lundi 4 février 2019

رئيس اللجنة، شفيق صرصار يَمنحُ شهادةَ الماجستيرْ بملاحظةِ حَسَنْ لباحثٍ غير جمني أنجزَ بحثًا علميًّا حول تجربةِ جمنة. مواطن العالَم، يسار ما قبل ماركس، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً



الموعد، الاثنين 4 فيفري 2019، التاسعة صباًحًا بكلية الحقوق والعلوم السياسية بالعاصمة. وَقَعَ تأخيرٌ بساعتين إلا ربع. كيف قضيتُ وقت الانتظار؟
انطلق نقاشٌ جدي مع أحد المدعوّين، المهندس (ENIT) الصغير الصالحي (طلبتُ إذنَه قبل نشر اسمه):
-         قال: قبل الجلاء الزراعي في12  ماي 1964، كانت تونس تصدِّر القمحَ، عامًا بعده أصبحت تستورده.
-         هل كان القرارُ الثوري لبورڤيبة قرارًا غير ثوريٍّ؟
-         أولاً هو عملية بيع وشراء، لا ثورة ولا "دياولو": بورڤيبة اشترى من المعمّرين الفرنسيين ضيعاتـ"هم" (800 ألف هكتار من أفضل الأراضي التونسية الخصبة في الشمال والجنوب، ثم وهب منها 300 ألف للمَؤَلَّفَةِ قلوبهم من المناضلين الدساترة والدساترة غير المناضلين). شَرَى الهكتار الواحد بعشرة أضعافه (بِسعر الهكتار آنذاك في فرنسا) حتى يتمكن الفلاحون الفرنسيون من شراء أراضٍ في بلادهم ومواصلة فلاحتهم. الاستعمار الفرنسي كان استعمارًا فلاحيًّا مُمَكنَنًا بالأساس ثم ثقافيًّا ثم صناعيًّا استخراجيًّا منجميًّا.
ثانيًا، زُمرة بورڤيبة كانت خرّيجة عربية وحقوق ولم يكن بينهم اقتصاديٌّ واحدٌ، حتى نويرة كان خرّيجَ حقوقٍ.
-         هل تقصد أنه لو لم يفعلها لكان أفضل؟
-         يؤجلها فقط ولا يلغيها. انتهى الحوار.

فجأة سمعتُ طالبةً تَخطُبُ (لمين لنهدي: تخطب فيَّ نا؟)، اقتربتُ من الصوت ظنًّا مني أنني سأفوز بالمشاركة في اجتماع طُلاّبي عام (AG) يذكّري بما فعلتُه مرة واحدة في حياتي سنة 1973 (خطبتُ ضد أمريكا مساندةً لفياتنامْ في ENSET). ماذا رأيتُ؟ طالبة "اصْغَيْرَة واضْعَيْفَة" تعتلي حجرًا مستندةً بيدها على كتف زميلها الغُرمولِ، بحّ صوتها ولم يسمعها أحدٌ غيري، زملاؤها يحتسون القهوة دون أن ينتبهوا تمامًا لِما تقول، التفتُّ لمرافقي عبد المجيد بالحاج وقلتُ له ساخرًا: "هذا هو ما يُسمّونه نضالاً!". بصراحة، لم أتبيّن فحوى خطابِها، ربما تكون قضيتها مهمّة؟
أنهتْ المناضلة خُطبتَها العصماء، نزلت من عليائها وقالت: "أمرّرُ الكلمة لرفيقي فلان".
صعد الرفيق ودون سند انتصب فوق الحجر ثم توكّلَ على الله ونطقَ "حكمةً": "تبًّا لِقومٍ نساؤهم تُنتهَكُ ورجالُهم يتباهون بانتصار أعضائهم".

جاء الموعدُ، التحقتُ بقاعة العرض: الحضور 35 فرد (10 نساء + 25 رجل، منهم واحدٌ قرقني صديقُ جمنة الأكبَرُ والأخلَصُ و7 جمنين-4 من تونس و3 قَدِموا خصيصًا من جمنة، فيهم عضوين من "جمعية حماية واحات جمنة").
رئيس اللجنة: شفيق صرصار، أستاذ القانون الدستوري والرئيس السابق للجنة انتخابات 2014.
المعذرة، ديونتولوجيا الجامعة تمنعني من نقل ملاحظات اللجنة حول البحث، خاصة بعد ما سمعتُ الأستاذ صرصار يمنع بلطفٍ المصورَ من تسجيلها.
الخلاصة: نقدٌ لاذعٌ لم يمنع منح الطالب ملاحظة حسن (في أوروبا، تخلّوا عن إسناد الملاحظات في الماجستير والدكتورا مبرّرين قرارهم بأن البحث العلمي هو بحثٌ مهمٌّ مهما كانت نتائجُه وأنا أبارك قرارهم العلمي هذا).
حكمة عامة قالها رئيس اللجنة: (Introduire, c`est séduire ثم أضاف: الاستفتاء يكون حول قرار وليس حول شخص أو قائمة أشخاص.  
حكمة عامة أخرى قالها عضو من اللجنة: النظام السياسي التونسي ليس نظامًا نيوليبراليًّا متوحّشًا وإلا ماذا نقول على أمريكا؟ في تونس: التعليم "مجاني"، الصحة "مجانية"، المواد الغذائية الأساسية والمحروقات مدعّمة من قِبل الدولة. ، ثم أضاف: وددتُ لو كان عنوان الرسالة "الاقتصاد التضامني، ولادة عسيرة" أو "تجربة جمنة، مولودُ الثورةِ الجديدُ، لم يُحظَ برعايةٍ من قِبل الدولة".

خاتمة: تهانيَّ الحارّة لصديقي الباحث علي كنيس، الناشط بالمجتمع المدني والمسانِد المتحمّس الناجِع لقضية جمنة، وأتمنى عليه مواصلة بحثه وتعميقه في رسالة دكتورا، تحياتي يا دكتور المستقبل.

ملاحظة عابرة: استشرافٌ علميٌّ وليس تَنَبُّؤًا: في حمام الشط 4 جانفي 2010، نشرتُ مقالاً في الفيسبوك تحت عنوان "جمنة الستينات تعطي درسًا في الطب النفسي الحديث: الساسي بِنِحْمِدْ". قلتُ فيه: "لنفرض جدلاً أن أحد علمائنا قام ببحثٍ حول "الساسي بن احمد" والبيئة الاجتماعية-الصحية التي عاش فيها لأنتجَ نظريةً جديدةً في العلاج النفسي وأرسَى لعلمٍ يُدرس في أرقى الجامعات الأمريكية ولَهاجرَ علماؤهم وزاروا جمنة وأقاموا فيها المؤتمرات العلمية".
تحققَ استشرافي والحمد لله، وهاهم علماء اليومَ يتوافدون على جمنة قادمين من القارّات الأربع (ما زالت أستراليا، لقد وصلها كتابي حول جمنة، أنا متأكد، أهديتُه لأخ زوجتي المقيم بأستراليا)، أتَوا من كل حدٍ وصوبْ، لا لدراسة حالة الساسي بِنِحْمِدْ ("مهبول" القرية، الله يرحمه)، بل أتَوا للبحث العلمي حول تجربتنا الرائدة والنوعية في الاقتصاد التضامني، وإن شاء الله مزيدٌ من التألقِ والنجاحِ يا "جميلة أحبها واسمها جمنة".

إمضاء مواطن العالَم
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 5 فيفري 2019.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire