dimanche 24 février 2019

وجهة نظر في الجانب الدنيويّ من الدرس الذي يسبق خطبة الجمعة. اجتهاد مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 28 نوفمبر 2008.

لست من أهل الاختصاص في المسائل الفقهيّة ولكن  موضوعات الدرس الذي يسبق عادة خطبة الجمعة تهمني لأنها تهتمّ بشؤن الدنيا. لذا رأيت من واجبي الكتابة فيها، مساهمة مني في الارتقاء بالمستوي العلميّ لهذا الدرس.
أبدأ بتقديم معلومات حول خطبة الجمعة أستقيتها دون بحث طويل ودون تفضيل من موقع في الأنترنات عنوانه "خطبة الجمعة و دورها في تربية الأمّة" للدكتور عبد الغنيّ أحمد جبر مزهر الذي يقول فيها الآتي :

-         "تتميّز خطبة الجمعة بالاستمرارية والتكرار في كل أسبوع, ففي العام الواحد يستمع المصلي لاثنين وخمسين خطبة, و هذا يمثّل مساقا دراسيا كاملا, فإذا أحسن إعداده كانت آثاره جليلة و ثمراته عظيمة (...).
-          تتميّز بتنوّع الحاضرين فيها, باختلاف مستوياتهم و طبقاتهم العلميّة والاجتماعيّة (...).
-         من مقوّمات الخطيب علمه وثقافته (...).
-          المناسبة (الحدث) لها أثر كبير في تحديد المنطلق الرئيس لموضوع الخطبة (...). لا بد للخطيب أن يقصد هدفا محدّدا بالذات من خطبته, وهذا يجعله لا يصعد المنبر بصورة تلقائيّة رتيبة ليقول ما يخطر على باله.
-         وخطبة الجمعة, هدفها النهائيّ الموعظة وتربية الأمّة  (...).
-         ومن الأمور التي تساعد الخطيب على إعداد الخطبة واختيار الموضوعات المؤثّرة: الأحداث اليومية والأخبار التي يسمعها وما يقرؤه في الصحف والمجلاّت وما قرأ من الكتب والمؤلّفات ومسائل الناس ومشكلاتهم التي يسألونه عنها ويطلبون رأيه فيها (...). ومن المفيد أن يتمّ اختيار الموضوع في بعض الأحيان بناء على استشارة عدد من المصلّين الذين يحضرون خطبه غالبا (ديمقراطية اختيار موضوع خطبة الجمعة)".
-         انتهى الاستشهاد بالدكتور عبد الغنيّ أحمد جبر مزهر.

لنترك جانبًا الإمام الكلاسيكي المختصّ في الدين وهو موظّف قار ولن أتدخّل في دوره لأنني غير مختصّ في الدين، وأقترح في كل جمعة، وبعد تنسيق وإعداد مسبق, استدعاء متدخّل من بين المواظبين على الصلاة - يُختار هذا الشخص تحت إشراف الإمام ويكون محل ثقته  وثقة مرتادي الجامع ومن الأفضل أن يكون مختصّا في فرع من فروع العلم ومتطوّعا غير قار لأن "من مقوّمات الخطيب علمه وثقافته"، والعلم والثقافة يحتويان مجموعة اختصاصات لا يمكن أن يلمّ بها ويتقنها شخص واحد، لا سيّما في عصرنا هذا، ولا يُعقل أن يصمت المصلّي المختصّ وهو يسمع خطيبا غير مختصّ يشرح ويحلّل ويعظ ويرشد في "مسائل الناس ومشكلاتهم (الدنيويّة) التي يسألونه عنها ويطلبون رأيه فيها".

على سبيل الذكر لا الحصر, أسوق أمثلة تجسّم الموضوعات الدنيويّة التي يُرجى أن يتدخّل فيها الضيف الخطيب العالِم الدنيوي في درس الجمعة الدنيوي الذي يسبق خطبة الجمعة الدينية:

1.     ما أحوجنا كلنا لتوصيات خطيب مختصّ في كتابة عقود البيع والشّراء ونحن نتعرّض يوميا للاحتيال باسم القانون.
2.     في افتتاح السنة الدراسية: لماذا لا نأتي بخطيب مختصّ في علوم التربية يشرح للناس كيفيّة تهيئة ابنائهم لعام دراسي ناجح؟
3.     بمناسبة الأزمة الماليّة العالميّة: لماذا لا نستدعي خطيبا خبيرا في الشؤون الماليّة يشرح للناس أسباب الأزمة ونتائجها؟
4.     إثر انتشار مرض معيّن في العالم أو في البلاد: لماذا لا نرحّب بخطيب طبيب في الجامع يُطَمْئن الناس وينصحهم بما يجب فعله في مثل هذه الظروف؟
5.     في موسم الحج: لماذا لا ندعو خطيبا مختصّا في الطبّ الوقائيّ، يشرح للمرشّحين للحج فوائد التلقيح أو كيفية اتّقاء ارتفاع درجة الحرارة في الأراضي المقدسة؟
6.     قبل رمضان: لماذا لا نستقدم خطيبا مختصّا في التغذية يحذّر المرضى وكبار السن والمعذورين شرعيا من مخاطر الصوم على صحتهم وعلى صحة من يقوم عليهم؟
7.     قبل فصل الصيف و كثرة حركة السيارات: لماذا لا نستفيد بعلم وتجربة خطيب خبير في حوادث الطرقات، هذه الحوادث التي تقضي سنويا على 36 ألف بشر وتصيب 400 ألف مواطن في جملة البلدان العربية؟
8.     قبل موسم الأفراح: لماذا لا نستضيف خطيبًا خبيرًا في التلوّث الصوتيّ ينبئنا عن مضارّ الضجيج المنبعث من مكبرات الصوت؟
9.     في اختتام السنة الدراسية: لماذا لا نستدعي خطيبا عالِم نفس يفسر للأولياء أسباب النجاح والفشل الدّراسي و كيفيّة التعامل مع أبنائهم في الوضعيّتين؟

لقارئ أن يرد و يقول: "هذه موضوعات محاضرات علميّة مختصّة تُلقى في دور الثقافة والجامعات"، أجيبه مسبقًا: ما الضّرر لو يصبح الجامع دار دين ومنارة علم في آن؟

بالله عليك، أيها القارئ الكريم، تصوّر معي واحلم - ولو للحظة - بالفائدة التي قد تحصل لمواطن مسلم مواظب على خطبة الجمعة عندما يتلقّى اثنين وخمسين تدخّلا علميّا  ولو لعشر دقائق في الأسبوع  في مجالات علمية مختلفة خلال سنة على يد مختصّين "وهذا يمثل في حد ذاته مساقًا دراسيًّا كاملا" قد تتخرّج منه أجيال بدرجة علمية محترمة، خاصة وأن كثيرًا من المصلين لا يرتادون دُورَ الثقافة لانشغالهم بعملهم، ومنهم من لم يسعفه النظام التربوي وظروفه الخاصّة في الوصول للجامعة.

و لقارئ آخر أن يحتجّ ويتمسّك بتراث السلف الصالح فلا يريد تغييرا حتى ولو كان مفيدا. أجيبه: "في العصور الماضية كانت العلوم قليلة واجتماعها في إمام واحد كان ممكنًا، أضِف إلى ذلك فقد كان ترسيخُ العقيدة يشغل بالهم أكثر من المسائل الدنيويّة والعلميّة".

أنا لا أدّعي أن هذه التدخّلات سوف تعوّض محاضرات الجامعة أو دروس المعهد وهذا غير ممكن عمليّا "لتنوّع المستمعين اليها, باختلاف مستوياتهم وطبقاتهم العلميّة والاجتماعيّة" ولقِصَر زمن الخطبة.
لو قدّر الله وطُبِّقت هذه المبادرة فسوف تمهّد لإرساء ثقافةٍ نحن في أشدّ الحاجة اليها خاصّة في مجتمع ابتعد كثيرا عن القراءة، ثقافةٌ شعبيّةٌ سمعيّةٌ، نفسيّةٌ، تربويّةٌ، صحيّةٌ وحقوقيّةٌ مبسّطةٌ لكنها صحيحةٌ وصادرةٌ عن مختصّين.
قد تفتح هذه المبادرة المجال للعمل الخيريّ وتؤسّس لنمطٍ جديدٍ من التطوّع العلميّ قد يعطي فرصةً لأصحاب المعرفة وجلهم فقراء في بلادنا، فرصةٌ تمكنهم من التصدّقِ بما يملكون من العلم، خاصة وأن العلمَ هو الكنز الوحيد الذي يزيد كلما أنفقتَ منه.  


مواطن العالَم
إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ إعادة نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 25 فيفري 2019.


3 commentaires: