samedi 18 septembre 2021

حتّى أعرّف أكثر بـ"تعلّميّة المواد"، أعطي نبذة حول بعض المفاهيم التي يشتغل عليها هذا العلم الجديد (أفَضِّلُ تسميتَه بإبستمولوجيا التعليم). مواطن العالم والديداكتيك

 

 (la didactique des disciplines)

  - تصوّرات المتلقّي (les conceptions de l’apprenant) : يأتي التلميذ أو الطالب إلى القسم وهو يحمل تصوّرات غير علميّة في أكثر الأحيان حول موضوع الدرس : مثلا يعتقد أنّ النبتة الخضراء تتنفّس عكس الإنسان، والعلم يقول أن النبتة تتنفس مثل الإنسان, تأخذ الأكسجين وتطرح ثاني أكسيد الكربون نهارا وليلا، لكنها تقوم بوظيفة أخرى تسمى التركيب الضوئي (Photosynthèse) حيث تأخذ ثاني أكسيد الكربون وتطرح الأكسجين بحضور الضوء. تنبثق عملية التعلّم من التّفاعل الذي يقع بين ما يحمله المتلقّي من معرفة وقيم وسلوكيات وبين ما يدرسه في المعهد.

- العوائق (les obstacles) : منها التصوّرات غير العلميّة أو المعرفة العامّة البسيطة المكتسبة لدى المتلقّي والتي قد تعوق اكتسابه لمعرفة جديدة. يبدو أنّ للعوائق ثلاثة مصادر : العوائق الإبستومولوجيّة, مثلا العائق المتمثّل في الاعتقاد غير العلمي القائل بتوريث الذكاء، أو العائق غير العلمي القائل بثنائيّة البيولوجي والنفسي في جسم الإنسان، أو العوائق التعلّميّة الناتجة عن التصوّرات غير العلميّة للمدرّس نفسه, مثلا عندما يغرس في التلميذ معرفة غير علميّة كأن يقول له أن المخّ يسيّر أعضاء الجسم كما يسيّر قائد فرقة موسيقيّة أفراد الفرقة، أو العوائق المتعلّقة بنمو الفرد منذ ولادته ومنها الإعاقات النفسيّة-العضويّة.

- تغيير التصورات من تصور غير علمي إلى تصور علمي:  وهو التحوّل المرجوّ بعد التعلّم (le changement conceptuel).

- الصراع الاجتماعي-المعرفي (le conflit socio-cognitif) : هو الصراع الذي يقع في مخ المتلقّي عندما يجد نفسه (في وضعيّة تعلّميّة) أمام معرفة جديدة بحضور الأقران والمدرّس.

- "الوضعية-المشكل" (la situation-problème) : وضعيّة تعلّميّة يتوفّر فيها كل مايحتاجه التلميذ. تُطرَحُ فيها إشكالية وعلى المتلقّي فكّ رموز هذه الإشكالية بمساعدة مدرّسه -و/أو- أقرانه، وهذه الطريقة تُعتبر ثورة على الطريقة التلقينيّة التقليديّة.

- تحليل ونقد الكتب المدرسيّة (l'analyse des manuels)  : يحلّل المختص في التعلّميّة كل محتويات الكتب من نصوص وصور وبيانات. يهدف من بحثه هذا الدقيق والمفصّل إلى رصد كل ما قد يمكن أن يجرّ المتلقّي إلى الخطأ أو يعيق عمليّة التعلّم لديه.

- إدراك عملية الإدراك (La Métacognition)  : تتمثل هذه العملية في التفكير في آليات التفكير نفسها وفي معرفة أننا نعرف وفي اختيار الطريقة الأنسب لحل المشاكل، وكما قال بيار ﭬريكو: "لو أن الإنسان الذي يقول لا أعرف, عرف لماذا يقول لا, لكان قادرا على تحديد نعم المستقبلية"، أو كما يقول المثل الصيني المشهور " لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد"، والسمكة في التعليم هي المعلومة، وتعلّم الصيد هو "إدراك عملية الإدراك". أثناء "إدراك عملية الإدراك" ينشط التلميذ ذهنيا وليس تطبيقيا، وقد ثبت أن هذا النوع من النشاط الذهني البحت يسمح بالوعي والشعور بالإجراءات والطرق والسيرورات الذهنية الموظفة لحل المشاكل ويرسّخ اكتسابها.

عندما تهتم التعلّميّة بنقد الأركان الثلاثة للمثلّث التعلّمي (مدرّس ومتلقّ ومعرفة) فهي قد تستعدي بعض الأطراف دون قصد منها ممّا قد يجلب لها عداوة شرسة غير شرعية وغير علمية (تلامذة ومدرّسون وأولياء ومؤلّفو كتب مدرسيّة ومصممو برامج ومتفقّدون وسياسيون).

 

يؤكد للمختصون في التعلمية أنّ الدراسة الأكاديميّة لـ" التعلّميّة " ضروريّة لممارسة مهنة المدرّس في التعليم الإبتدائي والثانوي والجامعي, كلّ في اختصاصه. يتفرّع علم "التعلّميّة" لعدّة اختصاصات مرتبطبة بالموادّ المدرجة في برنامج التعليم أو التكوين مثل تعلّميّة البيولوجيا, تعلّميّة الفرنسيّة, تعلّميّة الرياضيّات, تعلّميّة العربيّة, تعلّميّة الفيزياء والتكنولوجيا, تعلّميّة التربية البدنيّة, تعلّميّة التاريخ, تعلّميّة الجغرافيا. في النهاية, أستسمج أصحاب التفكير الديكارتي الصارم في التعبير عن شعوري الذّاتي نحو علم "التعلّميّة" : أنا عشقت هذا العلم الذي أمضيت في دراسته سبع سنوات من عمري بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار بفرنسا صحبة زملاء وزميلات من أروع ما يكون. فتح لي هذا العلم أبواب المعرفة على مصراعيها وحرّرني من سجن العلوم التجريبيّة فاندفعت أسبح في العوالم الرحبة للعلوم الإنسانيّة الراقية مثل تاريخ العلوم والابستومولوجيا وعلم النفس وعلم الإحصاء وعلم التقييم وعلم المناهج وعلوم التربية. عشت خلالها جلسات صوفيّة من اللذّة الذهنيّة في حضرة علماء ميتين، احتلوا فيَّ الشرايين والخلايا، ماتوا ولكن أعمالهم لم تندثر من أمثال: الطبيبة والعالمة ماريا مونتيسوري، مؤسسة البيداغوجيا العلمية، والعالم بياجي مؤسّس علم النفس المعرف (La psychologie cognitive) وعلم إبستيمولوجيا النمو عند الطفل (l'épistémologie génétique de l’enfant) ومخترع مفهوم البناء التدريجي والمعقّد للمعرفة لدى الطفل (le constructivisme)، والعالم فيـﭬوتسكي، عالم النفس والبيداغوجيا وصاحب نظريّة المنطقة الوشيكة للنمو المعرفي (La ZPD: Zone Proximale de Développement cognitif)، وعالم الإبستيمولوجيا، ﭬاستون باشلار، مكتشف مفهوم القطيعة الإبستومولوجيّة في تطوّر العلوم (La rupture épistémologique).

أتمتّع اليوم بصداقة علماء أحياء من أمثال بيار كليمان، المشرف الفرنسي على أطروحتي من جامعة كلود برنار وأندري جيوردان مؤلّف ثلاثين كتابا والحامل للشهائد من كل زوجين اثنين (2 إجازة و2 دراسات معمّقة و2 دكتورا) وكان أول مدير يخلف بياجي على رأس مخبر ابستومولوجيا وتعلميّة العلوم بجامعة جنيف في سويسرا. أسفِي الوحيد أنّني تحصّلت على الدكتورا في الخامسة والخمسين من عمري لأسباب يطول شرحها والباحثون في العلم يعرفون أنّ هذه الشهادة العليا في التعليم ليست إلا بطاقة دخول لعالَم البحث العلمى.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص. 42-46).

 

إلى المنشغلين بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني  (mail).

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire