توضيح حول فيلسوف حمام الشط: هل لاحظتم أنني كتبتُ في العنوان "الماركسي
فيلسوف حمام الشط" ولم أكتبْ "فيلسوف حمام
الشط الماركسي" لأن صفة فيلسوف لا تحتاجُ إلى نعتٍ يليها ليوضّحها
بل على العكس فكل نعتٍ قد يشوّهها (tout
adjectif, dans ce cas particulier, est réducteur) مِثل فيلسوف
ماركسي، فيلسوف إسلامي، فيلسوف مسيحي، فيلسوف ديكارتي، إلخ. هو فيلسوفٌ وكفَاهُ
فخرًا، أراه حكيمًا وهو لم يدّعِ يومًا ذلك، لا بل أكثر من ذلك فجل مثقفي حمام
الشط المَركز يَرَونهُ مثلي حكيمًا، بِيساريّيهم الستالينيّين وغير الستالينيّين وقوميّيهم
وجمهوريّيهم وتجمّعيّيهم وحتى بعض نهضاويّيهم. من وراءِ هذا التقديمِ المقتضَبِ لفيلسوف حمام
الشط، أهدِفُ إلى دعوتكم بكل لطفٍ إلى قراءةِ الجملة التالية بانتِباهٍ كبيرٍ: أرجو من
القُرّاء أن لا يعتبروا أن مقالي هذا هو بمثابة تصفيةَ حساباتٍ شخصية مع خصومٍ
فكريينَ أو سياسيينَ، أكيد أختلفُ مع خصومي لكنني وبكل صدق أحترمُ مَن يحترِمني
منهم وهؤلاء الأخيرين الطيّبين يُعَدّون، من سوء طالِعِي، على أصابعِ اليدِ
الواحدةِ.
توضيح حول مواطن العالَم: هو يساري غير ماركسي، صنّفه خصومُه "يساريّ
مْذَرَّحْ" أي ناقص يسارية. أقول لهم: ما دمتُ "يساريّ مْذَرَّحْ"
فلماذا الجزع إذن أيها الصفوة الستالينية واطمئنوا، وإذا أتاكم نقدٌ من
"ناقصٍ" فهي الشهادة لكم أنكم كُمَّلٌ كُمَّلٌ كُمَّلُ! المفارقة الكبرى
تكمنُ في أن الماركسي فيلسوفنا، هو مَن علّمني نقد الماركسية-اللينينية في العمقِ
(أي الستالينية بلغةٍ أوضحَ)، وهو مَن نصحني بقراءة الكتاب الأشدّ نقدًا للماركسيّة
(L’opium des intellectuels,
de Raymond Aron, 1955) ، لذلك قلتُ عنه "الماركسي فيلسوف حمام الشط " ولم أقلْ
عنه "فيلسوف حمام الشط الماركسي" والفرقُ شاسعٌ عند أولِي الألباب.
موضوع النقد: خطؤهم
البِنيوي، أو كما سمّاه الفيلسوف نفسُه (leur péché originel)، يتمثل في الآتي:
- هل
لاحظتم أيضًا أنني كتبتُ في العنوان "الحزب الشيوعي والبوكت والوطد" ولم
أكتب "المسار ولا حزب العمال ولا الموحّد ولا الثوري" يبدو لي أن تغييرَ
أسمائها، الأحزاب الثلاثة،
لا يعدو أن يكون إلا مساحيقًا، مساحيقٌ لم
تُفلحْ في مَحوِ ستالينيتِها أو نيوستالينيّتِها، ستالينيةٌ في أحلامِ منتسبيها لكنني أقِرُّ بأن
هؤلاء الأخيرين مسالمون في
سلوكياتهم، أي غير مسلّحين بغض النظر عن العنفِ المتبادَلِ الذي وقع في الثمانينيات في
الجامعة بينهم وبين الإسلاميين، ستالينيةٌ في الواقع هم ليسوا "أدَّها"،
من سوء حظنا، لا في محاسنها (البناء والتشييد)، ومن حسن حظنا، لا في مساوئها أيضًا
(جرائم وإبادة ضد الإنسانية)، ستالينيتُهم ستالينيةٌ مشهديةٌ لم تجلبْ لهم إلا
عداوة جل التونسيين بمحافظِيهم (الإسلاميّين)
وتحرّريّيهم (الحداثيّين الليبراليّين واليساريّين غير الستالينيّين).
- لماذا خطأ بِنيوي؟ على حد قول
الفيلسوف هم أناسٌ مقيّدون من الداخل، قيدٌ قُدَّ من حديد اسمه "الاكتفاء الذاتي
الايديولوجي"، والدليل: في العهدين البائدَين، كانوا يبرّرون عدم شعبيتهم
بسطوةِ الديكتاتورية، فبماذا سيبرّرون انكماشهم اليوم في زمن الحرية بعد الثورة؟
- عديدٌ من الوطديّين
الانتهازيين انضمّوا إلى النظامَين السابقَين (بورڤيبة وبن علي).
Pour en savoir plus sur l'«entrisme» de plusieurs gauchistes et
quelques islamistes, je vous invite à lire la thèse suivante de 460 pages:
S’engager en régime autoritaire. Gauchistes et islamistes dans la Tunisie
indépendante. Michaël BÉCHIR AYARI, 2009
- أما البوكتيّين فوجدوا حيلةً "أشرَفَ"
مما أتاهُ رفاقُهم، حيلةً تتمثلُ في التخفّي داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق
الإنسان. مِن "وقتاش" كان الستالينيّونَ حقوقيينَ؟ ماركس نفسُه كان ضد
البيان العالمي لحقوق الإنسان، وأنا إلى الآن وفي هذه النقطة بالذات ما زلتُ معه أعارض
حقوق الإنسان البورجوازي وليس الإنسان عمومًا (كلمة حق أرِدَ به باطلٌ)، رغم أنني
تخليتُ حديثًا عن الماركسية. أليسوا ماركسيين؟ لماذا وقف ماركس ضد البيان؟ لأن
نواتَه وأول بندٍ فيه هو حُرمة الملكية الرأسمالية الخاصة وماركس أسّس نظريتَه
كلها ضد هذا النوع من الملكية. لماذا أقف أنا ضد البيان؟ لأن ثاني بندٍ فيه هو
المساواة بين المواطنين في حرية النشر والتعبير: هل أنا وسامي الفهري متساوون في
حرية التعبير؟ هل أنا والصافي سعيد متساوون في حرية النشر؟
- اثنانٍ من الأحزاب المذكورة أعلاه (البوكت والوطد
الموحّد) هربت من رحابِ أهلها اليساريين وكوّنت جبهةً مع القوميين. ومنذ متى كان
الماركسيون التونسيون يَعُدّون القوميةَ يسارًا؟ اليسارُ، على حد معرفتي به،
أمميٌّ أو لا يكون. حتى أنا "اليساري المْذَرَّحْ"" لا أعتبر
القوميةَ يسارًا، وهذا لا يعني أنني أكرههم أو أعاديهم، فقط أختلفُ معهم فكريًّا
وسياسيًّا وبوضوح، كما أختلفُ مع الإسلاميين وبوضوح أيضًا.
- لاحظتُ وجودَ قطيعةٍ، أظنّها
تامّةً بين النقّاد من مثقفي اليسار الكبار وبين هذه الأحزاب الثلاثة، أقصدُ بالمثقفين
جيل المناضلين اليساريين الأوائل الذين نشروا ونقدوا تجربتهم النضالية، مثلاً:
حضرتُ ندوتَين لهؤلاء الأخيرين، واحدة لجيلبار النقّاش والأخرى لمحمد الشريف
الفرجاني، ولم ألاحظ حضورَ مَن أتحدّثُ عنهم، اللهم لم أعرفهم، وهذا بصدقٍ احتمالٌ
وارِدٌ جدًّا.
- ملاحظة أخيرة: مُنتسِبو اثنين من الأحزاب
المذكورة أعلاه (البوكت والوطد الموحّد) تواجدوا بكثافة في هياكل الاتحاد
العام التونسي للشغل ولِعقودٍ متتاليةٍ خوفًا من بطش بورﭬيبة وبن علي، وللأسفِ
الشديدِ لم ينشروا الفكرَ اليساريَّ النيّرَ وسط العمال، والمتمثل أساسًا في فكرة
العدالة الاجتماعية، النواةُ الصلبةُ للاشتركيةِ
وعمودُها الفِقريُّ، ضيّعوا مجهوداتهم سُدًى في "التكنبين" وفي الصراعات
الهُووية مع الإسلاميين، خصومِهم السياسيين (إخوانُهم شاؤوا أو أبوا، إخوانُهم على
الأقل في الهُوية العربية-الإسلامية، وهذا باعترافهم هم أنفسهم في تصريحاتِهم
العلنيةِ، وأنا لا أملك إلا تصديقَهم إلى أن يأتي ما يُخالِفُ ذلك).
وخاتمتُها مسكٌ إن شاء الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لَا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وأنا
-والله- كيساري غير ماركسي أحب لكل "اليساريين الماركسيين التونسيين متحزّبين
وغير متحزبين" ما أحب لنفسي، والدليل أنني سأدلّهم على طريقٍ، طريقٍ لو سلكوه
بصدقٍ فبحول الله لن يضلّوا بعده أبدَا: 1. يجب عليهم التخلي صراحة وعلنًا عن
الستالينية المجرِمة في حق الإنسانية، مجرِمة مثلها مثل أخواتها من الرضاعة
الفاشية والنازية. 2. يجب عليهم الشروع فورًا في نقد الستالينية صراحةً وعلنا،
نقدها في مؤتمراتِهم وجرائدِهم وأدبياتِهم. 3. يجب عليهم تبنِّي نظرية
الاشتراكية-الديمقراطية على المنوال الأسكندنافي (طلبٌ في غير محله، وَيْحَكَ يا
كشكار، هم يَرَونها خائنةً، فكيف تطلبُ منهم أن يتزوّجوا خائنةً، سامحك الله يا
ابن العرب!). 4. يجب عليهم التماهِي مع أهلهم ومجتمعهم والتصالحِ بصدقٍ مع الهُوية
العربية-الإسلامية (en français, on appelle ça l’Indigénisation).
لكنهم يقولون ما لا يفعلون...
لو فعلوا ما أطلبه منهم (أنتَ مخبول أو تحلم يا
كشكار!)، لو فعلوا لَتَصالحوا مع أنفسِهم وكان لهم مثلي نفسُ الخطابِ في السرِّ
والعَلَنِ، في مقهى الشيحي في حمام الشط وفي مقهى القدس في جمنة، ولَقَبِلَهم
المجتمعُ ورحّبَ بهم مثل ما رحّبَ بي دون أن أتخلّى عن عَلمانيتي ويساريتي ما قبل
الماركسية-اللينينية، أقول رحّبَ بي المجتمعُ أو على الأقل مثل ما تراءى لي ذلك
حتى ولو كان سرابَا، رحّبَ بي في الفيسبوك وفي مقهى الشيحي وفي بعض المنتديات
الثقافية غير اليسارية.
إمضائي
بكل شفافيةٍ وبكل تواضعٍ صادقٍ، أعتبرُ نفسي
ذاتًا حرةً مستقلّةً مفكِّرةً وبالأساس ناقدةً، أمارسُ قناعاتي الفكرية بصورةٍ
مركّبةٍ، مرنةٍ، منفتحةٍ، متسامحةٍ، عابرةٍ لحواجزِ الحضاراتِ والدينِ والعرقِ
والجنسِ والجنسيةِ والوطنيةِ والقوميةِ والحدودِ الجغرافيةِ والأحزابِ والإيديولوجياتِ،
وعلى كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي، والله يسترني من نيرانِهم
الصديقة.
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها
إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
Aimer, c`est agir. Victor Hugo
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 25 أكتوبر 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire