مقدمة
منهجية:
لستُ باحثاً
في الإسلام ولا في الشيوعية. هي مجرد خواطر، ادحضوها كما شئتم فهي معروضة للغرض، لكن
أرجوكم لا تتجرؤوا على كاتبها، عبدكم الضعيف.
ملاحظة: تستطيعون الاكتفاء بقراءة الفقرة الأولى
دون المرور إلى الثانية لأن الفقرتين منفصلتان وليستا لنفس المؤلف.
1.
الفقرة الأولى: الإطار التاريخي والنظري
للموضوع
(Le cadre historique et théorique)،
ترجمتُه عن لوموند ديبلوماتيك (أفريل 2019،
ص.ص. 14 و15):
"المتطرّفون
من الجهتين، يتشابهون" (Les extrêmes se rejoignent)، كلمة حق أُريدَ بها في أكثر الأحيان باطلاً. كما
كتب المؤرّخ أُوي باكس (Uwe Backes): "كلمة تطرّف أصبحت مجالاً مشتركاً لكل نقدٍ
مضادٍّ للثورة"
(L`appellation d`”extrême”
devient l`un des lieux communs de la critique antirévolutionnaire).
طيلة قرنين من الزمن، وُظّفت هذه الكلمة لتشويه
سمعة كل مشروع تغيير مجتمعي (شيوعي أو قومي أو إسلامي على السواء).
- في العصور
القديمة كان التطرف يُقصَدُ به التطرف الأخلاقي. أرسطو كان يمجد الوسطية، هذا
التوازن بين الطرفين، وكان يقول أن "الفضيلة تكمن بالضبط في الوسط بين الطرفين"
(La vertu est le juste milieu). في القرن 14م، كان الفيلسوف نيكول أوراسم (Nicole Oresme) يعتبر أيضاً أن
"الفضيلة وسطية والرذائل متطرفة"
(La vertu est moyenne et les vices sont extrêmes).
في القرن 17م، بليز باسكال (Blaise Pascal)، هو أيضاً كان رائداً للوسطية، كتب يقول:
"الذهن المتطرف متهم بالجنون، كالعيب المتطرف. لا شيء غير الرداءة يصلح"
(L` extrême esprit est accusé de folie, comme l`
extrême défaut. Rien que la médiocrité n`est bon).
في 1782، أكد الكاتب
لويس سيباستيان ميرسيي
(Louis Sébastien Mercier)
أن "المتطرّفين يتشابهون" لأن
"الكبار والأنذال يتشابهون في أخلاقهم"
(Les extrêmes se
rejoignent.. car.. les grands et les canailles se rapprochent dans leurs mœurs).
- بعد الثورة
الفرنسية (1789)، خرجت هذه الكلمة من مجال الأخلاق ودخلت في مجال السياسة، ووُلد
مصطلحا اليسار واليمين: سُمي اليسار يساراً لأن البرلمانيين في المجلس التأسيسي
للثورة الذين عارضوا و صوّتوا ضد "حق الملك، في تعطيل قانون صوّت عليه المجلس
("الفيتو الملكي")" كانوا جالسين على اليسار، وسُمي اليمين يميناً
لأن البرلمانيين في المجلس التأسيسي للثورة الذين وافقوا وصوّتوا مع "الفيتو
الملكي" كانوا جالسين على اليمين (La Gauche et la
Droite). ومنذ 1791، بدأ الوسطيون
يتحدثون عن "اليسار المتطرف" و"اليمين المتطرف"، خاصة للإشارة
بأن المتطرفين قد يلتقون. الوسطيون الذين يدافعون عن المَلكية الدستورية (La monarchie
constitutionnelle) مِثل لافيّات أو رئيس الكنيسة
سياز (La Fayette ou l`abbé Sieyès) لم يتأخروا في تقديم أنفسهم
كتجسيم للاعتدال والعقل.
2. الفقرة
الثانية: لُبُّ الموضوع من تأليف مواطن العالم:
-
السلفيون استوردوا من السعودية الفكر الوهابي
حاضرا جاهزا معلّبا، فكرا إسلاميا سلفي العقيدة حنبلي المذهب. السعودية هي البلد
الوحيد في العالم الإسلامي الذي يتبنى الحنبلية كمذهب من بين المذاهب السنية
الأربعة (المالكية في شمال إفريقيا والشافعية في مصر والحنفية في تركيا وأندونيسيا
والحنبلية، المذهب الأقل انتشارا في العالم الإسلامي عموما).
-
الستالينيون استوردوا من الغرب الفكر
الستاليني حاضرا جاهزا معلّبا، فكرا ماركسيّاً سلفي العقيدة ستاليني المذهب. كوريا
الشمالية هي البلد الوحيد في عالم اليوم الذي يتبنى الستالينية كمذهب من بين
المذاهب الماركسية (الستالينية، الماوية، التروتسكية، إلخ.).
-
الاثنان يؤمنان بالعنف المسلح وسيلة للوصول
إلى الحكم، على الأقل في أدبياتهم وعلى حد اطلاعي لم تصدر بعدُ أدبيات تقول العكس.
-
الاثنان لا يؤمنان بالديمقراطية البورجوازية
الليبرالية الغربية وسيلة للوصول إلى الحكم، على الأقل في أدبياتهم وعلى حد اطلاعي
لم تصدر بعدُ أدبيات تقول العكس (يبدو لي أن هذا النوع من الديمقراطية المعاصرة هو النظام السياسي الأقل
سوءاً مقارنة بالأنظمة الأخرى المعاصرة: المَلكية غير الدستورية،
الاستبداد الشرقي، الخلافة الداعشية، الستالينية، الديمقراطية الشعبية، الفاشية،
النازية. ويبدو لي أيضاً أن هذا النوع من
الديمقراطية التمثيلية لـمونتسكيو هو نوعٌ قابلٌ للتحسين عن طريق تطعيمه
بالديمقراطية التشاركية المباشرة لـروسّو. والفضيلة، كما قال أرسطو وأكد القرآن
الكريم - "وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" -، تكمن في اعتماد الوسطية نهجاً في الحياة
الخاصة والعامة، وليس في تبني التطرف، شيوعيّاً كان أو قوميّاً أو إسلاميّاً).
-
الستالينيون انتزعوا السلطة من الله و أوكلوها
إلى الإنسان ثم حصروها في الطبقة البروليتارية، خالقة الثروة والمتحكمة في توزيعها
(دكتاتورية البروليتاريا)، ثم افتكها من هذه الأخيرة واحتكرها لنفسه رئيس الدولة الاشتراكية
وزعيم الحزب الشيوعي الحاكم الدكتاتوري العبقري الملهم المعصوم مثل لينين وستالين
وتروتسكي وماو وكاسترو وڤيفارا وهوشي منه وأنور خوجة وشاو سيسكو وبول بوت زعيم
الخمير الحمر بكمبوديا (79-75).
-
السلفيون انتزعوا السلطة من الإنسان و أرجعوها
نظريا إلى الله، خالق الثروة والمتحكم في توزيعها (الحاكمية لله)، لكنهم خانوا
وعودهم ويا ليتهم ما خانوا، لأنه إذا سلمنا بأن السلطة لله وحده فلا سلطة إذن لبشرٍ
على بشرٍ ولو باسم الله وتحت راية دينه، حينها تنقرض الدكتاتورية والفاشية
والتوتاليتارية وتحل محلها الديمقراطية التي تنادي بحكم الشعب نفسه بنفسه. لكن
السلفيين (طالبان، داعش) تولوا السلطة معتبرين أنفسهم خلفاء الله الشرعيين وظله في الأرض واستبدوا باسم الله والإسلام
كما حلا لهم والله والإسلام براء منهم ومن جورهم وظلمهم، ورفعوا في وجوهنا اليوم شعار
حق أُريدَ به باطل "لا نخاف إلا الله"، يا ليتهم طبقوا هذا الشعار
الإنساني التحرري الذي يحث على مقاومة الحكام الظلمة الفاسدين وعدم الرضوخ لأي بشر
أو طبقة مهما كان جبروتهما واستبدادهما والرضوخ فقط لعبودية المجرّد المتعالي.
-
الستالينيون اهتموا نظريا بمطلبين أساسيين،
التنمية وتحرير الإنسان. الستالينية حققت جزئيا المطلب الأول وفشلت فشلا ذريعا في
تحقيق الثاني بل استعبدت المواطنين البروليتاريين والعلماء المستقلين والمفكرين
الأحرار واستلبت إرادتهمهم وقمعتهم ونفتهم وشردتهم وفي أكثر الأحيان قتلتهم كما
فعل ستالين بمواطنيه ورفاقه وعلمائه العزل في الاتحاد السوفياتي السابق.
-
السلفيون لم يحققوا تنمية ولا تحرّراً، هدفان
بقيا معلقين إلى يوم الدين.
-
اشتهر الاثنان بادعائهما امتلاك الحقيقة
المطلقة وإقصاء الرأي المخالف وتقديم البديل الجاهز والجواب النمطي على كل
الإشكاليات الاجتماعية والأسئلة الوجودية (يبدو لي أن لا أحد من البشر يمتلك الحقيقة
ولا البديل الجاهز، لأن البديل ليس جاهزا بل هو يُصنع وينبثق من تفاعلات الآراء
المختلفة والمتناقضة بين الفرقاء من البشر).
-
اشتهر الاثنان بنشر الوعي المستورَد في مجتمعاتهم
المحلية، الوعي الوحيد الصحيح حسب زعمهم (يبدو لي أنه لا يحق لأي أحد من البشر أن
يدّعي أنه معصوم أو في مأمن من الوقوع في الخطأ. كل واحد منا يمتلك جزءا بسيطا من
الحقيقة ولا يمكن لأحد مهما علا شأنه العلمي أو الثقافي أن يمتلك الحقيقة كاملة،
لا بسبب قصور فيه بل لأن الحقيقة معقدة ومتشعّبة جدا).
-
اشتهر الاثنان بالانغلاق على أنفسهم والشك في
المخالفين إلى أن يثبت هؤلاء الأخيرين ولاءهم لهم (يبدو لي أن الإنسان كائن حر،
الإنسان بكل أطيافه).
-
يؤمن الستالينيون بـ"الثورية-الرجعية"
أي الرجوع إلى مرحلة الإنسان البدائي حيث الاشتراك في المِلكية الجماعية وانعدام
الملكية الفردية الأنانية في مجتمعات ما قبل الدولة وما قبل العُملة وما قبل البرلمان وما قبل الإدارة، لذلك تراهم
يحلمون بوهم انقراض الدولة كجهاز طبقي قمعي مع انقراض الطبقات ويسعون إلى إلغاء
مكتسبات الحضارة البورجوازية المتمثلة في
التعددية الحزبية والتبادل على السلطة والديمقراطية
الليبرالية وحرية الرأي (نكتة واقعية: مجموعة من الشيوعيين الفرنسيين أسست سنة
1975 مجلة سمتها "ماركس أو مُتْ بغيضك" La revue « Marx ou crève » devenue ensuite « Critique communiste).
-
يؤمن السلفيون بالرجوع إلى عصر السلف الصالح
وتمجيده، العصر المتجسّم في القرون الهجرية الثلاثة الأولى استنادا إلى حديث رسول الله صلى الله علية وسلم "خير
القرون قرنى ثم الذى يليه ثم الذى يليه". رجعوا إلى الشكل واللباس والعادات
وأرادوا إحياءها ونسوا أو تناسوا أهم شيء في السلف الصالح وهو شجاعتهم وتحررهم وعبقريتهم
ومنهجيتهم في الخروج من وضعهم القبلي المتمزق وتأسيسهم لإمبراطورية موحدة، إمبراطورية
ملكت يوما ما نصف العالم وأنجزت ثورة على الواقع المتخلف الذي كان سائداً قبل ظهور
الإسلام.
-
الستالينيون يُسمون اشتراكيتهم بالاشتراكية
العلمية ظنا منهم أنهم يضفون عليها شيئا من المصداقية جاهلين أو متجاهلين أن العلم
البشري المادي علم مَبني على الخطأ والصواب والعلم هو الوحيد الذي لا يدعي أنه يمتلك
الحقيقة بل يرفع شعارا مضادا لها "الشك طريق إلى مزيد من الشك" وقوته
تكمن في قابليته الدائمة للتطور عبر دحض الفرضيات أو تأكيدها.
-
السلفيون يُسمون مذهبهم "السلفية
العلمية"، نسبة إلى علوم الدين (والعلم هنا غير العلم عند الستالينيين والفرق
بينهما شاسع، فعلوم الدين تنطلق من مسلّمة ويقين لتُقِرَّ في الآخر نفس المسلّمة وتؤكد
نفس اليقين، اليقين في وجود الله وعظمته. فلا مجال إذن للخطأ والشك، فالشك يُعتبر
شرك بالله والله قد يغفر لعباده كل شيء إلا الشرك بذاته الإلهية العليّة وفي آية
أخرى يغفر الذنوب جميعاً).
-
اشتهر الاثنان بالعنعنة (قال فلان عن علان) وتحنيط
النصوص الوضعية البشرية وتقديس منظّريهم وزعمائهم كماركس وأنجلس ولينين وستالين
وڤيفارا وماو بالنسبة للستالينيين، أما بالنسبة للسلفيين فشيخ السلفية ابن تيمية والألباني ومحمد بن عبد الوهاب
الذي يقولون عنه أنه: "حنبلي المذهب سلفي العقيدة" (يبدو لي أنه يكون من
الأفضل نقد النصوص عوض تحنيطها ونقد الزعماء لا تقديسهم مهما علت مرتبتهم العلمية
بالمعنى المادي أو المعنى الديني للكلمة، وحري بالمفكر الحر أن لا يتخذ من الحكام
مَثَلاً أعلى مهما كانت عظمة إنجازاتهم الاجتماعية).
-
اشتهر الستالينيون بِنَعْتِ خصومهم بالرجعيين والانتهازيين والبورجوازيين
الكبار والصغار وأعداء الثورة والطابور
الخامس وهددوهم بالتصفية الجسدية عن طريق العنف الثوري المسلّح. لكن قيادتهم الحزبية
الستالينية الطلائعية استثنت نفسها من الانتماء إلى طبقة البورجوازية الصغيرة وادعت
بجرة قلم انسلاخها من هذه الطبقة، وهي في الواقع تعيش مثل الطبقة البورجوازية أو
تطمح إلى ذلك. نسوا أو تناسوا أن ماركس لم يستثنهم ونَعَتَ الطبقة البورجوازية
الصغيرة المثقفة كلها بالانتهازية والتذبذب والتردد والتوق للحاق بالطبقة البورجوازية.
-
اشتهر السلفيون بِنَعْتِ خصومهم بالكفار وأعداء الله والإسلام وهددوهم
بالصلب وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وفعلتها داعش في سوريا.
خلاصة القول: الإيديولوجيتان (السلفية والستالينية) مستوردتان.
يبدو لي أنه يجب على المفكر الحر أن يتوجس خيفة من الأفكار المستوردة رغم إيماني
العميق بأن الفكرَ الإنساني فكرٌ عالمي. لكن علي الفكر الإنساني العالمي أن يتفاعل
مع ثقافة المجتمع حتى يستوعب هذا الأخير معنى هذا الفكر ومقصده فيقبله ويهضمه
ويكيّفه ويؤقلمه ثم يوظفه أحسن توظيف لخدمة تقدم وطنه إلى الأفضل.
لو كان الستالينيون صادقين مع أنفسهم لطبقوا أفضل حكمة ماركسية
في الوجود "من كل حسب جهده و لكل حسب حاجته"، ولو كان السلفيون صادقين هم
أيضاً مع أنفسهم لطبقوا أفضل قولة في الوجود لأفضل خلق الله كلهم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه"، لو صدق الاثنان لمَا وصل حال الستالينيين اليوم إلى تفكك
الاتحاد السوفياتي وانهيار الشيوعية في العالم، و لمَا وصل حال المسلمين اليوم إلى
ما وصل إليه من انحطاط و تخلف علمي وتقني واجتماعي.
ملاحظة عابرة ومعبّرة: في
حمام الشط، عرفتُ سلفيّاً واحداً (جاري المهذب وتلميذي السابق وابن المرحومة
زميلتي)، سلفيّاً أهداني مرةً كتاباً حول السلفية "العلمية"، وعرفتُ
ستالينيّاً واحدًا، ستالينيّاً يَعُضُّ!
أول نشر على النت: حمام
الشط في 25 جوان 2012. تعديلٌ وتحيينٌ في 4 أفريل 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire