فقرة من كتابي الأخير والآخِر "الإشكاليات العامة
في النظام التربوي التونسي، سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956 -
2016)"، صدر سنة 2017، وهذا نص ما وَرَدَ في غلاف الكتاب:
سيرة ذاتيّة وغير ذاتية، موضوعية وغير موضوعية:
مواطن العالَم د. محمد كشكار، أستاذ تعليم ثانوي متقاعد: قد يكون " التشاؤم هو شكل أقصى من النّقد" لكنني سأبقى دومًا متفائلاً،
وذلك لسببينِ اثنينِ لا ثالث لهما (على الأقل الآن): الأول، يتجدّد الإنسان
بيولوجيًّا عند كل وِلادةٍ ويأتي للحياةِ قابلاً للتشكّلِ من جديدٍ مع التأكيد -
ورغم براءة الرضيع - أنه ليس صفحةً بيضاءَ، فله موروثٌ جينِي، نسبيّا
وجزئيّا محدّدٌ لشخصيته المستقبلية بالتفاعل مع محيطه ومكتسباته، وله اسمٌ ووالدانِ ودينٌ وثقافةٌ وبلدٌ ولونُ بَشرةٍ
وجنسٌ ومناخٌ ومستوى اجتماعِي، إلخ. السبب الثاني، أنا أومن بمفهوم الانبثاق (L`émergence) الذي علمني عدمَ الرضوخِ
للواقع مهما كان هذا الواقعُ تعيسًا، وما أحلامُ اليومِ إلا حقائقُ الغدِ،
وانبثاقُ تجربةِ جمنة في تونس أحسن تبريرٍ وجيهٍ لتفاؤلِي بالمستقبلِ الواعدِ
دومًا رغم ما رافق ولادة هذه التجربة من آلامِ المَخاضِ و"ربي يخلص وحَلْها
عن قريب".
عندما يقدِّم المثقفُ نفسَه إلى الغيرِ، يحاول عادة تجميلَها،
وإذا كان موضوعيًّا، فقد يحاول إبرازَ التجارب الناجحة فيها، ويرنو في داخله إلى
إبهارِ غيره وافتكاكِ إعجابِ هذا الأخير
واعترافه به مثقفًا. أما أنا فلا أملِك في حياتي إلا التجاربَ الفاشلةَ
أعرضُها للتفكيرِ والعِبرةِ وعدم الوقوعِ في نفسِ الخطأ، فمِن حسن حظي إذن أنني لن
أبهرَ المتلقِّي ولا أرغبُ في ذلك وليست لي القدرةُ على ذلك حتى ولو طمعتُ في ذلك،
ليس تواضعًا مجمِّلا لشخصيتي بل اقتناعًا ديداكتيكيًّا منِّي بتجنبِ خلقِ عائقٍ
جديد لدي سامِعِي، وما خُلِقتْ الديداكتيكْ (فلسفة التعلّم) إلا لإزالةِ العوائقِ
وليس لخلقَها.
سِيرةٌ ذاتيةٌ فاشلةٌ لا يُحتذَى بها على الإطلاق، وعلى كل
المستويات، الدراسي والعلمي والاجتماعي والسياسي والثقافي:
-
مسارٌ
دراسيٌّ متعثِّرٌ ومُمَطَّطٌ: في سن 22 تخرجتُ أستاذ إعدادي (ENPA, Tunis, 1974, CAPES
sans Bac)، في سن
28 باكالوريا جزائرية (Annaba, 1980)، في سن 30 عام فلسفة في فرنسا بالمراسلة (Université de Reims, France, 1983) تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل المالية
لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم أقدر على
مواجهتِها، في سن 41 الأستاذية في علوم الحياة والأرض (ISEFC, Tunis, 1993)، في سن 48 ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك
البيولوجيا (ISEFC, Tunis, 2000)، في سن 55 دكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (UCBL1, France, 2007).
-
مسارٌ
علميٌّ مَبتورٌ: لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة الدكتورا لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في الاختصاص بل هي تمثل
بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي. أنا تحصلتُ على بطاقة دخول وكالتلميذ المتنطع
خرجتُ من الجامعة ولم ألتحق بقاعة المخبر.
-
مسارٌ
اجتماعيٌّ بدأ بالفقر، أي موظف عمومي متوسط وانتهى بالفقر أستاذ تعليم ثانوي
متقاعد.
-
مسارٌ
سياسيٌّ على هامش النضال السياسي، أعتبر نفسي معارضًا في عهد بورڤيبة وبن علي
لكنني لم أنتمِ في حياتي لأي حزبٍ معارِضٍ، خوفٌ مُشرَّبٌ باستقلاليةٍ فكريةٍ
صادقةٍ، وكما قال القِدّيسُ أو
الروح العظيمة، المهاتما غاندي: "لو أجبِرتُ على الاختيارِ بين العُنفِ
والجُبنِ، لَنصحتُ باختيارِ العُنفِ".
-
مسارٌ
ثقافيٌّ: المجالات الثقافية التي أجهلها تُعدّ بالعشرات ولا أعرف إلا مجالاً
واحدًا أحدًا وهو علوم التربية، وداخل هذه العلوم لا أعرف إلا علمًا واحدًا أحدًا
هو علم الديداكتيك، وداخل هذا العلم لا أعرف إلا فرعًا واحدًا أحدًا هو ديداكتيك
البيولوجيا.
-
أجهل اللغة
الأنڤليزية وعدم إتقانها هو بمثابة فقر دم الثقافة. أجهل الفلسفة ما عدى فلسفة
البيولوجيا. أجهل علوم الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفقه، إلخ.
-
لم
أربِّ أذنِي ولا عينِي، ولم أصقل ذوقي على سماع السمفونيات أو الشعر ولا على
الاستمتاع باللوحات الفنية.
-
أنا رجلُ فكرٍ ولستُ رجلَ
سياسة ولا طموحَ لي ولا رغبة إلا في القراءة والكتابة والنشر بكل متعة وحريةٍ
واستقلاليةٍ وأنانيةٍ وذاتيةٍ وفرديةٍ، ولا أقدر على غير ذلك.
-
أنا صوفِي النزعة بمقياس
القرن 21 ولا أرى لأفكاري أي تأثيرٍ على المجتمع إلا مَن رَحِمَ ربي.
-
أنا أعشق الروتين الذي
أعيش فيه وأسعد به في حمام الشط: صباحًا مطالعة في مقهى الشيحي، مساءً نقاشٌ فلسفي
في مقهى أمازونيا مع أفضل أستاذ فلسفة صاحبته في حياتي، زميل التقاعد الجديد حبيب
بن حميدة، وبين المقهَيَيْنِ كتابةٌ ونشرٌ وتمتعٌ واستمتاعٌ بأعز الناس، مثل الفلاسفة
الثلاثة إدڤار موران وميشيل سارْ وميشيل أونفري والعالِمان السياسيان فرانسوا
بورڤات وجورج قرم وعالِم الوراثة ألبير جاكار وغيرهم كثير في اليوتوب "الله يرحم
والديه"، وفي الليل أرضخُ لذوق زوجتي المصون وألغِي عقلي وأستسلم لأتفه الناس
في برامج "لباس" و"كلام الناس" و"أمور جدية" وما
شابه.
-
لقد تجنبتُ قصدًا تقمّصَ دورَ الضحية (Le syndrome de victimisation) واكتفيتُ بسردِ سِيرتي
الذاتية دون زيادةٍ أو نقصانٍ، لأن كل ضحية ليست عادة بريئة مائة في المائة كما تدّعي
هي، أو كما قد يتبادر إلى أذهانِ المتعاطفين معها، ولأن داخل كل ضحيةٍ كبيرةٍ يوجد
جلادٌ صغيرٌ، أو بمعنى أوضح أنا أتحمل جزئيًّا ونسبيًّا المسؤولية في ما أحاق بي
من فشلٍ طِوالَ مسيرتي في الحياة.
-
إمضائي: "وإذا كانت
كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
صَدَرَ لِي أربعةُ كُتُبٍ:
1. Enseigner
des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout
génétique"? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes
.(PUE), 2010 رابطه الرقمي: https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-00495610/document
2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne
comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas», Édition libre, 2016
3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، 2016
4.
الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع
التدريس (1956-2016)، طبعة حرة،
2017
ملاحظة 1: هذا إعلامٌ وليس إشهارًا والدليلُ: مَن
يُكلّفُ نفسَه عناءَ التنقل ويتصل بي في مقهى الشيحي صباحًا بحمام الشط، أُهدِيه
مجموعتِي وفوقَها شكرًا على الاهتمامِ بما أنشرُ.
ملاحظة 2، (ملاحظة بارادوكسال):
- يبدو paradoxal أنني أكثرتُ أخيرًا من استعمال كلمة
"بارادوكسال" والسبب هو الآتي: أولاً لأنني لم أجدْ لها مرادِفًا
مشحونًا بالمعنى مثلها ولا يُقنعني كثيرًا مرادِفُها العربي المستعمَل، أعني به كلمة
"مفارَقة"، وثانيًا وهذا عندي هو الأهم، أنا "شايَخْ" على
كلمة "بارادوكسال" وأتمنّى على مَجمعَيْ اللغة العربية بالقاهرة ودمشق
أن يُضيفا حرفيًّا كلمة
"بارادوكسال"إلى المعجم العربي الموحّد والمحيَّن لو كان للعرب معجمٌ
موحّدٌ ومحيَّنٌ بعد معجمِ لسان العرب لابن منظور، 1308م.
- ضحك
الفيلسوف الفرنسي ميشيل سارّ (2001) من المشروع الفرعوني للرئيس فرانسوا ميتران
المتمثل في تشييد "المكتبة الكبرى"
في باريس (La Grande Bibliothèque)، وقال عنه: "إنه
مشروعٌ ضخمٌ، مُكلِفٌ، عبثيٌّ وغير مفيدٍ. يبدو أن صانعي القرار من الرؤساء
والملوك المتشبهين بالفراعنة يصِرّون - رَغمَ فقرِ شعوبِهم - على تبديدِ أموالِ دافِعِي الضرائِبِ فيما لا ينفع دافِعِي الضرائِبِ ولن ينفعَ أيضًا أولادَ دافِعِي الضرائِبِ"، ثم أضاف
قائلاً: "لماذا
نوزعُ على مكتباتِ العالَم ملايينَ النسخِ الورقيةِ من كتابٍ واحدٍ ونُجمِّعُها في
الرفوفِ لا يقرؤها أحدٌ من جيلِ المستقبلِ، ونسخةٌ رقميةٌ واحدةٌ منه منشورةٌ على
الأنترنات تكفي لمليار قارئ محتملٍ في جميع أنحاء الأرض، المعمورةِ منها والمهجورةِ؟".
اقتناعًا بما قاله الفيلسوف وللأسباب
الآتي ذكرها قررت أن لا أنشر أي كتابٍ من الـ13 الجاهزة عندي الآن إلى أن يأتي ما
يُخالف ذلك أو يُفتَح في وجهي باب العرش: جشعُ دور النشر وعجزي المادي عن النشر
على حسابي الخاص والذل الرمزي الذي تعرّضتُ له شخصيًّا عند توزيع كتابَين من كُتبي
الأربعة لدى مصالح وزارة الثقافة ووزارة التربية والمكتبات الخاصة والنقابات
باستثناء نقابي واحد فقط وهو صديقي محمد المسلمي، عضو المكتب التنفيذي الذي عاملني
معاملة راقية جدّا جدّا جدّا.
إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا
الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى
الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La
spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت
كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى
فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 16 فيفري
2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire