاعة. ما أحوجنا اليوم إلى عمر عصري يلغي هذه العقوبة إلى الأبد لا لأننا في مجاعة بل لأن جل قُضاتنا متهمين بالارتشاء ولذلك فهم ليسوا مؤهلين للحكم على السرّاق ولأن أكبر سرّاقنا وأخطرهم هم من الحُكام وليسوا من المَحكومين.

9.     في باب نبذ التعصب الديني:
قال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" لكنه ارتضى لأبناء الرجل المسلم أمًّا مسيحيةً وهل يوجد ما هو أكثر تشريفًا للديانة المسيحية من أن يضع الله جنة بعض أبناء المسلمين تحت أقدام أمهم المسيحية. قال: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" على شرط أن "تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" ولم يقل لأنكم مسلمون. قال: " إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ" وقال: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" والقصد من الإسلام هو التسليم لله فجميع الديانات السماوية التوحيدية هي إسلامية بهذا المعنى الواسع والشامل وإبراهيم مسلم وموسى مسلم وعيسى مسلم. قال أركون: "هناك عدة آيات في القرآن الكريم يُقدَّم فيها "إبراهيم" على أنه مسلم.. يقول القرآن الكريم إن إبراهيم لم يكن يهوديّاً ولا مسيحيّاً، وإنما كان مسلماً" وقال: "الإسلام هو أن يسلّم المرء شخصه بكلّيته إلى الله.. وهو تلك الطاعة الملأى بالحب" (نافذة على الإسلام، 1997، ص 30 و31).  والله أمرنا أن نصدّقهم ونؤمن بهم جميعًا. قال: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا".


10.                        في باب شمولية الرحمة:
فتح الله بابه واسعًا أمام التوّابين، مسلمين وغير مسلمين، ولم يأمر بقتل أحد إلا المعتدين دفاعًا عن النفس. شملت رحمته غير المسلمين قبل المسلمين العاصِين. مَن منّا كان قادرًا أن يتنبأ بإسلام  الفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي في سن 69 عاما، وهو المفكر الملحد سابقًا وأحد مؤسسي الحزب الشيوعي الفرنسي؟ طبعًا لا أحد! لو أخذنا برأي الدعاة السفهاء منّا لقتلناه ووقعنا في المحظور وخالفنا شرع الله ظنا منا أننا بقتل عبده الكافر نتقرب منه وإليه. أهَدَيْناهُ  نحن أم الله هَدَاهُ؟

11.                       في باب نبذ المعصية:
يقول التراث الإسلامي: "اِلْعَنوا المعصية ولا تلعنوا العاصي" فالمعصية مفروغ من ضررها ومتفق على إدانتها من الجميع أما العاصي فباب الله سيبقى مفتوحًا أمامه إلى آخر رمق من حياته ولو كره المتشددون ولو حاولوا غلقه فلن يفلحوا أبدَا.

12. في باب حب الناس، كل الناس دون تمييز من أي نوع:
خلق الله المخلوقات مختلفة في اللون والعرق والجنس والدين "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً"  بل "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" ولم يقل لتعاركوا، فالحرب الدائرة اليوم بين المسلمين أنفسهم هي إذن من صنع أيديهم القذرة وأمخاخهم الوسخة وليس من التأويل السليم للقرآن في شيء وقال "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" ولم يقل إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ شيعتكم أو سنّتكم. فحب الناس جميعًا إذن هو بمثابة العبادة وعشقا لله في خلقه مسلمين وغير مسلمين. قدرُ المسلم أن يحب الناس جميعًا، المسيحي واليهودي والملحد والعاصي، هذا النوع من الحب هو أمرٌ إلهي وليس اختيارًا ولو شاء المسلم هداية هؤلاء الناس جميعًا بالتي هي أحسن عن طريق إهدائهم أفضل هدية عنده وهي الإسلام فلن يجد طريقًا أمامه إلا الحب، وهل يمكن أن نقدّم أغلى هدية عندنا لشخص نكرهه؟ طبعًا لا. فالحب ديننا وقدرنا وطريقنا الوحيد إلى الله ولا طريق لنا غيره فلْنرضى بقدرنا ونحب، نحب بلا حد، لا نبتغي من وراء حب الناس، كل الناس، لا جزاءً ولا شكورَا غير رضاه عن طريق إرضاء مخلوقاته، كل مخلوقاته دون تمييز بينهم، تمييزًا عرقيا أو لونيا أو جنسيا أو دينيا. ومن حكمة الله ولطفه بنا أن فرض علينا حب البشر، كل البشر، ولم يترك هذا الشأن لأهوائنا وضعفنا وغرائزنا وتعصبا وأنانيتنا.

13. في باب إقامة العدل على الأرض:
يقول التراث الإسلامي: "حاكم كافر عادل خيرٌ من حاكم مسلم ظالم ". قدّمَ الإسلامُ العدلَ على العقيدة الإسلامية  وفضّله على الظلم ولو أتى هذا العدل من حاكم كافر. أي تفتحٍ على الآخر هذا؟ أي عشقٍ للعدل هذا؟

14. في باب نشر التسامح:
يقول التراث المسيحي والتراث الإسلامي: كان سيدنا إبراهيم الخليل لا يأكل حتى يمر عابر سبيل يشاركه طعامه. قدِم عابرُ سبيلٍ، أكل وشرب ثم طلب من إبراهيم أن يوقد له نارًا ففعل. قام الضيفُ يصلي للنار فنهره النبي وطرده قائلا: "أتُعبد النار في بيت الخليل؟" كلّمه الله مربّيًا ومعلّمَا: "يا إبراهيم كم عُمُرُ هذا الضيف؟" قال: "ستون سنة". قال الله: "تحملتُه أنا ستون سنة ولو شئتُ لقبضتُ روحَه وأنتَ لم تستطع أن تتحمله ليلة واحدة!" ما أروع هذه الحكمة الإلهية لو أخذ بها وطبقها دعاة الدين الجدد.

15. في باب تشجيع حرية التعبير:
حكمة بحق ربّانية، اتعظت منها الإنسانية و أتمنى من كل جوارحي أن يعيها مسلمو اليوم: هل الرسوم المسيئة للرسول أم الشيطان وكفار قريش أكثر إيذاء للذات الإلهية والشخصية المحمدية؟ طبعا الشيطان وكفار قريش، أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم. من حكمة ربنا الأعلى أنه نقل لنا حرفيا في القرآن الكريم، كلام وحجج أعدائه وأعداء نبيه  محمد صلى الله عليه وسلّم، ولم  يكتف بحرية التعبير والنشر المطلقة لهؤلاء المعارضين في كتابه المبين، بل فات وارتقى وعلا، سبحانه وتعالى،  على ذلك بسنين ضوئية وأمرنا أن نردد كلامهم عند قراءة القرآن الكريم دون حذف حرف واحد خمس مرات في صلواتنا اليومية وأن نرتله صباحا مساء وأن نتهجّده ليلا حتى مطلع الفجر واعتبر هذا عبادة يتقرب بها المخلوق من خالقه ولم يعتبره هو، صاحب الشأن علا شأنه، لا مسّا من الذات الإلهية ولا تطاولا على الشخصية المحمدية. حدث هذا، والإسلام لا زال في أوله ولم يستقر في القلوب بعدُ، فما بالك الآن وقد تربّع و عشّش في قلوب مليار ونصف مليار مسلم منتشرين في العالم أجمع. تصور اليوم جريدة "الضمير" الإسلامية تخصص صفحة حرة لحزب العمال أو جريدة "صوت الشعب" الشيوعية تخصص صفحة حرة لحزب حركة النهضة.

16.                       في باب فرض الضرائب:
لم يفرض الله ضرائب على العمال بالأجرة مثلما فعلت الدولة القديمة والحديثة بل فرض الزكاة وهي أيضا ضريبة لكن لا يدفعها إلا مَن زاد دخله على قوته اليومي. ضريبة يدفعها الأغنياء لفائدة الفقراء والأغنياء.

17. في باب الدفاع عن حرية المعتقد:
قال: "لا إكراه في الدين" وقال: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ". بشهادة أمين معلوف، الكاتب اللبناني-الفرنسي، عاشت عائلته المسيحية في لبنان 14 قرنٌا تحت الحكم الإسلامي وحافظت عل كنيستها وأموالها وأرضها وقال أن الحضارة الإسلامية في مجملها كانت أكثر تسامحًا من الحضارة المسيحية واليوم انقلبت الأدوار مع داعش.

18. في باب عدم تحريم الفنون:
الله جميل يحب الجمال والرقص والغناء والموسيقى والنحت والتصوير والمسرح والسينما كلها فنون جميلة لا يمكن أن يكرهها إلا أعداء الجمال من الدواعش.

19. في باب الدفاع عن حرية اللباس عند المسلمة:
قال: "يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ"  فرض الستر على المرأة لكنه سبحان وتعالى لم يُخرج السافرة من ملته ولم يَحْرِمها من عطفه ورحمته ونحن نرى اليوم أن الستر في الأخلاق وليس في قطعة قماش طالت أو قصرت والله لم يقل أن المسلمة المحجبة أتقى من المسلمة السافرة ومن حسن حظنا أنه لم يقرن المظهر بالجوهر وترك لنا الحرية في اختيار طرق عبادته والتقرب منه. الله قمةٌ، لن نطالها ولو شئنا والصعود إليها من كل صوب محمود والمجهود من كل صاعد مشكور ومقبول.

20. في باب تحرير الإيمان:
من حكمة الله أن لم يجعل للإيمان به مقياسًا بشريًّا أو ميزانَا قانونيًّا تفرضه الدولة الدينية بل ترك الحرية الدينية كاملة غير منقوصة وغير خاضعة  للمراقبة البشرية أو العقوبة القضائية. الشهادتان لا تخضعان لمقياس الكذب، والصوم لا يخضع للتفتيش بآلة السكانار، والصلاة لا تخضع لسجل الحضور، والحج تركه لمن استطاع إليه سبيلاَ، والزكاة فرضها على الأغنياء فقط.

21.                         في باب تربية الضمير على الصدق والإخلاص:
يبدو لي أن القرآن هو كتاب إيمان وليس كتاب علم غربي حديث معاصر أو تأريخ دقيق أو أحكام إجرائية ثابتة. ما أرقى الأول عن الثاني. يبدو لي أن الأحكام الإجرائية الثابتة نصيّا لا تمثل في القرآن إلا ستة في المائة فقط من آياته الستة آلاف والباقي كله دعوى إلى تربية الضمير وتنقيته من الأنانية والتعصب والتشدد والتطرف والتكفير والعنصرية والتكبر والتمييز والوثوقية والدمغجة والدوغمائية والنصوصية وتقديس ما لم يقدسه الله. فلماذا إذن نتشبث بالظرفي والمتحول كالقصاص بالإعدام وقطع يد السارق والسارقة وجلد الزاني والزانية، ونهمل التربية على التقوى التي قد تجنبنا تطبيق الأحكام؟ لماذا نهمل الجانب البيداغوجي الوقائي في القرآن ونتمسك بالجانب الزجري فيه؟ يبدو لي أن تقوى الرسول وصحابته هي التي نجحت في توحيد قبائل الجزيرة العربية ومكّنت أسلافهم من تكوين إمبراطورية إسلامية وحضارة عربية إسلامية ولو على حساب حقوق السكان الأصليين للبلدان المفتوحة بالسيف كمصر والعراق والشام وتونس وغيرها.

22.                        في باب التفسير الحديث والتأويل العصري للقرآن الكريم:
قال الغنوشي في قاعة الحمراء بالعاصمة قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011: "لا تمثل الثوابت الإسلامية في القرآن إلا سبعة في المائة فقط وباقي الآيات كلها متشابهات قابلة لأكثر من فهم وتأويل". يعتمد القرآن في تبليغ رسالته على ضرب الأمثال باستعمال الأساطير والصور المجازية بهدف الوعظ والإرشاد والهداية إلى الطريق المستقيم والرأي المستقيم (Orthodoxe). فعَلَى المسلم العاقل ابن عصره أن يسنّ قوانينًا إجرائية جديدة تخدم المصلحة العامة الحالية انطلاقًا من مقاصد القرآن ويبتعد عن الفهم الحَرفي لكلام الله. فالقصاص بالإعدام وقطع يد السارق والسارقة وجلد الزاني والزانية، كلها أحكام كانت صالحة لعصرها ولها أسباب تبرر نزولها، أما اليوم فقد تجاوزها الزمن والدليل على وجاهة اجتهادي: هل يستطيع اليوم داعية إسلامي  أن يجرؤ على الدفاع عن حق تسخير العبيد لخدمة الأسياد وحق امتلاك الجواري رغم أنهما غير محرّمين صراحة في القرآن؟ يجب التذكير دائما بالفرق المعرفي الكبير بين عهد الرسول والقرن 21. لقد توفر لنا اليوم من العلوم الحديثة (مثل الإبستمولوجيا والأنتروبولوجيا والأركيولوجيا وعلوم النفس والاجتماع والألسنية وغيرها) مما يساعدنا على تجديد وتحيين التأويل لآيات الذكر الحكيم وخاصة المتشابهات منها وهم كُثرُ.

23.                       في باب الحد من وهم الإعجاز العلمي في القرآن:
الكتاب فيه إعجاز إيماني وليس إعجازا علميا ولو أراده علما لفصله تفصيلاَ. ليس في العلم إعجاز ومَن يدّعي غير ذلك لا يعرف طبيعة العلم الحديث. العلم هو جهدٌ بشريٌّ معرّضٌ للخطأ والصواب وبطبيعته قابل للتكذيب والتفنيد ولم يدّعِ يوما أنه اكتشافٌ أو إعجازٌ. العلم بناءٌ وتراكمٌ تجارب بشرية وليس كنزا مدفونًا يكفي أن ننفض التراب عنه. العلم هو خطأ محتملٌ ينفي خطأ مؤكدًا، هو كدٌّ وجدٌّ، هو تطويرٌ لما سبق. وعن طريق الخطأ والصواب يطوّر نفسه ويحسّن أداءه ويغزو المجهول المعرفي غير واثق من النتيجة. أما الإعجاز الإيماني فهو ثابت لا يتغير إلا في ارتفاع عدد المؤمنين به عن طريق الديمغرافيا أو عن طريق الدعوى والتبشير بالتي هي أحسن وليس بالإرهاب. يتجسّم بُرهان الإعجاز الإيماني في تمسك المؤمنين به طيلة 15 قرنًا رغم المنافسة القوية الآتية من المسيحية والبوذية والإلحاد. الإيمان أسمَى من العلم وأرقَى وأنقَى وأثبت إن كنتم تفقهون. فكيف نُبرهن إذن على صحة القرآن بواسطة هشاشة العلم؟ وهل تصح البرهنة على الثابت بالمتحول؟ وعلى العالي بما هو أدنَى منه منزلة؟ وهل ينتظر المسلم المؤمن براهين علمية وحجج مادية حتى يؤمن بوجود الله؟ وهل يصحّ التدليل بالمحسوسِ على المجرّدِ؟ خذ مثلاً معجزة الإسراء والمعراج للنبي محمد صلى عليه وسلم فهي تدخل في الإعجاز الإيماني ولا يمكن تكذيبها أو تصديقها استنادًا للعلم التجريبي أو علم الأنتروبولوجيا أو الأركيولوجيا، فليس أمام المسلم إذن إلا التصديق والتسليم بها كما جاءت في القرآن دون نقاش.

24.                        في باب الصدق في القول والإخلاص في العمل:
هم (المسلمون وغير المسلمين في الدول المتقدمة الغربية والآسيوية) أخلاقهم مطبقة في حياتهم اليومية وكأنهم جسدوا ما قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "كونوا دُعاة إلى الله وأنتم صامتون" فقيل: كيف ذلك يا عمر؟ قال: بأخلاقكم"،  ونحن (المسلمون في البلدان الإسلامية المتخلفة) أخلاقنا محفوظة في الكتب (كل يوم نردد دون تطبيق: قال عمر: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارَا" ونحن لا زلنا نستعبد بعضنا البعض. قال الرسول محمد: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ونحن لازلنا نثخن بعضنا جرحًا وتقتيلاً). قال الشاعر التونسي العظيم منوّر صمادح: "شيئان في بلدي ، قد خيّبا ظني ، الصدق في القولِ والإخلاص في العملِ".

25.                        في باب الشورى والديمقراطية:
طبّقَ اليونانيون في أثينا قديمًا الديمقراطية بين المواطنين الأحرار وأقصوا منها النساء والعبيد، حدثَ ذلك عشرة قرون قبل مجيء الإسلام. طبّق المسلمون الشورى في فترات محدودة من تاريخهم الطويل ولكنهم للأسف حصروها بين أهل الحل والعقد من أصحاب النفوذ في الدنيا والدين وأقصوا منها باقي المواطنين رجالاً ونساءً بفلاسفتهم وعلمائهم وعامتهم وعبيدهم وأقلياتهم. ديمقراطية اليوم الحديثة لا تعترف بغير الإغريق القدماء أبًا لها وأمَّا ولها ألفُ حقٍّ في ذلك. فلنعترف إذن وبشجاعة أننا لسنا مخترعين للديمقراطية، لا في شكلها القديم ولا الحديث. الشورى ليست الديمقراطية بل هي شورى ضيقة كما يدلّ اسمُها عليها لا أكثر ولا أقل فلنوسّعها إذن لتشمل جميع المواطنين، والاعتراف بالتقصير فضيلة وليس نقصًا نستحِي منه.  الله قال: "وأمرهم شورى بينهم" ولم يحدّد مَن هم أولَى بالشورى من غيرهم، وأنا إيماني يؤكد لي أنه يقصد المواطنين جميعاً دون تمييز أو استثناء وذلك بيّن في آيته الكريمة: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وسّع الله في الشورى وجعلها مماثلة للديمقراطية الحالية بالاقتراع العام، أما فقهاء السلطان المأجورين فقد ضيقوا فيها لصالح السلطان وصالحهم كعادتهم في التضييق فيما وسّع الله في قرآنه الكريم.

26. في باب التسامح أثناء الخلافة الإسلامية السابقة:
هل ما زالت الأقليات المسلمة المقيمة في الدول غير المسلمة تجرؤ على الدفاع عن حكم أهل الذمة في الشريعة الإسلامية؟ وهل تجرؤ على تبرير ضريبة الجِزية المفروض دفعها غصبا من قِبل السكان الأصليين من العرب المسيحيين المقيمين اليوم في داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام)  مثلما دفعها أسلافهم وهم صاغرون أثناء الخلافة الإسلامية (الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية حتى سنة 1924 تاريخ سقوط الخلافة النهائي والحمد لله، مع الإشارة الهامة أن التسامح مع غير المسلمين كان من سِمة الحضارة الإسلامية بالمقارنة مع الحضارة المسيحية المتشددة مع غير المسيحيين وخاصة اليهود منهم وذلك بشهادة الكاتب العربي الفرنسي-اللبناني من أصول مسيحية في كتابه "الهويات القاتلة"، 1998)؟ أكثر الظن أنهم تجاوزوا هذا الحكم ولا ولن يقبلوا هذا الظلم المسلط على مواطن عربي مسيحي من قِبل أخيه المواطن العربي المسلم. أنا أعرف على الأقل جوابَ أحدٍ منهم وهو القيادي النهضاوي المقيم حاليا بباريس، أستاذ القرآن،  صديقي الحميم بكّار عزوز، قال: "يجب على الدولة المسلمة اليوم أن تعامِل مواطنيها على قَدَمِ المساواة ولا فضل لمواطن مسلم على مواطن غير مسلم إلا بالصدق في القول والإخلاص في العمل". لديَّ اقتناعٌ قويٌّ راسخٌ -لا أعرف من أين أتاني- أن جلهم يعتبر هذا الحكم القرآني لاغيًا (Caduque) بانقراض شروطه ومكانه وزمانه قياسًا على موقفهم العصري التقدمي وقبولِهم مبدأ إلغاء وتجريم العبودية وامتلاك الجواري غير المحرمَين بصريح الآية في القرآن الكريم مع التذكير أن القرآن حث وشجع على عَتقِ العبيد قبل تحريرهم رسميا بفضل مَكْنَنَةِ العمل على يد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إبراهام لنكولن. أبارِكُ وأثمِّنُ هذا التحول والتطور في فهم وتأويل القرآن حسب مقاصده النبيلة وليس حسب حَرفية نصه المقدس. ولي أسوة في ما أتاه الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من اجتهاد فريد وجريء وشجاع عندما أوقف العمل بحكمٍ قرآني صريح ولم يطبق حد السرقة بقطع يد السارق والسارقة خلال عام الرمادة (عام المجاعة).

ملاحظة هامة: يبدو لي أنه من الأجدر لدارِسي الإسلام أن يأخذوا في الاعتبار تصورات المسلمين حول الإسلام ولا يكتفوا بما هو محفوظ في كتب التراث. قال سارتر: "ليس لديّ دين، لكن إذا وجب عليّ اختيار دين، فسيكون دين شريعتي (قال دين شريعتي ولم يقل دين الإسلام. المرحوم علي شريعتي، مفكر إيراني مختص في علم اجتماع الأديان).

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
Ma devise principale : Faire avec les conceptions non scientifiques (elles ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche) pour aller contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs  propres conceptions scientifiques 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 10 ديسمبر 2015.







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire