1.
الثورة الطبيّة
ارتفع
متوسط العمر بفضل الوقاية والرعاية الصحية ونقصت الوفيات وزادت الولادات، لكن نحن
نعرف أيضاً أن هذه النتائج المشهدية (من المشهد حسب تعبير ڤي دي بور) هي بمثابة
الشجرة التي تُخفي الغابة: احتكار الأدوية وأمصال التلقيح من قِبل بعض الشركات
متعددة الجنسية، وارتفاع أسعار الأدوية والعمليات الجراحية، وتخلي الدول عن مسؤوليتها
في ضمان مجانية العلاج، والمضارّ الجانبية لكل الأدوية مثل مضادات الالتهاب أو
المضادات الحيوية، وبعض مساوئ الطب الغربي الميكانيكي الذي همّش عمداً كل أنواع
التطبّب التقليدي مثل الطب الصيني و الطب العربي و الطب الإفريقي، مستعيناٌ بحجة
القوة لا بقوة الحجة والمنطق والعلم.
2.
الثورة الفلاحية
كثر
الإنتاج حتى صار الغربيون يسكبون الحليب في الساحات، ويرمون القمح في البحر،
ويتلفون التفاح في الطرق السيارة، ويحرقون محصول الذرى احتجاجا على انخفاض الأسعار
في الأسواق العالمية، وفي نفس هذا الزمن الردئ يموت جوعاً ملايين الهنود والبنڤلاديشيين
والباكستانيين والأفارقة. استنزفوا التربة ولوّثوا المائدة المائية والجو بأسمدتهم
ومبيداتهم الكيميائية ونباتاتهم المعدّلة جينيا. جنّنوا الأبقار بهرموناتهم المسرطِنة
وعلفهم المتكون من بقايا اللحم عوض العشب (الغذاء الطبيعي للبقر)، وجنّنوا البشر بفرض
نظام غذائي غربي مستورد يعتمد على لحم البقر والخنزير والدجاج المسمَّن على عجلٍ.
سرق الغرب البذور الأصلية المتلائمة مع البيئة المحلية من العالم الثالث، واحتكر
بيعنا بذوراً معدّلة جينيا لا تُنتج إلا مرة واحدة، وربطنا إليه بحبل التبعية
الاقتصادية والغذائية والتكنولوجية كما تُربط البهائم في الإصطبل. أتلفوا عمداً
البذور وساهموا في انقراض الحيوانات الأصلية المتأقلمة مع المناخ المحلي في الهند
والعالم الثالث وأجبرونا على استيراد بذور غربية وبقر هولندي مرفقا إجباريا بتقنيّين
وأدوية وأسمدة وهرمونات أجنبية باهظة الثمن وحرّموا علينا بالقوة الناعمة والسائلة
تصنيعها وطنيا.
3.
الثورة التكنولوجية الصناعية
طبق
الغربُ العلوم وأخرجها عن أهدافها ومقاصدها النفعية وطوّر تكنولوجيا الطائرات المدنية
والحربية والسيارات والدبابات والصواريخ والقنبلة النووية والمبرّدات والغسّالات
الكهربائية. ماذا جنينا نحن؟ جنينا من هذه التكنولوجيا الخير الكثير وأصابنا من
شرورها أكثر. أثقلت كاهلنا بالحروب والاستعمار والاستيطان وكانت تكنولوجيتهم
العسكرية والمخابراتية عوناً للحكام المستبدين والصهاينة الجدد، عوناً على الضعفاء
المساكين من مواطنينا ومواطنيهم.
4.
الثورة المعلوماتية
أتاحت
لنا فرصة للحاق بركب التقدم العلمي، أسأنا استخدامها ولم نحسن استعمالها فعادت
علينا بالوبال، وبال يتمثل في تفسخ أخلاقي وانبتات حضاري وغزو ثقافي وكسل فكري
وهروب من المطالعة وترويج للثلب والسخافات والتفاهات وعشنا في جوّها الافتراضي
سكارى دون خمر، لا حمراء ولا صفراء.
5.
الثورة البيولوجية
قفزت
قفزة عملاقة ونوعية منذ تطوّر البيولوجيا الجزيئية والجينات أو المورّثات
(La biologie moléculaire).
منتجو هذه البيولوجيا لم يلتزموا بالموضوعية ولا بالأخلاق
(L`éthique)،
بل على العكس فقد كانت انتقائية
ومنحازة لمنتجيها الغربيين الاستعماريين الجدد. استفاد منها حصرا الغرب الرأسمالي
الاحتكاري وصنع بفضلها جينات وأدوية وأمصالا وقنابل جرثومية وقنابل كيميائية،
أحرقنا بها في العراق وأفغانستان والباكستان وفيتنام وفلسطين ولبنان.
خاتمة:
البديل؟
لا
أملكه ولا يملكه أحد غيري بمفرده. البديل ملكية مشاعة بين عقول البشر، كل البشر
متعلمين وغير متعلمين، مواطنين عادين أو خبراء مختصين. قد ينبثق هذا البديل من تفاعلنا
مع بعضنا ومع الغير في جو من التسامح وعدم الإقصاء وقبول الآخر مهما كان هذا الآخر
وممارسة الديمقراطية التشاركية وحرية التعبير وحرية المعتقد.
أقترح
تعويض مفهوم "الثورة" الفجائية أو العنيفة أو الدموية بمفهوم جديد،
أسميته "تغيير المفاهيم والتصورات غير العلمية في المجتمع"
(Le changement conceptuel progressif).
يتجسم هذا المفهوم الأخير في محاولة
تغيير القيم والممارسات الاجتماعية عبر سيرورة فكرية علمية بطيئة ورصينة، وليس تحت
تهديد سيف الإيديولوجيات الإقصائية كالشيوعية أو الإسلام السياسي أو القومية
المتعصبة.
Conclusion
générale: Et pourtant, je
ne dirai jamais que c`était mieux avant
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 أوت 2008.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire