jeudi 11 avril 2019

هل غيّرت الثورات وضعَنا إلى الأفضل أم أخذت السلطة وأبقت أمور الشعب على حالها؟ مواطن العالم



مقدمة:
لن أقول أن الماضي كان أفضل (C`était mieux avant)، لكنني لن أقول أيضاً أن الحاضر أفضل بكثير.
سوف أتحدث في سلسلة المقالات هذه عن عدد من أنواع الثورات (الدينية والسياسية والبيولوجية والفلاحية والصناعية والديمغرافية والمعلوماتية) التي حدثت في الخمس قرون الأخيرة من تاريخ البشرية وأتناولها بالنقد وأترك الشكر لغيري فالتجميل ليس من اختصاصي. أنا أعتبر النقد مدرسة قائمة بذاتها ولا علاقة لها بالوعظ والإرشاد أو تقديم البدائل. هذا موقف فكري ذاتي لا يلزم أحدا غيري لكن لا تغفلوا أيها القراء الأحباء المشاكسون - قبل مهاجمتي بعنف لفظي لا مبرّر له وقبل أن تنزّلوني المنزلة التي لا أستحق - لا تغفلوا عن قراءة ما كتبت بتأنّ وتمعّن وتضعوه في إطاره الفكري الجدلي البشري القابل للتفنيد ولا تلبسوني جبة أوسع من قياسي فأنا مواطن بسيط حر ومستقل، لا أنتمي إلى أي حزب أو جمعية ولا أمثل أو أقود تيارا فكريا ولست كاتبا أو مفكرا كبيرا، لست داعية أيضاً، لا سياسي ولا فكري ولا إيديولوجي، ولا يهمّني إن اقتنع بآرائي مائة أو ألف. أنا شخصية فكرية محدودة المساحة والإمكانيات المادية والفكرية والعلمية، لا حول ولا قوة لي إلا بالله ولا أصبو إلى تحقيق هدف محدّد سلفا سوى هدف محاولة إصلاح حال هذه الأمة، أمتي العربية الإسلامية التي لا أنكر ولا أتنصل من انتمائي إليها، أنا  مفكر نصف-مثقف (ناقلٌ للمعرفة ولستُ منتجاً للمعرفة) أعيش على هامش المجتمع كجل أنصافِ المثقفين المستقلين،  فرجاءا وجّهوا أسلحتكم الإيديولوجية أو الدينية إلى أعدائكم الحقيقيين ولا تخطئوا الهدف فتضيع سهامكم ومجهوداتكم في غير موضعها، هباءا منثورا.

أ‌.        أشباه الثورات السياسية
أبدأ بالتذكير التاريخي التقريبي لفترة تحضير أشهَرِ "أشباه الثورات" في العالم وأرصد بعض نتائجها الكارثية على السكان الأصليين وعلى البشرية جمعاء.
-         دامت الثورة الجزائرية ثماني سنوات، من 54 إلى 62. حرّرت الأرض الجزائرية ولكنها استعبدت المواطن الجزائري وأفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا متنكراً في زي مصلحٍ اشتراكي.

-         دامت الثورة الكوبية ثلاث سنوات، من 53 إلى 56. حرّرت الأرض الكوبية واسترقّت المواطن الكوبي وأفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا في زي مصلحٍ شيوعي. إنجازاتها المادية العظيمة لم ولن تغفر لها هفواتها وتعدّيها على الحقوق الأساسية للمواطن الكوبي.

-         دامت الثورة الناصرية ثلاث سنوات، من 50 إلى 52. حرّرت الأرض المصرية واستعبدت المواطن المصري وأفرزت نظاما سياسيا قمعيا ديكتاتوريا في زي مصلحٍ قومي-اشتراكي. باع لنا الزعيم جمال عبد الناصر الأحلام وخدرنا بأوهام خطبه الديماغوجية ولم يوقظنا من سكرتنا إلا أزيز الطائرات الاسرائيلية وهي تقذف بالقنابل الطائرات المصرية الرابضة في مطاراتها في هزيمة 67 وليست نكسة 67 كما يحلو لمثقف السلطة آنذاك، محمد حسنين هيكل، أن يسمّيها.

-         دامت الثورة اللينينية في روسيا ستة عشر سنة، من 1901 إلى 1917. أسست الإمبراطورية السوفياتية واسترقت المواطن السوفياتي جسدا وفكرا وأفرزت نظاما سياسيا شموليا شيوعيا قمعيا ديكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته المادية العظيمة في الصناعات وخاصة الصناعة الحربية على وجه الخصوص. انحلّت أكبر امبراطورية قمعية في التاريخ سنة 1991 دون حرب خارجية معلنة. سقطت كما تسقط الثمرة الفاسدة عندما تتخلى عنها الشجرة الأم (الجمهوريات السوفياتية) ويأكلها الدود من الداخل (العمال والفلاحون السوفياتيون المقموعون جسدا وفكرا والمحكوم فيهم ظلما وبهتانا مع انتحال اسمهم وصفتهم "ديكتاتورية البروليتاريا"). تحالفت ضدها العوامل الخارجية (كل الدول الغربية والشرقية المعارضة للشيوعية على الطريقة الماركسية اللينينية-الستالينية وماركس منها براء). أظن أنه لو قام ماركس الآن لما صنّف نفسه ماركسيا ولأنكر على كل الأحزاب الشيوعية شيوعيتها ولناضل ضد كل الأنظمة التي حكمت بنظريته وباسم العمال والفلاحين وهي  في الواقع شوّهت نظريته المثالية الجيدة في جل مبادئها الإنسانية العادلة. قتلت الأنظمة الشيوعية الملايين من العمال والفلاحين ولو قام ماركس لحاربوه الداعون إليه و سمّوه اشتراكيّاً-ديمقراطيّاً.
 لو قام ماركس لساند روزا لوكسمبورغ في معارضتها لمفهوم "المركزية الديمقراطية" التي بناها لينين في الاتجاه الخاطئ ، يعني من القمة إلى القاعدة ولو عكس لأصاب. لو قام ماركس لسجنه ستالين في "الڤولاج" وهجّر عائلته وأقرباءه إلى سيبيريا. لو قام ماركس لبارك أفضل ما هو موجود في الأنظمة السياسية الحالية وهي الأنظمة الأسكندنافية الاشتراكية-الديمقراطية في انتظار الأهداف الكبرى والسامية للشيوعية: مثل مبدأ "من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته"، ومبدأ "الإنسان يصنع تاريخه بنفسه" ولا يصنعه له الحزب الشيوعي، ومبدأ "العمال يحرّرون أنفسهم بأنفسهم" لا بقيادة المثقفين الطلائعيين الشيوعيين الانتهازيين، ومبدأ "التمهيد لانقراض الدولة وتلاشي السلطة القامعة التي تحتكر العنف". لو قام ماركس لفعل عكس ما فعله كل زعماء الشيوعية من لينين إلى ستالين إلى ماو إلى كاسترو الذين نفخوا في الدولة وأقاموا على قاعدتها أكبر جهاز مخابراتي قمعي في تاريخ البشرية القديم والحديث.

-         دامت الثورة الماوية في الصين ثماني وعشرين سنة، من 1921 إلى 1949. حرّرت الأرض الصينية واسترقت المواطن الصيني جسدا وفكرا وأفرزت نظاما سياسيا شموليا شيوعيا قمعيا ديكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته المادية العظيمة. ومنذ استرجاع مستعمرة هونڤ كونڤ من بريطانيا، بدأ هذا النظام الشيوعي يطهّر نفسه من أدران ومساوئ الشيوعية الماوية ويغسلها بمياه رأسمالية أقل تعفنا.

-         دامت الثورة الإيرانية خمسة عشر سنة، من 64 إلى 79. منذ ولادتها وبواسطة الديماغوجية الدينية، أقحمت هذه الثورة الدينية المواطن الإيراني في حرب الثماني سنوات دون قضية مشروعة ضد جيرانه العراقيين  أبناء مذهبه الشيعي و"أبلت فيهم البلاء الحسن" وقتلت منهم خمس مائة ألف عراقي شيعي وسني وأفرزت في الآخر نظاما سياسيا دينيا دكتاتوريا. لم تشفع لهذا النظام إنجازاته المادية العظيمة (لا أعدّ القنبلة النووية الإيرانية الشبح من الإنجازات العظيمة بل أراها أكبر إهدار للطاقة وأكبر إضرار بالصحة وأكبر فقدان للتوازن البيئي والتنمية المستدامة ولا أحسبها أيضا رادعا للعدو ولنا في القنبلة النووية الباكستانية أسوأ مثال).

إمضاء مواطن العالَم
يبدو لي أنه علينا أن نغربل تراثنا العربي الإسلامي حتى نعرف كيف نتصل بماضينا لننفصل عنه، أو كيف نتصل به بعد أن ننفصل عنه.
أعتقد أن المقارنة بين النظريات والأديولوجيات والحضارات والثقافات والعادات والأساطير والأديان هي أساس الفهم والنظر.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 أوت 2008


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire