- النبات الأخضر: هو المنتج الأول للمادة
"العضوية". لماذا وضعت الكلمة الأخيرة بين ظفرين؟ لأنه يبدو أن التسمية
مغلوطة ولا وجود لفصل تعسفي ميكانيكي جاف بين المادة العضوية والمادة المعدنية لأن
الأولى تتكون من الثانية، لنأخذ مثلا: الجليكوز أو سكر العنب، ذو الصيغة
الكيميائية الجزيئية (C6H12O6)، هو مادة عضوية بامتياز، تتكون
من ثلاثة عناصر كيميائية معدنية هي الكربون والهيدروجين والأكسجين.
ينتج النبات الأخضر المادة العضوية خلال تفاعل أو معادلة
كيميائية تسمى التركيب الضوئي. يحوّل بموجبها النبات الأخضر المادة المعدنية (ثاني
أكسيد الكربون الجوي والماء المعدني الجوفي أو الجوي) إلى مادة عضوية (الجليكوز)
ثم يطرح الأكسجين. يقع التركيب الضوئي خاصة في الأوراق الخضراء بمساعدة اليخضور
والضوء.
يُعتبر التركيب الضوئي أساس الحياة لأن بدونه تنقطع
المادة العضوية فتنقرض الكائنات الحية من الأرض، وأول مَن ينقرض هي النباتات نفسها
ثم الحيوانات بما فيها الإنسان. ويُعتبر التركيب الضوئي أيضا بمثابة براءة اختراع
الحياة ولم يستطع التطور العلمي والتكنولوجي خلق مصنع يحاكيه أو يفوقه في الدقة
والتعقيد والأهمية الحياتية. تأخذ النبتة الخضراء فضلات ونفايات الحياة (ثاني
أكسيد الكربون المطروح يوميا من تنفس أجسام الكائنات الحية، أضف إلى ذلك الأسمدة
العضوية الرمادية والخضراء المتأتية من فضلات الحيوانات ومن أوراق وأغصان النباتات
نفسها) وتحولها بفعل التركيب الضوئي إلى أروع و أفضل منتوج مادي، منتوج صلب أو غازي
(الأكسجين الذي نتنفسه يوميا والموز والتفاح والبطاطا والجزر الذي نأكله يوميا
وبدونها نموت جوعا أو اختناقا). فالنبات الأخضر إذن يصنع الحياة من نفايات الحياة!
وهو المنتج الأول والمستهلك الأول لما ينتِج.
- العامل بالساعد: هو المنتج الأول للمواد المصنعة. يأخذ
معادن خامة وينتج سيارة وطائرة وحاسوب. يأخذ قطنا ويحوّله إلى قماش مزركش وملوّن.
يأخذ أحجارا كريمة ويحولها إلى جواهر تزيّن جِيدَ ومعاصم الحسناوات وتجمّل وجوه
متوسطات الجمال. يأخذ الرمل والحجر والأسمنت ويحوله إلى شقق و"فِلَلِ"
وناطحات سحاب. يأخذ النشاء ويحوله إلى حلويات جميلة المنظر ولذيذة المذاق. يأخذ
ثمار الكاكاو ويحولها إلى شكلاطة يسيل اللعاب بمجرد مرآها. يأخذ البذور ويحولها
إلى إنتاج فلاحي يكفي للقضاء على الجوع في العالم لولا تدخل جشع التجار والوسطاء
والمحتكرين.
قبل عصر التصنيع كان كل عامل فلاحا بالضرورة يستهلك ما
زرعته وحصدته يداه الخشنتان.
- النبات الأخضر: ينتج ويستهلك من إنتاجه ما يكفيه ثم
يخزّن الباقي لنسله دون نية أو غاية (مثلا: تحتوي بذرة الفول على مخزون غذائي نشوي
تتغذى منه النبيتة الفولية الجديدة عند ولادتها قبل أن تبعث جذورها في الأرض بحثا
عن الماء والأملاح المعدنية وقبل أن تصبح قادرة على صنع مادتها العضوية
"الجليكوز" بنفسها بواسطة تركيبها الضوئي).
يأتي الحيوان بما فيه الإنسان ويعتدي عل النبات بالقوة،
يسرق قوت النبات وقوت نسله. يعتبر الحيوان مستهلكا ثانيا ومنتجا ثانيا. يستهلك هذا
الأخير البروتينات والدهنيات والسكريات والنشويات النباتية ويحولها إلى لحم وشحم.
من حسن حظ النبات الأخضر أنه كائن غير عاقل وغير واع لذلك فهو الوحيد الذي
"لا يحس" ولا يدرك ولا يثور على الظالم والظلم مهما عَظُماَ.
- العامل بالساعد: ينتج ما يكفيه ويكفي غيره، لكنه يبيت
جوعانا في أكثر البلدان فقرا ويقضي ليله ينتفض من البرد دون غطاء كاف. ينتج العامل
القِيمة المضافة لكل سلعة مصنّعة. يحوّل البورجوازي المستغِل هذه القيمة المضافة
إلى رأسمال ووسائل إنتاج. توظف هذه الأخيرة أول ما تُوظف ضد منتجها نفسه، العامل،
وتُستَعمَل لقمعه بالبوليس واستعباده باسم الدين وتدجينه بالثقافة وترويضه
بالنقابات. يصنع العامل بعرقه ثروات لغيره، عرقه الذي لا يجف أبدا، ويموت هو قهرا
متأثرا بفقره، وفقره هذا يفوق داء السرطان فتكا بالإنسان. ينتج العامل ثروة ليتمتع
بها غيره أمام عينيه، ثروة على شكل سيارات فاخرة وجواهر نادرة. ونتساءل: لماذا
يأتي العامل في آخر سلم متوسط العمر المتوقع من بين طبقات المجتمع؟
- النبات الأخضر: هو ثابت في تربته غير متحول، جذوره في
الأرض وأغصانه في السماء. يعيش داخل مجاله الحيوي، لا يتخطاه ولا يتجاوزه قيد
أنملة. ينتج غذاءه ذاتيا بواسطة آلاف المصانع المتطورة غير الملوِّثة التي يمتلكها
والمتمثلة في أوراقه الخضراء! لا يتطفل ولا يحتل أرض غيره لكنه يدافع عن فصيلته
بقوة تدميرية رهيبة إن هاجمها نبات عدو مُعدَّل جينيا. هو منتج أول لكنه مُستغَل
من كل المستهلكين الثانويين مثل الطفيليات النباتية غير الخضراء والحيوانات
والبشر.
- العامل بالساعد: يمثل طبقة ثابتة عبر التاريخ رغم
تغيّر بعض عناصرها، عنصر يَغتنى فيخرج عنها وعنصر يفقر فيدخل فيها. طبقة دائمة
الإنتاج والعطاء لكنها مستغَلة على الدوام من الإقطاعيين والنبلاء والبورجوازية
عبر آلاف السنين. ليست للعامل القدرة على الاعتداء حتى ولو أراد فهو مسالم رغم
أنفه وليست له الكفاءة للسرقة حتى ولو أحب فهو إذن شريف رغم أنفه، إلا إذا وظفه
الرأسمالي الجشع في حروب إمبريالية يكون العامل وقودها والرأسمالي جامع خراجها.
- النبات الأخضر: يتحمل الاعتداءات المتكررة والمتتالية
ويمتص الصدمات: تصحّر مصطنع بواسطة الجرّافات في غابات الأمازون، حرب كيميائية
يشنها عليه يوميا كبار الفلاحين التجار المتعطشين للربح السريع والوفير بواسطة
الأسمدة الكيميائية والمبيدات الفتاكة على حساب التنوع البيولوجي والتنمية
المستدامة. فلاحون جشعون يفعلون بأنفسهم ما يفعل العدو بعدوه، يتركون إرثا ضحلا
لأولادهم وأحفادهم، يتركون تربة وجوا وبحرا ملوثين لمئات السنين.
- العامل بالساعد: العامل صبور وحكيم ومؤمن، قدره. تتكون
بفضل كدّه وعرقه أجيال وراء أجيال من الأغنياء وهو صامد صابر في حقله ومصنعه. قنوع
راض بمعيشته، لا حول ولا قوة له إلا بالله العلي العظيم. ويتساءل الماديون
المنبتّون بكل بلاهة: لماذا يتمسك العامل بدينه وإيمانه بالغيب؟ وماذا سيبقى له لو
سلبناه أمله في الجنة بعد ما سلبنا أمله في الحياة؟
خاتمة: سوف ننقرض الحياة حتما لو فقدناهما الاثنين، النبات
الأخضر والعامل بالساعد؟
استشرافٌ علميٌّ ما زال في طور التجربة المخبرية: يحاول
العلماء جادّين زرع جينة إنتاج الكلوروفيل في الحمض النووي البشري لكي يصبح البشر
كالنبات ذاتي التغذية أي قادرين على تحويل ثاني أوكسيد الكربون الجوي إلى سكريات
وبروتينات ودهنيات بمساعدة الماء والأملاح المعدنية والاستغناء نهائيّاً عن
استهلاك الأغذية النباتية والحيوانية على شرط أن لا يتغير لون بشرتنا إلى الأخضر.
إمضاء مواطن العالَم
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى
فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 26 أفريل 2012.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire