samedi 1 août 2020

في تونس اليوم توجد فئتان متصارعتان بصمت، فمِن أي فئةٍ أنت وفي أي موكبٍ تسير؟ مواطن العالَم

 

عيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بخير وأعتذر عن الكلام الموجع الوارد في هذا المقال لكن الشيءَ أقوى مني والدافع أعظم ولو كان بيدي لأجّلته إلى ما بعد العيد.

 

ملاحظة

للأمانة العلمية، أسلوبُ المقال أسفله أسلوبٌ مستوحَى من طُرفة بعنوان "العهد الجديد"، ص 86 من كتاب "البدائع والطرائف"، جبران خليل جبران، دار المعارف، سوسة\تونس، الطبعة الثانية، 1997، 148 صفحة.

 

في تونس اليوم توجد فئتان متصارعتان بصمت: فئة صادقة و فئة غشاشة. أما الفئة الغشاشة فحتما لن تَبْنِيَ لنا غدًا أفضلَ، أما الفئة الصادقة ورغم نُدرتها فلن يبنيَ تونس غيرها وهي مطالَبة بتوسيع دائرة صدقها ولو بالتضحية ببعض نفسِها ونفيسها.

 

تعال وأخبرني ما أنت ومَن أنت ومِن أي فئة أنت وفي أي موكب تسير؟

أأنت نقابي ، يريد أن ينتفع لوحده من النشاط النقابي؟ أم أنت نقابي يريد أن ينفع منظوريه وينتفع هو أوتوماتيكيا من النشاط النقابي؟

إذا كنت من الفئة الأولى فأنت انتهازيٌّ، أنت نبتة طفيلية وجب اقتلاعها قبل أن تتفرع جذورها لأنك كلما ارتقيت نقابيا أكثر كلما أصبحت قدرتك على إدارة النفاق أكبر، أنت منافق بالاحتمال وبالقوة (philosophie: hypocrite en acte et en puissance)، منافق لم يرث النفاق في جيناته بل اكتسبه في حياته.

وإذا كنت من الفئة الثانية فأنت بذرة طيبة وجب على العمال رعايتها دون شطط حتى لا تعلو كثيرا فيستحيل عليهم قطف ثمارها، ولو كنت أمينا صادقا فثق أنك لن تتجاوز حتما عضوية نقابة أساسية أو رئاستها.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى سائدةٌ في مجتمعنا التونسي والثانية مهمّشةٌ!

 

أأنت مُصلٍّ، يتردد على الجامع خمس مرات في اليوم، وخارج الجامع أنتَ تاجر يحتكر الضروريات ليبيع بعشرة دنانير ما ابتاعه بدينار، أو مدرّس يعطي دروسا خصوصية أسبوعية لخمسين أو مائة تلميذ من تلامذته وغير تلامذته خارج المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة في ظروف غير صحية وغير بيداغوجية ويمتص عرق أوليائهم باسم العلم، أو موظف متقاعس، أو حِرَفي غشاش، أو طبيب تاجرٍ، أو قاض مرتشٍ أو محام متحيّل؟ أم أنت مصلٍّ تقيٌّ يخاف ربه داخل الجامع وخارجه، أو تاجر يُسهِّل التبادل بين المنتِج والمستهلِك، أو مدرّس يقوم بواجبه على أحسن وجه داخل المؤسسة التربوية العمومية أو الخاصة وإن أعطي دروسا خصوصية فبمقابل مادي معقول ولِعدد قليل من غير تلامذته، أو موظف صاحب ضمير نقي حي، أو حِرَفي كفء أمين، أو طبيب مؤمن برسالته الإنسانية، أو قاض عادل أو محام عاشق للعدل؟

إذا كنت من الفئة الأولى فأنت خطرٌ على المجتمع، ترددت على الجامع أو الحانة. ألا تعرف أن الله يراك داخل الجامع وخارجه حتى إذا كنت أنت لا تراه داخل الجامع وخارجه؟ ألا تعرف أن الله ربما يسامح في حقه ولا يسامح في حق عبده؟ ألا تعلم أن أفضل طريقة للتقرّب من ربّك هي الإحسان لعبده؟ ألا تعي أن الله غنيٌّ عن خيرك ولا يضرّه شرّك؟ أتنافِق مَن يستحيل نفاقه؟ أتداهِن مَن لا يمكن أن يُداهَن؟ ألا تعرف أنك مكروه من الخالق قبل المخلوق؟ ربما نجحت في التحايل على الثاني فهل تتصور ولو للحظة أنك ستنجح مع الأول؟

وإذا كنت من الفئة الثانية فأنت في الطريق المستقيم شَكَرَ الناس فِعلَكَ أو جحدوه.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى متواجدةٌ أكثر من الثانية في مجتمعنا التونسي ولو كان العكسُ لَكُنا عدَونا وسبقنا ظلنا ولَكُنا من أوائل الدول المتقدمة ولَصَلُحَ أمرُنا وكُنا عن جدارة "خير أمة أخرِجت للناس" ولَكُنا قدوة ورحمة للعالمين ولَما كان حالنا  اليوم كما هو عليه!

 

أأنت معارض ، يتخذ المعارضة زينة وخطابا مفرغا من الصدق والإيمان، معارض ناقد متحمس للسلطة في مقرات الاتحاد وعلى أرصفة المقاهي والمسرح البلدي، وفي واقعك مدرس يتأخر عن الالتحاق بقسمه 25 دقيقة في فترة الراحة أو موظف لا تجده إلا نادرا في مكتبه أو طبيب يجدد لك عطلة مرضية طويلة الأمد دون أن يرى وجهك أو متقاعد يتمتع بجراية وهو لم يعمل بإخلاص يوما واحدا في حياته المهنية؟ أم أنت معارض يقوم بواجبه في عمله ويلوم المتقاعسين عن القيام بواجبهم، مسؤولين كانوا أو عمالا أو موظفين؟

إذا كنت من الفئة الأولى فأنت كالحرباء ذو لونين ولا يحق لك نقد الآخرين على فعلٍ تأتي أنت بمثله أو أشنع منه.

وإذا كنت من الفئة الثانية فأنت متماهٍ مع نقدك صادقٌ في لومك ويحق لك أن تقسو على أفراد الفئة الأولى وأمثالهم كما يبدو لك أن تقسو.

للأسف الشديد فإن الفئة الأولى تتكاثر في مجتمعنا التونسي بسرعة أكبر من الثانية وإلا لَما احتجنا للنقد أصلا!

 

في تونس اليوم يوجد صنفان من السياسيين غير متصارعان لكنهما لا يصمتان أبدا ولا يسمعان تماما، واحد في السلطة والآخر في المعارضة:

إذا كنت من الصنف الأول فالله لن يسامحك على ما فعلتَ بنا.

وإن كنت من الصنف الثاني فلا خير أنتظره منك إذا أصبحت من الصنف الأول.

للأسف الشديد فإن الاثنان قد وَجَدَا في برِّ تونس أرضا خصبة ينمِّيان فيها مواهِبِهِما الفتاكة!

 

إمضائي المحيّن:

قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".

قال مواطن العالَم: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد، ولا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي".

أخيرًا ألا ليتني كنت ذاتًا لا تكتب ولا تنشُر، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت".

ختامًا، نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلمي ويخفّف عني حملي؟

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 23 سبتمبر 2015.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire