lundi 13 septembre 2021

أعيدُ نشرَ المقال الذي أثار ضدي سخط كل رفاقي اليساريين. مواطن العالَم

 

 

إضافة بتاريخ 11 أفريل 2020: أيها المتابع لمقالاتي، صباح النور، لو لبستَ نظارات علميّة سوف ترى مقالي هذا مقالاً علميًّا وتربويًّا، ولو لبستَ نظارات يسارية فسوف تراه مقالاً دينيًّا غارقًا في الرجعية "للعنكوش" ! والخِيارُ لك أيها القارئ (mon article le plus partagé depuis 2008, plus que 500 partages).

 

إليكم النص الأصلي دون تعديلٍ أو إضافةٍ تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 8 فيفري 2019، متزامن مع تاريخ "شبهة فضيحة" المدرسة القرآنية بالرﭬاب):

عنوان المقال: انتصارٌ للعِلمِ اختصاصِي وليس انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكلّ مقامٍ مقالٌ ؟

ممّن يخاف العلمانيون غير المطّلعين على علوم التربية وفلسفة التربية وتاريخ الدين المقارَن ؟

يخافون على الصغار من التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99% !

مَن هُمْ ؟

هم رفاقي اليساريون والأقرب إليهم في موقفهم من الدين وهم الليبراليون التحرّريون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين أعماهم عن المنطقِ كُرهُهم الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين، ولم أقل كُرهُهم للإسلام ولا تعنيني هنا القيادة في حزب "النهضة".بكل لطفٍ، أقول لهؤلاء ما يلي:

1.     المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Pavlov, Watson et Skinner, 1960) ترى أن الطفلَ إناءٌ فارغٌ يملؤه المعلم بما يشاء، صفحةٌ بيضاءُ يَكتب عليها ما يريد، صلصالٌ يشكّله حسب هواه.

2.     الطفلُ يا سادتي يا كِرام، يا مؤمنين مثلي بحرية المعتقد والضمير، الطفلُ ذاتٌ حرةٌ مستقلةٌ تَملأ نفسَها بما تشاء، صفحةٌ بيضاءُ تَكتب على نفسها ما تريد، مخٌّ صلصالٌ مَرِنٌ غير مكتمل الوصلات العصبية المجهرية الوظيفية (La plasticité cérébrale)، مخٌّ يتشكل بالتفاعل مع محيط صاحبه، أقرانِه ومعلّمِه

 (L`épigenèse cérébrale).

هكذا قال زارادُشتْ أو تهيّأ لي أنه قالَ (زارادُشتْ هنا هو الديداكتيك أو فلسفة التربية أو إبسمولوجيا التعليم بكل أنواعه، الديداكتيك بكل فروعها وتفرّعاتها)، وهكذا قالت المدرسة البنائية (Le constructivisme de Montessori et Piaget)، قالتا: يبني التلميذ معرفته بنفسه متفاعلاً مع محيطه، وهكذا أضافت إليهما المدرسة البنائية-الاجتماعية: ومع أقرانه ومعلمه (Le socioconstructivisme de Vygotsky).

 

3.     على سبيل الذكر لا الحصر أذكّركم ببعض الملاحظات:

-          عدم إلحاقِ أبنائكم بمدارسَ دينية وإلحاقِهم بمدارسَ عَلمانية لن يضمن لكم صنيعكم هذا أن أبناءَكم سيتخرّجون عَلمانيين.

-         مئات الدواعش الفرنسيين المتواجدين في سوريا وُلدوا في باريس وليونْ، أبناء الجيل الثاني (2e génération)، ودَرَسوا في المدارس الفرنسية العلمانية ولا يَحفَظونَ من القرآن إلا الفاتحةَ وقُلْ هو الله أحد الله الصمد.

-         مئات آلاف الدواعش السوريين دَرَسوا في المدارسَ السوريةَ الحديثةَ شبه العلمانية.

-         آلاف الدواعش التونسيينَ (في سوريا) دَرَسوا في المدارسَ التونسيةَ الحديثةَ شبه العلمانية.

-         أكبر مَن أجرموا في حق الإنسانية في الحرب العالمية الثانية (60 مليون قتيل) هم من جذورٍ عائلية علمانية ودَرَسوا في مدارسَ علمانية: سياسيو وعسكريو المحور (هتلر، موسولوني، هيروهيتو، إلخ.)، وحتى خصومهم الحلفاء (ستالين، إيزنهاور، شرشل، ديڤول)، ومأجوريهم، علماء الجهتين مصمِّمي القنبلة الذرية والأسلحة الكيميائية والألغام الشخصية ومبيدات تسميم الغابات والبحر والتربة والجو. دول الحلفاء كانت تحارب دول المحور، والاثنان يتسابقان في احتلال دول العالم الثالث.

 

4.     في المقابل، إن الذين لم يُدخِلوا أبناءَهم مدارسَ علمانية وعلّموهم في مدارسَ دينية لم يضمن لهم صنيعهم ذلك أن أبناءهم تخرّجوا متدينين:

-         العالِم الشهير داروين صاحب نظرية التطور المناقضة لنظرية الخلق في الإنجيل دَرَسَ في مدرسة دينية.

-         الفيلسوف هيڤل دَرَسَ العالي في مدرسة دينية، كانوا يُعِدّونه ليصبح قِسًّا فأصبح أكبر فيلسوف لتاريخ الفلسفة وخاتم الفلاسفة كما تنبّأ ولحسن طالعه صدقت نبوّته. لم أقرأ هيڤل، كلمتين حفظتهم أمس مساءً في مقهى الأمازونيا من صديقي فيلسوف حمام الشط لكي لا أقول على لسان هيڤل أي خطأً !

-         مندال، مؤسس علم الوراثة هو في الحياة قس مسيحي.

-         حسين مروة أكبر مُنظِّر في الحزب الشيوعي اللبناني وكاتب كتاب "النزعات المادية في الإسلام" دَرَسَ  14 عامًا في الحزوة الشيعية في النجف في العراق.

-         طه حسين والطهطاوي، رموز النهضة العربية العقلانية، دَرَسا في جامع الأزهر.

-         الطاهر الحداد "محرر المرأة" التونسية دَرَسَ في جامع الزيتونة.

 

خلاصة القول: مقولةُ "غسل الدماغ" مقولةٌ فيها مبالغة: المخ ليس صحنًا نغسل بالصابون ما علق به من دهون، المخ مائة مليار خلية عصبية. كل خلية قادرة على أن تُقيم مع جاراتها عشرة آلاف وصلة عصبية أي ما يُقدّر مجموعه بمليون مليار علاقة عصبية في المخ (les synapses)، شبكة معقدة تربط علاقات بين جميع خلاياه العصبية. علاقات تتشكل طيلة العمر كله، حسب التجربة التي يمر بها كل شخصٍ على حِدَهْ 

(L`épigenèse cérébrale).

 وصلات عصبية غير قارّة (La plasticité cérébrale) ولا أحد يستطيع التنبّؤ بكيفية تشكلها في كل ثانية من جديد، تتشكل بالتفاعل مع ثلاثين ألف جينة داخل نواة كل خلية (ADN) ومع المحيط الخلوي الداخلي ومع المحيط الخارجي بكل مكوّناته المتعددة والمتحركة وهذه الأخيرة غير معروف اتجاه حركتها مسبقًا. المخ البشري عالَمٌ معقدٌ جدًّا، عجز العلم عن كشف جل ميكانيزماته وأعمق أسراره 

(ses mécanismes et ses mystères)، 

ولا حتى أعْتَى  حاسوب في "سيليكون فالِي" الأمريكية أو الصينية يَقدر على مراقبة تفاعلاته الفيزيائية-الكيميائية أو قيس ذبذباته الكهرو-مغناطيسية، لا يَقدر عليه إلا الخالق الذي أبدعه و"ما أوتيتم من العلم إلا قليلا" !

 

خاتمة: أنا أدينُ وبشدة كل تجاوزٍ يقع على الأطفال وفي أي مكان في تونس أو في العالَم، في الرڤاب أو في غيرها، وإذا ثبتت التهمة على المتهمين في قضية المدرسة القرآنية بالرڤاب فأنا أطالب بتسليط أشد العقاب عليهم هم وعلى مسؤولي الطفولة المحليين والجهويين والوطنيين ولا تنسوا أمثالهم السياسيين والإداريين.

لي طلبٌ آخرَ ولو أنني أثقلتُ عليكم زملائي البيداغوجيين ورفاقي الستالينيين والليبراليين التحرّريين ولائكيِّ فرنسا، لا تنسوا أن تتفقدوا ما يحدث من تجاوزات فظيعة في حق الأطفال في بعض مهرجانات الأولياء الصالحين (الله ينفعنا ببركاتهم) وما يحدث أيضًا في الروضات ونوادي الأطفال والمبيتات التلمذية والرحلات المدرسية التي تدوم أكثر من يوم وبعض إقامات المصائف والجولات المطوّلة وغرف ملابس الصغار في ملاعب الكرة والمخيمات الكشفية والمراكز المندمجة (قُرَى أطفال بورڤيبة سابقًا)، إلخ. هذا لا يعني تمييعًا لجريمة الرڤاب لو ثبتت وليس تبريرًا لها أو تخفيفًا بأي شكلٍ من الأشكالِ.

 

لماذا كتبتُ هذا المقال؟: هو مواصلة لنقاش في مقهى الشيحي وليس ردّا أو استفزازًا لأحد. لقد تناولتُ الموضوع من جانب ديداكتيكي (فلسفة التربية)، وليس من جانب عاطفي ديني، وإذا لم تصدّقوني أيها الرفاق "فاجْعَلْكُمْ لا صَدَّقْتُمْ" ! لِكَيْ أكتبَ، يكفي أن أصدّقَ نفسي وأُرْضِي ضميري وبَسْ. ولو سألوني أين ستُعلِّم ابنَك قبل سن المدرسة وبعده ؟ سأجيبُ كالآتي مع العلم أنني لستُ نهضاويًّا ولن أكون، ولا جبهاويًّا ولن أكون أيضًا. أنا مسلم يساري، يسار ما قبل ماركس، علماني على الطريقة الأنڤلوساكسونية غير المناوئة للدين عمومًا والحمد لله على ما ألهمني:

-         قبل المدرسة سوف أدخِله كُتّاباً (3-6 سنوات) لا يُحفَّظ فيه إلا القرآن الكريم ودون تفسيرٍ، درسٌ أعتبره "حمّام لغويّ" (Le bain linguistique, un concept pédagogique connu, le terme n’est pas de mon choix)، كُتّاباً يتعلم فيه الفصحى والنطق السليم للحروف مثلما تعلمتهما أنا في كُتّاب "خَلوة" جمنة في الخمسينيات عند "المِدِّبْ" محمود، الله يرحمه.

-         في التعليم العمومي الأساسي (6-15) يتعلم المواد العلمية والأدبية ويتعلم معها القرآنَ والتفسيرَ والحديثَ والشرحَ في التربية الإسلامية.

-         في التعليم العمومي الثانوي (15-19)، يتعلم المواد العلمية والأدبية ويتعلم معها الفقهَ والتفكيرَ الإسلامي.

-         في التعليم العمومي العالي (19-22) ، يتعلم المواد العلمية والأدبية ويتعلم معها تاريخ الدين المقارَنَ، اختصاص علي شريعتي (قال عنه سارتر الفيلسوف الوجودي الملحد: لو قررتُ يومًا أن أختارَ دينًا لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي، أي الإسلام) ويتعلم أنتروبولوجيا الأديان اختصاص جاكلين الشابي.

-         يحق لكل مواطن تونسي مسلم غير يساري وغير علماني أن يُدخِلَ ابنه مدرسة علمانية أو يُدخِلَه مدرسة دينية من الكتّاب إلى الجامعة وهذا النوع الأخير من التعليم الديني موجود وبكثرة في الدول العلمانية المسيحية وفي الدولة العلمانية اليهودية مغتصِبة فلسطين.

 

جائزة مالية لمَن يرغبُ: من سوء حظي أنّ لي في حمام الشط صديقٌ نهضاويٌّ واحدٌ لا غير، فقيرٌ أكثر من حالتي، قال لي أنه ليس منخرطًا وبصدقٍ صدّقته. لكن من حسن حظي أن للنهضة جواسيسٌ في كل مكان، اتصل بي شخصيًّا واحدٌ منهم ودفع لي في هذا المقال دينارًا على كل كلمة (1351 كلمة = 1351  دينار).

عزيزي الانتهازي، إذا كان لك قلمٌ مرتزقٌ أفضلَ من قلمي فالسعرُ قابلٌ للمضاعفة وقد يصلُ ثمن الكلمة الواحدة إلى 1 أورو أو عُمرة إلى مكة مدينة الملائكة أو سفرة إلى باريس مدينة الشياطين!

NB : Ne vous affolez pas chers lecteurs nahdhaouis, c’est de l’ironie !

 

إمضاء مواطن العالَم

أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La rectitude morale et la spiritualité à l`échelle individuelle).

"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 8 فيفري 2019.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire