جمعة أقوى من
جمعة، يخرج ملايين المواطنين الجزائريين إلى الشارع مطالبين برحيل بوتفليقة وطغمته
الحاكمة، والنظام يناور بِتَلَكِّئٍ خسيس للمحافظة على الوضع الحالي (statu quo). الشعب لم يصدّقهم
وتواصلت الاحتجاجات ونجحت في فضح أكثر فأكثر مافيوزية العصابات الحاكمة.
حراك شعبي
تاريخي لا مثيل له منذ الاستقلال في جويلية 1962، حراك سلمي 100%
عمّ كل التراب الجزائري بما فيه مدن الجنوب البعيدة عن العاصمة (أكثر من 1000كلم)،
حراك ضمّ كل
الأجيال وخاصة الشباب المتهم عادة بعدم اهتمامه بالسياسة: اعتصامات، تحرّكات
قطاعية (محامون، طلبة، أساتذة جامعيون، صحفيون، متقاعدو الوظيفة العمومية، إلخ.)،
شعارهم الأكبر "سلمية.. سلمية". كلهم يطالبون برحيل النظام برمّته
ويخصون بالذكر الأخوين بوتفليقة، سعيد وناصر. يريدون جمهورية ثانية وبعضهم ينادي
بمجلس تأسيسي (على غرار ما حصل في تونس سنة 2011). قوات الأمن كانت في البداية
توفيقية، وصلت في بعض الأحيان إلى درجة التعاطف مع المتظاهرين (في تونس حصل تعاطف
بين الجماهير و قوات الجيش وليس مع الشرطة).
الرئيس لم ينطق
ولو بكلمة منذ 2014، عاجز عن القراءة والكتابة والفهم (aphasique) نتيجة إصابته بسكتة
دماغية (AVC: Accident Vasculaire Cérébral) وذلك حسب تسريبات سرية لعدة مسئولين كبار في
الدولة.
الجزائريون
يتساءلون: مَن يقرر في الكواليس ويكتب باسمه رسائله الموجهة إلى شعبه؟ مَن يعيّن
ويعزل وزراءه الأُول؟ مَن هو صاحب فكرة "المؤتمر الوطني"
(La conférence nationale)؟
والسؤال الأكبر: مَن هُمُ "حكّام الظل" الذين
يحكمون في الجزائر من وراء الستار؟
الرئيس
الشهيد بوضياف قال: "لا أعرف كل "حكّام الظل"، أعرف منهم فقط مَن
دعاني ومَن نصّبني رئيسًا". فكّر المسكينُ مجرد تفكير في الاستقلال عنهم فاغتالوه
بعد 6 أشهرٍ من تعيينه، ودُفن سرُّهم معه. بعده بدأت تظهر بعض الأسماء مثل:
الجنرالات، العربي بالخير، خالد نزّار، محمد مِدْيِنْ شُهر توفيق، محمد لعماري،
وإلى اليوم لا أحد يعرف كيف قرر هؤلاء قَبْرَ "الربيع الجزائري" أي فترة
الانتقال الديمقراطي التي وُلدت بعد الأحداث الدامية في أكتوبر 1988 (الحصيلة غير الرسمية: 600 ضحية) والتي
انبثق عنها تحرير الصحافة المكتوبة والتعددية الحزبية.
مَن هُمُ
محرّكو المومياء بوتفليقة؟ الحكّام، لماذا يختبئون؟ شعارات رُفعت في مظاهرات جمعة
15 مارس.
سلطة مركبة من
ثلاثة أقطاب: قيادة الجيش بالبدلة العسكرية
(Le pôle des militaires en tenue)،
استعلامات الجيش دون بدلة عسكرية
(Le pôle des militaires en civil)،
ومؤسسة الرئاسة. ثلاثة رؤوس متنافسة لكنها مُجمِعة
على المحافظة على النظام، لو اتفق إثنان منهم فقط يُنفذ القرار. خلافًا لما يعتقد
الكثيرون، حزب جبهة التحرير لا يحكم البلد (مثل تونس في عهد بن علي، حزب التجمع لم
يكن يحكم)، وعلى العكس فمؤسسة الرئاسة هي التي تتحكم في مكتبه السياسي (أعلى سلطة
في الحزب). قيادة الجيش بالبدلة العسكرية واستعلامات الجيش دون بدلة عسكرية، هما
اللذان عزلا الشادلي بن جديد (1979-1992) وليامين زروال (1994-1999). بوتفليقة سعى
بسرعة لاسترجاع وزن قطب الرئاسة، تارة برفع الصوت وغالبًا بطريقة مسرحية معلِنا
أنه لن يكون أبداً "ثلاثة أرباع رئيس"
(Trois quarts de président)!
هذا التوكيد
يوحي بأن الرئيس لن يسمح بـ" ربيع جزائري" جديد وانه يريد استرجاع كل
السلطات بيد قائد بلا منازع مثل بومدين (مات في 1978 ولم ينجح بوتفليقة في
خلافته). رَفْضُه لكل محاولة انفتاح يرجع إلى الوسط الثقافي السياسي الذي تربى فيه:
وزير خارجية سابق (1963-1979) ينتمي إلى جيل ممارسة الحكم دون عوائق رغم
تصريحاته الخدّاعة عندما قال في سطيف في 8 ماي 2012 بأن جيل الثورة قد انتهى وحان
وقت تخليه عن السلطة (آخر خطاب علني وجهه للشعب). تصريحاته هذه لم تمنعه من البقاء حتى اليوم، أفريل 2019 ولم
تمنعه أيضاً من إغلاق المجال السياسي "بالظبة والمفتاح" في وجه الكفاءات
الصاعدة والواعدة بغدٍ أفضلَ للجزائر الغنية. وَعَدَ جنرالات العسكر بعدم ملاحقتهم
في الجرائم التي نُسبت إليهم خلال "العشرية السوداء" (1991-2000): حالات
الاختفاء القسري، تورطهم في مجازر مدنية جماعية. يتبجح بأنه رجل استرجاع واستتباب
الأمن الذي وقع التفاوض فيه قبل توليه السلطة، مذكّرًا العسكر بما سيخسرونه لو
عزلوه. مناورٌ ذكي نجح في استغلال المنافسة التاريخية بين مؤسسة قيادة الجيش
بالبدلة العسكرية ومؤسسة استعلامات الجيش دون بدلة عسكرية. سنة 2002، ربط علاقة
متينة بالجنرال أحمد ڤايد صالح قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع منذ 2004 (رجل
التصريحات الأخيرة في مارس 2019: تطبيق البند 102 ثم 7، 8)، "أكبر جندي حامل
للزي في العالم" حسب النكتة الشعبية
(79 عام، وبوتفليقة هو من مدد له 19 عام بعد سن التقاعد)، وهو الجنرال بالزي الذي
يجسم انتصار قيادة الجيش "بوبرطلّة" على قيادة استعلامات الجيش دون
"برطلة".
لكن قيادة
استعلامات الجيش لم تُسلِّم بالأمر الواقع ولم تستسلم للهزيمة: سنة 2010، استغلت تَورّط
بعض المقرَّبين من الرئيس في الفساد ونجحت في إبعاد مسئولين كبار في شركة البترول
(Sonatrach) واتهمت وزير الطاقة،
شكيب خليل، المقرَّب المزعوم من بوتفليقة. عملية عين أميناس الإرهابية (جانفي
2013) أعطت فرصة لمؤسسة الرئاسة و مؤسسة قيادة الجيش بالبدلة العسكرية لتحجيم صعود
نجم استعلامات الجيش دون بدلة عسكرية، نجحت المؤسستان المتحالفتان في تنحية رجل
الاستعلامات القوي، الجنرال محمد مدين شُهر توفيق في سبتمبر 2015 ونجحتا أيضاً في
اقتسام صلاحيات مؤسسة الاستعلامات بينهما. في ربيع 2013، توفرت الفرصة أخيرًا
ليصبح بوتفليقة رئيساً بـ"أربعة أرباع "
(Aux quatre quarts)،
لكن صحته منعته من الوصول إلى مبتغاه وأصيب بسكتة
دماغية يوم 27 أفريل من نفس السنة (2013)، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت السلطة
الجزائرية أكثر تعتيماً.
منذ توليه
السلطة حرص بوتفليقة على إضعاف سلطة الجيش بجناحيه وذلك عن طريق تسمية أقاربه من
الغرب الجزائري (تلمسان) على رأس بعض المؤسسات المدنية (المجلس الدستوري، محكمة الحسابات،
إلخ.). ناوَرَ من أجل كسب ولاء المؤسسات التمثيلية (البرلمان، الأعراف، النقابات)
وأجبرها على اعتماد أسلوب التملق الذليل، أسلوبٌ يفوق أسلوبَ أمراء الخليج، أسلوبٌ
لا يليق برئيس جمهورية الجزائر (بوتفليقة عاش سنوات في منفي اختياري بدويلة قَطَرْ)،
وبدأ عصر عبادة الشخصية وأصبحت صوره في كل مكان ولا يُذكر اسمه إلا مسبوقاً
بـ"فخامته" (Son Excellence).
استحوذ أخواه
على ثقته المطلقة ودون تسمية رسمية أصبح أخوه سعيد (جامعي يصغره بعشرين سنة) يتدخل
باسمه وينهى ويأمر الوزراء والولاة وحتى السفراء الأجانب في الجزائر لم يسلموا من
شطحاته. عديد من الوزراء مدينون له بمناصبهم ولا يرفضون له طلبا. أما الوزير الأول
فهو ينفذ تعليمات الرئاسة أو ينسق بين أقطاب السلطة الثلاثة (الرئاسة، قيادة
الجيش، الاستعلامات العسكرية) مثل ما فعل أحمد أُويحي. ومنذ 2013، لم يخرج وزيرٌ
أولٌ من قبضة الرئيس أو قبضة قُطبه.
سنة 2002 وداخل
قطب الرئاسة صعد نجمُ قطبٍ جديدٍ، نجمُ رجال الأعمال المقربين من سعيد بوتفليقة فتضخمت
ثرواتهم من أرباح الصفقات العمومية المشبوهة (الجزائر قبضت 1000 مليار دولار من
بيع النفط بين سنة 2000 و2015، ثروة صُرفت لصالح رجال أعمال فاسدين مستفيدين
متواطئين مع مؤسسة الرئاسة وعلى رأسها المافيوزي الكبير شقيق الرئيس سعيد
بوتفليقة).
سعيد
بوتفليقة لم يشارك في حرب التحرير فهو إذن لا يملك شرعية خلافة أخيه وتولي الرئاسة
بعده دون أن يثير حفيظة الشعب الجزائري وغضبه. أما ڤايد صالح فعُمره وزِيه العسكري
لا يساعدانه على الترشح. نظام بوتفليقة في زنڤة حادة (Dans l`impasse)، لم يتوصّل إلى إيجاد حل يَحظَى بالإجماع لذلك نراه
يلجأ لربح الوقت بالتمديد لبوتفليقة أو بعزله دون إجراء الانتخابات في موعدها
الدستوري.
الشعب يرفع
شعار "يتنحّاو ڤاع" (Qu`ils dégagent tous). لم ينجح النظام في بث
البلبلة في صفوف المتظاهرين رغم استعماله لطرق رخيصة مثل شراء ذمم بعد البلطجية
مثلما حصل في الثورة المصرية والثورة السورية في 2011، ولم تنطلِ على الشعب كذبة
المؤامرة الخارجية. غَيَّرَ ڤايد صالح من لهجته وصرّح في 10 مارس: "الجزائر
محظوظة بشعبها، والجيش أيضاً محظوظ
بشعبه"، وبعد عشرة أيام حَيَّ الـ"الوعي الشعبي العميق للمتظاهرين"
مقدِّراً أن "لكل مشكل حل، بل عدة حلول".
وسائل
الإعلام الجزائرية لا حظت أن ڤايد صالح لم يعدْ يذكر اسم الرئيس فتساءلت عن نواياه
الحقيقية. هل يقبل العسكريون، بالبدلة أو دونها، بتغيير سياسي جذري ويتخلوا عن
احتكار السلطة؟ أحد الضباط أسرّ: "قيادة الجيش خائفة من الاعتقال والمحاسبة".
أما الشعب والذي كنا نظنه مستقيل فقد برهن على نضج مثير للإعجاب. بقي على الجيش
القيام بثورة في داخله وذلك بالخروج نهائيّاً من دائرة التطاحن القطبي على السلطة
السياسية والرجوع إلى ثكناته وتأدية واجبه في حماية حدود الوطن والحفاظ عن استقلاله
والذود عن حرمته الترابية.
Référence: Le Monde diplomatique, avril 2019, Extrait de l`article «Lutte de clans au
sommet, En Algérie, les décideurs de l`ombre», par Akram Belkaid et Lakhdar
Benchiba, Journalistes, Alger, pp. 1, 16 et 17
إمضاء مواطن العالَم
"أنا عند الإسلاميين شيوعي وعند الشيوعيين إسلامي! لأن المفكر
الحر يستحيل تصنيفه.." المفكر الإيراني الإسلامي الحر علي شريعتي، صديق
الفيلسوف الفرنسي اليساري الملحد جان بول سارتر الذي قال: "لو أجبرتُ يومًا
على اختيارِ دينٍ، لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي".
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ، لا أراهُ في الأنظمةِ القوميةِ ولا
اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ
على المستوى الفردِيِّ وكُنْ سياسيًّا كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك
فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ
والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ
بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
يا
أولِي الألباب، حارِبوا (Votre AND, héréditaire, sauvage, agressif
et égoïste) بواسطة: L`épigenèse cérébrale, acquise, éducatrice, altruiste et
civilisatrice (Sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie,
UCBL1, 2007
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 2 أفريل
2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire