vendredi 8 février 2019

في الجزائر وتونس، تخلّى اليسار عن تناقضه الرئيسي مع السلطة والرأسمالية، وكرّسَ نضالَه وحصره في نقد وثلب عموم البروليتاريا المتعاطفين مع الأحزاب الإسلامية: تجارةٌ خاسرةٌ وحرثٌ في الماء! لوموند ديبلوماتيك، ترجمة، إعادة ترتيب وتأثيث مواطن العالَم



ملاحظة مطبعية: كل إضافة من عندي تجدونها بين قوسَين مستقيمين [...].
1.     اليساريون الجزائريون يساندون جلاّديهم ويناضلون وهم في وضع انبطاح: حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS: Parti de l`Avant-Garde Socialiste) نموذجًا:
-         حدثَ انقلاب هواري بومدين، يوم 19 جوان 1965، فأحدِثت معه منظمة المقاومة الشعبية 
(ORP: Organisation de la Résistance Populaire
التي أصبحت سنة 1966 تُسَمَّى حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS).
-         المفارقة الكبرى: خلال الخمس سنوات (1965-1970)، قُبِض على المناضلين اليساريين، عُذِّبوا، اضطُهِدوا، بينما كان النظام يوفر المساندة واللجوء السياسي لثوّار العالم أجمع وكانت الجزائر العاصمة تُنعتُ بأنها "مكة الثوّار".
-         رغم أن حزبَ الطليعة كان ممنوعًا ومقموعًا بداية من سنة  1969، فقد قدّم مساندة ناقدة لسلطة بومدين  وكرر نفس المساندة في الثمانينيات لنظام بن جديد الليبرالي رغم أن هذا الأخير قمع اليساريين مثلما فعل سلفه. كان حزب الطليعة يُثمِّن النموذج التنموي الذي سيحقق استقلال البلد بواسطة اختيارات تقدمية مثل الثورة الزراعية والتسيير الذاتي للشركات والصحة المجانية [مثل ما أرسَى أحمد بن صالح التعاضد في تونس 1964-1969].
هذه المساندة البرادوكسال الغريبة أضعفت حزب الطليعة الذي انحسر نشاطُه فيما بعد، ثم اتجه اضطرارًا وليس إيمانًا للاستثمار في مجال "حقوق الإنسان البورجوازي" التي طالما نَقَدَها وبشدة ماركس نفسه [كذلك فعل في تونس، حزب حمة الهمامي، وعلى حد علمي لم يفعلها التروتسكيون التونسيون. شيءٌ مضحِكٌ: ستاليني حقوقي؟ "ما اتجِدّشْ على حَدْ وما تَركبشْ خْلاصْ"، صفتان متناقضتان لا يلتقيان حتى لو التقيا الخطان المتوازيان في الفيزياء! وأنا م. ع. ما زلتُ حتى اليوم مع هذا النقد الماركسي لـ" حقوق الإنسان البورجوازي"، نقدٌ صالحٌ حتى اليوم لكنني تخليتُ عن الماركسية في جل أطروحاتها الاستبدادية الأخرى!].
حزب العمال الجزائري (PT) لِلويزا حانون، هذه المناضلة النسائية التروتسكية، التي سُجنت في عهد بن جديد في الثمانينيات، اصطفت فيما بعد وراء بوتفليقة ولم تعارض حكمَه خلال فترات رئاساته الأربع. [كذلك فعل الشيوعيون في مصر، وهم في سجون عبد الناصر بعثوا له برسالة مساندة بعد عودته من باندونڤ ومشاركته "المضفّرة" في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز مع تيتو وشوانلاي.]
-         دخل حزب الطليعة في السرية من سنة 1966 إلى 1989 وكان بمثابة رأس الحربة بالنسبة لنضالات اليسار الجزائري.
-         منذ الاستقلال سنة 1962 حتى تأسيس التعددية الحزبية سنة 1989، عاشت الجزائر تحت نظام الحزب الواحد (le FLN) الذي أجبر كل الأحزاب الأخرى على اللجوء للسرية. في هذه الحقبة كان اليسار يُدارُ من قِبل منظمات تروتسكية وخاصة من قِبل حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS) وريث الحزب الشيوعي الجزائري (PCA) الذي تأسس بدوره سنة 1936 بعد أن انسلخ عن الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF, 1920).
-         [أما في تونس فأقدمُ حزب يساري هو الحزب الشيوعي التونسي (PCT) الذي تأسس سنة 1934 بعد أن انسلخ عن الحزب الشيوعي الفرنسي أيضًا. كان اليسار التونسي عمومًا يُدارُ من قِبل منظمات ستالينية-ماوية وخاصة البوكت (حاليًّا حزب العمال حزب حمة  PCT) والأوطاد (الموحد والثوري) وُرثاء منظمة برسبكتيف-العامل التونسي وكان التروتسكيون في اليسار التونسي أقلية.  يبدو لي أن هذا الاختلاف المذهبي بين اليسار الجزائري (بروتروتسكي) واليسار التونسي (بروستاليني) قد يفسّر لنا البرود التاريخي في العلاقات بينهما].
-         حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS) واليسار الجزائري عمومًا جوبِه ببروز الموجة الإسلامية المجسمة في حزب "جبهة الإنقاذ الإسلامية" (FIS) فانقرض سنة 1990. [كذلك حدث عندنا في تونس وجوبهت أحزابُنا اليسارية ببروز حزب النهضة الإسلامي وكالحرباء غيرت أحزابُنا أسماءها ولوّنت خطاباتها، وللأسف لم تنقرض، ويا ليتها انقرضت في صيغتها الستالينية المتخلفة].
-         من أسباب انقراض حزب الطليعة الاشتراكي (PAGS): توظيفه من قِبل السلطة الحاكمة لضرب الإسلاميين. تسلل البوليس داخله. انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي. تَخَلَّى اليسارُ عمومًا عن تناقضه الرئيسي مع السلطة والرأسمالية، وكرّس نضالَه وحصره في نقد وثلب عموم البروليتاريا المتعاطفين مع الأحزاب الإسلامية مما أفقده شعبيته، فتحول تناقضُه الرئيسي إلى تناقض ثانوي، وفي المقابل تحول تناقضه الثانوي مع الإسلاميين إلى تناقض رئيسي، واختلطت على اليسار سُبل الاهتداء إلى الرؤيا الماركسية المركزية الأساسية الواضحة، أي الصراع الطبقي ومعاداة البورجوازية الوطنية الكمبرادورية الاستغلالية ومعها حليفتها الإمبريالية العالمية المهيمنة. همّشَ نفسَه المسكينُ ولم يُهمّشْه أحدٌ! "جَنَتْ على نفسها براقش ولم يجنِ عليها أحدْ" [نفس الأسباب عندنا في تونس أدّت إلى نفس النتائج بل ظهرت وبصفة أوضح في استقطاب وجوه يسارية معروفة وتدجينها من قِبل نظام بن علي مثل محمد الشرفي، منصر الرويسي، صالح البكاري، سمير لعبيدي، إلخ. وتوظيفها لضرب الإسلاميين].

2.     ما هي الانقسامات التي تشق المجتمع الجزائري؟
-         الصراعُ لم يعد بين يسار ويمين بل تحول إلى خلاف بين نموذج الدولة الجمهورية ونموذج الدولة الدينية.
-         صراعٌ بين الأغنياء المستفيدين من العائدات النفطية وبين العمال والموظفين بجميع توجهاتهم السياسية، يسارية كانت أو إسلامية.
-         صراعٌ بين مناصري بوتفليقة المسمّون "الشيّاتين" الذين قد يكونوا  من اليسار ومن اليمين، علمانيين أو إسلاميين، وبين  معارضِي بوتفليقة الذين قد يكونوا أيضًا من اليسار ومن اليمين، علمانيين أو إسلاميين.
-          صراعٌ جديدٌ أفرزته "العشرية السوداء"، صراعٌ بين وجهات النظر المتناقضة حول العلاقة بين الدين والسياسة.

3.     هل تأقلم اليسار الجزائري مع وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة؟
-         أغلبية اليساريين، وأكثرهم من جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، معادون لوسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة أو يستعملونها بصفة عتيقة وعقيمة، وذلك ناتج عن تشاؤمهم [والتشاؤم من شيم الجبناء].
-         غياب اليسار عن ساحات  النضالات الشعبية فسح المجال لـ"مُترَفيها ففسقوا فيها". تغطرست سلطة رأس المال لأنها لم تجد خصمًا قويًّا يصمد أمامها. [المفروض أن يكون هذا الخصم هو اليسار، ولكن للأسف غرقَ يسارنا التونسي ومثيلُه الجزائري في مسائل ثانوية (لم أقل غير مهمة) مثل حرية المعتقد وحقوق الأقليات والمساواة في الإرث والمدارس القرآنية، إلخ.].

 4. كيف عاش اليسار الجزائري "الربيع العربي" في 2011؟

الديمقراطيون التونسيون تظاهروا جنبًا إلى جنبٍ مع الإسلاميين ونظراؤهم المصريون جنب "الإخوان المسلمون" واليسار المغربي مع "العدل والإحسان".

في الجزائر، حضور على بالحاج (FIS) في المسيرة أنهى الحراك فورًا (La mobilisation de la gauche).

خاتمة: أمام اليساريين في تونس والجزائر فسحة من الأملِ شاسعة جدًّا لو كانوا يعقلون و"طالما استمرّ الاستغلال والتفاوت الطبقي في المجتمع فالفكر اليساري لا يمكن أن يموت".
[رأيي الشخصي: الفكرُ اليساريُّ لا يمكن أن يموت لو آمن بالنقد الذاتي ولو تماهى جدليًّا (Interaction) مع هوية شعبه الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وكما أكّد الفيلسوف اليساري المغربي: "لا أحدَ مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعِه. لكن إذا ما قرّر أن يفعلَ، في أي ظرفٍ كان، فعليه إذن أن يتكلمَ بلسانِه (المجتمع)، أن ينطقَ بمنطقِه، أن يخضعَ لقانونِه."]

المصدر:
Le Monde diplomatique, février 2019, Extrait de l`article «Un courant politique affaibli par la “décennie noire”. Hébétude de la gauche algérienne», par Arezki Metref, envoyé spécial, pp. 22 & 23

إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 9 فيفري 2019.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire