mardi 5 février 2019

هل الشعب هو الذي يكتب دستوره أو الدستور هو الذي يخلق شعبه! مواطن العالَم



حكمة اليوم قالها أستاذ فلسفة قدير متقاعد، سمعتها أثناء الجلسة الصباحية في الطاولة الثقافية بمقهى حمام الشط الغربية، أكررها مع أنني لم أتمكن من تملّكها بعد، لا للَبس فيها وإنما لنقص في ثقافتي الفلسفية ومع ذلك سأحاول إعطاء أمثلة تدلل على وجاهتها:
-         دستور اليابان الحديث كتبه المنتصرون الأمريكيون من ألِفِه إلى يائِه وهذا الدستور المستورَد هو مؤسس الدولة اليابانية المتقدمة والغنية والمزدهرة دومًا. مضى عليه نصف قرن ولم يُحرّف فيه حرفٌ واحدٌ رغم مطالبة اليابانيين الوطنيين بتغييره أو تعديله.
-         دستور فرنسا، مؤسس الجمهورية الخامسة 1958، كتبه اثنان، العسكري شارل ديڤول والحقوقي ميشيل دوبري.
-         دستور أمريكا، كتبه 55 أب مؤسس. دستور خلق شعبا أمريكيا موحّدا ومتماسكا انطلاقا من شتات مهاجرين من شتى الدول والأديان والقوميات والأعراق والألوان. دستور لائكي مائة بالمائة متعايش مع شعب متدين بامتياز رغم حرية المعتقد التي يكفلها هذا الدستور في أول بنوده المشهورة. دستور تكون الدولة فيه في خدمة الشعب وليس العكس، يحترمه الشعب الأمريكي بأكمله ويقدسه رغم تعدد أديان هذا الأخير وتعدد قومياته وألوانه وثقافاته وحضاراته الأصلية.
-         حادثة أمريكية معبّرة: في مرة من المرات خالف مجلس ولاية من الولايات المتحدة هذا الدستور ورفض تسجيل أطفال سود في مدرسة بيض. رفع أولياء هؤلاء التلاميذ تظلما إلى المحكمة الفدرالية فحكمت لفائدتهم لكن الوالي المعنِي رفض تنفيذ الحكم الفدرالي فأعلن رئيس الولايات المتحدة الاستنفار العام من أجل تطبيق الدستور بحذافيره.

إضافة ثلاث حجج - قوية حسب رأيي - تسند وجهة النظر أعلاه:
1.    القرآن الكريم، دستور المسلمين الأوائل، وحيٌ إلهيٌّ أملاه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان دستورا مؤسسا للدولة والأمة الإسلامية. امتدحه فيلسوف الثورة الفرنسية جان جاك روسّو لأنه جمع وصالح بين الدين والسياسة.
2.    ليكورڤ (Lycurgue, IXe siècle av. J.-C)، كاتِب دستور سبارتا الإغريقية اليونانية، انتحر عندما طلبوا منه تعديل الدستور لأغراض فئوية ضيقة وفضّل الموت جُوعًا على خيانة الدستور.
3.    قال الأمريكان: يكون من الأفضل لنا أن نحافظ على دستورنا رغم مَساوئِه ورغم قِدمه (هو واحد من أقدم الدساتير المكتوبة والمطبقة إلى يومنا هذا) عوض أن نحسّنه ونطوّره بإضافة بنود وجيهة تساير العصر الحديث.

الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي أو بالحيلة، والحيلةُ تُعتبر عنفا مقنّعا.
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ فراغٍ، لا أكثر ولا أقل، وهوايةٌ أمارسها وأستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن أن يتخيلها إلا مَن ذاقَ حلاوَتَها.

تاريخ أول نشر على مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية: حمام الشط في 22 فيفري 2013.

إضافة بتاريخ  اليوم 6 فيفري 2019: تحية تربوية دائمة ومتجددة لزملائي الأساتذة في يوم غضبهم من أجل حقوقهم.
يُحكَى أن في ألمانيا: المربون يتقاضون أعلى أجرةٍ في الوظيفة العمومية، وعندما طالب الأطباء والمهندسون بالتنظيرِ في الأجر والمساواة مع المربّين، ردّت عليهم العظيمة ميركل: "كيف أساويكُم بمَن علّموكُم؟". جملة رائعة ومعبّرة سواء قالتها ميركل أو لم تقلْها. أضفتُ لها لقب "العظيمة" - وما عظيم إلا الله - لأنها "أَطْعَمَت مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَت مِنْ خَوْفٍ"، وفي ظروف لائقة، مليون لاجئ سوري مسلم، فعلٌ إنسانيٌّ عظيمٌ لم يأتِه خادم الحرمين ولا غيره من ملوك ورؤساء العرب والمسلمين بغض النظر عما ستجنيه هي وألمانيا من فوائد. 



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire